ج1وج2وج3. كتاب الكواكب السائرة بأعيان
المئة العاشرة
النجم الغزي
الطبقة الأولى
في ذكر من وقعت وفاته من المتعينين من
افتتاح سنة إحدى وتسعمائة إلى ختام سنة ثلاث وثلاثين:
المحمدونا - محمد
بن عوجان: محمد بن محمد بن أبي بكر بن علي، الشيخ الإمام، شيخ الإسلام ملك العلماء
الأعلام، كمال الدين أبو المعالي ابن الأمير ناصر الدين بن أبي شريف المقدسي،
المصري، الشافعي، سبط قاضي القضاة، شهاب الدين أحمد العمري ، المالكي الشهير بابن
عوجان. ولد ليلة السبت خامس في الحجة سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة بالقدس الشريف،
ونشأ في عفة، وصيانة، وديانة، ورزانة، وحفظ القرآن العظيم، والشاطبية، والمنهاج
للنووي، وعرضهما على شيخ الإسلام شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني، وقاضي القضاة
محب الدين بن نصر الله الحنبلي، وشيخ الإسلام سعد الدين الديري، وشيخ الإسلام عز
الدين المقدسي في سنة تسع وثلاثين وثمانمائة، ثم حفظ ألفية ابن عالك، وألفية الحديث،
وقرأ القرآن بالروايات على الشيخ أبي القاسم النويري، وسمع عليه، وقرأ في العربية
والأصول والمنطق والعروض واصطلاح أهل الحديث، وأذن له بالتدريس فيها في سنة أربع
وأربعين وثمانمائة، وتفقه على الشيخ العلامة زين الدين ماهر، والشيخ عماد الدين بن
شرف، وحضر عند الشيخ شهاب الدين بن أرسلان، والشيخ عز الدين القدسي، ورحل إلى
القاهرة سنة أربع وأربعين، وأخذ من علمائها منهم ابن حجر، وكتب له إجازة وصفه فيها
بالفاضل البارع الأوحد، وقاضي القضاة الشمس القاياتي، والعر البغدادي وغيرهم، وسمع
الحديث على ابن حجر، والشيخ زين الدين الزركشي الحنبلي، والعز بن الفرات الحنفي
وغيرهم، وتردد إلى القاهرة مرات، وحج بها صحبة القاضي عبد الباسط رئيس المملكة سنة
ثلاث وخمسين، وسمع الحديث بالمدينة المنورة على المحب الطبري وغيره، وبمكة على أبي
الفتح المراغي وغيره، ودرس وأفتى وأشير إليه في حاية شيخه ماهر، وكان يرشد الطلبة
للقراءة عليه حتى ترك هو الإقراء، وفي سنة إحدى وثمانين توجه إلى القاهرة
واستوطنها، وتردد الطلبة والفضلاء، وانتفعوا به، وعظمت هيبته، وارتفعت كلمته، ثم
عاد إلى بيت المقدس بعد أن ولاه السلطان قايتباي الأشرف مدرسته المحدثة بها في سنة
تسعين وثمانمائة، وفي شهر شوال سنة تسعمائة ورد إليه مرسوم شريف أن يكون متكلماً
على الخانقاه الصلاحية بالقدس الشريف، وكان قد تولى مشيختها قبل ذلك مدة، ثم أضيف
إليه التكلم على المدرسة الجوهرية وغيرها لما هو معلوم من ديانته وورعه، وقد
استوفى ترجمته وأحواله تلميذه صاحب الأنس الجليل فيه.
ومن تصانيفه: " الإسعاد بشرح الإرشاد " لابن
المقري، و " الدرر اللوامع بتحرير شرح جمع الجوامع، في الأصول، و "
الفرائد في حل شرح العقائد " ، و " المسامرة بشرح المسايرة " ، وقطعة على
تفسير البيضاوي، وقطعة على المنهاج، وقطعة على صفوة الزبد لشيخه ابن أرسلان وغير
ذلك، ومن إنشاده في بيت المقدس بعد غيبته عنه مدة طويلة ما ذكر في الأنس الجليل
أنه سمع منه بدرب القدس الشريف حين عوده في غرة شهر ذي القعدة سنة تسعمائة. قال لي
بروايتهما:
أحيي بقاع القدس ما هبت الصبا ... فتلك رباع الأنس في زمن
الصبا
وما زلت من شوقي إليها مواصلاً ... سلامي على تلك المعاهد
والربى
واشتهر من شعره في المواضع التي تباح فيها الغيبة:
القدح ليس بغيبة في ستة ... متظلم ومعزف ومحذر
ولمظهر فسقاً ومستفت ومن ... طلب الإعانة في إزالة منكر
ابن الحنبلي الحلبي في تاريخه عن شيخه العلامة شمس الدين
الضيروطي المصري أنه توجه مع الشيخ نور الدين المحلي إلى الشيخ محمد الجلجولي
المعروف بأبي العون " المغربي " ، وأخفى الشيخ نور الدين عن الشيخ أبي
العون أنه من أهل العلم، فقال له الشيخ أبو العون كلاماً معناه أنه لا ينبغي لمن
آتاه الله تعالى شيئاً من فضله أن يخفيه عن الناس، ثم إنه فرش له بساطاً كان في
يده وأجلسه عليه قال وسأله الشيخ نور الدين عن الكمال بن أبي شريف الموافق له في
الأخذ عن ابن أرسلان، فقال الشيخ أبو العون: قد رأينا مكتوباً على ساق العرش محمد
بن أبي شريف من المحبين لأولياء الله تعالى. وكانت وفاته كما قال النعيمي في
عنوانه: في يوم الخميس خامس عشري جمادى الأولى سنة ست وتسعمائة. عن أخويه شيخ
الإسلام البرهان، وكان حينئذ بمصر، والعلامة جلال الدين، وكان عنده بالقدس عن دنيا
طائلة - رحمه الله تعالى - .
2 - محمد المحرقي: محمد بن محمد الشيخ الفاضل ولي الدين ابن
الشيخ العالم محب الدين المحرقي المباشر بالبيمارستان المنصوري بالقاهرة. توفي بها
يوم الخميس ختام ربيع الأول سنة تسع بتقديم المثناة وتسعمائة.
3 - محمد القرافي: محمد بن محمد، الشيخ الإمام العلامة أقضى
القضاة بدر الدين ابن الشيخ العلامة شمس الدين القرافي المالكي، خليفة الحكم
بالديار المصرية. توفي بها يوم الثلاثاء ثالث عشر القعدة سنة اثنتي عشرة وتسعمائة،
ودفن بالصحراء بالقاهرة، وكانت جنازته حافلة.
4 - محمد القيراطي: محمد بن محمد بن إسماعيل، الشيخ الإمام،
العلامة الصالح شمس الدين الشهير بالقيراطي، الدمشقي. ولد في سنة ثلاث وأربعين
وثمانمائة. قال الحمصي: وكان فاضلاً مفنناً، حفظ المنهاج للنووي، والتصحيح الكبير
عليه للشيخ نجم الدين ابن قاضي عجلون. وتوفي ليلة الثلاثاء ثاني عشر رمضان سنة
أربع عشرة وتسعمائة.
5 - محمد التيزيني: محمد بن محمد بن أبي بكر، الشيخ العلامة،
المؤقت شمس الدين التيزيني، الدمشقي. الحنفي. ولد في رجب سنة ثمان وعشرين
وثمانمائة، وكان عنده عقل وتؤدة، وحسن تصرف، وكان رئيس المؤقتين بالجامع الأموي.
توفي يوم السبت ثالث صفر سنة إحدى عشرة وتسعمائة.
6 - محمد الفرفوري: محمد بن محمد بن عبد الله، قاضي القضاة
بدر الدين بن الفرفور الدمشقي. الحنفي، اشتغل يسيراً في الفقه على البرهان بن عون،
ثم ولي كتابة السر عوضاً عن أمين الدين الحسباني، ثم استنزل له عمه قاضي القضاة
شهاب الدين بن الفرفور قاضي القضاة محب الدين الغصيف عن نظر القصاعية وتدريسها،
وأسمعه الحديث على جماعة من الدمشقيين، ثم ولي قضاء القضاة الحنفية بالشام مراراً.
عزل من آخرها في شوال سنة ثلاث عشرة وتسعمائة، وتوفي بعد سنة ست وعشرين وتسعمائة لأن
ابن طولون ذكر أن عمه الولوي بن الفرفور بعثه في صفر إلى صيدا هو والجلال البصروي
في خزينة.
7 - محمد بن هشام: محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله،
الشيخ العلامة محب الدين الشهير بابن هشام، النحوي، المصري نزيل دمشق. ولد في
جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، وتفقه بالعلامة قاسم بن قطلوبغا،
والعلامة تقي الدين الشمني وغيرهما، وأخذ النحو عنهما أيضاً، والحديث عن ابن حجر
وغيره، وكان علامة. وتوفي يوم السبت رابع القعدة سنة سبع وتسعمائة، ودفن في جوار
المزار المعروف بسيدي بلال رضي الله تعالى عنه بمقبرة باب الصغير.
8 - محمد بن عطية الإسكندري: محمد بن محمد بن علي بن صالح بن
عثمان ابن أبي الفتح بن عمر بن عبد الرحمن بن علي بن محمد بن عبد الله بن عطية بن
عبد الصمد بن علي بن عبد المعطي بن أحمد بن يحيى بن موسى بن حمزة بن عبد الرحمن بن
عبد الرحيم بن محمود بن محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أحد العشرة رضي الله
تعالى عنهم أجمعين، الشيخ الإمام العارف بالله، الفقيه اللغوي، المحدث المسند،
المعمر، المرشد، المسلك المربي، القدوة أبو الفتح شمس الدين السكندري المولد،
الآفاقي المنشأ، العاتكي المزي الشافعي المذهب، العوفي النسب، الصوفي المشرب. قيل: ولد في
الإسكندرية في أول شهر المحرم سنة ثمان عشرة وثمانمائة، وقرأت بخطه أنه ولد عاشر
المحرم سنة عشرة وثمانمائة، ولما حملت والدته دخل والده الشيخ بدر الدين العوفي
على الشيخ الإمام العارف بالله تعالى الشيخ عبد الرحمن الشبريسي وسأله لها الدعاء،
فقال له: إن زوجتك آمنة معها ولدان أحدهما يموت بعد سبعة أيام والآخر يعيش زماناً
طويلاً، وسمه بأبي الفتح، وسيكون له فتح من الله تعالى، وتوكل على الله وسير إلى
الله. يعيش سعيداً، ويموت شهيداً. يخرج
من الدنيا كيوم ولدته أمه يضع قممه على جبل قاف المحيط يسوح زماناً، وينال من الله
أماناً، فاستوص به خيراً، واصبر عليه، وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً، فلما
وضعته أمه كان الأمر كما قال الشيخ عبد الرحمن، فصنع والده وليمة بعد تمام أربعين
يوما من ولادته، ودعا الشيخ عبد الرحمن وجماعة من الفقراء والصالدين وأضافهم، فلما
رفعوا السماط حمله أبوه ووضعه بين أيديهم، فأخفه الشيخ عبد الرحمن الشبريسي وحنكه
بتمرة، ثم مضغها وعصرها في فيه، ثم طلب شيئاً من العسل فأحضر له، فلعق الشيخ عبد
الرحمن ثلاث لعقات، ثم ألعق المولود ثلاثا، ثم وضعه بي يدي الفقراء، وأمرهم فلعقوا
منه، ثم قرأ الفاتحة سبع مرات، ثم قال لوالد الشيخ أبي الفتح: ادفع هذا لأمه لا يشاركها
فيه أحد ولا تخش على الولد المبارك، فوالله إني لأرى روحه تجول حول العرش، ثم خرج
من ساعته، وكان والد الشيخ أبي الفتح يقول حكايات الإشبريس .
نقلت هذه الحكاية ملخصاً من خط الشيخ أبي الفتح في كتابه
المسمى بالحجة الراجحة. قال: ثم إني رأيته - يعني الشيخ عبد الرحمن - بعد مدة،
فلما أقبلت عليه قبل بين عيني، ونظر بعين لطفه إلي، ثم لقنني الذكر وأخذ علي
العهد، ثم قال: عش في أمان الله، مؤيداً بالله، هائماً بالله، فانياً عما سواه، باقياً
به. أنت إمام زمانك، وفريد أوانك، مقدماً على أقرانك، مباركاً على إخوانك، رعاك
الله حفظك الله آواك الله " فرحين بما آتاهم من فضله " " سورة آل
عمران: الآية 17 " الآية. قال: ثم ألبسني الخرقة الشريفة، ثم قال: أيامنا
انقضت، وساعاتنا انقرضت، قال: فلما تم لي سبع سنين لبستها من يد الشيخ الإمام
الورع الزاهد الناسك العابد العارف أبي الحسن
علي الدمنهوري الصوفي، ومن يد الشيخ أبي إسحاق إبراهيم
الأتكاوي يوم عاشر المحرم سنة خمس وعشرين وثمانمائة بلباسهما من الشبريسي، ثم نشأ
الشيخ أبو الفتح، وطلب العلم والحديث، وتفقه بجماعة أولهم جده لأبيه القاضي نور
الدين أبو الحسن علي، وهو أخذ الفقه والحديث عن جماعة منهم الحافظ علاء الدين علي
بن إبراهيم بن داود بن سليمان بن سالم بن سلامة العطار، وتفقه ابن العطار بالشيخ
الإمام الحافظ الفقيه أبي زكريا يحيى بن شرف الدين النووي، وسمع الحديث على ابن
حجر، والتقي الرسام، وعائشة بنت عبد الهادي، ومريم بنت أحمد بن محمد الأذرعي،
والعز أبي محمد بن الفرات الحنفي وغيرهم. وقرأ على الحافظ شمس الدين أبي الخير
المقدسي الحموي بمنزله بجامع القاف صحيحي البخاري ومسلم، وعوارف المعارف
للسهروردي، وكتاب ارتقاء الرتبة في اللباس والصحبة، للقطب القسطلاني، والسيرة لابن
هشام، وسنن ابن ماجة، وجامع الترمذي، ومسند الرافعي، ومجالس من مسند ابن حيان، ومن
الموطأ، وسنن أبي داود وغير ذلك. وأجازه بجميع ما يجوز له روايته، وألبسه خرقة
التصوف أيضاً، فلبسها منه وممن تقدم، ومن أبي العباس أحمد بن محمد بن الحسن
الترابي، ومن أبيه القاضي بدر الدين الصوفي، ومن جده، ومن خاله أبي العباس أحمد بن
القاسم بن موسى بن خلف بن محمد بن أحمد بن خلف الله ابن الشيخ الإمام العارف محرز
بن خلف الله التونسي، ومن الحافظ ابن ناصر الدين، وابن الجزري، والشيخ عبد الرحمن
بن أبي بكر بن داود الحنبلي الصالحي، والشيخ أبي الفتح محمد ابن الشيخ أحمد بن أبي
بكر القوي، والشيخ أبي بكر محمد بن محمد بن علي الخافي، ومن الشيخ شهاب الدين بن
أرسلان ومن غيرهم، وممن أخذ عن الشيخ أبي فتح المزي رضي الله تعالى عنه شيخ
الإسلام الجد، واستجازه لشيخ الإسلام الوالد، وأحضره إليه وهو عون السنتين، فلقنه
الذكر، وألبسه الخرقة، وأجازه بكل ما يجوز له وعنه روايته، والشيخ العلامة أبو
المفاخر المحيوي النعيمي، وتلميذه الشيخ شمس الدين بن طولون، والشيخ شمس الدين
الوفائي الواعظ وغيرهم. وألف كتاباً حافلاً في اللغة وقفت عليه بخطه، وله كتاب آخر
سماه " بالحجة
الراجحة في سلوك المحجة الواضحة " وقفت عليه بخطه أيضاً، كتاب آخر في آداب
اللباس والصحبة وغير ذلك، ومن شعره ما كتبه في ختام الجزء الأول من كتاب الحجة
الراجحة:
يا ناظراً منعماً فيما جمعت وقد ... أضحى يردد في أثنائه
النظرا
سألتك الله إن عاينت من خطإ ... فاستر علي، فخير الناس من
سترا
وقال أيضاً رضي الله تعالى عنه:
لم أنسى مذ قالوا فلان لقد ... أضحى كبير النفس ما أجهله
فقلت: لا أصل لهذا وقال ... الناس: لم يكبر سوى المزبله
وقال أيضاً رضي الله تعالى عنه:
من كان حقا مع الرحمن كان معه ... نعم ومن ضر فيه نفسه
نفعه
ومن تذلل للمولى، فيرفعه ... ومن تفرق فيه شمله جمعه
وقال أيضاً رضي الله تعالى عنه:
يربى الخليل على ما كان صاحبه ... يعتاده وعلى ما كان فيه
ربي
وفي الحقيقة يعتاد الصغير بما ... قد كان ينظر من أم له
وأب
والعبد يربى بما رباه سيده ... من كثرة الخير أو من قلة
الأدب
ومن تراه بضرب الدف ملتهباً ... يميل سامعه للرقص والطرب
كذا لسانك من نطق يفوه بما ... عودته منك من صدق ومن كذب
والشيخ إن كان ذا جهل فتتبعه ... فيه تلاميذه جهلاً بلا
عجب
وطالب الخير غير الخير ليس يرى ... وطالب الشر غير الشر
لم يصب
ومن مشى في طريق كان متهماً ... ما زال متهماً بالعيب
والريب
ومن أسر لشيء كان يفعله ... فسوف في وجهه يبدو لمرتقب
ومن يماش فتى بالقبح متصفاً ... فسوف يرمى به في الحكم
والسبب
ومن له طمع يزداد فيه فلم ... يمل من كثرة الإلحاح في
الطلب
ومن له سوء خلق وابتليت به ... ففي مداراته ما زلت في تعب
ومن يمل عن طريق الحق منحرفاً ... كالكلب ما زال يلفى
أعوج الذنب
ومن له حسن وجه لا حياء به ... فذاك برق بلا غيث ولا سحب
ومن له يا فتى علم بلا عمل ... فذاك نخل بلا طلع ولا رطب
ومن له في اللقا قول وليس له ... فعل، فذاك حكى كرماً بلا
عنب
أخبرت عن شيخ الإسلام الوالد - رضي الله تعالى عنه - أنه
كان يحكي عن شيخه الشيخ أبي الفتح المزي أنه ذكر عن بعض شيوخه بدمشق أنه قال له
يوماً: تعال إلي عند صلاة العشاء، فجاء إليه، فصلى معه العشاء، ثم خرج الشيخ
المذكور، وخرج معه الشيخ أبو الفتح حتى كانا بالربوة، ثم خرج به من المكان المعروف
بالمنشار، وتعلقا بسفح قاسيون، فلما أشرفا على الجبل قال الشيخ للشيخ أبي الفتح:
انظر إلى هذه المشاعل وعدها واحفظ عددها، ثم سار به على السفح حتى وصلا إلى مقام
السيد إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام المعروف بقرية برزة، فلما كان هناك قال
الشيخ للشيخ أبي الفتح: كم عددت مشعلاً؟ قال: ثمانمائة،
قال: تلك أرواح الأنبياء المدفونين بهذا السفح المبارك عليهم الصلاة والسلام، قال:
وذاك مصداق ما يقال إن بين أرض أرزة، وأرض برزة قبور ثمانمائة نبي.
وكانت وفاة الشيخ أبي الفتح - رضي الله تعالى عنه - ليلة الأحد
ثامن عشر ذي الحجة سنة ست وتسعمائة بمحلة قصر الجنيد قرب الشويكة، ودفن في الجانب
الغربي في الأرض التي جعلت مقبرة، وأضيفت لمقبرة الحمرية - رحمه
الله تعالى - .
9 - محمد الحصكفي: محمد بن محمد بن علي، الشيخ الإمام العلامة
شمس الدين بن أبي اللطف الحصكفي، ثم المقدسي، سبط العلامة شيخ الإسلام تقي الدين
القرقشندي. توفي والده شيخ الإسلام أبو اللطف، وهو حمل في عاشر جمادى الآخرة سنة
تسع وخمسين وثمانمائة، فنشأ بعده، واشتغل بالعلم الشريف على علماء بيت المقدس إذ
ذاك منهم شيخ الإسلام الكمال بن أبي شريف، ثم رحل إلى الديار المصرية، وأخذ عن
علمائها منهم الشيخ الإمام العلامة شمس الدين الجوجري، وسمع الحديث وقرأه على
جماعة، وأذن له بالإفتاء والتدريس، وصار من أعيان العلماء الأخيار الموصوفين بالعلم
والدين والتواضع، وكان عنده تودد إلى الناس، ولين جانب وسخاء نفس، وإكرام لمن يرد إليه،
وأجمع الناس على محبته، وكانت وفاته رحمه الله تعالى ليلة السبت ثالث عشر القعدة
سنة ثمان وعشرين وتسعمائة، وصلي عليه بجامع دمشق غائباً يوم الجمعة سادس عشري شهر
القعدة المذكور - رحمه الله تعالى - .
10 - محمد الدوسي: محمد بن محمد بن عمر، الشيخ العالم، ولي
الدين ابن القاضي شمس الدين، الدوسي، الصالحي، الحنبلي. توفي بصالحية دمشق يوم
السبت تاسع عشر في الحجة سنة ثمان وعشرين وتسعمائة. ودفن بها.
11 - محمد بن غازي: محمد بن محمد بن غازي القاضي كمال الدين
ابن الشيخ العلامة القاضي محيي الدين بن غازي الشافعي، ولي قضاء بعلبك والبقاع من
أعمال دمشق مراراً، وتوفي بدمشق يوم الأحد سابع عشري الحجة سنة ثمان وعشرين
وتسعمائة، ودفن بباب الصغير - رحمه
الله تعالى - .
12 - محمد البردعي: محمد بن محمد بن محمد، العالم الفاضل، محيي
الدين البردعي، الحنفي، أحد موالي الروم. كان من أولاد العلماء، واشتغل على والده،
ثم دخل شيراز وهراة، وقرأ على علمائها، وحصل علماً كثيراً، ثم ارتحل إلى بلاد
الروم، وصار مدرساً بمدرسة أحمد باشا بمدينة بروسا، ثم تنقلت به الأحول حتى صار
مدرساً بإحدى المدرستين المتلاصقتين بأدرنة، وتوفي وهو مدرس بها، وله حواشي على
تفسير البيضاوي، وحواشي على حاشية شرح التجريد للسيد الشريف، وحواشي على التلويح،
وشرح على آداب البحث للعضد، وكان له حط وافر من العلوم، ومعرفة تامة بالعربية والتفسير
والأصول والفروع، وكان حسن الأخلاق، لطيف الذات، متواضعاً متخشعاً، وكان له وجاهة
ولطف، وكان يكتب الخط الحسن مع سرعة الكتابة. توفي في سنة سبع وعشرين وتسعمائة
بأدرنة - رحمه الله تعالى - .
13 - محمد الخطيب: محمد بن محمد بن أحمد بن علي، الشيخ العالم،
العلامة شمس المصري، الحنفي، الشهير بالخطيب. ولد ثاني عشر القعدة أو شوال سنة
خمسين وثمانمائة، وتفقه بقاسم بن قطلوبغا وغيره. وتوفي بعقبة أيلة في المحرم سنة
تسع عشرة وتسعمائة.
14 - محمد بن منعة: محمد بن محمد بن يوسف، الشيخ العلامة قاضي
القضاة أبو الفضل نور الدين الخزرجي، الدمشقي. الصالحي، المعروف بابن منعة. ولد
بصالحية دمشق رابع شعبان سنة ست وثلاثين وثمانمائة، وحفظ القرآن العظيم، وحفظ درر
البحار للقونوي، ثم المنار للنسفي، وسمع بعض مسانيد أبي حنيفة - رضي الله تعالى
عنه - على قاضي القضاة حميد الدين، وتصحيح القدوري على الشيخ قاسم بن قطلوبغا،
وتفقه بالشيخ عيسى الفلوجي، وولي تدريس الجمالية، وكانت سكنه، وبها كان ميلاده،
والجوهرية، والشبلية الجوانية، والمرشدية. وأفتى ودرس وناب في الحكم زماناً، وكانت
سيرته فيه حسنة يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وكان عنده أمانة وصبر، وحصل كتباً
كثيرة، وانفرد في آخرة عمره بالرجوع إليه في مذهب أبي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - بدمشق، ثم
ولي في آخر عمره قضاء القضاة الحنفية بعد أن كره عليه، واعتقل بقلعة دمشق، ثم أطلق
وولي القضاء في أول ، سنة إحدى وتسعمائة. ثم كانت وفاته بقرية الفيجة مطعوناً في
مستهل الحجة سنة أربع وتسعمائة، وأتي به إلى الصالحية، وصلي عليه بها، ودفن بتربة
" الناظرة " المعظمية بسفح قاسيون رحمه الله تعالى.
15 - محمد بن قدامة: محمد بن محمد، " العلامة " قاضي
القضاة بهاء الدين بن قدامة المقدسي الصالحي، ثم المصري الحنبلي. ولد في ربيع
الأول سنة ثلاثين وثمانمائة. النعيمي: كذا أخبرني به، وأنه وجد ذلك بخط جده لأمه
قاضي الحنابلة الشهير بابن الحبال انتهى.
واشتغل في العلم، ودرس وأفتى، ثم ولي قضاء الحنابلة
بالشام، ولم تحمد سيرته. لكن كان عنده حشمة، وتوفي يوم الجمعة عاشر ربيع الآخر سنة
عشر وتسعمائة، وصلي عليه بجامع الحنابلة بالسفح القاسيوني، ودفن به في الروضة -
رحمه الله تعالى - .
16 - محمد النحريري: محمد بن محمد، الشيخ العلامة أقضى القضاة
ولي الدين بن الشيخ العلامة فتح الدين النحريري، المصري، المالكي. توفي سابع ربيع
الأول سنة تسع وتسعمائة بتقديم التاء بالقاهرة، ودفن بالصحراء.
17 - محمد المعري: محمد بن محمد الشيخ شمس الدين العزي بالعين
المهملة، الدمشقي الشافعي. ولد ثاني عشر ربيع الأول سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة.
قال النعيمي: رافقني على جماعة من العلماء والمحدثين، وشاهد ببابي مدة، ثم توجع وانعزل
عن الناس، ثم توفي نهار الجمعة سلخ القعدة سنة خمس عشرة وتسعمائة.
18 - محمد الجوجري: محمد بن محمد الشاب العالم الفاضل، المفنن
البارع أمين الدين ابن شيخ الإسلام شمس الدين الجوجري المصري، الشافعي، شارح
الإرشاد. والده توفي
بالقاهرة مستهل صفر سنة اثنتي عشر وتسعمائة.
19 - محمد العنبري: محمد بن محمد الخواجا سري الدين العاتكي،
الشهير بابن العنبري. كان
يحب أهل العلم والحديث، وعنده عدة كتب في الفقه للمطالعة، وكان يلازم درس الشمس بن
طولون وغيره. توفي في ربيع الأول سنة إحدى وعشرين وتسعمائة، وهو والد الخواجا عبد
القادر بن العنبري.
20 - محمد الياسوفي: محمد بن محمد، الشيخ العالم، المفتي
المدرس بدر الدين الشهير بابن الياسوفي الدمشقي. الشافعي، ولد سنة اثنتين وخمسين
وثمانمائة، وسافر إلى القاهرة مراراً آخرها مطلوباً مع جماعة مباشري الجامع الأموي
في جمادىالآخرة سنة ست عشرة وتسعمائة، فحصل له قبل دخول القاهرة توعك، واستمر إلى
رابع يوم من وصوله إليها، فتوفي يوم الاثنين تاسع رجب، وصلي عليه غائبة بالجامع
الأموي بدمشق يوم الجمعة ثالث شعبان المكرم.
21 - محمد بن بري: محمد بن محمد بن بري، العبد الصالح، شمس
الدين بن بري الدمشقي. كان من أهل الخيرات. مات في سنة ست عشرة وتسعمائة، وأوصى
ولده الشهابي أحمد بعمارة جامع مسلوت بحارة زقاق البركة بعد أن آل إلى الخراب،
وكان قد تدارك جداره القبلي رجل من أهل الخير أيضاً يقال له: الخواجا شهاب الدين
بن سليمان، فأتم المذكور عمارته، وصار أعجوبة.
22 - محمد الحصني: محمد بن محمد، الشيخ العلامة شمس الدين ابن
الشيخ محب الدين الحسني، الحصني الدمشقي. الشافعي. توفي في دمشق يوم الأربعاء ثامن
عشري شوال سنة إحدى وعشرين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
23 - محمد البازلي: محمد بن محمد بن عاود، الشيخ الإمام،
العالم العلامة كمال الدين ابن الشيخ الإمام العلامة شمس الدين البازلي الكردي
الأصل، الحموي، الشافعي. قال الحمصي: باشر نيابة القضاء بدمشق، ومشيخة المدرسة
الشامية، وكان عالماً من أهل الفضل مفنناً. توفي بدمشق يوم السبت تاسع عشري شوال
سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، وكان والده إذا ذاك حيا.
24 - محمد الفناري: محمد
بن محمد، العالم الفاضل، المولى زين الدين. وقيل: زين العابدين الفناري الرومي
الحنفي أول قضاة القضاة بدمشق من الدولة العثمانية. قرأ على علماء عصره منهم
الفاضل ابن " عمه " المولى علاء الدين الفناري، ثم وصل إلى خدمة المولى
العالم ابن المعرف معلم السلطان أبي يزيد بن عثمان، ثم تنقلت به الأحوال حتى صار
قاضياً بدمشق، ثم بحلب قال في الشقائق النعمانية: كان
عالماً فاضلاً ذكياً صاحب طبع وقاد، وذهن نقاد، وكان قوي الجنان، طلق اللسان، صاحب
مروءة وفتوة، محباً للفقراء والمساكين. يبرهم ويرعى جانبهم، وكان في قضائه مرضي
السيرة محمود الطريقة. انتهى.
وذكر الشيخ شمس الدين بن طولون أن سيرته بدمشق كانت أحسن
منها بحلب. قلت: حتى قال فيه شيخ الإسلام الجد رحمه الله تعالى حين كان قاضياً
بالشام:
أحب السادة الأروام لما ... أقاموا الشرع واتخذوه دينا
وإن تسأل عن العباد منهم ... فقاضي الشام زين العابدينا
وذكر ابن الحنبلي وابن طولون في تاريخهما هفوة صدرت منه
حين كان قاضياً بحلب، وهي أن البدر بن السيوفي مفتي حلب وعالمها عقد بعض الأنكحة
في أيام توليته بها، ولم يستأذن منه بناء على ما كان يعهده في دولة الجراكسة من
عدم توقف عقود الأنكحة على أذن القضاة إذ لا يفتقر إلى إذنهم شرعاً، ولأنهم كانوا
لا يأخذون عليها رسماً، فلما بلغ صاحب الترجمة أمر الشيخ بدر الدين السيوفي أن
يستأذنه إذا أراد أن يعقد نكاحاً لأحد ليأخذ ما عليه من الرسم، فلم يبال الشيخ
بذلك، وعقد لواحد نكاحاً من غير استئذان، فبعث إليه من أحضره إلى بابه ماشياً،
فلما دخل عليه شتمه، ثم أمر به أن يكون في بيت محضر باشي تلك الليلة، وهم أن يوقع
به ما لا يليق لولا أن الله تعالى دفعه عنه، ولم تمض على الشيخ بدر الدين مدة
قليلة حتى مات قهراً بسبب ذلك، ثم مات صاحب الترجمة بعده بمدة يسيرة، وهو قاضي حلب
في أول ربيع الأول سنة ست وعشرين وتسعمائة - عفا الله تعالى عنه - ، وكان قد بعث ،
أولاقاً إلى دمشق ليأتي بالرئيس شمس الدين بن مكي ليعالجه، وبعث له معه أربعة آلاف
درهم ليستخرج منها، فوصل أولاق إلى دمشق في رابع ربيع الأول المذكور، فذهب الأولاق
بالرئيس المذكور إلى حلب، فوجدوا صاحب الترجمة قد توفي يوم الأحد مستهل ربيع،
فسبحان الباقي.
25 - محمد الأنطاكي: محمد بن محمد الشيخ شمس الدين بن الأنطاكي
الحلبي الشافعي، أحد الشهود بالمكتب الكائن داخل باب قنسرين بحلب في دولة
الجراكسة. قال ابن الحنبلي: كان ذا نسخ لطيف، وتعليق حلو ظريف، ماجناً، لطيف
العشرة، كثير النسخ لمجاميع كان يلتقطها من جواهر الأشعار، ونوادر الأخبار، من
الهزليات والجديات. قال: وكان قديماً يميل إلى أكل الحشيشة الخبيثة، وشرب أم
الخبائث، فكتب له شخص دين من أحبائه تجاه وجهه من حيث لا يشعر قول الشاعر:
إذا كنت في نعمة فارعها ... فإن المعاصي تزيل النعم
فتاب عند ذلك توبةً نصوحاً، وصار يعتزل الشهادة، إلى أن
توفي في سنة ثمان وعشرين أو بعدها - رحمه الله تعالى.
26 - محمد بن الجرحي: محمد بن محمد الشيخ شمس الدين الشهير
بابن الجرحي الحلبي قال ابن الحنبلي: كان أولاً أحد عدول حلب بالمكتب الكائن على
باب الأسدية الجوانية ثم صار إمام السلطانية في الدولة العثمانية، وتوفي في سنة ثمان
وعشرين أو بعدها.
27 - محمد بن القوجوي: محمد بن محمد، العالم الفاضل المولى.
محي الدين القوجوي الرومي الحنفي. كان عالما بالتفسير والأصول وسائر العلوم
الشرعية والعقلية، وأخذ العلم عن والده، وكان والده من مشاهير العلماء ببلاد
الروم، ثم قرأ على المولى عبدي المدرس بأماسية، ثم على المولى حسن جلبي بن محمد
شاه الفناري، وولي التدريس والولايات حتى صار قاضي العسكر بولاية أناطولي ، ثم
استعفي منه فأعفي وأعطي إحدى المدارس الثماني، ثم صار قاضياً بمصر، فأقام بها سنة
ثم حج وعاد إلى القسطنطينية، وبها مات سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
28 - محمد المصري: محمد
بن محمد، الشيخ العلامة القاضي أفضل الدين الرومي المصري الحنفي قرأ الفقه على ابن
قاسم وأجازه جماعة في استدعاء سبط شيخ الإسلام ابن حجر، وكان ديناً عاقلاً، وحج
صحبة الشيخ أمين الدين الأقصراني، وتوفي بمصر في المحرم سنة اثنتين وثلاثين
وتسعمئة عن نحو ثمانين سنة، وكانت جنازته حافلة رحمه الله تعالى.
29 - محمد الزيتوني: محمد بن محمد الشيخ الفاضل البارع محب الدين
الزيتوني العوفي نسبة إلى سيدنا عبد الرحمن بن عوف، رضي الله تعالى عنه المصري
الشافعي. دخل إلى دمشق وأخذ عن شيخ الإسلام الوالد، وحضر الكثير من تقاسيم المنهاج
عليه، وحضر تقسيم التنبيه عليه وغير ذلك من دروسه، واستجاز من شيخ الإسلام، فأجازه
بصحيح البخاري والتنبيه والمنهاج بعد أن سمع عليه الكثير من الصحيح، وتوفي سنة
اثتتين وثلاثين وتسعمئة.
30 - محمد بن الغرس : محمد بن محمد، الشيخ الفاضل العلامة، شمس
الدين ابن الشيخ العلامة الألمعي بدر الدين الشهير بابن الغرس بالمعجمة الحنفي
المصري. كان ذا يد في النحو والأعاريب، وله شعر، وافتقر في آخر عمره، وسقم سنين
بعد عز وترف ووجاهة، كان صابراً شاكراً، توفي رحمه الله تعالى في القعدة سنة اثنتين
وثلاثين وتسعمائة عن نحو خمسين سنة.
31 - محمد وأخوه الغزيان : محمد
بن محمد وأخوه أحمد أبناء القاضي رضي الدين الغزي، الجد الشابان الفاضلان أبو
الخير قوام الدين، وأبو المكارم شهاب الدين. توفيا شهيدين بالطاعون في دمشق سنة
اثنتين وتسعمائة. ثانيهما وهو الأصغر قبل أولهما وهو الأكبر يوم الأحد ثاني عشر
القعدة عن ست عشرة سنة، وأولهما وهو الأكبر بعده باثنين وعشرين يوماً يوم الخميس
رابع الحجة، وكان والدهما الجد الشيخ رضي الدين إذ ذاك بمصر، ولم يبق له بعدهما
ولد، فبشره القطب كما قيل بأن يعوضه الله تعالى بولد صالح، فعوضه الوالد الشيخ بدر
الدين سنة أربع وتسعمائة.
32 - محمد النكساري: محمد بن إبراهيم بن حسن العالم، العامل،
الفاضل، الكامل، المولى محي الدين النكساري الرومي الحنفي. كان عالماً بالعربية،
والعلوم الشرعية العقلية، ماهراً في علوم الرياضة. أخذ عن المولى فتح الله الشرواني،
وقرأ على المولى حسام الدين التوقاني، ثم على المولى يوسف بالي بن محمد الفناري،
ثم على المولى يكان، وكان حافظاً للقرآن العظيم، عارفاً بعلم القراءات، ماهراً في
التفسير. وكان يذكر الناس كل يوم جمعة تارة في أيا صوفيا، وتارة في جامع السلطان
محمد خان، وكان حسن الأخلاق، قنوعاً راضياً بالقليل من العيش، مشتغلاً بإصلاح
نفسه، منقطعاً إلى الله تعالى. صنف
تفسير سورة الدخان، وكتب حواشي على تفسير القاضي البيضاوي، وحاشية على شرح الوقاية
لصدر الشريعة، ولما آن أوان انقضاء مدته ختم التفسير في أيا صوفيا، ثم قال: أيها الناس
إني سألت الله تعالى أن يمهلني إلى ختم القرآن العظيم، فلعل الله تعالى يختم لي
بالخير والإيمان، ودعا فأمن الناس على دعائه، ثم أتى إلى بيته ومرض. وتوفي
بالقسطنطينية في سنة إحدى وتسعمائة - رحمه
الله تعالى - .
33 - محمد بن الخطيب : محمد بن إبراهيم، العالم العلامة،
المولى محي الدين الشهير بابن الخطيب الرومي الحنفي، وكان من مشاهير موالي الروم.
قرأ على والده المولى تاج الدين، وعلى العلامة علي الطوسي والمولى خضر بيك، وتولى
المناصب، وترقى حتى جعله السلطان محمد بن عثمان معلماً لنفسه، ثم ادعى البحث مع
المولى خواجه زاده، فقال له السلطان محمد: أنت تقدر على البحث معه. قال: نعم سيما
ولي مرتبة عند السلطان، فعزله السلطان لهذا الكلام، ولما تولى السلطان أبو يزيد
خان جمعه في ولايته مع المولى علاء الدين العربي في محفل من العلماء، فجرى بينهما
مباحثة في الرؤية والكلام. انتهى فيها البحث إلى كلام أنكره عليه السلطان، ففطن
ابن الخطيب لذلك، وصنف رسالة في البحث المذكور، وذكر في خطبتها اسم السلطان، وأرسلها
إليه على يد وزيره إبراهيم باشا، فلما عرضها على السلطان، فقال السلطان: ما اكتفى
بذلك الكلام الباطل باللسان حتى كتبه في الأوراق. اضرب برسالته وجهه، وقل له: يخرج
البتة من مملكتي، فتحير الوزير، وكتم غضب السلطان عن ابن الخطيب، وانتظر ابن
الخطيب جائزة الرسالة، وتألم من تأخرها، وقال للوزير: أستأذن السلطان أن أذهب من
مملكته وأجاور بمكة وأدى أمره إلى الاختلال عند السلطان، وتحير الوزير، ثم أرسل
إلى ابن الخطيب من ماله باسم السلطان عشرة آلاف درهم، وناسى السلطان القضية، ثم أن
المولى جلال الدين الدواني رحمه الله تعالى أرسل كتاباً إلى بعض أصدقائه إلى
الروم، وهو المفتي يومئذ وكتب في حاشيته: السلام على المولى ابن الخطيب، وعلى
المولى خواجه زاده، فسمع ابن الخطيب بذلك، فطلب الكتاب وأرسله إلى الوزير وقال له: إنه يعتقد
فضل خواجه زاده علي، وأنا مفضل عليه ببلاد الروم. يدل عليه كتاب المولى جلال الدين
حيث قدمني عليه ذكراً، فلما وصل الكتاب إلى الوزير قال: إنه
سؤال دوزي، والتقديم في الذكر لا يستلزم التقديم في الفضل. قلت: وهذا الرجل وإن
كان من الموالي المحققين، فأنت خبير بما اشتملت عليه سيرته من الدعوى، والحسد،
وعدم الرضا من زمانه.
وذكر صاحب الشقائق عن والده أنه دخل مع ابن الخطيب حين
كان يقرأ عليه وهو متقاعد عن المناصب إلى السلطان أبي يزيد خان - رحمه الله تعالى
في يوم عيد، فلما مر مع موالي بالديوان والوزراء جالسون سلم المولى بن فضل الله،
وكان مفتياً في ذلك الوقت عليهم، فضرب ابن الخطيب في صدره بظهر يده، وقال: هتكت
عرض العلم، وسلمت عليهم أنت مخدوم، وهم خدام سيما وأنت رجل شريف. قال: ثم دخل ونحن
معه، فاستقبله سبع خطوات، وسلم عليه وما انحنى له، وصافحه ولم يقبل يده، وقال
للسلطان: بارك الله لك في هذه الأيام الشريفة، ثم سلم ورجع. قلت: قد اشتملت هذه
الحكاية على أمور بعضها معروف، وبعضها منكر، فأما ترك حنائه للسلطان، وتقبيل يده، فمن
السنة، وأما إنكاره على المفتي السلام على الوزراء، وأهل الديوان ولومه على ذلك،
وضرب يده في صدره، فجرأة وقلة أدب وخطأ ظاهر، ولابن الخطيب من المؤلفات حواشي على
شرح التجريد للسيد الشريف، وحواشي على حاشية الكشاف للسيد أيضاً وغير ذلك، وكانت
وفاته في سنة إحدى تسعمائة عفا الله تعالى عنه.
34 - محمد بن جماعة : محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن عبد
الرحمن بن إبراهيم بن سعد الله بن علي بن جماعة، ابن حازم بن صخر، الشيخ الإمام
شيخ الإسلام قاضي القضاة، خطيب الخطباء نجم الدين أبو البقاء ابن قاضي القضاة
برهان الدين ابن قاضي القضاة، شيخ الإسلام جمال الدين بن جماعة الكناني، المقدسي،
الشافعي، سبط قاضي القضاة سعد الدين الديري - رحمهم
الله تعالى - ولد في أواخر صفر سنة ثلاث وثلاثين ثمانية بالقدس الشريف، ونشأ به،
واشتغل في صغره بالعلم على جده وغيره، وأذن له قاضي القضاة تقي الدين ابن قاضي
شهبة بالإفتاء والتدريس مشافهةً، حين قدم إلى القدس الشريف، وتعين في حياة والده
وجده، ولما توفي جده كان والده حينئذ قاضي القضاة الشافعية، فتكلم له في تدريس
الصلاحية عند الملك الظاهر خشقدم، فأنعم له بذلك، ثم عن للقاضي برهان الدين أن
يكون التدريس لولده الشيخ نجم الدين، لاشتغاله هو بمنصب القضاء، فراجع السلطان،
فأجاب، وولى نجم الدين تدريس الصلاحية، فباشرها أحسن مباشرة وحضر معه يوم جلوسه
قاضي القضاة حسام الدين بن العماد الحنفي قاضي دمشق، وكان إذ ذاك ببيت المقدس
جماعة من الأعيان شيوخ الإسلام، كالكمال والبرهان ابني أبي شريف، والبرهان
الأنصاري، والشيح أبي العباس المقدسي، والشيخ ماهر المصري وغيرهم، ولم تزل الوظيفة
بيده، حتى توفي والده في صفر سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة، فجمع له بين قضاء
القضاة، وتدريس الصلاحية، وخطابة المسجد الأقصى ولم يلتمس على القضاء ولا الدرهم
الفرد، حتى تنزه عن معاليم الأنظار مما يستحقه شرعاً، ثم صرف عن القضاء والتدريس
بالعز ابن عبد الله الكناني أخي الشيخ أبي العباس المقدسي، فانقطع في منزله
بالمسجد الأقصى، يفتي، ويدرس، ويشغل الطلبة، ويباشر الخطابة، ثم عزل قاضي القضاة
عز الدين، فتولى تدريس الصلاحية الكمال بن أبي شريف في صفر سنة ست وسبعين
وثمانمائة، واستمر بها إلى سنة ثمان وسبعين، فأعيدت إلى صاحب الترجمة، فجلس
للتدريس وافتتح التدريس بخطبة بليغة، وتكلم على قوله تعالى: " ولما فتحوا
متاعهم وجدوا بضاعتهم ردت إليهم "
" سورة يوسف: الاية 65 " الآية. ثم تنزه عن القضاء،
ولم يلتفت إليه بعد ذلك، ثم عن حصته من الخطابة، وانجمع عن الناس، وله من المؤلفات
شرح على جمع الجوامع لابن السبكي سماه بالنجم اللامع، وتعليق على الروضة إلى أثناء
الحيض في مجلدات، وتعليق على المنهاج في مجلدات، والدر النظيم في أخبار موسى
الكليم، وغير ذلك، وتأخرت وفاته عن سنة إحدى وتسعمائة، رحمه الله تعالى.
35 - محمد الخليلي : محمد بن إبراهيم بن عبد الرحيم، الشيخ الإمام
العلامة شمس الدين أبو الجرد ابن شيخ الإسلام برهان الأنصاري الخليلي، ثم المقدسي
الشافعي، ولد بمدينة الخليل عليه الصلاة والسلام في شعبان سنة خمس وأربعين
وثمانمائة، وحفظ القرآن والمنهاج، وألفية بن مالك، والجزرية، وبعض الشاطبية،
واشتغل على والده، ثم أخذ العلم عن جماعة من علماء مصر، أجلهم شيخ الإسلام قاضي
القضاة شرف الدين المناوي، والشيخ العلامة كمال الدين ابن إمام الكاملية
الشافعيان، وأخذ العلوم عن الشيخ تقي الدين الشمني الحنفي، وفضل وتميز، وأجيز
بالافتاء والتدريس، وأعاد بالصلاحية، وله تصانيف من شرح الجرومية، وشرح الجزرية،
وشرح مقدمة الهداية في علم الرواية، لابن الجزري، ومعونة الطالبين في معرفة اصطلاح
المعربين، وقطعة من شرح تنقيح اللباب لشيخ الإسلام ولي الدين العراقي، وغير ذلك، تأخرت
وفاته عن سنة إحدى وتسعمائة.
36 - محمد بن أبي عامر: محمد بن إبراهيم بن محمد، الشيخ
العلامة شمس الدين الحنفي المقري، عرف بابن أبي عامر، أخذ عن الشهاب، أبي الطيب
محمد بن أحمد بن علي الحجازي الشافعي، الأدب المحدث، وأخبره أنه يروي ألفية
الحديث، والقاموس عن مؤلفيهما، وتلخيص المفتاح عن إبراهيم الشامي عن المؤلف.
37 - محمد بن الذهبي: محمد بن إبراهيم، الشيخ الإمام العالم
الفاضل، أبو الفضل شمس الدين بن صارم الدين الرملي الشافعي، الشهير،،بابن الذهبي،
أحد الشهود المعتبرين بدمشق، ذكر النعيمي، أنه كان قديماً بخدمة الشيخ رضي الدين
الغزي الجد، وأن ميلاده كان سنة تسع وخمسين وثمانمائة، وقال الشيخ شهاب الدين
الحمصي: أنه كان فاضلاً، ورأيت بخط شيخ الإسلام الوالد، أنه كان يعرف القراءات
وكانت وفاته ليلة الجمعة ثالث عشر المحرم سنة سبع عشرة وتسعمائة بدمشق، بعد عوده
من القاهرة.
38 - محمد بن مزهر: محمد بن أبي بكر القاضي، كمال الدين بن مزهر،
كاتب الإسرار بالديار المصرية، توفي مطعوناً، يوم السبت خامس عشرين رمضان، سنة عشر
وتسعمائة بالقاهرة، ودفن بتربة البارزي بها رحمه الله تعالى.
39 - محمد بن هلال: محمد بن أبي بكر بن محمد بن أبي بكر بن مضر
بن عمر بن هلال: الشيخ الفاضل العلامة الزاهد قوام الدين أبو يزيد الحيشي الأصل،
الحلبي، الشافعي. كان عالماً فاضلاً مناظراً، له حدة في المناظرة، وذكاء مفرط،
وحفظ عجيب. حفظ الشاطبية، وعرضها بحلب في سنة ثلاث ثمانين وثمانمائة، وسافر مع
أبيه إلى بيت المقدس، فعرض أماكن منها ومن " الرائية " على
إمام الأقصى عبد الكريم بن أبي الوفاء ثم جاور بمكة سنين ، واشتغل بها، وسمع مع
أبيه على الحافظ السخاوي، ثم عاد من مكة إلى حلب، واشتغل على عالمها البدر
السيوفي، وقرأ عليه الإرشاد لابن المقري، وسمع بقرائة الشيخ زين الدين بن الشماع،
ودرس بجامع حلب، ووعظ به وكان يأتي في وعظه بنوادر الفوائد، وسرد مرة النسب النبوي
طرداً وعكساً، ثم أعرض عن ذلك، وكان صوفياً بسطامياً كأبيه يلف المئزر، ويرخي له
عذبه رعاية للسنة، وكانت وفاته في حياة أبيه في شوال سنة أربع وعشرين وتسعمائة،
وصلى عليه والده في جامع حلب في مشهد عظيم، ودفن في تربة أسلافه بالأطعانية.
40 - محمد المشهدي : محمد
بن أبي بكر، الشيخ الإمام الفاضل، المسند الصوفي بدر الدين ابن الشيخ العلامة
المسند بهاء الدين المشهدي المصري الشافعي، ولد في سنة اثنتين وستين وثمانمائة،
وسمع على المسند أبي الخير الملتوتي مسند الطيالسي عن أبي الفرح عبد الرحمن بن
المبارك الغزي ببلده، وسمع على عدة من أصحاب ابن الكويك، وابن الجزري، منهم والده،
وعلى بعض أصحاب الشهاب الواسطي، وعلى قاضي القضاة بدمشق، القطب الخيضري، وأخذ عن
الشهاب الحجازي الشاعر والرضى الأوجاقي، وعن غيرهم، وأجاز له ابن بلال المؤذن في
آخرين من حلب، وسمع على جماعة من أصحاب شيخ الإسلام ابن حجر، وابن عمه شعبان،
وغيرهما، ودرس وأسمع قليلاً، ناب في مشيخة سعيد السعدا الصلاحية عن ابن نسيبة،
وكان عاقلاً، دمث الأخلاق ديناً صيناً، غير أنه كان ممسكاً حتى عن نفسه وفي مرض
موته، كما قال العلائي، وقال الشيخ عبد الوهاب الشعراوي: كان عالماً صالحاً، كثير العبادة،
محباً للخمول، إن رأى أحداً يقرأ عليه فتح له، وإلا أغلق باب داره، قال: فقلت له
يوماً: ما أصبرك يا سيدي على الوحدة فقال: من كان مجالساً لله فما ثم وحدة؟! وقد
جاوزت الأربعين سنة، وما بقي يناسبنا إلا الجد والاجتهاد وعدم الغفلة عن الله
تعالى، ثم قال لي: هكنا أدركنا الأشياخ خلاف ما عليه أهل هذ(ا الزمان، يتعلم أحدهم
مسائل، فيود أن لو عرف جميع أهل الأرض، قال: وكانيقول مدح الناس للعبد قبل مجاوزته
الصراط كله غرور انتهى.
وممن أخذ عنه الشيخ نجم الدين الغيطي، سمع عليه الموطأ
برواية أبي مصعب، وقطعة من مسند الطيالسي، وأخذ عنه النخبة لابن حجر، وغير ذلك، وهو
الذي تخرجت به، وانتفعت في فن الحديث، قال: وكانت وفاته سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة
انتهى.
وما ذكره من وفاته تقريب وتحرير وفاته، كما قرأت بخط
العلائي يوم الاثنين سابع القعدة سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة، ثم دفن يوم
الثلاثاء بعد الصلاة عليه في جماعة قليلة بباب النصر، في تربة الصلاحية على أبيه،
وتوفر له حظه من إيثار الخمول على الشهرة حياً وميتاً رحمه الله تعالى - وقال: وهو
آخر ذرية ابن خلكان فيما يعلم، ولم يعقب رحمه الله تعالى.
41 - محمد بن الصعيدي: محمد بن أبي بكر، الشيخ الصالح المعتقد
بدر الدين ابن الشيخ أبي بكر المصري الأحمدي، المعروف بابن الصعيدي، شيخ السادة
الأحمدية. كان الناس يتبركون به، ولهم فيه مزيد اعتقاد، وكان تحمل إليه الهدايا
والإدرارات خصوصاً إذا شرع في التوجه إلى مولد سيدي أحمد البدوي - رضي الله تعالى
عنه - ، وكان مقبول الشفاعة، في الدولتين، مسموع الكلمة عند ملك الأمراء، فمن
دونه، وكان إذا دخل على نائب مصر انتصب له قائماً، وانفرد به وقضى حوائجه، وقبل
شفاعته، واعتبر كلامه، وأظهر ذلك بين خواصه وجماعته، وجعله أباً له، وكان يقطع
خصومات، وينفذ أموراً لا يقدر عليها غيره، وكان يستخلص من القتل، وكان عليه
السكينة والدهابة، وظهرت عليه خوارق وهابه الناس، وأقبلت عليه الدنيا، وكثرت
مزارعه ومواشيه، وزوجه الأعيان ببناتهم، وبنيت له الزوايا، وعمرت له العمائر، وبقي
على مكانته إلى أن توفي يوم الثلاثاء رابع عشر جمادى الثانية سنة ثمان وعشرين
وتسعمائة. ولما بلغ ملك الأمراء موته تأسف عليه، وأجلس أولاده في حجره، ورسم لهم
بإمضاء جميع جهاتهم، وأبقاهم على ما كان بيده رحمه الله تعالى.
42 - محمد بن ظهيرة: محمد بن أبي السعود بن إبراهيم، الشيخ الإمام
العلامة، قاضي قضاة مكة المشرفة صلاح الدين بن ظهيرة المكي الشافعي. جرت له
محنة في أيام الجراكسة، وهي أن السلطان الغوري حبسه بمصر من غير جرم ولا ذنب. بل
للطمع في مال يأخذه منه على عادته، ولما خرج بعساكره من مصر لقتال السلطان سليم بن
عثمان. أطلق كل من في حبسه من أرباب الجرائم وغيرهم، ولم يطلق صاحب الترجمة. بل
أبقاه في الحبس ، وسافر، فقتل في مرج دابق، فلما وصل الخبر بقتله، وكسر عسكر
الجراكسة إلى مصر، وتسلطن طومان باي. توجه السلطان طومان باي إلى الحبس، وأطلق
القاضي صلاح الدين، ثم لما وصل السلطان سليم خان إلى مصر جاء إليه القاضي صلاح
الدين، فاكرمه وعظمه وخلع عليه وجهزه إلى مكة معزوزاً مكرماً مع الإحسان إليه،
وكان بمصر جماعة من الحجازيين، فأحسن السلطان سليم إليهم كلهم، وكان القاضي صلاح
الدين هو المشار إليه في تفرقة الصدقات السليمية في تلك السنة، وخطب عام إذ في الموقف
الشريف خطبة عرفة، وبقي بمكة إلى أن توفي رحمه الله تعالى - في أواخر سنة ست أو
أوائل سنة سبع وعشرين وتسعمائة. وصلي عليه غائباً بالجامع الأموي بدمشق يوم الجمعة
سابع عشري ربيع الأول سنة وعشرين وتسعمائة.
43 - محمد المقري: محمد بن أبي عبيد، الشيخ الإمام العالم
العلامة، شمس الدين المقري الشافعي خليفة الحكم العزيز بالقاهرة. قال الحمصي: وكان
فاضلاً ذكياً مفنناً. توفي بالقاهرة يوم الجمعة ثالث عشري رمضان سنة اثنتي عشرة وتسعمائة،
وصلي عليه بجامع الحاكم، وكانت جنازته حافلة.
44 - محمد ابن أبي الحمائل : محمد بن أيي الحمائل، الشيخ
الصالح، ولي الله تعالى، العارف به شمس الدين السروي المصري، الشهير بابن أبي
الحمائل، ذكره شيخ الإسلام الجد فيمن صحبهم من أولياء الله تعالى، وكان رضي الله
تعالى عنه أحد الرجال المشهورين بالهمة والعبادة، وكان إذا غلب عليه الحال تكلم
بالعبرانية والسريانية والعجمية وغير ذلك من الألسن، وكان لا يتكلم بشيء، والحال
غلب عليه إلآ نفذ، وكان يطير في الهواء والناس يشاهدونه، وقال عن نفسه: بينما أنا
في منارة فارس كور ليلة إذ مز علي جماعة طيارة، فدعوني إلى مكة شرفها الله تعالى،
فطرت معهم بقبقابي، فحصل عندي عجب بحالي، فسقطت في بحر دمياط ، فلولا أني كنت
قريباً من البر غرقت، وساروا وتركوني، وشكى إليه مرة أهل بلد من كثرة الفار في
مقاتيهم، فقال لبعض جماعة: اذهب فناد في الغيط حسبما رسم محمد ابن أبي الحمائل أن
ترحلوا أجمعون، فنادى الرجل لهم كما قال الشيخ، فخرج الفار كله من ذلك الوقت، فلم
ير هناك واحدة منها، وقيل: أمره أن ينادي معاشر الفيران حسبما رسم محمد بن أبي
الحمائل إنكم ترحلون من هذا الغيط، وكل من قعد منكم بعد الليلة شنق بلا معاودة،
فخرجت الفار كلها إلا سبعاً فوجدت مشنوقة في عيدان العصفر، وقد استقصى بعض أحواله
الشيخ عبد الوهاب الشعراوي في طبقاته، وكانت وفاته بمصر في سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة،
وصلي عليه بالجامع الأزهر، ودفن بزاويته بخط بين الصورين، وقبره بها ظاهر يزار.
45 - محمد التونسي : محمد بن أحمد، الشيخ الإمام، المدقق
الصالح. أبو المواهب التونسي الشاذلي نزيل مصر، وهو الذي كان متصدراً في قبالة
رواق المغاربة بالجامع الأزهر، وكان صاحب أوراد وأحوال، توفي في أوائل القرن
العاشر رحمه الله تعالى.
46 - محمد بن خطيب حمام الورد: محمد بن أحمد بن محمد القاضي،
كمال الدين الدمشقي الشهير بابن خطيب حمام الورد، ولد سابع عشر رجب سنة ست وأربعين
وثمانمائة، وتوفي في جمادى سنة ثلاث وتسعمائة - رحمه الله تعالى.
47 - محمد أبي الفضل: محمد بن أحمد بن محمد بن أيوب، الشيخ
العلامة، المفنن محب الدين الشهير بأبي الفضل الدمشقي الشافعي. مولده في ثالث عشر
شعبان سنة أربعين وثمانمائة. أخذ عن الشيخ زين الدين الشاوي وغيره، وألف كتباً في
الفقه وغيره. منها شرح على المنهاج وشرح على المنفرجة وتخميسها وغير ذلك، وعني بحل
الزايرجه السبتية، وتوفي يوم الاثنين تاسع عشر المحرم سنة خمس وتسعمائة، ودفن من
الغد بمقبرة الفراديس شمالي شباك الخانقاه النحاسية غربي الذهبية عند شيخه ابن
الشاوي، ومن شعره قوله ملمحاً بحديث المسلسل بالأولية رواه عنه ابن طولون ومن خطة نقلت:
إن رمتم فوزاً لدى رب السما ... وأن تنالوا في الجنان
أنعما
فأهل الأرض أوسعوهم رحمة ... لعل أن يرحمكم من في السما
48 - محمد العمري: محمد بن أحمد محمد سيدي الشيخ، العارف بالله
تعالى، الولي الورع، الزاهد المجذوب، شمس الدين محمد ابن سيدي الشيخ العارف بالله
تعالى أبي العباس بن شمس الدين العمري، الواسطي، المصري. قال الحمصي: كان له كرامات
ظاهرة، وكشف صحيح، وكانت وفاته بالقاهرة يوم الأربعاء، في سادس عشري جمادىالآخرة
سنة عشرة وتسعمائة. ودفن بجامعه بالقاهرة بقرب والده.
49 - محمد الكوكاجي الحنبلي: محمد بن أحمد أقضى القضاة عز
الدين ابن القاضي شهاب الدين الكوكاجي الحموي، ثم الدمشقي الحنبلي، ولد بعد
الأربعين وثمانمائة، وتوفي عشية الثلاثاء تاسع عشر في القعدة سنة سبع عشرة
وتسعمائة. وصلي
عليه بالجامع الأموي، ودفن بالروضة من سفح قاسيون - رحمه الله تعالى.
50 - محمد بن شكم: محمد بن أحمد الشيخ الإمام العلامة نجم
الدين ابن الشيخ العلامة شهاب الدين الشهير بابن شكم الدمشقي الشافعي، قال الحمصي:
كان عالماً صالحاً زاهداً. وذكر ابن طولون في تاريخه أنه كتب على أربعين مسألة بالشامية.
كتبها له وسأله عنها مدرسها شيخ الإسلام تقي الدين ابن قاضي عجلون، فكتب عليها،
وعرضها عليه يوم الأربعاء سادس عشري ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وتسعمائة عند ضريح
الواقفة، فأسفر عن استحضار، حسن، وفضيلة تامة، وكانت وفاته في خامس عشر شوال يوم
الاثنين سنة تسع عشر وتسعمائة بتقديم التاء، ودفن بصالحية دمشق رحمه الله تعالى.
51 - محمد بن البهوتي: محمد بن أحمد القاضي بدر الدين بن أبي
العباس البهوتي المصري الشافعي من أعيان المباشرين بمصر، وكان ذا ثروة ووجاهة
زائدة، حتىهابه بنو الجيعان وغيرهم من أرباب الديوان، وكان قد عرض بعض الكتب في
حياة والده على الشرف المناوي، والجلال البكري، والمحب ابن الشحنة، والسراج
العبادي وغيرهم، وكان ملازماً للشيخ محمد البكري النازل بالحسينية، وله فيه اعتقاد
زائد، ولما دخل السلطان سليم بن عثمان مصر القاهرة، وتطلب العثمانيون الجراكسة
ببيوت مصر وجهاتها، حشى القاضي بدر الدين البهوتي على نفسه وعياله، فحسن عنده أن
يتوجه بهم إلى مصره عند صهره نور الدين البكري، فأنزلهم في الشختور، ثم أتى مسرعاً
لينزل معهم، فوضع قدمه على حافة الشختور، فاختلت به، فسقط في النيل فغرق، فاضطربوا
لغرقه، فانحدر الشختور إلى الوطاف العثماني، فظنوا أنهم من الجراكسة المتشبهين
بالنساء، فأحاطوا بهم وسلبوهم ما معهم بعد التفتيش، فبينما هم على ذلك إذ أتى زوجة
القاضي بدر الدين المخاض، فرحمها شخص بقرب قنطرة قديدار، فوضعت ولداً ذكراً في منزله،
وكان القاضي بدر الدين يتمنى ذلك، وينذر عليه النذور، فلم يحصل إلا على هذا الوجه،
وأحيط بماله وما جمعه، فاعتبروا يا أولي الأبصار، وكان ذلك في أواخر سنة اثنتين
وعشرين وتسعمائة.
52 - محمد بن العجمي الحنبلي: محمد
بن أحمد بن علي بن إبراهيم أقضى القضاة، السيد الشريف ناصر الدين أبو عبد الله
العجمي الأصل، الحلبي المولد، الإردبيلي الخرقة الحسيني الحنبلي، المعروف
بالمهمازي. توفي بحلب سنة ست وعشرين وتسعمائة.
53 - محمد بن الشماخي : محمد بن أحمد الشيخ، الصالح الناسك
السالك. بل العارف بالله تعالى، المربي المسلك المعمر، كمال الدين ابن الشيخ غياث
الدين ابن الشيخ كمال الدين الشماخي الأصل والمولد، وشماخي أم المدائن بولاية
شروان. أخذ عن السيد يحيى ابن السيد بهاء الدين الشرواني الشماخي المولد، ثم
الباكوي الوطن، وباكو بلدة من ولاية شروان أيضاً وبها توفي السيد يحيى - إلى رحمة الله
تعالى - في سنة ثمان أو تسع وستين وثمانمائة، وكان السيد يحيى هذا جليل المقدار
انتشرت خلفاؤه إلى أطراف الممالك، وترجمه صاحب الشقائق النعمانية. وقال: يحكى عنه
أن لم يأكل طعاماً في آخر عمره مقدار ستة أشهر، فاشتهى في تلك المدة طعاماً عينه،
فاهتم أكبر أولاده به، وأحضره، فلما أخذ لقمة اشتغل بتقرير المعارف الإلهية
زماناً، ثم ترك اللقمة، ولم يأكلها فقيل له في ذلك، فقال: إن الحكيم لقمان تغذى
برائحة شيء من الترياق عدة سنين، ولا بعد في أن أتغذى برائحة هذه اللقمة.
وأما مريده الشيخ كمال الدين صاحب الترجمة، فذكر العلائي
أنه دخل القاهرة بعد فتنة الطاغية إسماعيل شاه، فلم يظهر مشيخة ولا سلوكاً، ولا
تقرب من أرباب الدنيا، بل جلس في حانوت بقرب خان الخليل يشتغل فيه الأقماع
والكوافي على أسلوب العجم بحسن صناعة، وجميل دربة، وإتقان صنع. قال: وكان حافظاً
لعبارات كثير من المشائخ، وآدابهم، وأخلاقهم، وحسن سيرتهم مما خلا منه كثير من
المتصدرين مع عدم التكثر والتبجح، وكان وفاته ليلة الاثنين ثالث ربيع الأول سنة
سبع وعشرين وتسعمائة. عن نيف وتسعين سنة ووقع في كلام العلائي عن مائة وثلاث عشرة
سنة رحمه الله تعالى.
54 - محمد بن النجار الدمياطي : محمد بن أحمد بن عيسى الشيخ
الإمام الأوحد العلامة. الحجة العمدة اللهامة شيخ وقته أمين الدين أبو الجود بن
النجار الدمياطي، الشافعي خطيب جامع الغمري بمصر، وهو أحد تلاميذ شيخ الإسلام الجد
مع أنه أسن منه، وأشياخ شيخ الإسلام الوالد، ووصفه الوالد " بشيخ "
الإسلام، ومرة أخرى بولي الله تعالى، ولد كما قرأته بخط تلميذه الشيخ نجم الدين
الغيطي سنة خمس وأربعين وثمانمائة. وممن أخذ العلم عنهم أيضاً شيخ الإسلام صالح
البلقيني، والتقي الشمني، والسيدة زينب بنت الحافظ عبد الرحيم العراقي وغيرهم، وقد
كان - رحمه الله تعالى - ممن جمع الله له بين العلم والعمل، وكان في علوم الشرع
إماماً، وفي علوم الحقيقة قدوة، وكان متواضعاً يخدم العميان والمساكين ليلاً
ونهاراً، ويقضي حوائجهم، وحوائج الفقراء، والأرامل، ويجمع لهم من أموال الزكاة،
ويفرقها عليهم، ولا يأخذ لنفسه من ذلك شيئاً، وكان يلبس الثياب الزرق، والجبب
السود، ويتعمم بالقطن غير المقصور، وكان لا يترك قيام الليل صيفاً ولا شتاءً، وكان
ينام بعد الوتر لحظة، ثم يقوم وينزل إلى الجامع، فيتوضأ ويصلي والباقي للفجر نحو سبعين
درجة، ثم يصعد الكرسي ويتلو نحو ربع القرآن سراً، فإذا أذن الصبح قرأ جهراً قراءة
تأخذ بجوامع القلوب، فمر نصراني من مباشري القلعة يوماً في السحر، فسمع قراءته فرق
قلبه وأسلم على يدي الشيخ وهو على كرسته، وحسن إسلامه، وصلى معه الفجر، وبقي يصلي
خلفه إلى أن مات، وكان يأتيه الناس للصلاة خلفه من بولاق، ومن نواحي الجامع الإزهر
في صلاة الصبح لحسن صوته، وخشوعه، وكثرة بكائه حتى يبكي غالب الناس خلفه، وكان
سيدي أبو العباس الغمري يقول عن جامعه: الجامع جثة، والشيخ أمين الدين روحها، وكان
يقري ويضيف كل وارد، وكان يخدم نفسه، ويحمل الخبز على رأسه إلى الفرن، ويحمل حوائجه
من السوق، ولا يمكن أحداً من حمل ذلك، وكان مع هذا له هيبة عظيمة يكاد من يعرفه
يرعد من هيبته، وكان قد انتهت إليه الرئاسة بمصر في علوم السنة بالكتب الستة
وغيرها، وكان يقرأ الأربع عشرة رواية، ومناقبه كثيرة.
وله كرامات منها ما أحكاه الشيخ عبد الوهاب الشعراوي -
رحمه الله تعالى - أنه رآه مرة
أقسم على خشبة، فزحفت حتى وصلت إلى ركبتيه، ونقل ابن
طولون عن الشيخ الفضل بن أبي اللطف أنه كان من أهل العلم. قال: وجرت له محنة في
أيام السلطان قانصوه الغوري، وهي أن بعض التجار أودع عنده مالاً له صورة، وقال له:
إذا بلغ ولدي بعد موتي، فادفعه إليه، فجاء الولد إليه، وهو دون البلوغ يطلب منه المال،
فقال له: حتى تبلغ، فذهب إلى السلطان، فاشتكى عليه، فطلبه السلطان وطالبه
بالوديعة، فأنكرها وحلف عليها، ثم لما بلغ الولد أقر بها، ودفعها إليه، فعلم
السلطان بذلك، فطلبه فقال له: كيف تحلف ما عندك وديعة والآن قد أقررت بها؟ فقال
له: إن فقهاء الشافعية كالنووي في الروضة قالوا: إن الظالم إذا طلب الوديعة من
الوديع، وخاف منه عليها له أن ينكرها، ويحلف على ذلك وأنت ظالم، فرسم عليه
السلطان، ثم شفع فيه، فأطلقه وأخبرنا شيخ الإسلام الوالد إجازة إن لم يكن سماعاً
أن والده شيخ الإسلام رضي الدين الجد نظم قصيدة في نحو مائة بيت في معنى سأله في
نظمه تلميذه شيخ المسلمين أمين الدين ابن النجار صاحب الترجمة، فأجابه إلى سؤاله،
وكتب إليه من القصيدة بهذه القطعة:
إلهي سيدي ربي أغثني ... وخذ بيدي ومن بعدي أجرني
إلهي قد جنيت وأي عبد ... ضعيف الخلق مثلي ليس يجني
إلهي ليس أجدر بالخطايا ... وبالتقصير والزلات مني
إلهي لو أتيت بكل ذنب ... فلا أولى بعفو عنك عني
إلهي أنت ذو صفح جميل ... وجود واسع وعظيم من
إلهي ما عصيت بغير علم ... ولا أبداً أطعت بغير إذن
إلهي إن أطع فبمحض فضل ... وإن أعص فمن نقص ووهن
إلهي ما لعبد حجة في ... تحمله الجناية والتجني
إلهي إن حجتك التي قد علا ... برهانها من غير طعن
إلهي ليتني لوكنت عبداً ... بلا خطأ وهل يجدي التمني
إلهي ليتني لا كنت إذ لم ... أطعك وليت أمي لم تلدني
إلهي إن خوفي زاد لولا ... رجائي مت من هم وحزن
إلهي من يناقش في حساب ... يعذب منه يا رب أقلني
إلهي أنت قهار حليم ... بحقك منك يا ذخري أعذني
إلهي ليس إلا أنت ربي ... فلا أبداً بغيرك تمتحني
إلهي إن أسأت بغير علم ... فإني فيك قد أحسنت ظني
إلهي أنت قد حققت فقري ... إليك وليس شيء عنك يغني
إلهي إنني أخشى وأرجو ... أماناً منك فامنن لي بأمن
إلهي غير بابك في أموري ... إذا ما ضقت ذرعاً لم يسعني
إلهي قد رجعت إليك عما ... سواك فلا إلى غير تكلني
إلهي مثل ما أحسنت بدءاً ... ففي العقبي بحقك لا تسئني
إلهي من يعين على وصولي ... إلى ما يرتضى إن لم تعني
إلهي من سواك يزيل همي ... ومن أدعوه مضطراً يجبني
إلهي لست أحصي ما به قد ... منحت من العطاء بلا تعني
كانت وفاة الشيخ أمين صاحب صاحب الترجمة - رحمه الله
تعالى - ليلة السبت السابع والعشرين من شهر القعدة سنة ثمان وعشرين وتسعمائة، وقال
الشعراوي سنة تسع وعشرين، وهو تقريب منه على عادته الغالبة في طبقاته، والأول أصح،
حرره الحمصي في تاريخه، ويؤيده ما ذكره ابن طولون أنه صلي عليه غائبة بالجامع الأموي
بدمشق يوم الجمعة ثاني عشري صفر سنة تسع وعشرين وتسعمائة، قال الشعراوي: ودفن
بتربة خارج باب النصر، بالقرب من زاوية سيدي الحصري رضي الله تعالى عنهما.
55 - محمد بن الكنجي : محمد بن أحمد، الشيخ الإمام العالم أبو
عبد الله شمس الدين ابن الشيخ الصالح شهاب الدين الكنجي الدمشقي الشافعي، ولد في
ربيع الأول سنة ست وخمسين وثمانمائة، وقرأ العربية على الشيخ موسى التونسي
المغربي، ثم قدم دمشق وصار من أصحاب شيخ الإسلام الجد، وشيخ الإسلام الوالد، وقرأ
عليهما قال الشيخ الوالد: لزمني كثيراًوقرأ علي جانباً كبيراً، نحو الثلث من كتاب
المصابيح للبغوي، ومن شرحي على منظومة والدي شيخ الإسلام، مختصر جمع الجوامع في
الأصول، من أوله إلى مسألة ما لا يتم الواجب المطلق إلا به، فهو واجب، وغير ذلك،
قال: وحضر تقاسيدي للمنهاج والتنبيه وهو عمي من الرضاع، وكان - رحمه الله تعالى -
له يد في النحو والحساب والميقات، حافظاً للقرآن، مجوداً، وولي، مشيخه الكلاسة،
مات يوم الجمعة خامس عشر ذي القعدة الحرام سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة، ودفن بباب
الصغير، وكان ينشد كثيراًفي معنى الحديث:
والناس أكيس من أن يمدحوا رجلاً ... حتى يروا عنده آثار
إحسان
56 - محمد بن الفيوفي: محمد بن أحمد، الشيخ العلامة بدر الدين
الفيومي الصوفي، كان من أصحاب شيخ الإسلام الوالد، سمع عليه مجلسين من صحيح مسلم، بقراءة
صاحبه الشيخ برهان الدين البقاعي، وحضر مجالسه في غير ذلك، وتوفي، بحلب سنة ثلاث
وثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
57 - محمد بن الموقع: محمد
بن إسماعيل القاضي محمد بن عماد الدين الموقع، قال الحمصي: كان مباركاً، توفي في
دمشق في ربيع الأول سنة اثنتي عشرة وتسعمائة.
58 - محمد بن جمعة: محمد بن جمعة، الشيخ الإمام العلامة بدر
الدين الفيومي الحنفي المعروف بابن جمعة، من أعيان العلماء الفضلاء بمصر ومشاهيرهم
بها، ولي، مشيخة القبة بتربة بشبك بالمطرية، ودخل إلى الروم مرتين، ودخل فيهما دمشق،
الأولى صحبة قاصد السلطان قايتباي، فعاد إلى دمشق منها في جمادى الأولى سنة ست
وتسعمائة، والثانية في سنة سبع وتسعمائة، بتقديم السين فيهما، وكتب فيها بدمشق عند
جوازه بها قاصداً لملك الروم السلطان أبي يزيد بن عثمان، في نصف شهر صفر من السنة
المذكورة إلى شيخ الإسلام رضي الدين الغزي جدي لغزاً صورته:
يا من له أدب وفضل لا يحد ... ومحاسن فوق الحساب فلا تعد
ويحل إن نفث البليغ معانياً ... في مبهمات اللفظ فهي لها
عقد
ما اسم تركب من حروف مثل ما ... قد قامت الأركان منا
بالجسد
فأعجب لها من أربع قد ركبت ... فردين مع زوجين في اللفظ
انعقد
فرد وزوج أولان اتصلا ... كأن ذا وذاك روح وجسد
وآخران انفصلا بعدهما ... كعاشق معشوقه عنه انفرد
فبين فردين أتى زوج كذا ... ما بين زوجين لنا فرد ورد
والأول النصف لثان عده ... والثالث النصف لرابع العدد
والثالث الثلث لأول كما ... رابعه ثلث لثانيه يعد
وعد حرف منه ساوى عدد ال ... باقي لمن قابل ذا بذا وعد
حرف له نصف وحرف ثلث ... وحرف السدس حساباً لن يرد
ذاك ثلاثة وهذا إثنان وال ... آخر إن تطلبه واحد أحد
يقلى الذي يلقاه أبو لم يلقه ... جوى بقلب واجب طول الأبد
قد بان ما قد بان من لغز يرى ... طرداً وعكساً في نظام
اطرد
فهاك لغزي إن ترد جوابه ... تجده دونه بدا يا ذا الرشد
فأت به مبيناً مفصلاً ... وحل مافي النظم حل وانعقد
فأجاب عنه شيخ الإسلام الجد بقوله رضي الله تعالى عنه:
يا سيداً حاز الفضائل وانفرد ... بمعارف قد جد فيها
واجتهد
مازلت تبدي كل حين تحفة ... بعجائب من بحر عرفان تمد
أرسلت لي لغزاً بديعاً وصفه ... عقدته بنوادر لا تنتقد
في اسم تركب من حروف أربع ... معلومة مثل الطبائع في
العدد
فردين مع زوجين فيها ركباً ... من أول مع آخر أيضاً ورد
مع ما ذكرت به من الألغاز في ... نظم ببحر كامل منه استمد
وطلبت فيه جواب ما ألغزته ... مني بتفصيل يحلل ما انعقد
وجواب لغزك بين أوضحته ... بصريح لفظ فيه بالمعنى اتحد
النصف منه الربع أو إن شئت قل ... نصف وربع نصفه من غير
رد
والربع نصف ربعه أو ضعفه ... من طرده أو عكسه حيث اطرد
والربع نصف سدسه أو سدسه ... هندسة ما ثم من لها جحد
والقلب واجباً إذا انتدبته ... كذا وليس خافياً على أحد
وهو الصواب إن حذفت أولاً ... عوضته بسورة بلا فند
وهو الجواب بحذف آخر وإن ... يبدل بدال فجواد ذو مدد
وإنه المسؤول عنه ظاهراً ... فدم بجنة الرضى إلى الأبد
توفي الشيخ بدر الدين بن جمعة صاحب الترجمة في يوم الخميس
ثاني جمادى الآخرة سنة أربع عشرة وتسعمائة.
59 - محمد بن المزلق: محمد بن حسن، قاضي القضاة شمس الدين أبو
البقاء بن المقر بدر الدين ابن الخواجا شمس الدين الشهير بابن المزلق الدمشقي الشافعي،
ولد بالقدس الشريف سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، وتوفي مقتولاً شهيداً بدمشق،
ليلة الخميس تاسع عشر رجب سنة اثنتين وتسعمائة، ودفن بتربتهم شرقي مسجد الدبان،
قيل: عاملت جاريتاه عليه ثلاثة مماليك من مماليك الحاجب الكبير تمريغا - رحمه الله
تعالى - .
60 - محمد بن القلفاط: محمد بن حسن، القاضي ولي الدين ابن
القاضي بدر الدين بن القلفاط الشافعي، خليفة الحكم العزيز بالقاهرة، حكم بين خصمين
في بناء جدار، وحكم القاضي شمس الدين الخطيب المصري الحنفي بخلافه، فترافع الخصمان
إلى السلطان الغوري فطلب القاضيين، ونهر صاحب الترجمة منهما، فعاد إلى بيته واستمر
ضعيفاً أياماً، إلى أن مات يوم الاثنين ثاني عشر القعدة سنة إحدى عشرة وتسعمائة
ببولاق - رحمه الله
تعالى - .
61 - محمد بن الشاوي : محمد بن حسن، الشيخ الإمام شيخ الإسلام
أبو عبد الله شمس الدين ابن الشيخ بدر الدين الشاوقي الشافعي، توفي يوم الجمعة
سابع عشر شعبان سنة اثتتي عشرة وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
62 - محمد بن الساموني : محمد بن حسن بن عبد الصمد، العالم
العامل الزاهد المولى محيي الدين الساموني الروفي الحنفي، قرأ على والده، وعلى المولى
علاء الدين العربي، ثم ولي التدريس، وترقى فيه، ثم صار قاضي أدرنة من قبل السلطان
سليم، وتوفي وهو قاض بها. قال صاحب الشقائق النعمانية: كان مشتغلاً بالعلم غاية
الاشتغال، بحيث لا ينفك عن حل الدقائق ليلاً ونهاراً، وكان معرضاً عن مزخرفات
الدنيا، وكان يؤثر الفقراء على نفسه، حتى يختار لأجلهم الجوع والعري، وكان راضياً
من العيش بالقليل، وكان له محبة صادقة للصوفية، وله حواش على شرح المفتاح للسيد
الشريف، وحواش على حاشية التجريد للسيد أيضاً، وحواش على التلويح للعلامة
التفتازاني، وكانت وفاته سنة تسع عشرة وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
63 - محمد بن البابي الحلبي البيلوني : محمد بن حسن بن محمد بن
أبي بكر، الشيخ العالم العامل الصالح، شمس الدين أبو عبد الله ابن الشيخ الصالح
المقري بدر الدين البابي المولد، الحلبي المنشأ، الشافعي، المعروف بابن البيلوني،
لازم الشيخ بدر الدين بن السيوفي، وحدث عنه، وقرأ على الكمال محمد بن الناسخ
الطرابلسي، وهو نزيل حلب في شعبان سنة خمس وتسعمائة، من أول صحيح البخاري إلى أول
تفسير سورة مريم، وأجازه ولمن معه، وأجازه جماعة آخرون منهم الحافظ شمس الدين
السخاوي، وألبسه الطاقية، وصافحه وأسمعه الحديث المسلسل بالمصافحة، ومنهم الكمال والبرهان
ابنا أبي شريف الشافعيان المقدسيان، وذلك عن اجتماع بهما وقراءة عليهما، وحدث
بجامع حلب على الكرسي بصحيح البخاري وغيره، وولي إمامة السفاحية والحجازية بجامع
حلب دهراً، وكان متقشفاً متورعاً عن فاخر الثياب، وأثوابه إلى أنصاف ساقيه عملاً
بالسنة، متواضعاً يعبر عن نفسه بلفظ عبيدكم كثيراً، وكان ربما قال لغيره، كيف
وليدكم وعبيدكم؟ فناقشه بعضهم في ذلك، فأجاب بأنه يقصد بالتصغير التعظيم كما هو مذهب
الكوفيين، وكانت وفاته بحلب يوم السبت ثاني عشري القعدة سنة تسع عشرة وتسعمائة.
64 - محمد بن عنان : محمد
بن حسن، الشيخ العالم الصالح الناسك العارف بالله تعالى الشهير بابن عنان المصري
الشافعي، كان ممن جمع بين علم الشرع وعلم الحقيقة، تفقه بالشيخ يحيى المناوي، وهو
ممن أخذ عنه أيضاً، وكان سيدي محمد بن عنان ممن اشتهر بالجد في العبادة، والاجتهاد
في الطاعة، وقيام الليل، وحفظ الأوقات من التضييع، حتى كان سيدي محمد بن أبي
الحمائل يقول: ما رأت عيني أعبد من ابن عنان، وقصده الشيخ أمين الدين ابن إمام
الكاملية إلى بلاد الشرقية، وأخذ عنه وتبرك برؤيته، وكان يحفظ القرآن العظيم، قال
الشيخ عبد الوهاب الشعراوي: قال لي مرة: حفظت القرآن وأنا رجل كبير، فقرأت النصف
الأول أولاً على الشيخ ناصر الدين بن الاحطائي، والنصف الثاني على أخي الشيخ عبد القادر،
كان لا يترك قيام الليل صيفاً ولا شتاًء، من حين كان صغيراً، وكان يتهيأ ويستعد
لقيام الليل من صلاة العصر، فلا يستطيع أحد أن يكلمه حتى يصلي الوتر بعد العشاء،
فإذا قام للتهجد من الليل، لا يتجرأ أحد أن يكلمه حتى يصلي الضحى، وكان لا يصغي قط
لشيء من كلام الناس فيما لا يعنيه، ولا يستمع إلى أخبار الناس، لا سأل عن عزل من
عزل، ولا تولية من تولى، قال الشيخ عبد الوهاب: وسمعته مرة يقول: منذ دخلت طريق
الفقراء لا أقدر أجلس على حدث قط، بل وضوئي دائم ليلاً ونهاراً، قال: ولقد أصابتني
جنابة مرة في ليلة باردة، وكان على باب داري بركة جمد ظاهرها من البرد، فنزلت فيها
واغتسلت، فوجدتها من شدة الهمة كأنها مسخنة بالنار، وكان إذا استنجى في الخلاء
وأبطأ ماء الوضوء، يرى أن يضرب يده في الحائط ويتيمم حتى يجيء الماء، ولا يجلس على
غير طهارة لحظة، وكان يقول: من ادعى مجالسة الله عز وجل وهو يمكث على حدث لحظة
واحدة، فهو قليل الأدب.
وظهرت له كرامات كثيرة، منها ما ذكره الشيخ يوسف الحريثي
أن طائفة الفقراء وردوا على سيدي محمد على غفلة وهو شاب، وكانوا نحو خمسمائة فقير،
فأشبعهم كلهم من عجين أمه، وكان نصف ويبة ستر إناء العجين بردائه، وقال لأمه: قرصي
منه ولا تكشفيه، فأخذت منه ما كفاهم، ثم أمرها فكشفت الإناء فلم تجد فيه شيئاً،
وقال الشيخ أمين الدين بن النجار: كنا في سفر مع سيدي أبي العباس الغمري، وسيدي
محمد بن عنان، فاشتد الحر علينا، فنزل الشيخان وطرحا على حمارتيهما بردة، وجلسا في
ظلها، فعطش سيدي أبو العباس فلم يجد معنا ماء يشربه، فأخذ سيدي محمد طاسته وغرف
بها ماء بارداً من الأرض الناشفة وقدمه لسيدي أبي العباس، فلم يشرب منه فقال: يا شيخ
محمد، الظهور في هذه الأيام يقطع الظهور، فقال سيدي محمد: وعزة الله لولا خوف
الظهور لسألت الله تعال أن يجعلها بركة يشرب منها البهائم إلى يوم القيامة، وقال الشيخ
شمس الطبخي وهو صهر سيدي محمد بن عنان: إن شخصاً كان في مقبرة برهمتوش، يصيح كل
ليلة في قبره، فأعلموا سيدي الشيخ محمد بذلك، فمشى إلى قبره، وقرأ عليه سورة
الملك، ودعا الله تعالى ساعة، فمن تلك الليلة ما سمعوا له صياحاً، وكان إذا دخل
على فقير من إخوانه النافعين للناس وهو مريض يتحمل عنه المرض ويضطجع، فيقوم ذلك
المريض في الحال، كأن لم يكن به مرض، وفعل ذلك مع الشيخ أبي العباس الغمري وغيره،
قال الشيخ عبد الوهاب: ولما حضرته الوفاة فوق سطوح جامع باب البحر بخط المقسم، مات
نصفه الأسفل، فصقى وهو جالس بالإيماء، فلما فرغ من الصلاة أشار إلي أضجعوني فأضجعناه،
فما زال يهمهم بشفتيه والسبحة في يده، حتى كانت آخر حركة يده وشفته طلوع روحه،
وكان ذلك في شهر رييع الأول، سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، ودفن خلف محراب جامع
المقسم، وبنى عليه ولده الشيخ أبو الصفا قبة وزاوية - رحمه
الله تعالى - .
65 - محمد بن الداديخي: محمد بن حسين الشيخ شمس الدين المجود
المقرئ الداديخي، ثم الحلبي الشافعي، كان ديناً خيراً، وله أخلاق حسنة. أخذ
القراءات عن مغربي كان بداديخ، وبرع فيه وفي غيره، وأخذ عن البازلي بحماة، وعن
البدر السيوفي بحلب، وهما أجل شيوخه. ثم كان يشغل الطلبة في قبة بجامع عبيس، ويؤدب
الأطفال، وتوفي سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة.
66 - محمد بن حمزة الحسيني : محمد بن حمزة بن أحمد بن علي بن
محمد بن علي بن الحسن بن حمزة، الشيخ الإمام شيخ الإسلام، مفتي دار العمل بدمشق،
السيد الشريف الحسيب النسيب، أبي عبد الله كمال الدين الحسيني الدمشقي الشافعي الشهير
بأبيه، ولد في جمادى الأولى سنة خمسين وثمانمائة، كما قرأته بخطه في إجازته لأولاد
مفلح، وبلغني أن والده استجاز له من ابن حجر، ولا يبعد فإن وفاة ابن حجر كانت ليلة
السبت ثامن عشر ذي الحجة سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، واشتغل في العلم على والده
وخاليه النجمي والتقوي ابني قاضي عجلون، وعلى غيرهم، وبرع وفضل وتردد إلى مصر في
الاشتغال والأشغال، ثم صار أحد الشيوخ المعول عليهم من الشافعية بدمشق فقهاً
وأصولاً وعربية وغير ذلك، وولي إفتاء دار العدل بدمشق، وقصده الطلبة، وكان جامعاً
للعلوم مع جلاله ومهابة وهيئة حسنة، وكان يقرر في درسه بسكينة وتؤدة وأدب واحتشام،
مع حل المشكلات ومراجعة التصحيح للشيخ نجم الدين ابن قاضي عجلون، والوقوف عندما صححه
من كلام الشيخين وكلام المتأخرين، وكان يتردد إلى مصر، وتزوج وانتفع به الطلبة،
وتخرج به الطلبة بدمشق والقاهرة، وما والاهما، وكان يدرس ويفتي وآخراً ترك
الإفتاء، قال والد شيخنا الشيخ يونس العيثاوي - رحمه الله تعالى - : وكان يرد
الأسئلة إلى بعض تلامذته لأمور منها: المحنة التي حصلت له مع السلطان قانصوه
الغوري، وهي أنه رفع إليه سؤال فيمن بنى بنياناً في مقبرة، مسألة هل يهدم أو لا؟
فكتب أنه يهدم، فهدم على الفور، وكان الميت المبني على قبره أحد أولاد محب الدين
الأسلمي، ناظر الجيوش بالشام، بمقبرة الشيخ أرسلان، وكان الهدم يوم الأربعاء ثاني
رمضان سنة ثلاث عشرة وتسعمائة، بحضرة قاضي القضاة الشافعية الولوي بن الفرفور،
وقاضي القضاة المالكية خير الدين الغزي، وقاضي القضاة الحنابلة نجم الدين عمر بن
مفلح، وصاحب الترجمة مفتي دار العدل كمال الدين بن حمزة وغيرهم، فلما هدم البناء
المذكور استفتى أبو الميت محب الدين المذكور شيخ الإسلام التقوي ابن قاضي عجلون
وهو خال السيد كمال الدين صاحب الترجمة فأفتى بعدم الهدم، وهو غير المنقول، وكأنه
أدخل عليه في السؤال ما دعاه إلى الإفتاء بنلك، فأخذ محب الدين المذكور خط شيخ الإسلام
ابن قاضي عجلون، وسافر به إلى مصر، بعد أن عقد بسبب ذلك مجالس عدة بدمشق منها يوم
الأحد سادس المحرم سنة أربع عشرة وتسعمائة، بحضرة نائب الشام يومئذ سيبائي،
والقضاة الأربعة والدوادار دولتباي وغيرهم، اجتمعوا بالتربة المذكورة وكشفوا
عليها، واتفق الحال آخراً على أن من قال بقدم الجدار المبني يكتب خطه ومن قال
بحدوثه يكتب خطه، ثم سافر محب الدين ووقف للغوري شاكياً باكياً، وبلغني أنه حمل
معه من عظام الموتى، فطرحها بين يدي الغوري، فعند ذلك بعث الغوري في طلب السيد
كمال الدين وخاله وولده القاضي نجم الدين، وقاضي القضاة الولوي بن الفرفور، وقاضي
القضاة ابن يونس، وقاضي القضاة ابن خير الدين، وقاضي القضاة ابن مفلح وأقضى القضاة
شهاب الدين الرملي، وعقد لهم مجلس بحضرة الغوري وعلماء مصر وقضاتها، وصاروا
يتألفون السلطان بالجمع بين الإفتائين، تأدباً مع الشيخ تقي الدين ابن قاضي عجلون لأنه
كان يومئذ شيخ الكل على الإطلاق، وكان للسيد أيضاً أصحاب وأنصار، فما أمكنهم إلا
الإصلاح، وكان من كلامهم للسلطان الغوري أن العلماء ما زالوا يختلفون في الوقائع
وكل أفتى بحسب ما ظهر له، وكان ميل الغوري إلى ما أفتى به الشيخ تقي الدين، وانفصل
الأمر بعد عقد مجالس على المصادرة، وأخذ المال، وعزل ابن الفرفور وتولية القاضي
نجم الدين ابن الشيخ تقي الدين المذكور قضاء القضاة الشافعية، وعاد هو ووالده إلى
دمشق متولياً لقضائها، ومكث مدة بها قاضياً، ثم عزل بابن الفرفور، واستمر الولوي
بن الفرفور قاضياً إلى انقضاء الدولة الجراكسة، وعاد السيد كمال الدين وبقية
القضاة إلى دمشق، وعكفت الطلبة عليه، وعظم شأنه، حدثنا بهذه القصة مراراً مشافهة
شيخنا - فسح الله تعالى في مدته - عن والده الشيخ يونس - رحمه الله تعالى - ومن
خطه نقلت ما عدا تاريخ الهدم والمجلس الذي عقد بالتربة المذكورة فإني حررته من كتاب
ابن طولون، ونقلته من خطه، وولي السيد كمال الدين بن حمزة - رحمه الله تعالى - مع
تدريس البقعة
بالجامع الأموي، تدريس الشاميتين بدمشق الجوانية
والبرانية والعزيزية والتقوية والأتابكية، وكان مجلس درسه بالجامع الأموي شرقي
مقصورته، ولما دخل إبراهيم باشا الوزير الأعظم إلى دمشق في سنة إحدى وثلاثين
وتسعمائة، رتب له في مال الجوالي بدمشق ثلاثين عثمانياً، وكان قليل الاعتراض على
الحكام في أمر العامة، وعاش عيشة هنية نقية، وكان يتودد إلى أهل الصلاح، وممن حمل
عنه الفقه وغيره من العلماء الشيخ الإمام العالم العلامة تقي الدين بن القاري،
والشيخ العلامة بهاء الدين بن سالم، والعلامة كمال الدين الدركي إمام الشامية
البرانية وخطيبها، والعلامة شمس الدين بن بركات بن الكيال، والعلامة برهان الدين
الأخنائي، والعلامة القاضي جلال الدين البصروي، والعلامة القاضي زين الدين عبد
الرحمن ابن شيخ الإسلام التقوي ابن قاضي عجلون، والعلامة القاضي جمال الدين بن
حمدان، والشيخ العلامة برهان الدين بن حمزة، والشيخ العلامة يعقوب الواعظ، والشيخ العلامة
شمس الدين الوفائي الواعظ، والشيخ العلامة المفتي المدرس يونس العيثاوي والد
شيخنا، والشيخ العلامة الورع شهاب الدين أحمد الطيبي، والشيخ العلامة الصالح علاء
الدين القيمري وغيرهم، ولم يتفق لشيخ الإسلام الوالد الأخذ عنه لاستغنائه عنه
بشيوخه وأقرانهم من الشاميين والمصريين، كما ستعلمه من ترجمة الشيخ الوالد.بالجامع
الأموي، تدريس الشاميتين بدمشق الجوانية والبرانية والعزيزية والتقوية والأتابكية،
وكان مجلس درسه بالجامع الأموي شرقي مقصورته، ولما دخل إبراهيم باشا الوزير الأعظم
إلى دمشق في سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة، رتب له في مال الجوالي بدمشق ثلاثين
عثمانياً، وكان قليل الاعتراض على الحكام في أمر العامة، وعاش عيشة هنية نقية،
وكان يتودد إلى أهل الصلاح، وممن حمل عنه الفقه وغيره من العلماء الشيخ الإمام العالم
العلامة تقي الدين بن القاري، والشيخ العلامة بهاء الدين بن سالم، والعلامة كمال
الدين الدركي إمام الشامية البرانية وخطيبها، والعلامة شمس الدين بن بركات بن
الكيال، والعلامة برهان الدين الأخنائي، والعلامة القاضي جلال الدين البصروي،
والعلامة القاضي زين الدين عبد الرحمن ابن شيخ الإسلام التقوي ابن قاضي عجلون،
والعلامة القاضي جمال الدين بن حمدان، والشيخ العلامة برهان الدين بن حمزة، والشيخ
العلامة يعقوب الواعظ، والشيخ العلامة شمس الدين الوفائي الواعظ، والشيخ العلامة
المفتي المدرس يونس العيثاوي والد شيخنا، والشيخ العلامة الورع شهاب الدين أحمد
الطيبي، والشيخ العلامة الصالح علاء الدين القيمري وغيرهم، ولم يتفق لشيخ الإسلام
الوالد الأخذ عنه لاستغنائه عنه بشيوخه وأقرانهم من الشاميين والمصريين، كما ستعلمه
من ترجمة الشيخ الوالد.
وحئثني من أثق به عن الشيخ الوالد أن رجلاً قال لشيخ
الإسلام الجد: يا سيدي لو أمرت ولدك الشيخ بدر الدين أن يقرأ على السيد كمال الدين
لكان ذلك حسناً فقال: ولدي من أقران السيد كمال الدين. فكيف يقرأ عليه؟ وأراد بذلك
الشيخ الجد التنويه بمقام ولده، والتعريف بقدره مع اعترافه بكمال الكمال، وإلا فلا
مانع من ذلك، قال والد شيخنا - رضي الله تعالى عنه - : وكان السيد كمال الدين -
رحمه الله تعالى - هو
سبب ظهور شرح المنهاج للشيخ جلال الدين المحلي بدمشق، فإنه استكتبه بمصر، وكتبه
الطلبة وهو مفيد مع الاختصار، وكان الناس يطالعون العجالة، وهي أنفع لاشتمالها على
الدليل والتعليل، والفروع المفيدة، قال وأشياخنا كالإمام البلاطنسي وغيره، كانوا
يأمرون الطلبة بمطالعتها قال: وأول اجتماعي بالسيد المذكور سألني عن محل إقامتي،
فقلت: بميدان الحصا، فقال لي: هذه المحلة خصها الله تعالى بثلاثة أبارية كل منهم
انفرد بفن لا يشارك فيه الشيخ إبراهيم الناجي بعلم الحديث، والشيخ إبراهيم القدسي
بفن القراءات، والشيخ إبراهيم بن قرا في التصوف. انتهى.
ورأيت للشيخ الصالح العلامة علاء الدين بن صدقة قصيدة
يتغزل فيها ويتخلص لمدح صاحب الترجمة، فأحببت إثباتها هذا وهي هذه:
لي في المحبة شاهد بفنائي ... عند الأحبة، وهوعين بقائي
أذهب كلي في الغرام، ولم أدع ... من جملتي إلا محل رجائي
فتبوأ الإحسان مني منزلاً ... وسط الفؤاد، وسائر الأعضاء
ملكتهم رقي، وقلت برقة ... إن تقبلوا فأنا من السعداء
ما زلت أسفح في هواكم أدمعي ... حتى همت ممزوجة بدماء
فأنا الغريق بعبرة في لجة ... أشكو بها من فقد نار جواء
لوكنت في لجج ولم تك في الحشا ... أهل المودة زاد حر
ظمائي
فبحق ساعات الوصال تعطفوا ... وأحيوا بوصل ميت الأحياء
إن تقتلوا مضناكم يا حبذا ... إذ تدخلوه بزمرة الشهداء
أو ترحموا صبا كئيباً ترحموا ... بمراحم من أرحم الرحماء
برح المتيم في الهيام صبابةً ... لما عليه سطت يد البرحاء
يا من هم قصدي وسؤلي والمنى ... إني كلفت بكم وطال عنائي
جودوا وجوروا سادتي فأنا على الح ... الين لم أنقض عهود
ولائي
أعرضت عن قومي لأجل رضاكم ... وغدوت عبداً في الهوى
برضائي
أصبحت عن أهلي غريباً نازحاً ... وارحمتاه لغربة الغرباء
ليس الغريب غريب دار إنما ... عندي الغريب المستهام
النائي
وأنا الذي عني أخلائي نأوا ... والصبر مني ذاهب متناهي
لما ترحلت الأحبة حل بي ... داء ضنيت به وعز دوائي
ساروا إلى نحو الخيام وهم معي ... قد خيموا في القلب
والأحشاء
تلك الليالي الماضيات بقربهم ... كوميض برق في دجى
الظلماء
ماذا عليهم لو أتاني منهم ... من يكشف الضراء بالسراء
وأقول: مهلاً يا رعاك الله إن ... جزت المنازل جز على
اللمياء
ولم الذي قد لامني في حبها ... إن كنت ترعى في الأنام
إخائي
واحفظ فؤادك بين سمر كواعب ... واحذر ظبا الألحاظ بين
ظباء
فأنا القتيل بسيف لحظ عزيزة ... وأنا الطعين بأسمر
الهيفاء
كحل السهاد نواظري من نظرة ... أرسلتها للمقلة الكحلاء
لله كم سهرت عيوني عندما ... شهرت سيوف المقلة النجلاء
لله ما منع الكرى عني سوى ... ذات الدلال بعينها الوسناء
زارت بليل، ثم لما أسفرت ... ولى ظلام الليلة الليلاء
سدلت ذوائبها فقلت: تمثلاً ... بالله خل الرقص في الظلماء
وجلت محيا مثل بدر في الدحى ... وتمايلت تمشي على استحياء
ما أن تثنت وانثنت إلا حكت ... غصناً يميس بحلة خضراء
سارت تودعني وضنت بعدما ... سمحت ولم ترث لعظم بلائي
فغدوت من شجو، ومن كلف بها ... مستوحشاً في الأهل
والعشراء
فشددت راحلة الرجاء على ... مطية همتي، وجنحت للعظماء
لا أبتغي إلا كمال الدين ذا ال ... حسب الشريف خلاصة
الشرفاء
حبر وبحر في العلوم وسيد ... شيخ المشايخ أوحد العلماء
حاوي الفضائل كنز أسرار الهدى ... عين الشريعة بهجة
الفقهاء
علم الحقيقة والطريقة شيخ ... الإسلام المحقق عمدة
الفضلاء
المرتقي لذرى المكارم والتقى ... نسل السراة السادة
الكرماء
فهو الرئيس ابن الرئيس ابن الرئيس ... ابن الرئيس وأرأس
الرؤساء
ولقد كساه الله ثوب ولاية ... ومهابة وجلالة وبهاء
شيخ السكينة والوقار إذا بدا ... سطعت أشعة لمة بيضاء
فتراه مثل البدر بين نجومه ... يسمو على العيوق والعواء
والله ما في ذا الزمان نظيره ... في الفضل تحت الخيمة
الزرقاء
فله مقام ليسر يدرك شأوه ... خضعت لديه ذروة العلياء
ولقد حوى شرفاً علياً زانه ... بتواضع ونزاهة وسخاء
ذو حشمة ذو هيبة ذو رفعة ... بمحاسن الخلفاء والأمراء
قطب له الأعلام قد نشرت على ... الأبدال والأوتاد
والنجباء
أهل الصفا سلكوا على منهاجه ... فمضى بهم للروضة الزهراء
لسما الحقيقة قد سما وجلا عن ال ... قلب الصدا بحقائق
الأسماء
روض العلوم لقد تضوع نشره ... لما تكمل منه بالأحياء
داوى العليل شفا الغليل، ولم يزل ... لقلوب أهل الله خير
شفاء
ذو حكمة وبلاغة لم يوجدا ... في العصر للحكماء والبلغاء
لا غرو إن قريش أهل فصاحة ... فاقت فصاحة سائر الفصحاء
هذا وإن الكامل الأوصاف قد ... أضحى الفريد، وكعبة
الشعراء
يا سعد لا تلو على سلمى، وسل ... ما قد جرى في الحلة
الفيحاء
واقصد ديار الاكرمين بجلق ... الأمجدين الكمل الكبراء
وانثر لآلئ مدح ذا الشرف الذي ... في الناس سار بسيرة
حسناء
العالم الفرد الذي قد قام ... بالإرشاد والتدريس والإفتاء
الصاحب العقل العزيز، ومن غدا ... في الكون قدوة سائر
العقلاء
الزاهد الورع التقي الطاهر ال ... حسب النقي البر
بالفقراء
لا عيب فيه غيرأن يمينه ... مبسوطة في الناس بالنعماء
هو كنز طلاب الكمال وذخرهم ... قطب الوجود ومطلب الصلحاء
يحيي قلوب مجالسيه كأنه ... روح وريحان لدى الجلساء
قد حاز كل لطافة وظرافة ... وعلا على اللطفاء والظرفاء
كررت مدحي إذ حلا في الأكمل ... ابن الأكمل ابن الأكمل
الأصلاء
يا ليت شعري ما أقول بمدحه ... وعليه أثنى الدهر كل ثناء
مولاي قد قصرت فيما قلته ... لكنني طولت ذيل رجائي
فالعفو عن من كان من صدقاتكم ... وأتى لكم من أصدق
الصدقاء
هذه القصيدة من مبادئ شعر الشيخ علاء الدين بن صدقة،
وغزلها لا بأس به، ومديحها أكثره بالغ، وله شعر أرق من ذلك وأحسن، وكانت وفاة
السيد كمال الدين رحمه الله تعالى نهار الاثنين ثالث عشر رجب الفرد سنة ثلاث
وثلاثين وتسعمائة، وصلي عليه بالجامع الأموي، وصلى عليه الشيخ أبو الفضل بن أبي اللطف
عند باب جامع جراح في جماعة ممن لم يكن صلى، ودفن إلى جانب خاله شيخ الإسلام تقي
الدين ابن قاضي عجلون بمقبرة باب الصغير، وقال تلميذه الشيخ تقي الدين القارئ
يرثيه:
توفي قرة العين الكمالي ... وصرنا بعده في سوء حال
ولكنا صبرنا واحتسبنا ... وليس القلب بعد الصبرسالي
ومهما كان في الدنيا جميعاً ... فإن مصير ذاك إلى الزوال
67 - محمد الطرابلسي: محمد بن خليل، الشيخ الإمام العالم شمس
الدين ابن الشيخ خليل الطرابلسي الشافعي. خليفة بمدينة طرابلس. دخل إلى دمشق في
ضرورة له، فتوفي بها غريباً يوم الأربعاء سابع شعبان سنة عشرة وتسعمائة، ودفن بباب
الفراديس - رحمه الله - .
68 - محمد قاضي أدنة: محمد بن خليل، العالم الفاضل المولى،
محمد الرومي الحنفي قاضي أدنة. توجه إلى الحج الشريف، فتوفي بالمدينة قبل وصوله
إلى مكة سنة ثمان وعشرين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
69 - محمد المنزلاوي: محمد بن داود النسيدي المنزلاوي، الشيخ
الصالح أحد المتمسكين بالسنة المحمدية في أقوالهم وأفعالهم. ألف رسالة سماها
" طريقة الفقر المحمدي " ضبط فيها أقوال النبي صلى الله عليه وسلم،
وأفعاله وأحواله التي ظهرت لأمته، وكان يقول: ليس لنا شيخ إلا رسول الله صلى الله
عليه وسلم، وكان يضرب به المثل بمصر، وبسيدي محمد بن عنان، والشيخ يوسف الحديدي في
اتباع السنة، وكان يقري الضيوف، ويخدم الفقراء والمنقطعين عنده، وينظف ما تحتهم من
بول أو غائط، وكان لا يتخصص عنهم بشيء ربما خصصه أهل بيته بشيء بعد أن ينام
الفقراء، فكان يخرج به إليهم ويوقظهم ويتساوى فيه هو وإياهم، وكان ربما طرقه الضيف
بعد العشاء، ولم يكن عنده ما يقريه، فيرفع القدر على النار، ويضع فيه الماء، ويوقد
عليه، فتارة يرونه أرزاً أو لبناً وتارة أرزاً وحلواً، وتارة لحماً ومرقاً، وربما
وجدوا فيه لحم الدجاج.
وحكي أن سيدي إبراهيم المبتولي بعث إليه في الغلاء عشرة أرادب
من القمح، ففرقها على باب داره، وفضل له منها نحو خمسة أقداح. ومناقبه
كثيرة مشهورة، وكانت وفاته في أوائل القرن العاشر ببلدة النسيدية، ودفن بجوار
زاويته وقبره بها ظاهر يزار - رحمه الله تعالى - .
70 - محمد البازلي : محمد بن داود الشيخ الإمام العلامة مفتي
المسلمين، شمس الدين أبو عبد الله البازلي الكردي، ثم الحموي، الشافعي، ولد في
ضحوة يوم الجمعة سنة خمس وأربعين وثمانمائة في جزيرة ابن عمر، ونشأ بها، وانتقل
إلى أذربيجان، فحفظ بها كثيراًمن الكتب منها " الحاوي الصغير " و "
عقائد النسفي " و " عروض الأندلسي " و " الشمسية " في
المنطق و " الكافية " في النحو لابن الحاجب و " تصريف العزي " .
وأخذ المعقولات عن منلا ظهير، ومنلا محمد القنجفاني
ومولان عثمان الباوي، والمنقولات عن والده ونجم الدين، الأشلوبي، وقدم الشام في
المحرم سنة سبعين وثمانمائة، وحج سنة خمس وسبعين، وعاد من الحجاز إلى حماة فقطنها،
وكان زاهداً متقشفاً، كثير العبادة، يصوم الدهر، ويلازم التدريس، وألف عدة مؤلفات
منها: حاشية على شرح جمع الجوامع للمحلي، وكتاب أسماء الرجال سماه " غاية
المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام " وكتاب " تقدمة العاجل لذخيرة
الآجل " وله أجوبة شافية عن إشكال كانت تورد عليه، وأسئلة كانت ترفع إليه،
وكانت وفاته بحماة سنة خمس وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
71 - محمد أبو السعود الجارحي: محمد بن دغيم، الشيخ الفقيه،
الصوفي المتعبد، المتنسك المعتقد عند الملوك وأرباب الدول، فمن دونهم أبو السعود
الجارحي القاهري. كان والده من أعيان كوم الجارح، والمتسببين به في أنواع المتاجر،
فنشأ الشيخ أبو السعود على خير، وحفظ القرآن العظيم، واشتغل في الفقه والنحو، ثم
أقبل على العبادة والمجاهدة، ومكث عشرين سنة صائماً لا يدري بذلك أهله، وكان يصلي
مع ذلك بالقرآن في ركعة أو ركعتين في تلك المدة وأخذ في تقليل الأكل، فانتهى أكله
إلى لوزة، ثم ترك اللوزة، وكان يختلي في تلك المدة في بيت وحده في المدرسة
الأرسلانية بالقرب من قصر نائب جده، وكان يأخذ عشاءه كل ليلة من البيت، فيعطيه
للفقراء، ثم يدخل الرسلانية فيصلي الصبح، ثم يخرج إلى حانوت له يبيع فيه القطن إلى
العصر هذا في بدائته، ومع ذلك كان يحلف ويقول: والله ما بلغت الآن مقام مريد، ثم
صحب العارف بالله تعالى زاهد زمانه المتقنع بالنزر اليسير مما يحصل له من عمل
العراقي السادجة، والقبطي شهاب الدين أحمد المرحومي أخص متأخري تلامذة الشيخ مدين.
وكان الشيخ أبو السعود كثير التلاوة للقرآن العظيم ليلاً ونهاراً، وكان إذا دخل
أول ليلة من رمضان نزل سرداباً تحت الارض، فلا يخرج منه لغير الجمعة إلى يوم
العيد، وربما كان ذلك بوضؤ واحد من غير أكل، وكان يشرب كل ليلة عند المغرب مقدار
أوقية مصرية ماء، وكان له طريقة تقرب من طريقة الملامتية، وكان لا يقرب أحداً إلا
بعد امتحانه سنين، وجاء مرة مريد من مسيرة يومين يريد الاجتماع به، فلم يأذن له الشيخ،
وقال أجيء من موضع بعيد، ولا يخرج إلي، فأرسل الشيخ يقول له: تمن علي بسفرك إلي
أيومين كان المريد يسافر في الزمن الماضي ثلاثة أشهر في مسألة واحدة في الطريق؟ ثم
قال له: اذهب لا أراك ثلاث سنين، فمكث ثلاث سنين، ثم جاء فأكرمه وانتفع به، وكانت
كراماته ومكاشفاته ظاهرة، وقال له شخص من تلامذته: يا سيدي رأيت صبية من البرابرة،
فراحت نفسي لها، فقال له الشيخ: صم تنفك عنك الشهوة، فلم يصم وذهب إلى الصبية،
فأدخلته خصها، فأخذ رجلها في وسطه فتأمل، فوجدها في صورة الشيخ، فخجل وتركها، فلما
رجع ذكر له الشيخ القصة قبل أن يذكرها هو.
قال الشيخ عبد الوهاب الشعراوي - رحمه الله تعالى - :
فرأيته في المنام قبل اجتماعي عليه يتوضأ في شعرة نحو شبر، فأول ما اجتمعت به بدا
لي، وقال: طول الشعر للفقير يدل على زيادة الدين، وطوله للأغنياء يدل على غم وهم،
وقال الشيخ نور الدين الماوردي: أنكرت على أصحابه حلقهم لحاهم، وقلت: هذا أمر لا
عن الله، ولا عن رسوله، فقال لي: يا نور الدين لا بد لك من حلق لحيتك، وتكون أنت
السائل في ذلك. قال: فحلقت لحيتي بعد قولى الشيخ بعشر سنين، وأبى الحالق أن يحلق،
فأكرهته على ذلك قلت: هذا من جملة أحوال طريقته التي أشرنا إليها، وكان من عادته
أن يدعي على بعض مريديه عند الحكام، فيقول: هذا زنا بجاريتي - يعني الدنيا - هذا أراد
البارحة أن يقتلني، هذا سرق مالي، فيعترف المريد بذلك، ويضرب بالمقارع، ثم يشفع
فيه الشيخ كان شطحه كثيراًلكنه كان يعطب من ينكر عليه. ومن
لطائفه أن بعض علماء الجامع الأزهر بعث يستأذنه في الاجتماع به، فأذن له الشيخ،
فقال الشي للحاضرين: هذا ليس على عقيدة في شيخ، فنصبة توديه، وضمة تجيء به، فلما
جلس الفقيه قال الشيخ:
يظن الناس بي خيراً وإني ... لشرالناس إن لم تعف عني
بنصب الناس في أول البيت، فقام الفقيه وقال: هذا عامي، ثم
لقيه الشيخ بعد شهر. فقال:
يظن الناس بي خيراً بضم السين، فقبل الفقيه يد الشيخ. وقال: أنا أستغفر الله،
فقال: من أبعدته نصبة، ورددته ضمة لا يصلح لصحبة الفقراء. قال الشعراوي: وسمعته
مرة يقول لفقيه: متى تصير هاؤك راءً؟ وقال أيضاً: سمعته يقول: إذا ذكرتم اسم ربكم،
فلا تنطقوا به إلا مع التعظيم والخشية. قال: ولما
حضرته الوفاة أرسل خلف شيخ الإسلام الحنفي وجماعته: وقال: اشهدوا علي بأني ما أذنت
لأحد من أصحابي في شيء من السلوك، وما منهم من أحد شم الطريق، ثم قال: اللهم أشهد
اللهم أشهد، وقال أيضاً: إنه مات سنة نيف وثلاثين وتسعمائة، وقال في موضع آخر: إنه
توفي سنة ثلاث وثلاثين. قلت: وهو تقريب بلا شك، وإنما كانت وفاته سنة تسع وعشرين
وتسعمائة. بتقديم التاء المثناة في تسع. كما قرأته بخط الشيخ موسى الكناوي، وحررت
من تاريخ العلائي. إنه توفي ليلة الأربعاء مستهل جمادى من سنة تسع المذكورة قال:
وأوصى أن يغسله الشيخ يوسف الأزهري، وحضر جنازته خلق منهم القاضي نور الدين الحنفي
الطرابلسي، والسيد كمال الدين بن حمزة الشافعي الدمشقي. وصلي عليه بتقديم الحنفي
له، وصلي عليه بجامع عمرو بن العاص - رضي الله تعالى عنه - حاضرة وبالجامع الأزهر
غائبة. قال الشيخ عبد الوهاب: ودفن بزاويته بكوم الجارح بالقرب من جامع عمرو في
السرداب الذي كان يتعبد فيه - رحمه الله تعالى - .72 - محمد
بن رمضان: محمد بن رمضان، الشيخ الإمام، العالم العلامة شمس الدين الدمشقي مفتي
الحنفية بدمشق. قال الحمصي: كان قد انعزل عن الناس، وتنصل من حرفة الفقهاء، ولازم
العزلة إلى أن مات. قلت: وكان سبب عزلته انقطاعه إلى الله تعالى على يد سيدي علي
بن ميمون، فقد ذك سيد محمد بن عراق في السفينة العراقية أنه لما كان متجرداً عند
سيدي علي بن ميمون، حين قدم دمشق في قدمته الأخيرة في سنة ثلاث عشرة وتسعمائة.
تجرد معه عنده جماعة، ثم قال: فمن أصلحهم عشرة. سيدي الشيخ عبد النبي مفتي
المالكية، وسيدي محمد بن رمضان مفتي الحنفية، وسيدي أحمد بن سلطان كذلك، وسيدي عبد
الرحمن الحموي مفتي الشافعية، وسيدي إسماعيل الدناني خطيب جامع الحنابلة، وأبو عبد
الرحمن قيم الجامع، وسيدي عيسى القباقبي المصري، وسيدي أحمد ابن الشيخ حسن، وجاره حسن
الصواف، وسيدي الشيخ داود العجمي. قال: ثم ثلائة من السادة المغاربة، عيسى المفتي،
والحاج علي الزعري، والثيخ مسعود مؤدب الأطفال، ثم واحد في زهده فريد، وفي عبادته
وحيد، لا يرائي بهما، ولا يسمع سيدي علي بن مقرع، ولا تنس صاحبه سيدي القاضي موسى
الغريب، حسب الحسيب، وصهره السالم من الملامة، حالق لحية النفس اللوامة، عبد الله
بن سلامة، قال وكان هؤلاء المذكورون إذا شكوا خواطرهم لسيدي الشيخ يتلون، ويسترجع
وينظر إلي في غالب الأوقات، ويقول لي وهم يستمعون: سر بنا يا ولدي عن هؤلاء
الكذابين. فيا ليت شعري إذا كان مثل هؤلاء يعدهم سيدي من الكذابين، فمن يكون
صادقاً؟ فاعتبروا يا أولي الأبصار. قال: وإني ما وجدت بعدهم من أصحاب إلا القليل أقل
من القليل. انتهى.
قلت: وتسمية سيدي على هؤلاء كذابين لا يطعن في صلاحهم لأن
ذلك على عادة شيوخ الصوفية في تربية مريديهم لا يثبتون لهم حالاً، ولا مقاماً، ولا
يخفى ما في كلام سيدي محمد بن عراق من الثناء عليهم وكانت وفاة الشيخ محمد بن رمضان
صاحب الترجمة في تاسع ربيع الآخر سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
73 - محمد بن زرعة: محمد بن زرعة المصري، الشيخ الصالح، صاحب
الأحوال والمكاشفات. كان يجلس في شباك بيته بالقرب من قنطرة قديدار، وكان يتكلم
على ما يخطر للإنسان في نفسه، وكان يتكلم ثلاثة أيام، ويسكت ثلاثة أيام، وكان
مزمناً مقعداً أقعده الفقراء. توفي سنة أربع عشرة وتسعمائة، ودفن في الشباك الذي
كان يجلس فيه من بيته المذكور - رحمه الله تعالى - .
74 - محمد بن زكي الدين: محمد
بن زكي الدين، الشيخ ناصر الدين المدني انتقد أهل المدينة عليه أموراً، وكتب فيه
محاضر بأمور لا توصف، ومنع بسبب ذلك من الإقامة بالمدينة المنورة، وعزل من وظائفه
وجهاته بها، فدخل القاهرة في زمن الغوري، وقم له تحفاً، فكلمه القاضي محب الدين بن
رجا كاتب الأسرار في أمره، وأراه الفتاوي التي كتبت فيه والمحاضر، وتحزب بعض أمراء
مصر، فتلافى ابن رجا الأمر بأن يعود إلى استيطان المدينة من غير عود جهاته إليه،
وفاق إذ ذاك من الذل والإهانة والفقر بمصر ما لا يوصف ثم عاد إلى المدينة، فلما
تولى السلطان سليم بن عثمان توجه إليه إلى الروم، وطلب منه نظر الحرم وأشياء آخر،
ثم رجع إلى مصر، فولاه نائب مصر إذ ذاك قضاء المدينة، فأراد أن يولي عنه زباله رغماً
على ابن عمه القاضي فتح الدين، وقال لنائب مصر: إني عاجز عن المنصب فيكون ابن عمتي
نائباً عني، فقال له النائب: قد اعترفت بالعجز، فعزله وولي السيد عبد الله
السمهودي.
75 - محمد بن سلطان: محمد بن سلطان، الشيخ الرئيس القاضي، كمال
الدين بن الزيني سلطان الدمشقي الصالحي الحنفي. ولد في شعبان سنة اثنتين وخمسين
وثمانمائة، واشتغل وحصل وبرع وناب في الحكم، وجمع منسكاً في مجلد سماه " تشوق
الساجد، إلى زيارة أشرف المساجد " ، وتوفي ليلة الأربعاء ثامن عشر ربيع الآخر
سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة، ودفن بتربتهم تحت المعظمية، وحضر جنازته من
المباركين، وطلبة العلم، وصلى عليه ولده الشيخ قطب الدين.
76 - محمد بن سلامة: محمد بن سلامة، الشيخ العارف بالله تعالى،
الزاهد المسلك الصوفي الهمداني الشافعي. قال الحمصي: ضرب بالمقارع إلى أن مات،
وسبب ذلك أنه تزوج بإمرأة خنثى واضح، ودخل بها وأزال بكارتها، وكان لها ابن عم
مغربي أراد أن يتزوجها، فلم تقبل عليه، فذهب إلى رأس نوبة النوب الأمير طراباي،
وشكى عليهما، فأحضرهما وضربهما بالمقارع والرواثن، وجر سهما على ثورين، وأشهرهما
في القاهرة، فما وصل إلى باب المقشرة حتى مات، ولم يسأل عنه ولا حول ولا قوة إلا
بالله. قال: وتأسف الناس عليه كثيراً، وكان موته في حادي عشر رمضان سنة إحدى عشرة
وتسعمائة - رحمه
آلله - .
77 - محمد بن شكم: محمد بن شكم، الشيخ العلامة نجم الدين بن
شكم الدمشقي الصالحي الشافعي قال الحمصي: كان عالماً صالحاً زاهداً. قرأ على شيخ
الإسلام تقي الدين ابن قاضي عجلون وغيره. وسأله عن أربعين مسألة حين كان الشيخ تقي
الدين مدرساً بالشامية البرانية على العادة، فكتب عليها، ثم عرضها عليه وعلى أهل
درسه في اليوم الثاني، فأسفر عن استحضار حسن، وفضيلة تامة، وكان ذلك يوم الأربعاء
سابع عشري ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وتسعمائة، وذكر سيدي محمد بن عراق في السفينة
أن سيدي محمد بن قيصر القبيباتي، وسيدي محمد بن شكم الصالحي قدما عليه مجد المعوش
بعد موت سيدي علي بن ميمون بها بنية السلوك، ثم قدما عليه بعدهما سيدي محمد
الجوهرفي الشهير بالفيومي لكنه أشار إلى تقدمه عليهما، وتمثل بقولهم: الطريق لمن
صدق لا لمن سبق. كما ذكره ابن طولون. وكانت وفاة ابن شكم يوم الاثنين خامس عشر شوال
سنة تسع عشرة وتسعمائة، ودفن بصالحية دمشق - رحمه الله تعالى - .
78 - محمد بن الجحيني: محمد بن عبد الله بن عيسى بن إسماعيل
القاضي بهاء الدين الجحيني الدمشقي الصالحي الحنفي. كان في أول أمره نقيباً لقاضي القضاة
حسام الدين الشهير بابن العماد، ثم ترقى إلى أن فوض نيابة القضاء، فسار فيه بسيرة
حسنة بعفة، وحسن سياسة ولد بالصالحية خامس ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة،
وتوفي في سابع صفر أو ربيع الأول سنة أربع وتسعمائة، ولم يوجد معه ولا ثمن، كفن،
ودفن بالصالحية.
79 - محمد بن عبد السلام: محمد بن عبد الله بن عبد السلام قاضي
القضاة أبو عبد الله صلاح الدين العلوي الشافعي. كان أصله من البلقاء، ونشأ بدمشق،
واشتغل بها قليلاً، وولي كتابة الفقهاء بالشامية البرانية، وولي نظرها. ووكالة بيت
المال للسلطان قايتباي، ثم ولي قضاء الشافعية عن القطب الخيضري بمصر في عشري
المحرم سنة ست وثمانين وثمانمائة، ثم عزل عنه بعد ثلاثة أيام قال ابن طولون: وكان
عنده دين وصلاح وخير وعفة، وتوفي ليلة الجمعة ثاني عشر ربيع الآخر سنة ثمان
وتسعمائة عن سبعين سنة، وصلي عليه بعد صلاة الجمعة بالجامع الأموي، ودفن بمقابر
الصوفية - رحمه الله تعالى - .
80 - محمد بن العاتكي: محمد بن عبد الله بن علي بن خليل، الشيخ
العالم البارع بهاء الدين بن سالم العاتكي الدمشقي الشافعي. ولد سنة ثلاث وسبعين
وثمانمائة، وكان فاضلاً بارعاً. أخذ عن الشيخ تقي الدين ابن قاضي عجلون، والسيد
كمال الدين بن حمزة وغيرهما، وكانت وفاته بالقاهرة في شهر رجب سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة،
وصلي عليه غائبة بدمشق يوم الجمعة ثالث عشر شعبان منها - رحمه الله تعالى - .
81 - محمد بن الموصلي: محمد بن عبد الله بن محمد، الشيخ الصالح
المسلك المربي أبو الوفا ابن الشيخ الصالح القدوة عبد الله ابن الشيخ القدوة
العلامة ناصر الدين، سبط الشيخ العارف بالله تعالى أبو بكر الموصلي الأشعري
الشافعي. كان من أعيان الصوفية بدمشق وأصلابهم أباً عن جد. توفي
في ثامن عشر رمضان سنة عشرين وتسعمائة، ودفن بمقبرة القبيبات - رحمه الله تعالى - .
82 - محمد بن إمام الكاملية: محمد بن عبد الرحمن بن علي، الشيخ
الإمام الصالح، العلامة الفاضل شمس الدين إمام الكاملية بين القصرين. لبس الخرقة
من الشيخ الإمام العلامة شمس الدين محمد بن محمد بن الجزري المقري صاحب النشر
والطيبة في سنة تسع وعشرين وثمانمائة وتوفي في أوائل هذا القرن رحمه الله تعالى.
83 - محمدبن السخاوي: محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر
بن عثمان بن محمد، الشيخ الإمام، العالم العلامة المسند، الحافظ المتقن شمس الدين
أبو الخير السخاوي الأصل القاهري المولد، الشافعي المذهب، نزيل الحرمين الشريفين.
ولد في ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة بالقاهرة، وحفظ القرآن العظيم، وصلى
به في شهر رمضان بزاوية الشيخ شمس الدين العدوي المالكي، وحفظ عمدة الأحكام،
والتنبيه، والمنهاج، وألفية ابن مالك، والنخبة لشيخه شيخ الإسلام أبي الفضل بن حجر
العسقلاني، وقرأ على شيخه كثيراً، وسمع عليه ولازمه أشذ الملازمة. حتى حمل عنه ما
لم يشاركه فيه غيره، وأقبل عليه الشيخ بكليته حتى صار يرسل إليه قاصده يعلمه بوقت
ظهوره من بيته ليقرأ عليه، وسمع من لفظه أشياء كثيرة، وحمل عنه أكثر تصانيفه، وأذن
له في الإقراء، بل قال: إنه أمثل جماعتي، وألف له ترجمة سماها " بالجواهر
والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر " وقال في إجازته للشيخ عبد القادر
الأبار الحلبي: إنه يروي صحيح البخاري عنه وعن أزيد من مائة وعشرين نفساً أجلهم
ابن حجر، ومنهم المسند أبو إسحاق إبراهيم بن صدقة الصالحي الحنبلي، والإمام زين
الدين عبد الرحيم بن الجمال أبي إسحاق اللخمي الأسيوطي قراءة وسماعاً، وقرأ صحيح
ملفقاً على العز بن الفرات، وجامع الترمذي على أم محمد سارة بنت السراج بن جماعة،
وسمع سنن ابن ماجة على علي بن الفرات، وتفقه بجماعة منهم البرهان بن خضر العثماني،
والبدر النسابة، والحافظ ابن حجر، والشرف المناوي، والعلم صالح البلقيني، والشمس
الوفائي. قال: ولم أسمع الفقه من أفصح منه فيه.
وألف كتباً منها ترجمة ابن حجر المشار إليها، ومنها
" الضوء اللامع، في أخبار أهل القرن التاسع " ، وذكر لنفسه فيه ترجمة
على عادة المحدثين، وذكر فيها شيوخه ومن أخذ عنهم، ومن تأليفه كتاب سماه "
الجواهر المكللة، بالأحاديث المسلسلة " ، " والمقاصد الحسنة في الأحاديث
الجارية على الألسنة " وهو أجمع وأتقن من كتاب السيوطي المسمى "
بالجواهر المنتثرة، في الأحاديث المشتهرة " ، وفي كل واحد منها ما ليس في
الآخر، وله شرح على ألفية الحديث، وجزء في الأحاديث الواردة في الخاتم، وكتاب
" تحرير الميزان " وكتاب " عمدة
القارىء والسامع، في ختم الصحيح الجامع " ، وكتاب " غنية المحتاج، في ختم
صحيح مسلم بن الحجاج " في مؤلفات أخرى، وكان بينه وبين البرهان البقاعي،
وبينه وبين الجلال السيوطيئ ما بين الأقران. حتى اشتهر أن السيوطي قال مضمناً:
قل للسخاوي إن تعروك نائبة ... علمي كبحر من الأمواج
ملتطم
والحافظ الديمي غيث السحاب، فخذ ... غرفاً من البحر أو
رشفاً من الديم
ورأيت بخط بعض أهل العلم أن السخاوي توفي سنة خمس وتسعين
وثمانمائة، وهو خطأ بلا شك، فإني رأيت بخط السخاوي على كتاب " توالي التأنيس
بمعالي ابن إدريس " الشافعي
للحافظ ابن حجر أنه قرىء عليه في مجالس آخرها يوم الجمعة ثامن شهر المحرم سنة سبع
وتسعين وثمانمائة بمنزله من مدرسة السلطان الأشرف قايتباي بمكة المشرفة، ورأيت
بخطه أيضاً على الكتاب المذكور أنه قرىء عليه أيضاً بالمدرسة المذكورة في مجالس
آخرها يوم الأربعاء ثامن عشر شهر ربيع الأول سنة تسعمائة، ثم رأيت ابن طولون ذكر
لي تاريخه أنه توفي بمكة، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة ثالث عشر في
القعدة سنة اثنتين وتسعمائة، ثم رأيت شيخنا النعيمي ذكر في عنوانه أنه توفي
بالمدينة، وصلي عليه غائبة بدمشق يوم الجمعة سابع عشري ذي القعدة سنة اثنتين
المذكورة، والله تعالى يعلم أيهما أصح - رحمه الله تعالى - .
84 - محمد بن الكفرسوسي: محمد بن عبد الرحمن، الشيخ الإمام
العلامة الفقيه المدرس المفتي أبو عبد الله شمس الدين الكفرسوسي الشافعي. تفقه
بالشيخ نجم الدين ابن قاضي عجلون، وأخيه الشيخ تقي الدين وغيرهما من الدمشقيين،
وأخذ عن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري، وممن أخذ عنه الشيخ العلامة الزاهد شهاب
الدين أحمد بن أحمد الطيبي الشافعي شيخ الإقراء بدمشق. إلى ذلك أشار الشيخ الطيبي
في إجازته للشيخ أحمد القابوني بعد أن ذكر جماعة من شيوخه بقوله:
ومنهم ولي الله شيخي محمد ... هو الكفرسوسي الإمام المحبر
بعلم وإخلاص يزين، ولم يزل ... معيناً لخلق الله للحق
ينصر
وعن زكريا المقدم قد روى ... وعن غيره ممن له الفضل يغزر
قال والد شيخنا - رحمه الله تعالى - : كان من أهل العلم
والعمل والصلاح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. نافذ الكلمة، مهيباً عند
الحكام، اتبع طريقة الوعظ مع الإفتاء والتدريس. اشتهر عند أهل القرى بحيث أنهم لا يستفتون
غيره مع وجود أشياخه متقللاً من الوظائف، وجاءته الدنيا موفرة، ولما جاء إبراهيم
باشا الوزير - يعني إلى دمشق راجعاً من مصر - رتب له عشرين عثمانياً من الجوالي كل
يوم، ومات ولم يتناول منها لبركته وصلاحه لما في بيت المال من المظالم. قلت: ودرس
بالكلاسة قديماً نيابة عن شيخ الإسلام الجد حين كان صغيراً بإشارة شيخه الشيخ زين
الدين خطاب كما ذكره ابن طولون في مواضع من تاريخه، وألف شرحاً على فرائض المنهاج،
ومجالس وعظية، وكانت وفاته ليلة السبت الثامن والعشرين من شهر ربيع الأول سنة
اثنتين وثلاثين وتسعمائة، وصلي عليه في الجامع الأموي، ودفن قبل الظهر بمقبرة باب الفراديس.
قال والد شيخنا: وكانت له جنازة عظيمة ما شهدتها لغيره، وحضرها شيخنا وشيخه أيضاً
السيد كمال الدين بن حمزة، وتأسف عليه هو والمسلمون تأسفاً عظيماً. قلت: وبلغني أن
الشيخ العارف بالله تعالى سيد علوان الحموي رثاه بقوله:
ومن الدليل على اقتراب قيامة ... موت الأماثل من خيار
الناس
حتى إذا ذهب البقايا كلهم ... حلت البقاع بحلية الأبلاس
يا معشر الإسلام توبوا وارجعوا ... وكأننا بالموت جا
بالكاس
أو ما وعظتم بالفقيه بأرضكم ... مفتي الأنام، وقدوة
الأكياس
وهو الكفرسوسي شيخ بلادكم ... كم قام فوق منابر وكراسي
يدعو إلى المولى وينصر دينه ... حتى أتاه مكدر الإحساس
فتخللت أعضاؤه بقدومه ... بتصرم الساعات والأنفاس
أضحى طريحاً في القبور وعبرة ... من بعد ما قد كان فوق
الراس
فالله يرحمه ويرحم كل من ... قد عاذ بالديان من وسواس
يا وحشتي لأولي العلوم وحسرتي ... مما أعاني من فؤاد قاسي
ذهب الأولى كنا نعيش بظلهم ... وبقيت في ناس كما النسناس
يا رب وفقنا وأصلح حالنا ... ما أنت يا رب الورى بالناسي
ثم الصلاة مع السلام تخص من ... أهداه ربي رحمة للناس
والآل والصحب الكرام بأسرهم ... ما عاد فاقد إلفه بالياس
85 - محمد بن صدقة: محمد بن عبد الرحيم بن صدقة الواعظ أبو
الفتح ابن الشيخ عبد الرحيم المصري. كان يعظ الناس بالأزهر وغيره إلا أنه تزوج
بامرأة زويلية فافتتن بها فيما ذكره العلائي، حتى باع فتح الباري والقاموس وغيرهما
من النفائس، وركبته ديون كثيرة، ثم خالعها وندم وأراد المراجعة، فأبت عليه إلا أن
يدفع إليها خمسين ديناراً، فلم يقدر إلا على ثلاثين منها، فلم تقبل، فبعث بها
إليها، وبعث معها سماً قاتلاً، وقال: إن لم تقبل الثلاثين وإلا أتحسى هذا السم، فرددتها
عليه، فتحسى السم، فمات من ليلته، وكان موته في ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين
وتسعمائة.
86 - محمد الشهير بابن التقي: محمد بن عبد الغني، الشيخ
العلامة أقضى القضاة زين الدين الشهير بابن تقي المالكي المصري. قال الحمصي: كان
شاباً عالماً صالحاً. توفي في حادي عشري المحرم سنة عشر وتسعمائة، ودفن بالقرافة .
87 - محمد بن جبريل: محمد بن عبد القادر بن جبريل، الشيخ
العالم العلامة قاضي القضاة خير الدين أبو الخير الغزي، ثم الدمشقي المالكي. ولد
بغزة في ثاني عشر شوال سنة اثتتين وستين وثمانمائة، واشتغل وبرع، ثم قدم دمشق وحضر
دروس الشيخ عبد النبي المالكي، وظهرت فضيلته خصوصاً في علم الفرائض والحساب، ثم
ولي قضاء المالكية بالشام في ربيع الآخر سنة إحدى عشرة وتسعمائة، وسار في القضاء سيرة
حسنة بعفة وزهد وقيام في نصرة الحق، واستمر حتى عزل في أول رمضان سنة اثنتين
وعشرين، فتوجه إلى بلده، ثم إلى مكة المشرفة، وبها توفي في صفر سنة ثمان وعشرين
وتسعمائة، ودفن بالمعلى، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة سادس جمادىالآخرة
من السنة المذكورة - رحمه الله تعالى - .
88 - محمد بن عبد الكافي: محمد بن عبد الكافي، الشيخ العالم
الصالح القاضي شمس الدين محمد المصري الخطيب بجامع القلعة الشهير بالدمياطي. قال
الشيخ عبد الوهاب الشعراوي: كان يقضي بحلب خارج بانقوسا، والناس يقرؤون عليه
العلم، وكان لا يأخذ على القضاء أجراً، وكان طويلاً سميناً جداً، ومع ذلك كان يتوضأ
لكل صلاة من الخمس. قال: وما سمعته مدة قراءتي عليه يذكر أحداً من أقرانه الذين
يرون نفوسهم عليه إلا بخير، وكان كثير الصمت كثير الصيام طلباً للهزال، فيزيد عنه
، وكان حلو المنطق، جميل المعاشرة، كريم النفس. انتهى.
توفي في ثاني عشر جمادىالآخرة سنة تسع وتسعمائة، ودفن
بالقرافة - رحمه الله تعالى - .
89 - محمد الضرير: محمد بن عبيد، الشيخ الإمام العلامة المقرئ
المجود شمس الدين محمد الضرير. ولد في سنة خمس وأربعين وثمانمائة، وكان قفافياً
بميدان الحصا بدمشق، ثم اشتغل في العلم، وأم وأقرأ بمسجد الباشورة بالباب الصغير، وكان
عالما صالحاً. قال والد شيخنا: كان يعرف القراءات، ويقرأ الشاطبية وغيرها من كتب
القراءات والتجويد، وانتفع عليه خلق كثير. انتهى.
توفي يوم الأربعاء تاسع عشري في القعدة سنة ست وعشرين
وتسعمائة، ودفن بمقبرة باب الصغير بالقرب من ضريح حماد - رحمه الله تعالى - .
90 - محمد البابي: محمد بن عثمان بن إسماعيل الشيخ شمس الدين
المعروف بابن الدغيم البابي قاضي قضاة حلب، وكاتب سرها، وناظر جيوشها، كان ذكياً
فقيهاً متمولاً. توفي سنة خمس وتسعمائة.
91 - محمد بن عرب: محمد بن عرب، الشيخ الإمام العالم العلامة
أقضى القضاة محب الدين أبو الفضل المصري الشافعي، الحكم العدل بالديار المصرية.
قال الحمصي: كان عالماً فاضلاً مفنناً ذكياً فقيهاً، كثير الأدب. توفي بالقاهرة
ثامن عشري المحرم سنة اثنتي عشرة وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
92 - محمد بن عز: محمد بن عز، الشيخ الصالح المجذوب، كان
ساكناً في الزاوية الحمراء خارج مصر، وكان يلبس ثياب الجند، وكان يمشي بالسلاح
والسيف، وكان أكابر مصر يحترمونه، وللناس فيه مزيد اعتقاد، وكان لا ينام شيئاً من
الليل، ويستمر من العشاء إلى الفجر، تارة يضحك وتارة يبكي، حتى يرق له من يراه،
وكان لا يخبر بولايته أحداً، وعزله في وقت معين لا يخطئ أبداً، وكان مجاب الدعوة
زحمه إنسان بين القصرين، فرماه على ظهره، فدعا عليه بالتوسيط، فوسطه الباشا آخر النهار،
وكانت وفاته غريقاً في الخليج بالقرب من الزاوية الحمراء في سنة ثلاثين وتسعمائة -
رحمه الله تعالى - 93 - محمد بن القصيف: محمد بن علي بن أحمد بن جلال بن عثمان بن
عبد الرحمن قاضي القضاة أبو الفضل محب الدين بن القصيف الدمشقي الحنفي. ولد سنة
ثلاث وأربعين وثمانمائة بمنزلة ذات حج من درب الحاج، وقيل: سنة إحدى وأربعين أو
سنة أربعين، وحفظ القرآن ثم المختار، وعدة كتب، واشتغل وبرع وأفتى، ودرس بالمدرسة
القصاعية سنين عديدة، وسمع الحديث من أبي الفتح المزي والتقي بن فهد وغيرهما، وصنف
كتاب " دليل المختار إلى مشكلات المحتار " ولم يتم وولي قضاء الشام
مرات، وتوفي يوم الخميس سادس ربيع الأول سنة تسع وتسعمائة. قال ابن طولون: وظلم
نفسه بأمور سامحه الله تعالى.
94 - محمد المصمودي: محمد بن علي القاضي شمس الدين المصمودي
المالكي، كان فقيهاً فاضلاً، وناب عن العفيف بن حنعل قاضي المالكية بحلب، وكتب على
الفتوى، وتوفي في الدولة الغورية.
95 - محمد بن الدهن: محمد بن علي، الشيخ المعمر المنور شمس
الدين بن الدهن الحلبي الشافعي. شيخ القراء والإقراء بحلب، وإمام الحجازية بجامعها
الكبير. قرأ على جماعة منهم منلا سليمان ابن أبي المقرئ الهروي، والعلامة منلا
زاده الجوخي، وتوفي سنة خمس وعشرين وتسعمائة.
96 - محمد البلبيسي: محم(د بن علي القاضي محب الدين ابن القاضي
نور الدين البلبيسي المصري. كان حسن الشكل والهيئة، جريئاً في أموره. قال العلائي:
وكان مجازفاً في قضائه، سيىء السيرة، ولي مباشرة وقف يلبغا، وقرر فيها أخوه القاضي
لال الدين بعد موته يوم الجمعة خامس عشر جمادى الأولى سنة خمس وعشرين وتسعمائة.
97 - محمد بن قرينة : محمد بن علي، الشيخ الفاضل شمس الدين ابن
الشيخ العلامة المفتي المحفي الشافعي، المعروف بابن قرينة. كان ذا عقل وتؤدة، تلقى
عن أبيه تدريس التفسير بالبرقوقية، وتدريس اللغة بالمؤيدية والأشرفية، وتوفي في
ثامن ربيع الثاني سنة ثمان وعشرين وتسعمائة، وخلف ولداً صغيراً أسند الوصاية عليه
إلى جماعة منهم السيد كمال الدين بن حمزة الشامي.
98 - محمد بن الخيوطي: محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم القاضي
شمس الدين ابن العبد الصالح علاء الدين الموصلي المالكي، الشهير بابن الخيوطي. ولد
في رمضان سنة اثنتين وستين وثمانمائة، وفوض إليه نيابة القضاء بدمشق، فلما كانت
دولة ابن عثمان توجه إلى بلاد الروم، وحضر على السلطان سليمان خان، وفوض إليه قضاء
المالكية بدمشق، وأنعم عليه بجهات أخر، فحصل له ضعف ببلاد الروم، فتوفي بها أو وهو
راجع منها في أواخر سنة ثمان وعشرين، أو في أوائل سنة تسع وعشرين، وصلي عليه غائبة
بجامع دمشق يوم الجمعة رابع عشري محرم سنة تسع وعشرين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
99 - محمد بن الفناري: محمد بن علي بن يوسف ابن المولى شمس
الدين الفناري الإسلام بولي المولى، العالم الكامل، قاضي القضاة العسكر بالولاية
الأناظولية، ثم بالولاية الروميلية محيي الدين المشهور بمحمد باشا. ولد في أيام
دولة السلطان محمد خان بن عثمان. قال في الشقائق: كان رحمه الله تعالى صاحب أخلاق
حميدة، وطبع ذكي، ووجه بهي، وكرم وفي، وكان ذا عشرة حسنة، ووقار عظيم، وله حواش
على شرح المواقف، وشرح الفرائض كلاهما للسيد الشريف، وحواش على أوائل شرح الوقاية لصدر
الشريعة، وتوفي وهو قاضي العسكر الروملي في سنة تسع وعشرين وتسعمائة، ودفن عند قبر
جده المولى شمس الدين بمدينة بروسا.
100 - محمد بن عراق: محمد بن علي بن عبد الرحمن، الشيخ الإمام،
العارف بالله تعالى المجمع على ولايته وجلالته القطب الرباني، والغوث الصمداني،
الأستاذ أبو علي شمس الدين بن عراق الدمشقي. نزيل المدينة المنورة، وأحد أصحاب
سيدي علي بن ميمون. قال في الشقائق: كان - رحمه الله تعالى - من أولاد أمراء
الجراكسة، وكان من طائفة الجند على زي الأمراء، وكان صاحب مال عظيم، وحشمة وافرة،
ثم ترك الكل، واتصل بخدمة الشيخ العارف بالله تعالى الشيخ علي بن ميمون المغربي،
واشتغل بالرياضة عنده. حكي أنه لم يشرب الماء مدة عشرين يوماً في الأيام الحارة
حتى خر يوماً مغشياً عليه من شدة العطش، وقرب من الموت فقالوا للشيخ: إن ابن عراق
قرب من الموت من شدة العطش، فقال الشيخ: إلى رحمة الله تعالى، فكرروا عليه القول،
فلم يأذن في سقيه، وقال: صبوا على راحتيه الماء، ففعلوا ذلك، فقام على ضعف ودهشة،
فلم يمض على ذلك أيام إلا وقد انفتح عليه الطريق، ونال ما يتمناه. انتهى. قلت: ذكر
سيدي محمد صاحب الترجمة في كتابه المسمى " بالسفينة العراقية، في لباس خرقة
الصوفية " أنه ولد في سنة ثمان وتسعين وثمانمائة، وقرأ القرآن العظيم
بالتجويد على الشيخ عمر الداراني. قرأ عليه ختمات، وعلى الشيخ إبراهيم المقدسي قرأ
عليه يويمات، ثم اشتغل في الحساب على الشيخ زين الدين عرفة، ثم جود ختمة لابن كثير
أفرد لروايته على الشيخ عمر الصهيوني، وجود عليه الخط أيضاً، وأخذ عنه علم
الرماية، ولزمه فيه ثلاث سنوات كاملات، وفي أثنائها مات والده في سنة خمس وتسعين
وثمانمائة، وتزوج في تلك السنة، ثم توجه إلى بيروت بنية استبقاء إقطاع والده، فسمع
وهو في بيروت برجل فيها من الأولياء يسمى سيدي محمد الرايق، فزاره ودعا له وقال
له: لا خيب الله سعيك، ثم قال له: يا ولدي إن أحببت التماس البركة من يد أهلها
فعليك بأحد الثلاثة: رجل ببيروت يسمى الشيخ عفان، ورجل بطرابلس يسمى الشيخ ياسر،
ورجل بصيدا يسمى الشيخ عمر بن المبيض، فيسر الله تعالى في ذلك الشهر باجتماعه
بالثلاثة، وسأل كل واحد منهم أن يدعو له أن ينقذه مما هو فيه، ثم عاد إلى دمشق،
واشتهر عنه أمر زيارته لهؤلاء. لكنه اشتغل بالفروسية والرمي والصيد، ولعب الشطرنج،
والنرد والدفاف والتنعم بالمأكولات والملبوسات، وإنشاء الإقطاع والفدادين، ولم يزل
مع هذه الأمور، مواظباً على الصلوات، وزيارة الصالدين، وحب الفقراء والمساكين، حتى
مضى خمسة أعوام، ولم يتيسر له من يوقظه من هذا المنام، حتى كان يوم جمعة صادف فيه
الشيخ إبراهيم الناجي في جبانة الباب الصغير، وهو راجع من ميعاده، فنزل سيدي محمد
عن فرسه إجلالاً للشيخ وسلم على الشيخ. فقال
الشيخ: من يكون هذا الإنسان؟ فقيل له: فلان ابن فلان، فأهل به ورحب وترحم على
والده، فسأله سيدي محمد أنه يدعو له أن ينقذه الله تعالى مما هو فيه فقال له: لو
حضرت الميعاد، ولازمتنا لحصل خير. قال سيدي محمد: فوادعته وسرت لصلاة الجمعة،
فتعلق قلبي بحبه، وبت تلك الليلة وأنا أحدس به، وعزمت على حضور ميعاده بكرة السبت
في زاوية سيدي أبي بكر الموصلي - رضي الله تعالى عنه - قال سيدي محمد: فما صليت
صبح نهار السبت إلا بالزاوية المذكورة، وحضرت الميعاد، وكان بحضرة جماعة من
الصالدين، ويسر الله تعالى ببركته ترك بعض ما أنا فيه فاشتغلت بالتجارة والزراعة
وجعلتهما مهنتي لأنها أشبه، ثم استمر سيدي محمد - رضي الله تعالى عنه - في صحبة
الشيخ محمد الناجي حتى مات، ولبس منه خرقة التصوف، وأخذ عنه وعن الفضل ابن الإمام،
وعن الشيخ شهاب الدين بن مكية النابلسي علم التفسير والحديث والفقه، وهي العلوم
الشرعية، وأخذ علم الأصول والنحو والمعاني والبيان عن جماعة منهم: الشيخ أبو
الفتح المزي، والشيخ محمد بن نصير، والشيخ علي المصري، وكان مع ذلك يصحب الصالدين
والفقراء الصادقين مثل الشيخ محمد بن بزة، والشيخ محمد بن يعقوب، والسيد أبي بكر
العلاف، والحاج علي بن سلطان، والحاج أبي بكر البيروتي، والشيخ عيسى الراجبي،
والشيخ يوسف البهلول تلميذ ابن قرا، وسيدي الشيخ عبد اللطيف البلواني، والشيخ أحمد
أبي رجيلة، والحاج علي بن عدي، والشيخ محمد المشهور بكمال الدين، والحاج أحمد بن جوان،
والشيخ محمد الهليس الصواف، والشيخ جمعة النداف، والشيخ أحمد ضوي
والشيخ حسن الحبار، والشيخ خميس البدوي وغيرهم - رضي الله
تعالى عنهم - وكان بعد موت شيخه الناجي يدعو الله تعالى عقب صلاته، وفي إسحاره أن
ييسر الله تعالى له من ينقذه من رداه ويطهره من أوزاره، حتى لاحت له ناصية الفلاح
وجاء المرشد سيدي علي بن ميمون إلى باب داره عند الصباح، وذلك في مستهل سنة أربع
وألف وتسعمائة، فكان كماله على يده، وفي هذه السنة حج سيدي علي بن ميمون، ثم قدم من
الحج، وتوجه إلى الروم، وأقام بها خمس سنوات يدعوهم إلى الله تعالى على بصيرة،
وكان سيدي محمد سأله المسير معه فقال له: توجه إلى سيدي عبد القادر بن حبيب يحصل
باجتماعك به كل خير، ثم قال: أقرئه عني السلام، فسار إليه، وتلقن منه الذكر، ولبس
منه الخرقة، وأقام عنده سبعة عشر يوماً، وكان كل يوم يعدل سنين، وفي شرح تائية
سيدي عبد القادر بن حبيب للشيخ رضوان - رضي الله تعالى عنهما - أن سيدي محمد بن
عراق ذهب إليه حافياً إلى الصفد، فقال الشيخ عبد القادر يمدحه:يخ حسن الحبار،
والشيخ خميس البدوي وغيرهم - رضي الله تعالى عنهم - وكان بعد موت شيخه الناجي يدعو
الله تعالى عقب صلاته، وفي إسحاره أن ييسر الله تعالى له من ينقذه من رداه ويطهره
من أوزاره، حتى لاحت له ناصية الفلاح وجاء المرشد سيدي علي بن ميمون إلى باب داره
عند الصباح، وذلك في مستهل سنة أربع وألف وتسعمائة، فكان كماله على يده، وفي هذه
السنة حج سيدي علي بن ميمون، ثم قدم من الحج، وتوجه إلى الروم، وأقام بها خمس
سنوات يدعوهم إلى الله تعالى على بصيرة، وكان سيدي محمد سأله المسير معه فقال له:
توجه إلى سيدي عبد القادر بن حبيب يحصل باجتماعك به كل خير، ثم قال: أقرئه عني
السلام، فسار إليه، وتلقن منه الذكر، ولبس منه الخرقة، وأقام عنده سبعة عشر يوماً،
وكان كل يوم يعدل سنين، وفي شرح تائية سيدي عبد القادر بن حبيب للشيخ رضوان - رضي
الله تعالى عنهما - أن سيدي محمد بن عراق ذهب إليه حافياً إلى الصفد، فقال الشيخ
عبد القادر يمدحه:
من كان مثلي خلف صب عاشق ... أضداد وصل لا يخاف أنا لها
يا ابن العراق تهن يا ولدي وطب ... ماكل من طلب السعادة
نالها
ثم أشار إليه ابن حبيب أن يرجع إلى والدته، وسأله في
الحج، فقال: إن تيسرت لك الأسباب، فلا بأس، فلما رجع إلى والدته شكى إليها القبض،
وكانت تخاف عليه الجذب، فأذنت له في التوجه إلى بيروت ليسهل عليه ما هو فيه
فاستأذنها في السفر في البحر إلى مصر لطلب العلم والحج أن يسر له ذلك، فأذنت
مساعدة له على الخير، فركب البحر، وفي صحبته رجلان من أولي العزم، وهما السيد محمد
الأنعالي، والشيخ عبد العزيز الخليلي، ودخل مصر سنة خمس وتسعمائة، فاجتمع فيها
بجماعة من العلماء الصالدين من أعلمهم وأفضلهم شيخ الإسلام زكريا، والحافظ الجلال
السيوطي والدمياطي، واجتمع من الأولياء بجماعة منهم سيدي أحمد القسطنطيني، وسيدي
عبد القادر الدشطوطي، وسيدي محمد أبو المكارم الهيتي، و حصلت له بركتهم. أشاروا
عليه بالعود إلى والدته، فعاد في بحر النيل إلى دمياط، واجتمع فيها بعلماء أخيار
منهم الشيخ أحمد اليبحوري، وحضر عرسه غير مرة، وألف منسكاً جامعاً، ومنهم الشيخ
جلال الدين محمد الخطيب، وسيدي إبراهيم الحواص مؤدب الأطفال. حصل بالبلدتين
المذكورتين في مدة يسيرة من أهل العلم ما لم يحصل المرء في أعوام، ثم ركب البحر
الكبير إلى بيروت دخلها ليلة عيد الفطر سنة خمس المذكورة، ثم عاد إلى والدته
بدمشق، ثم أستأذنها في الحج، فأذنت له، فحج من دمشق، فلما عاد من الحج خطر له أن يتوجه
إلى سيدي علي بن ميمون، أو يشتغل فيما أمره به من علم الظاهر، فاستخار الله تعالى،
واستشار من إخوانه الشيخ محمد ابن الشيخ يعقوب، وسيدي الشيخ محمد البلاطنسي،
والشيخ محمد بن البزة، فأشاروا عليه أن يسير إلى بيروت بنية المرابطة والجهاد،
وطلب العلم، فسار إليها، وصحبه الشيخ محمد بن يعقوب، فتلقاهما بها سيدي محمد بن
الغصين البيروتي، وسيدي محمد القطب الصرفندي، وسيدي محمد الطيار، ثم تكلموا في
خطبة زوجته أم محمد عبد الله، فقال لهم: كرروا الاستخارة في ذلك، وما يلقيه الله
تعالى في قلوبكم فهو خير، فباتوا تلك الليلة، وأصبحوا كل واحد منهم رأى واقعة تؤذن
بالزواج، فتزوج وبنى بها ليلة النصف من شعبان سنة ست وتسعمائة، وبقي بساحل بيروت
إلى سنة عشر وتسعمائة، فخرج منها عن كل ما يملك، ورفض الدنيا ناحية، وأعرض عنها
نوبة، وهاجر بأهله إلى دمشق، واجتمع في هذه المدة بثلاثة رجال من أصحاب الأحوال،
وهم الشيخ حسن بن سعد الدين الجباوي، والشيخ خليل بن قديم الصمادي، والشيخ عون المشهور
بأبي شوشة الطاوعي. سمعت شيخنا - رضي الله تعالى عنه - يحكي مراراً عن والده الشيخ
يونس العيثاوي - رضي الله تعالى عنه - أنه كان يقول: ما رأينا من كان مقبلاً على
الدنيا، ثم تركها حقيقة، وأعرض عنها إعراضاً كلياً، ثم لم يعد إليها، ولم يكن
ليعرج عليها حتى لقي الله تعالى إلا سيدي محمد بن عراق - رضي الله تعالى عنه -
وبقي سيدي محمد بدمشق حتى قدم سيدي علي بن ميمون من الروم إلى حماة سنة إحدى عشرة وتسعمائة،
فبعث إليه كتاباً يدعوه فيه إلى الله تعالى، فلما وصل كتابه إليه بادر إلى
الامتثال وأسرع في الحال، وسافر إليه ثاني اثنين، فاجتمع به يوم الاثنين ثاني عشر
ربيع الأول، فلما سلم عليه، وأذن له بالجلوس بين يديه فتح عليه بإذن الله تعالى،
وأعطي لسان المعرفة من يومئذ، وأقام بحماة أربعة أشهر وعشرة أيام كل يوم يزداد
علماً وهدى من الله تعالى، ثم أذن له الشيخ علي بالمسير إلى بيروت، فسافر إليها،
وقعد لتربية المريدين، وقدم عليه الشيخ ذو النون الخياري برسالة من الشيخ محمد
الغزاوي، وهو والد الشيخ أبو العون الغزي، فأخذ الطريق عن سيدي محمد بن عراق، وشهد
له في السفينة بالفتح، والظفر بالأحوال، وألف سيدي محمد في تلك المدة أربعة وعشرين
كتاباً في طريق القوم، فلما بلغ شيخه ذلك انقبض انقباضاً شديداً، وتطور عليه، وعزم
بسبب ذلك على السفر من حماة إلى دمشق، وكتب إلى بيروت لسيدي محمد لمن يلقاه بالكتب
إلى دمشق، فسافر سيدي محمد إلى دمشق، ونزل عند والدته، وأقام عندها أياماً حتى قدم
شيخه سيدي علي بن ميمون في سابع عشري رجب سنة ثلاث عشرة وتسعمائة، ونزل بالصالحية،
فسار إليه سيدي محمد، وتلقاه بالسلام والإكرام غير أنه استدعاه في ذلك المجلس،
وقال له: يا خائن يا كذاب عن من أخذت هذا القيل والقال؟ فقال له سيدي محمد: يا
سيدي فداك نفسي قد
أتيناك بالموبقات، فافعل فيها ما تشاء، فغسلها سيدي علي،
ولم يبق منها سوى القواعد والتأديب، ثم لزمه سيدي محمد ووالدته وأهله، وسكن بهم
عنده بالصالحية، وقدمه الشيخ على بقية جماعته في الإمامة، وافتتاح الورد والذكر بالجماعة،
وبقي عنده على قدم التجريد هو وأهله، حتى انتقل سيدي إلى مجد المعوش، فسافر معه،
وبقي عنده حتى توفي سيدي علي - رضي الله تعالى عنه - ثم بقي بعده بمجد المعوش ست
سنين وفي أول السابعة، وهي سنة ثلاث وعشرين عاد إلى ساحل بيروت بنى بها داراً
لعياله ورباطاً لفقرائه، ثم قصده الناس لأخذ الطريق عنه، وذكر من أعيان جماعته
الذين أخذوا عنه ببيروت، ومجد المعوش طائفة في كتاب السفينة منهم الشيخ أحمد
الساعي، وحصل له على يديه الجذب الذي لم يتفق لغيره، ومنهم الشيخ علي الجوهري
الشهير بالفيومي، والشيخ العارف بالله تعالى سيدي محمد بن قيصر القبيباتي، سيدي
محمد بن شكم الصالحي، والشيخ محمد المشهور بكمال الدين الكردي شيخ المدرسة
الشامية، والمجاذيب الثلاثة الكمل الشيخ علي الكردي، وصاحبه إسماعيل المهبلي،
ومحمد البعلي الشهير بالحلاق، ثم كاتبه جماعة من أعيان دمشق في القدوم عليهم إلى دمشق
ليكونوا في حمايته من الفتن والمحن، فسافر إلى دمشق ونزل ببيت ابن الباعوني من
صالحية دمشق، وجلس ثم للإرشاد أياماً، وكان الناس يجتمعون إليه يوم الخميس
للتأديب، ويوم الجمعة لتجويد القرآن، ويوم السبت لقراءة الحديث والفقه، واجتمع في
هذه الأيام بنية السلوك جماعة منهم السيد علي العجلوني، والشيخ محمد البصراوي،
والشيخ موسى الكناوي، والشيخ أحمد بن الديوان إمام جامع الحنابلة، والشيخ عبد الله
بن الحبال إمام جامع المزة وغيرهم، ثم انتقل إلى الغوطة ونزل بقرية سقبا، وانقطع
بها إلى الله تعالى المحمدون الثلاثة محمد الباعوني، والشيخ محمد الحنبلي، والشيخ
محمد الأسد، وقدم بها من مصر سيدي محمد الصفوري، ثم سافر وهو في صحبته إلى صفد،
فعزم على الإقامة بها، والانقطاع بمغارة يعقوب عليه السلام، فلم يتيسر له واجتمع
عليه بها جماعة منهم ومن بلاد عجلون وعكا، وكانت مدة إقامته بصفد ثلاثة أشهر وأياماً،
وهي رجب وشعبان ورمضان، وفي سابع شوال وصل إليه كتاب من أهله يذكرون فيه أن نائب
الشام ناوي المسير إلى الحج في سادس عشر الشهر، وأنه جعل الحاج بيد سيدي محمد،
فأجابهم بأني لا أسير في ركب إلا أن يكون على الكتاب والسنة، وهذا متعذر، وأنا
منتظر الإذن، فلما وصل الجواب إلى دمشق وافق يوم وصوله وصول الشيخ علي - رضي الله
تعالى عنه - إلى دمشق بنية حجة الإسلام، فلما بلغه ذلك شق عليه، وأرسل مندوبه إلى
سيدي محمد بكتاب مضمونه: ياأخي
إن لم يشرح الله صدرك للمسير، وإلا رجعنا، والذي يظهر لي أن غالب الحج يبطل
بسببكم، وذلك إليكم، فاستخيروا الله تعالى، وأسرعوا لنا بالجواب، وأجركم على الله
تعالى، فالقى الله تعالى في قلبه إجابتهم، وأرسل إليهم إني ألاقيكم إلى المزيريب،
وأذن لعياله بالمسير معهم، فلما حصل الاجتماع كان المسير على السنة ببركة سيدي
محمد - رضي الله تعالى عنه - والمراد يكون المسير على السنة أنهم أبطلوا أجراس
الجمال، ونحو ذلك من البدع التي حدثت في ركب الحج، وهذا ليس إلا كرامة لسيدي محمد،
ونفوذ في التصرف، وبلغني أن سيدي محمد ذهب في هذه السفرة ماشياً، واتفقت لسيدي
علوان معه قصة ستأتي إن شاء الله تعالى في ترجمته، وكانت هذه السنة سنة أربع
وعشرين وتسعمائة، ثم قطن سيدي محمد من يومئذ بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم،
وتردد بين الحرمين الشريفين مراراً، وحج كذلك مرات، وقصد بالمدينة المنورة للإرشاد
والتريية، واشتهر بالولاية بل بالقطبية، وبلغني أن رجلاً اشتط عليه مرة بالمدينة،
وسيدي محمد معرض عنه محتمل لأذاه، فلما انصرف قال له قائل: يا سيدي ما لك لا تنتقم
من هذا السفيه؟ فاعتذر عنه بأنه لم يفعل ذلك إلا لأمر ظهر له علي أوجب الإنكار،
وإن كنت منه برئياً. لكن يا ولدي سيأتي على الناس زمان إذا وقع بصرهم على قطب ذلك
الزمان لا يرونه مسلماً، وذلك لما يظهر لهم عليه باعتبار إفهامهم، وإنما يكون ذلك
منه تستراً لشدة الظلمة في ذلك الزمان يعني ويكون له في ذلك تأويل صحيح، وأكثر ما
ذكرته هذا لخصته من كتاب سيدي محمد المسمى بالسفينة العراقية وبالجملة، فما ذكرته
هذا نبذة لطيفة من مناقبه ومكارمه، وقد كان في عصره
مفرداً علماً وإماماً في علمي الحقيقة، والشريعة مقدماً وليثاً على النفس، قاراً
وغيثاً لبقاع الأرض، ماطراً. قال الشيخ موسى الكناوي - رحمه الله تعالى - يقول:
سمعت الشهاب بن المختيش الذهبي الدمشقي يقول: أرسل خلفي سيدي محمد بن عراق، وهو في
مدينة صفد في سنة أربع وعشرين وتسعمائة لما أراد السفر إلى الحجاز بنية المجاورة، وكان
ذلك في شهر رمضان، فأتى بسحور ليلاً بسيرج وعسل، وخفقهما بإصبعه، وألعقني إصبعه
صيانة لنفسه، ومنعاً لها من شهوتها، وبعضهم قال: مكث أربع عشرة سنة ما أكل اللحم،
ومن آثاره - رضي الله تعالى عنه - بدمشق لما كان قاضياً بصالحيتها عمارته للرصفان
بدرب الصالحية، وكان يعمل في ذلك هو وأصحابه - رضي الله تعالى عنهم - وممن أخذ عنه
ممن لم يتقدم لهم ذكر أولاده الثلاثة سيدي علي، والشيخ عبد النافع، والشيخ العارف
بالله تعالى السيد الشريف قطب الدين عيسى الإيجي الصفوي، وصاحبه الشيخ محمد
الإيجي، ثم الصالحي، والشيخ العارف بالله تعالى سيدي أحمد الداجاني المقدسي،
والشيخ العارف بالله تعالى الشيخ موسى الكناوي، ثم الدمشقي. وشيخنا الشيخ العارف بالله
تعالى سيدي أبو البركات محمد البزوري المتوفي في أوائل جمادى الأولى سنة ثلاث بعد
الألف، وهو آخر من أخذ عنه وفاة فيما أعلم. قال الشيخ موسى الكناوي: وزرته - يعني
سيدي محمد - مرتين بسقبا من الغوطة، ومرة بداريا، وكنت فيها في صحبة الشيخ عبد
الغني بن الجناب العجلوني الإربدي. قال: ولما حججت سنة ثلاثين وتسعمائة اجتمعت به
بالحرم النبوي الشريف ودعا لي وأعطاني شيئاً من التمر، وكان ذلك آخر العهد به في
الدنيا إلى أن قال: وكان في صفته الظاهرة حسن الصورة، أبيض الوجه، لحيته إلى شقرة،
مربوع القامة، وقال شيخنا الشيخ أبو البركات البزوري - رضي الله تعالى عنه - :
اجتمعت بمكة المشرفة بالشيخ القطب الغوث العارف بالله تعالى شمس الدين محمد بن
عراق فسألني ما اسمك؟ قلت: بركات، فقال لي: بل أنت محمد أبو البركات، ثم صافحني ولقنني
الذكر، ودعا لي وحرضني على قراءة قصيدته اللامية الجامعة لأسماء الله الحسنى التي
أولها: نبذة لطيفة من مناقبه ومكارمه، وقد كان في عصره مفرداً علماً وإماماً في
علمي الحقيقة، والشريعة مقدماً وليثاً على النفس، قاراً وغيثاً لبقاع الأرض،
ماطراً. قال الشيخ موسى الكناوي - رحمه الله تعالى - يقول: سمعت الشهاب بن المختيش
الذهبي الدمشقي يقول: أرسل خلفي سيدي محمد بن عراق، وهو في مدينة صفد في سنة أربع
وعشرين وتسعمائة لما أراد السفر إلى الحجاز بنية المجاورة، وكان ذلك في شهر رمضان،
فأتى بسحور ليلاً بسيرج وعسل، وخفقهما بإصبعه، وألعقني إصبعه صيانة لنفسه، ومنعاً
لها من شهوتها، وبعضهم قال: مكث أربع عشرة سنة ما أكل اللحم، ومن آثاره - رضي الله
تعالى عنه - بدمشق لما كان قاضياً بصالحيتها عمارته للرصفان بدرب الصالحية، وكان
يعمل في ذلك هو وأصحابه - رضي الله تعالى عنهم - وممن أخذ عنه ممن لم يتقدم لهم
ذكر أولاده الثلاثة سيدي علي، والشيخ عبد النافع، والشيخ العارف بالله تعالى السيد
الشريف قطب الدين عيسى الإيجي الصفوي، وصاحبه الشيخ محمد الإيجي، ثم الصالحي، والشيخ
العارف بالله تعالى سيدي أحمد الداجاني المقدسي، والشيخ العارف بالله تعالى الشيخ
موسى الكناوي، ثم الدمشقي. وشيخنا الشيخ العارف بالله تعالى سيدي أبو البركات محمد
البزوري المتوفي في أوائل جمادى الأولى سنة ثلاث بعد الألف، وهو آخر من أخذ عنه وفاة
فيما أعلم. قال الشيخ موسى الكناوي: وزرته - يعني سيدي محمد - مرتين بسقبا من
الغوطة، ومرة بداريا، وكنت فيها في صحبة الشيخ عبد الغني بن الجناب العجلوني
الإربدي. قال: ولما حججت سنة ثلاثين وتسعمائة اجتمعت به بالحرم النبوي الشريف ودعا
لي وأعطاني شيئاً من التمر، وكان ذلك آخر العهد به في الدنيا إلى أن قال: وكان في
صفته الظاهرة حسن الصورة، أبيض الوجه، لحيته إلى شقرة، مربوع القامة، وقال شيخنا
الشيخ أبو البركات البزوري - رضي الله تعالى عنه - : اجتمعت بمكة المشرفة بالشيخ
القطب الغوث العارف بالله تعالى شمس الدين محمد بن عراق فسألني ما اسمك؟ قلت:
بركات، فقال لي: بل أنت محمد أبو البركات، ثم صافحني ولقنني الذكر، ودعا لي وحرضني
على قراءة قصيدته اللامية الجامعة لأسماء الله الحسنى التي أولها:
بدأت ببسم الله والحمد أولاً ... على نعم لم تحص فيما
تنزلا
قال: في
كل ليلة أحسبه قال: بين المغرب والعشاء. قلت لشيخنا أبي البركات - رحمه الله تعالى
- : هذه القصيدة اللامية التي اشرتم إليها هي من نظم سيدي محمد بن عراق؟ قال: نعم
من نظمه وأنا أخذته عنه، فلازم على قراءتها، فإنها نافعة قلت: يا سيدي فنحن نرويها
عنكم عن سيدي محمد بن عراق. قال نعم، وقد أثبت هذه القصيدة مع نظيرتين لها في
خاتمة كتابي المسمى " عنبر التوحيد، ومظهر التفريد، ومن مؤلفات سيدي محمد بن
عراق - رضي الله تعالى عنه - كتاب المنح الغنائية، والنفحات المكية " ، وكتاب
" هداية الثقلين، في فضل الحرمين " ، وكتاب " مواهب الرحمن، في كشف
عورات الشيطان " ، ورسالة كتبها إلى من انتسب إلى الطريقة المحمدية، في سائر
الآفاق خصوصاً بمكة العلية، والمدينة المرضية، وكتاب " السفينة العراقية
" ، وكتاب " سفينة النجاه، لمن إلى الله التجاه " ، جواباً عن
مكاتبات وردت إليه. وهو ببيروت من قبل بعض العلماء بدمشق يشكون له مما حدث في
القرن العاشر من البدع والمنكرات، ومن كلامه في هذه السفينة، وقد أخبرني أستاذي عن
بعض مشايخه أنه كان يقول: إني أرى الخمول نهمة، وكل أحد يأباه، وأرى الظهور نقمةً،
وكل أحد يتمناه، ألا وإن في الظهور، قصم الظهور، وألف أيضاً رسالة في صفات أولياء
الله تعالى سأله في تأليفها تلميذه وفقيره الشيخ أحمد الداجاني المقدسي بتاريخ
نهار الاثنين سابع ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة. قال فيها في وصف المذكورين،
قرة العين، وثاني الاثنين أحمد الداجاني حمد الله شأنه، وفهمه أسرار المعاني، ومن
كلامه فيها: واعلم أنه لا يجوز لمن يدعي المشيخة أن يتظاهر بين أظهر العباد،
ويتصدر للسلوك والإرشاد، حتى يتصف باثنتي عشر خصلة اثنتان من الله، واثنتان من
رسول الله صلى الله عليه وسلم، واثنتان من الصديق - رضي الله تعالى عنه - ،
واثنتان من الفاروق - رضي الله تعالى عنه - ، واثنتان من ذي النورين - رضي الله تعالى عنه، واثنتان من جد
الحسنين - رضي الله
تعالى عنهم، فأما اللتان من الله يكون غفوراً رحيماً، واللتان من النبي صلى الله
عليه وسلم يكون رؤوفاً رحيماً، واللتان من أبي بكر الصديق - رضي
الله تعالى عنه - يكون صديقاً سليماً، واللتان من عمر - رضي الله تعالى عنه - يكون
غيوراً فهيماً، واللتان ومن عثمان - رضي الله عنه - يكون حياً كريماً، واللتان من
علي رضي الله تعالى عنه - يكون شجاعاً عليماً، ثم قال: فيحق لمن اتصف بذلك، أن
يكون عمدة للسالك، ومرشداً إلي ومنقذاً للهالك، انتهى.
ومما ينسب تأليفه إلى سيدي محمد بن عراق رضي الله تعالى
عنه " حزب الإشراق " أملاه علينا الشيخ يوسف ابن الشيخ سعيد بن حسن القاسمي
العجلوني أحد جماعة سيدي أحمد الداجاني المقدسي رضي الله تعالى عنه - عن سيدي
أحمد، عن سيدي محمد: " إلهي كلما أذنبت دعتني سابقة نعمتك إلى التوبة، وكلما
تبت جذبتني أزمة قدرتك إلى المعصية، فلا التوبة تدوم، ولا المعصية تنصرف عني، وما
أدري بماذا يختم لي غير أن سابقة الحسنى منك أوجبت لي حسن الظن بك، وأنت عند ظن
عبدك بك، فهب لي منك توبة باقية، واصرف أزمة الشهوات عني، وامح زينتها من قلبي بزينة
الإيمان، وقني من الظلم والبغي والعدوان يا حليم يا عظيم يا رحمن يا رحيم. إلهي
أنوار تجلياتك الوجودية أشرقت، فلا يزاحم ضحاها وجود ليل سواها لإحاطة شمولها في
مراتب ظهورها، فحققني اللهم بذلك تحقيقاً محفوظاً بلزوم مواطن مراضيك مع البقاء بك
بعد الفناء فيك على قدم من اصطفيتهم، وأنعمت عليهم من النبيين والشهداء والصالدين،
وحسن أولئك رفيقاً ذلك الفضل من الله، وكفى بالله عليماً. إلهي عم قدمك جدتي، فلا
أنا، وأشرق نور سلطان هيبتك فأضاء هيكل بشريتي، فلا سواك، فما دام مني فبدوامك،
وما فني مني، فبمعرفتي إياي أسألك سيدي بالألف إذا تقدمت، وبالهاء إذا تأخرت أن
تضرب جيم جلال جمعي في زاي زين جمال تفرقتي، حتى ينادي قلبي: يا هو مرة يا من ليس
إلا هو، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. إلهي من أقوى متي حولاً وأنت
حولي؟ ومن أولى مني بوجد أماله، وأنت مأمولي. سيدي من أعظم مني قوة، وأنت قوتي؟
ومن أحق بالأمان مني وأنت عصمتي؟ أمري وأمر كل شيء بيدك يا الله " . ومن شعر
سيدي محمد رضي الله تعالى عنه ما ذكره ابن الحنبلي في ترجمة ولده سيدي علي، أنشدنا
إياه الشيخ الصالح الفقيه الولي يوسف بن سعيد الداجاني العجلوني. قال: أنشدنا ولقننا
شيخنا الأستاذ الكبير سيدي أحمد الداجاني. قال: أنشدنا ولقننا شيخنا العارف بالله
تعالى سيدي محمد بن عراق لنفسه، وكان يأمر أصحابه بحفظ القرآن، وكان يقول كل ليلة
بعد صلاة العشاء عقب قراءة الملك، فإذا فرغ منها قال:
كلام قديم لايمل سماعه ... تنزه عن قلبي وفعلي ونيتي
به أشتفي من كل داء وإنه ... دليل لعلمي عند جهلي وحيرتي
فيا رب متعني بحفظ حروفه ... ونور به قلبي وسمعي ومقلتي
وذكر ابن الحنبلي عن سيدي علي أن والده سيدي محمد بن عراق
لما قدم على سيدي علي بن ميمون، وهو بحماة قال له الشيخ: بأي نية جئتني يا ابن
عراق؟ قال: فقلت له: يا سيدي قد ضمنت نيتي هذه الأبيات
أتى بيميني مصحفي ويدي التي ... تليها بها هيأت أثواب
أكفاني
وقدمت موتي بين عيني موقناً ... ..بآخرتي حتماً أمامي
تلقاني
كذلك دنيائي وورائي نبذتها ... وصيرت نفسي تحت أقدام
إخواني
فقال ابن ميمون: هذه دعوى، ولكن ثبتك الله تعالى، ووقع في
الشقائق النعمانية أن سيدي محمد بن عراق مات بالمدينة النبوية، ودفن بها وهو غلط
بلا شك، وإنما دفن بمكة بعد أن مات بها، وتحرير وفاته كما كتب به المحدث جار الله
بن فهد إلى صاحبه الشيخ شمس الدين بن طولون، ونقله عنه في تاريخه يوم الثلاثاء رابع
عشري صفر سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة، ودفن من الغد بباب المعلى، وحضر جنازته سلطان
مكة أبو نمي بن بركات. قال الشيخ موسى الكناوي: مات عن أربع وخمسين سنة - يعني
تقريباً - وذكر ابن الحنبلي في ترجمة السيد عيسى الصفوي أنه كان له مزيد اعتقاد في
سيدي محمد بن عراق، وأنه قال: له توفي سيدي محمد بمكة المشرفة تهالك الناس على
تعاطي غسله، قال: فوقع في نفسي أن أكون ممن يساعد فيه، فلم أشعر إلا بواحد يناديني
باسمي أن أقبل إلى مكان غسله، فمضيت فإذا هو يدفع لي إناء ويأمرني بالسكب عليه،
ففعلت. قال: ثم لما حمله الناس مزدحمين على سريره، وددت الحمل، فلم أصل إليه،
فوقفت بجوار باب السلام ملصقاً كتفي بجانبه، فإذا الجنازة قد حضرت على عنق رجل
يمني، وقد أمرني بحملها، ففعلت بدون أن أعرف هذا الرجل، والذي قبله. قال: ثم رأيت
الشيخ في المنام، فأعطاني بيضتين قال: وكان يوصيني باستعمال دعاء القنوت لكونه جامعاً
للمطالب الحسنة الجليلة. ولسيدي محمد مع سيد محمد المنير المصري قصة، ومع سيدي
محمد المنير البعلي قصة أخرى ستأتي كل قصة في ترجمة صاحبها. قال
الشيخ موسى: ورثاه جماعة منهم أخوة الشيخ علوان - رضي الله عنهما - فقال:
سقى ثراك فقيدالحي صيبة ... من رحمة هملت من فيض رضوان
محل العراق، وجار الله نخبتنا ... ما زلت مجتهداً في قمع
شيطان
تديم صوماً، وتحمي العين عن وسن ... مرتلاً بصلاة نظم
قرآن
حتى ثويت رهين النفس في حرم ... استودع الله ربي عين
الأخوان
101 - محمد بن سالم: محمد بن علي بن خليل بن أحمد بن سالم بن
مهنا بن محمد بن سالم الشيخ الإمام العلامة الفاضل الكامل الصالح بهاء الدين ابن
الشيخ العالم الصالح علاء الدين العاتكي الدمشقي الشافعي، المعروف بابن سالم. ولد في
سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة، وأخذ العلم عن أبيه، وعن التقوي ابن قاضي عجلون،
والسيد كمال الدين بن حمزة وغيرهما، وكان عالماً عاملاً خيراً. حج وجاور ومات
بالقاهرة سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بدمشق بالأموي منها يوم
الجمعة ثالث عشري شعبان من السنة المذكورة - رحمه الله تعالى - .
102 - محمد بن هلال النحوي: محمد بن علي، الشيخ الفاضل، شمس الدين
العرضي الأصل، ثم الحلبي، المعروف بابن هلال النحوي، الشافعي. اشتغل بحلب على
الشيخ محمد الداديخي، والعلاء الموصلي، فلم يبلغ مطلوبه، فارتحل إلى القاهرة، ولزم
الشيخ خالد الأزهري في العربية مدة طويلة إلى أن مات الشيخ خالد. فقدم صاحب
الترجمة حلب، ودرس بجامعها.
وألف عدة كتب منها حاشية على تفسير القاضي البيضاوي،
وحاشية على المراح وشرح على تصريف الزمجاني سماه " بالتطريف، على التصريف
" ورسالة أثبت فيها أن فرعون موسى آمن إيماناً مقبولاً، وهو خلاف ما عليه
الناس، وغض منه ابن الحنبلي كثيراً، وقال: وكان له شعر يابس، وهجو فيه فاحش. ومات
يوم الأربعاء سادس عشر القعدة سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
103 - محمد بن عمر الحنبلي: محمد بن عمر القاضي، شمس الدين.
الحورسي الدمشقي الحنبلي. ولد سنة ست عشرة وثمانمائة، وكان نقيباً لقاضي القضاة
برهان الدين بن كمل الدين بن شرف الدين بن مفلح، ثم فوض إليه ولده قاضي القضاة نجم
الدين بن مفلح نيابة القضاء. قال النعيمي: لقلة النواب، فدخل في القضاء مدخلاً لا يليق.
وتوفي يوم الجمعة عشري جمادى الأولى سنة إحدى وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
104 - محمد بن هبة الله: محمد بن عمر بن محمد بن محمد بن أحمد
بن عبد القادر بن هبة الله. الشيخ العلامة قاضي القضاة جلال الدين النصيبي الحلبي
الشافعي، سبط المحدث أبي الفضل بن الشحنة. ولد في ربيع الأول سنة إحدى وخمسين
وثمانمائة، وحفظ القرآن العظيم بها، وصلى به بجامعها الكبير وهو ابن ثمان، وحفظ
المنهاجين والألفيتين، ثم جمع الجوامع، وعرض على الجمال الباعوني، وأخيه البرهان،
والبدر ابن قاضي شهبة، والنجم ابن قاضي عجلون، وأخيه التقوي. ثم أخد الفقه عن أبي
ذز، والأصول، والنحو عن السلامي، ووالده الزيني عمر، ثم قدم القاهرة على جده لأمه
سنة ست وسبعين وثمانمائة، فأخذ عن الفخر المقدسي، والجوجري. وقرأ في الفقه على
العبادي، وفي شرح الألفية لابن أم قاسم وغيره على التقوي الشمني، وقرأ على السخاوي
في بعض مؤلفاته وفي غيرها، وبرع وتميز وناب في القضاء بالقاهرة ودمشق وحلب، وولي
قضاء حماة وقضاء حلب، وأنشد فيه بعضهم حين ولي قضاء حماة:
حماة مذ صرت بها قاضياً ... استبشر الداني مع القاصي
وكل من فيها أتى طائعاً ... إليك وانقاد لك العاصي
وكان ذا فطنة وحافظة مع رفاهية، وجمع تعليقات على المنهاج
سماة الابتهاج، في أربع مجلدات، واختصر جمع الجوامع، وجمع كتاباً كبيراً فيه نوادر
وأشعار، وله شعر منه تخميس الأبيات المشهورة للشاب الظريف محمد بن العفيف:
غبتم فطرفي من الأجفان ما غمضا ... ولم أجد عنكم لي في
الهوى عوضا
فيا عذولاً بفرط اللوم قد نهضا ... " للعاشقين
بأحكام الغرام رضى
فلا تكن يا فتى بالعذل معترضا "
إن الوفي بعهد ليس ينتقض ... وإن همو نقضوا عهدي وإن
رفضوا
فقلت لما بقتلي بالأسى فرضوا ... " قروحي الفداء
لأحبابي وإن نقضوا
عهدي الوفي الذي للعهد ما نقضا "
أحبابنا ليس لي عن عطفكم بدل ... وعن غرامي ووجدي لست
أنتقل
يا سائلي عن أحبائي وقد رحلوا ... " قف واستمع سيرة
الصب الذي قتلوا
فمات في حبهم لم يبلغ الغرضا "
قد حملوه غراماً فوق ما يسع ... وعذبوا قلبه هجراً وما
انتفعوا
دعا أجاب تولى سهده هجعوا ... " رأى فحب فرام الوصل
فامتنعوا
فسام صبراً فاعيى نيله فقضى "
وكانت وفاة صاحب الترجمة في ثالث عشر رمضان سنة ست عشرة
وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
105 - محمد البحيري: محمد بن عمر ابن الشيخ العلامة بدر الدين
ابن الشيخ زين الدين البحرفي. فقيه السلطان الغوري. توفي بمرض الإستسقاء في ليلة
الخميس سادس عشر شعبان في سنة ثمان وعشرين وتسعمائة بعد أن نزل عن وظائفة. ووقف كتبه.
106 - محمد بن عيسى : محمد بن عيسى، الشيخ الإمام، العلامة العالم،
أقضى القضاة شمس الدين، الحنفي خليفة الحكم العزيز بدمشق، ومفتي الحنفية بها. قال
الحمصي: كان عالماً فاضلاً مفنناً يعرف صناعة التوريق. والشهادة
معرفة تامة، وكان ذكياً متضلعاً من العلوم لا يجارى في بحثه محجاجاً. توفي بدمشق
في رجب سنة اثنتي عشر وتسعمائة، ودفن بالصالحية، وكانت له جنازة حافلة، وتأسف
الناس عليه - رحمه الله تعالى - .
107 - محمد المالكي: محمد بن قاسم قاضي القضاة جلال الدين بن
قاسم المصري المالكي. قال الشعراوي: كان كثير المراقبة لله في أحواله، وكانت
أوقاته معمورة بذكر الله عز وجل. شرح المختصر والرسالة، وانتفع به خلائق لا يحصون،
ولاه السلطان الغوري القضاء مكرهاً، وكان حسن الإعتقاد في طائفة القوم. قال: وكان أكثر
أيامه صائماً لا يفطر في السنة إلا العيدين وأيام التشريق، وكان حافظاً للسانه في حق
أقرانه. لا يسمع أحداً يذكرهم إلا ويجلهم. توفي بمصر سنة خمس وعشرين وتسعمائة،
وصلي عليه صلاة الغائب بالجامع الأموي بدمشق رابع عشر صفر سنة ست وعشرين وتسعمائة.
108 - محمد بن ليل الزعفراني: محمد
بن ليل، الشيخ الصالح. شمس الدين الزعفراني التونسي القاطن بالقاهرة. كان يحفظ
أنواع الفضائل، وكان يتأنق في إيراد أنواع التحميدات والتسبيحات والصلوات، ويعرف
الألسن العربية المتنوعة، والخواص العجيبة، وكان يذكر أنه عارف بالصنعة، مات
بالقاهرة يوم الأربعاء تاسع عشري جمادى الآخرة سنة سبع وعشرين وتسعمائة، ودفن
بتربة المجاورين - رحمه الله تعالى - .
109 - محمد بن مسعود: محمد بن مسعود، الشيخ شمس الدين الناسخ
المشهور، الصالحي الدمشقي الشافعي. انتهت إليه مشيخة الكتابة بدمشق، بل بالمملكة
كلها. قرأ القرآن بالروايات، وتوفي يوم السبت العشرين من شوال سنة سبع عشرة
وتسعمائة بالبدرائية، وحمل إلى الصالحية، فدفن غربي سفحها - رحمه الله تعالى - .
110 - محمد خواجه زاده: محمد بن مصطفى بن يوسف بن صالح البروسوي
الرومي المولى العلامة الصوفي بن المولى الفاضل العلامة المشهور بخواجه زاده صاحب
كتاب " التهافت
" والده ولي القضاء والتدريس ببعض مدارس بروسا، ثم تركها في حياة والده، ورغب
في طريقة التصوف، واتصل بخدمة الشيخ العارف بالله تعالى حاجي خليفة، ثم ذهب مع بعض
ملوك العجم إلى بلاده، وتوفي هناك سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة.
111 - محمد الرومي: محمد بن مصطفى بن الحاج حسن المولى، العالم
الفاضل، الرومي الحنفي قرأ على علماء عصره، واتصل بخدمة المولى يكان، وولي التدريس
والولاية، وتنقلت به الأحوال إلى أن ولاه السلطان محمد بن عثمان في سنة وفاته، وهي
سنة ست وثمانين وثمانمائة قضاء العسكر الأناظولية، ولما تولى السلطنة السلطان أبو
يزيد خان أقره في منصبه، ثم جعله قاضياً بالعساكر الروميلية، وبقي فيه حتى توفي
قال في الشقائق: وكان رجلاً طويلاً عظيم اللحية، طلق الوجه، محباً للمشايخ، وكان
بحراً في العلوم، محباً للعلم والعلماء، عارفاً بالعلوم العقلية والشرعية، وألف حاشية
على تفسير سورة الأنعام من تفسير القاضي البيضاوي، وحاشية على المقدمات الأربع في
التوضيح، وكتاباً في الصرف سماه " ميزان التصريف " وكتاباً
في اللغة جمع فيه غرائب اللغات، ولم يتم، وبنى مدرسة بالقسطنينية ومسجداً وداراً
للعلم، وبها دفن بعد أن توفي سنة إحدى عشر وتسعمائة، وقد جاوز التسعين - رحمه الله
تعالى - .
112 - محمد العجلوني: محمد بن موسى بن عيسى، الشيخ العالم
الصالح، شمس الدين بن الشيخ شرف الدين موسى العجلوني، الدمشقي. الصالحي. ولد
بالصالحية سنة ثمان وأربعين وثمانمائة، وتوفي يوم الخميس ثاني ربيع الأول سنة تسع
وتسعمائة، ودفن بمسكنه بزاوية المسلك محمد الخوام الشهير بالقادري بالصالحية -
رحمه الله تعالى - .
113 - محمد بن ناشي: محمد بن ناشي الشيخ بدر الدين الكتبي
الحنفي. كان مصاحباً للسلطان الغوري، ملتحقاً به، ونال بصحبته مرتبات ووظائف،
وأثرى وقوي بأسه، وتولى إعادة المدرسة الجانبكية، وسافر مع السلطان الغوري إلى
دمشق، ثم إلى حلب، وتوفي بها يوم الخميس في ثامن رجب سنة إحدى وعشرين وتسعمائة،
ودفن في تاسعه بها.
114 - محمد الميداني: محمد بن نصر، الشيخ العلامة المقريء المجود،
شمس الدين الضرير الدمشقي. الميداني المقريء. وكان من أهل العلم بالقراءات، وله في
النحو مؤلفات منها كتاب مطول سماه " ذخر الطلاب، في علم الإعراب " ،
وكتاب آخر مختصر سماه " تنقيح اللباب، فيما لا بد منه أن يعتني في فن الإعراب
" ، قال والد شيخنا: وقرأته عليه، وكان فقيراً من الدنيا. وكان الشيخ
شمس الدين بن طولون يتردد إليه كثيراً، وانتفع به جماعة. توفي يوم الخميس قبل
المغرب سابع عشري صفر سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة. قال والد شيخنا ودفن بمقبرة
الجوزة بمحلة الميدان، وفيها سادات كالشيخ إبراهيم القدسي، وإخوانه قلت وكانت وفاة
الشيخ إبراهيم القدسي المقريء كاتب المصاحف المذكور في كلام والد شيخنا في دخول
القرن العاشر. " وذلك " في ثاني رمضان سنة أربع وتسعين وثمانمائة، والله
سبحانه تعالى هو الموفق.
115 - محمد باجه زاده: محمد بن يعقوب، العالم فاضل المولى محيي
الدين الرومي الحنفي الشهير باجه زاده. قرأ على علماء عصره، ثم وصل إلى خدمة
المولى الفاضل خطيب زاده، ثم ولي الولايات، وتنقل فيها حتى صار قاضي بروسا، ثم عزل
ومات وهو معزول. قال في الشقائق: كان عالماً فاضلاً ذكياً، سليم الطبع، مبارك
النفس، مقبلاً على الخير، متواضعاً متخشعاً، صاحب كرم وأخلاق. وكانت وفاته في ثلاث
أو أربع وعشرين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
116 - محمد الطولقي : محمد بن يحيى بن عبد الله قاضي القضاة أبو
عبد الله شمس الدين بن أبي زكريا المغربي الطولقي المالكي. سمع على العلامة جمال
الدين الطمطامي. قال ابن طولون: قدم علينا دمشق، وأتجر بحانوت بسوق الذراع، ثم ولي
قضاء دمشق عوضاً عن قاضي القضاة شمس الدين المريني، وعزل عن القضاء، ثم وليه
مراراً، ثم استمر معزولاً مخمولاً إلى أن توفي يوم الأربعاء ثالث عشري شعبان سنة
ثمان وعشرين وتسعمائة فجأة. كما قيل، وكان له مدة قد أضر، وصار يستعطي ويتردد إلى
الجامع الأموي وكان يكتب عنه على الفتوى بالأجرة لى، وصلي عليه بالجامع الأموي،
ودفن بمقبرة باب الصغير.
117 - محمد الباعوني: محمد بن يوسف بن أحمد، الشيخ العلامة بهاء
الدين ابن قاضي القضاة جمال الدين الباعوني الشافعي. ولد في سنة سبع أو تسع وخمسين
وثمانمائة بصالحية دمشق، وقرأ القرآن العظيم، وحفظ المنهاج، وأخذ عن عمه البرهان الباعوني،
والبرهان بن مفلح، والبرهان المقدسي الأنصاري، والبرهان الأذرعي، وولده شهاب
الدين، والزين خطأب، والقطب الخيضري وغيرهم. وغلب عليه الأب، وجمع عدة دواوين،
وكان قليل الفقه، توفي كما وجدته بخط شيخ الإسلام الوالد في ليلة السبت حادي عشري
رمضان المعظم سنة ست عشرة وتسعمائة.
118 - محمد بن يوسف الأندلسي: محمد بن يوسف بن عبد الله قاضي
القضاة المالكية القاضي شمس الدين الأندلسي. قدم دمشق. وولي قضاءها مستقلاً في أول
القرن. واعتضد في أموره بالشيخ عبد النبي مفتي المالكية بدمشق، وكان قضاء المالكية
بدمشق يتردد بينه وبين الطولقي، وسافر آخراً في طلب القضاء من دمشق في مستهل شعبان
سنة سبع وتسعمائة، ثم اشتهر في سنة تسع بتقديم التاء المثناة أنه غرق، ثم تحرر أنه
نفي إلى قوص، ثم ذهب إلى بلاد التكرور، ومات بها في سنة عشرين وتسعمائة عن ولد
بدمشق، وكذا حررت هذه الترجمة من كلام ابن طولون - رحمه
الله تعالى - .
من لم أقف على أسماء آبائهممن أهل هذه الطبقة، وهي الأولى،
وكذا أفعل في كل طبقة، وفي كل حرف أؤخر من لم أعرف أسماء آبائهم إلى آخر الحرف
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً: 119 - محمد البكري: محمد الشيخ المسند القطب
البكري النازل بالحسينية بمصر.قال العلائي: كان يزعم أن عمره ينوف على المائة سنة
وأنه أدرك الحافظ زبن الدين العراقي وغالب طبقته. قال: قد أجاز لنا وكان متعبداً
صالحاً. ويفهم من كلام العلائي أنه توفي في أول القرن العاشر رحمه الله تعالى.
120 - محمد البسطامي: محمد البسطامي شيخ زاوية سيدي تقي الدين
العجمي البسطامي الكائنة بمصر أسفل قلعة الجبل بالمصنع. أجاز الشيخ بدر الدين
الشويخ بخرقة التصوف، ولقنه الذكر، وأخذ عنه العهد من طريق أبي يزيد البسطامي، ومن
طريق الشيخ يوسف العجمي الكوراني، وذلك بمكة في سابع رمضان سنة خمس وتسعمائة.
121 - محمد المناوي: محمد الشيخ الفاضل العدل، شمس الدين
المناوي، نزيل الكاملية بمصر. أخذ
عن ابن حجر، والكمال السيوطي، ومما أخبر به ولده الحافظ جلال الدين السيوطي أن مما
يستحضره أن والده ذهب به وعمره ثلاث سنين إلى مجلس رجل كبير لا يتيقن من هو إلا
أنه يظن أنه مجلس حافظ العصر ابن حجر، ثم إن رجلاً من طلبة والده كان ذهب معه في
تلك المرة، وأركب الشيخ جلال الدين إذ ذاك أمامه. قال: فسألته مرات عن ذلك المجلس
فقال: هو مجلس ابن حجر. قال الحافظ شمس الدين الداوودي المصري في ترجمة شيخه
الجلال السيوطي والرجل المذكور: هو
الفاضل العدل شمس الدين المناوي، نزيل الكاملية أضر بآخره. وتوفي في أوآخر سنة
ثمان وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
122 - محمد الجلجولي: محمد، الشيخ الإمام، العالم العامل،
الخاشع الناسك، ولي الله تعالى العارف به، بل القطب الرباني، والغوث الفرداني سيدي
أبو العون الغزي، الجلجولي، الشافعي القادري أصله من غزة، وسكن جلجوليا، ثم انتقل
في آخر عمره إلى الرملة ، ثم استمر بها إلى أن مات - رضي الله تعالى عنه - صحب الشيخ
العلامة ولي الله تعالى الشيخ شهاب الدين الرملي، الشهير بابن رسلان، واصطحب هو
وشيخ الإسلام رضي الدين الغزي جدي كثيراً، وكان نفعه متعدياً، وكان كثير القرى
للواردين عليه من الغرباء وغيرهم، وكان تفد إليه الناس بالهدايا وللنذور وللزيارة
والتبرك بأنفاسه، وترد عليه المظلومون ويستشفعون به، فيشفع لهم، وكانت شفاعته
مقبولة، وكلمته نافذة عند الملوك والأمراء، فمن دونهم لا ترد له شفاعة، وكانت
أحواله ظاهرة، وكراماته متوافرة. قال الشيخ موسى الكناوي - رحمه الله تعالى - :
كان ممن أظهر الله تعالى على يديه الكرامات بكثرة بحيث لو أراد العاد أن يعد في
مجلسه كل يوم خمسين كرامة فصاعداً لعد. قال: وكان هذا وداعاً ليتحدث الناس به في
ظلمة القرن العاشر وقال في موضع آخر: وهنا الشيخ أظهره الله تعالى في أوآخر القرن التاسع
من أول القرن العاشر، وكان ظهوره بكثرة الكشف الزائد الصحيح، وتربية الفقراء،
وانتفاع الناس به، وكان متصرفاً في الملوك بمصر والشام، فلا ترد شفاعته، وكان يقبل
من الملوك وغيرهم، ويصرفه في وجوه الخير من غير إدخال ولا رغبة، ولما مات انقطع
ظهور الولاية بهذه الصفة. انتهى. قلت: وبلغني أن بعض أولياء دمشق أراد أن يستكشف
أمر سيدي أبي العون، ويسأله عن بدو أمره، فبعث إليه بعض مريديه، ولم يذكر له فيما
بعثه، بل قال له: اذهب زائراً إلى سيدي أبي العون، وقل له: أخوك فلان يسلم عليك،
ولم يزد على ذلك، وقال له: انظر
أول شيء يضيفك به، فأخبرني عنه إذا رجعت، فذهب المريد إلى الشيخ أبي العون، فأول
شيء أقراه به قلقاس مطبوخ، ثم لما انقضت زيارته وأراد الرجوع إلى شيخه، قال له
الشيخ أبو العون: إذا سألك شيخك عن أول طعام أكلته عندنا فقل له: قلقاس، فكان ذلك
بداع كشف سيدي أبي العون، ولطائف إشاراته.
وحكي أن بعض الفقهاء ارتحل إلى الشيخ أبي العون يقصد
الزيارة، فلما دخل على الشيخ أبي العون رأى ي جماعته الغث والسمين، والبر والفاجر،
فقال في نفسه: لا
ينبغي أن يكون أصحاب الشيخ كلهم إلا أخياراً، ولا يليق بصحبته مثل هؤلاء الأشرار،
أو نحو هذا الكلام، فما استتم هذا الخاطر حتى قال له الشيخ أبو العون: يا أخي إن
الشيخ عبد القادر الجيلاني - رضي الله تعالى عنه - كان في جماعته البر والفاجر،
فأما الأبرار، فكانوا يزدادون به براً، وأما الأشرار، فكان الله يصلحهم بصحبته،
فعرف الفقيه أن الشيخ كاشفه بخاطره، فاستغفر الله تعالى، واعتذر من الشيخ، ومن
تصرفات الشيخ أبي العون في الوجود ما حكاه الشيخ موسى الكناوي رحمه الله تعالى،
وهو أن امرأة من أهل حلب خرجت من الحمام في جماعة من النسوة، فاحتملها رجل من
الجند من جماعة نائب حلب، وأراد أن يذهب بها إلى الفاحشة، وعجز الناس عن خلاصها،
فجاء رجل يقال له: قاسم بن زنزل بزائين مفتوحتين بينهما نون ساكنة، وكان من أهل الشجاعة
والزعارة، فضرب الجندي ليستخلص منه المرأة، فقضى عليه، فمضى قاسم لوجهه هارباً، ثم
لما أصبح عاد إلى المدينة، ودخل الحمام، فلما أحس به نائب حلب بعث في طلبه جماعة،
فدخلوا عليه الحمام، فقال لقيم الحمام: أعطني سراويلي وخنجري، فخرج عليهم، فتفرقوا
عنه، فهرب منهم، ووثب إلى بستان هناك، واستغاث بأبي العون الغزي، وكان قد رأى
الشيخ أبا العون قبل ذلك واعتقده، فحماه الله تعالى منهم ببركة الشيخ أبي العون،
فاستمر على وجهه على طريق الساحل حتى دخل جلجوليا فدخل على الشيخ أبي العون ودخل
تحت ذيله، فدعا له الشيخ وكاشفه بما وقع، وقال له: كيف تقتل مملوك السلطان؟ فاعتذر
بما فعله الجندي، فقال له: لك الأمان، ثم كتب الشيخ له كتاباً إلى نائب دمشق
قانصوه اليحياوي، وكتاباً إلى نائب حلب، وقال له: اسق الماء واترك الزعارة، قال: نعم، ثم
لما كتب له الكتاب إلى نائب حلب قال: يا سيدي أخاف أن لا يقبل ويقتلني، وكان في
المجلس إذ ذاك الشيخ نعمة الصفدي فمد يده، وقال له: إن كلمك أقلع عينه بيدي، فأمسك
أبو العون على يد الشيخ نعمة قبل أن يتم رفع يديه، وقال له: لو مكنته من رفع يده
لقلع عينه، ثم ذهب قاسم إلى دمشق بكتاب الشيخ أبي العون إلى اليحياوي فأكرمه ودفع
إليه نحو مائة درهم لكرامة الشيخ، ثم كتب إلى نانب حلب بإكرامه والعفو عنه لأجل
الشيخ، فأكرمه نائب حلب وعفا عنه، واستمر قاسم يسقي الماء، ويلازم زي الفقراء حتى
صار رجلاً مذكوراً، وستأتي ترجمته في الطبقة الثانية، وحج الشيخ أبو العون في سنة
سبع وتسعين وثمانمائة، فدخل القدس الشريف من جلجوليا في يوم السبت سابع عشر شوال،
وتوجه من القدس إلى زيارة الخليل عليه السلام قاصداً مكة المشرفة بعد الظهر يوم
الاثنين تاسع عشر الشهر المذكور، فقضى مناسكه، وزار النبي صلى الله عليه وسلم،
وعاد إلى محل وطنه ذكر ذلك صاحب الأنس الجليل فيه.
وممن أخذ عن الشيخ أبي العون شيخنا الشيخ حسن الصلتي مقرئ
دمشق، ومن طريقه تحصل لنا طريقة الصحبة المتصلة بالشيخ أبي العون مع العلو الزائد
- رضي الله تعالى عنهما - ولسيدي الشيخ أبي العون - رضي الله تعالى عنه - شعر قوي
متين يشتمل على حماسة العارفين، فمنه ما قرأته بخط الشيخ أبي البقا البقاعي خطيب
الأموي بدمشق أنه من كلام الشيخ أبي العون رضي الله تعالى عنه:
يا حاضراً في ضمير القلب ما غابا ... لولاك ما لذ لي عيش
ولاطابا
آثار فعلك كانت أصل معرفتي ... ويجعل الله للتوفيق أسبابا
ومن كلامه أيضاً رضي الله تعالى عنه:
حياكم الله وأحياكم ... ولا عدمنا قط رؤياكم
ولا حضرنا مجلساً بعدكم ... محسناً إلا ذكرناكم
وقال أيضاً رضي الله تعالى عنه:
أقول وقد نوديت سيما، وقيل لي ... فإنك في حفظ، وإنك في
حرز
أنا قادري الوقت صاحب عصره ... لوائي لواء الفتح والنصر
والعز
فهذا زماني ليس فيه مشارك ... أزمة أعلام الطريقة في حوزي
مريدي إذا ما ضقت شرقاً ومغرباً ... فناد بأعلى الصوت
غوثك يا غزي
تجدني بأمر الله للوقت ناصراً ... هنيئاً مريدي بالسعادة
والفوز
وقال أيضاً رضي الله تعالى عنه:
تعالوا إلينا لا ملال ولا بعد ... ولا صد عن أبوابنا لا
ولا طرد
تعالوا وقد صححتم عقد ودكم ... فمن صح منه العقد صح له
الود
إذا جئتم لا تنزلوا غير عندنا ... ومن غيرنا حتى يكون له
عند
فما كل دار في الهوى دار زينب ... ولا كل خود بين أترابها
هند
ولا كل مورود يرود له الظما ... ولا كل واد في الهوى لكم
رند
أنا الفارس الصنديد والأسد الذي ... أبو العون من عزمي
تذل له الأسد
فتحت رتوقاً كان صعباًمسدها ... وليس لها من بعد فتقي لها
سد
وجردت سيف العزم في موكب الوفا ... بحد ذباب ما له أبداً
غمد
وفارقت أغياري، وملت عن السوى ... وعند التساوي الأخذ
والبذل والرد
فمن شاء فليرحل، ومن شاء فليقم ... فسيان عندي من يقيم
ومن يغدو
فهذا زماني ليس فيه مشارك ... صناجق أعلام الحقيقة ما
تبدو
فعش يا مريدي في هذا وسعادق ... لك العز والإقبال والجود
والسعد
وكان رضي الله تعالى عنه كثيراًما ينشد هذه الأبيات
المروية عن سيدي الشيخ عبد القادر الكيلاني رضي الله عنه:
إذا كان متا سيد في عشيرة ... رعاها وإن ضاق الخناق حماها
فما ذكرت إلا وأصبح شيخها ... وما افتخرت إلا وكان فتاها
وما ضربت بالأبرقين خيامنا ... فأصبح مأوى العارفين سواها
وكانت وفاة سيدي أبي العون بالرملة في سنة عشر وتسعمائة،
وصلي عليه صلاة الغائب بجامع دمشق يوم الجمعة سبع عشر صفر من السنة المذكورة،
وقبره - رضي الله تعالى عنه - داخل مدينة الرملة عليه بناء يقصد للزيارة والتبرك.
أعاد الله تعالى علينا وعلى المسلمين من بركاته. آمين.
123 - محمد العجمي: محمد العجمي الشهير بالطواقي شيخ الزاوية
الخوارزمية، ويراجعهم في أمر المظلومين وينصرهم، فلما ولي نيابة دمشق قانصوه البرج
المحمدي كان يظهر الديانة والمحبة لأهل دمشق، وكان يكرم العلماء والصالدين، وكان
ممن يكرمه صاحب الترجمة الشيخ محمد، وكان يتردد إليه في أمر المظلومين، ويراجع
الدوادار وغيره في أمرهم، فلما توفي النائب المشار إليه في ليلة الخميس سادس عشري صفر
سنة عشر وتسعمائة عامل الدوادار على الشيخ محمد جماعة من غوغاء دمشق، فجاؤوا ليلاً
إلى الخوارزمية، فطعنوه بالسكاكين، ثم ذبحوه، وأخفوا رأسه وقلبه، وألقوا جثته في
بئر الزاوية، ولم يستطع أهله دفعهم، ثم لما طلع النهار جاء الناس إلى الزاوية، فلم
يجدوه، ثم رأوه في البئر، فأخرجوه وغسلوه وكفنوه، ودفن في الزاوية المذكورة، ثم
كبر الأمر، وكثر الكلام في أمره، فأمر الدوادار حينئذ بالأمان، وأن لا يتكلم أحد
فيما لا يعنيه، فغلب على ظن الناس أن قتله كان بإشارة الدوادار المذكور، وفاز
الشيخ محمد العجمي بالشهادة، وكان قتله - رحمه الله تعالى - ليلة الأربعاء ثالث
ربيع الأول سنة عشر وتسعمائة.
124 - محمد الأبشيمي: محمد الشيخ الإمام العلامة جلال الدين
الأبشيمي المصرفي الشافعي. توفي بالقاهرة يوم السبت سابع عشر جمادى الأولى سنة عشر
وتسعمائة.
125 - محمد النحريري: محمد الشيخ العلامة القاضي، شمس الدين
النحريري، المالكي خليفة الحكم بالقاهرة، وكان مباشراً للمقر بن أجا صاحب ديوان
الإنشاء بها. توفي يوم الأربعاء ثامن عشر ربيع الآخر سنة إحدى عشرة وتسعمائة، ودفن
بالقرب من الإمام الشافعي - رحمهما الله تعالى - .
126 - محمد المغربي: محمد المغربي، الشيخ الصالح العالم، الزاهد
الورع المسلك، المرئي العارف بالله تعالى سيدي شمس الدين، المعروف بالمغربيي،
الشاذلي بالقاهرة. قال الشيخ عبد الوهاب: أخذ الطريق عن سيدي أبي العباس المرسي
تلميذ سيدي شمس الدين الحنفي، وكان من أولاد الأتراك، وإنما اشتهر بالمغربي لكون
أمه تزوجت مغربياً، وكان الغالب عليه الاستغراق، وكان بخيلاً في الكلام بالطريق،
عزيز النطق بما يتعلق بها، وذلك من أعظم الأدلة على صدقه وعلو شأنه. وقال في
الطبقات الوسطى: اجتمعت به مرة واحدة ذكروا أنه أقام في القطبية ثلاث سنين، وكان
كريم النفس، يعطي السائل الألف كأنه لم يعطه شيئاً، وكان ينفق النفقة الواسعة من
الغيب، و كثيراً ما كان يأتيه المدين، فيقول: يا سيدي ساعدني في وفاء ديني، فيقول له:
ارفع طرف الحصير، وخذ ما تحته، فربما رأى تحته أكثر من ديونه، فيقول له: اوف دينك
وتوسع بالباقي، وكان مع كثرة إعطاءاته يفت الرغيف اليابس في الماء ويأكله وينشد:
اقنع بلقمة وشربة ماء ولبس الخيش ... وقل لقلبك ملوك
الأرض راحوا بيش
ودخل عليه السلطان قايتباي يزوره، ورسم له بألف دينار،
فردها وأنشد البيت، فبكى السلطان قايتباي حتى بل منديله، وقال له: فرقها على
المحبين، فقال له: من تعب في تحصيلها فهو أولى بتفرقتها، ثم قال: من كانت الحقيقة
تتصرف فيه فلا اختيار له مع الله تعالى، ولم يقبل الألف دينار، وكان يقول: من أكثر
على الله الرد، فهو من أهل الطرد، وكان علماء مصر قاطبة يذعنون له في العلوم العقلية
والوهبية ويستفيدون منه العلوم التي لم تطرق سمعهم قط، وذكر الحمصي: أنه كان
مقيماً بقنطرة سنقر بالقاهرة، وكان له كشف وكرامات ظاهرة.قلت: وهو ممن صحبهم شيخ
الإسلام الجد من أولياء الله تعالى في طريق الله تعالى كما ذكره في قائمة كتبها
بخطه، وكانت وفاته يوم الاثنين سادس جمادىالآخرة سنة إحدى عشرة وتسعمائة بمنزله
بقنطرة سنقر. قال الشيخ عبد الوهاب في الطبقات الوسطى: ودفن قريباً من باب القرافة
وقبره ظاهر يزار - رحمه
الله تعالى - .
127 - محمد الصيداوي: محمد الشيخ الفاضل العالم المفنن شمس
الدين الصيدواي. كان عالماً بعلم النغمة، وله فيه مصنفات، وكان له فيه ملكة تامة،
وانتفع به خلق كثير. توفي بدمشق سادس عشري القعدة سنة إحدى عشرة وتسعمائة - رحمه
الله تعالى - .
128 - محمد الدلجي: محمد الشيخ الصالح الزاهد، العارف بالله
تعالى سيدي محمد الدلجي المصري. كان مقيماً بتربة خارج باب القرافة يقصد للتبرك
والزيارة، وزاره سيدي محمد بن عنان، وقبل رجله، وكان يلبس القلنسوة من غير عمامة،
ويجلس على تخت من جريد، وكان مع ذلك مهيباً وقوراً. مات في سنة ثلاث عشرة
وتسعمائة، ودفن بالقرافة - رحمه
الله تعالى - رحمة واسعة.
129 - محمد المحرقي: محمد الشيخ الإمام العالم أبو الفضل محب
الدين بن المحرقي خطيب الجامع الأزهر بمصر، وهو أحد الخطباء الذين أمرهم السلطان
قانصوه الغوري أن يخطبوا بين يديه كل واحد في جمعة، وسبب ذلك أن بعض القضاة أراد
أن يشارك قاضي قضاة الشافعية في خطبة القلعة بمصر، وكانت الخطبة إذ ذاك تختص بقضاة
الشافعية، وكان قضاة الشافعية يومئذ البرهان القلقشندي، وكان يستنيب في الخطابة
الشيخ شهاب الدين الحمصي، وكان السلطان تعجبه خطبته على خطبة قاضي القضاة المستنيب
له، فاتفق أن الشيخ شهاب الدين الحمصي مرض وانقطع عن الخطبة، فخطب قاضي القضاة المذكور
أول جمعة في رجب سنة ثلاث عشرة وتسعمائة والخطبة الثانية، فارسل السلطان إليه أن
لا يخطب إلا الشيخ شهاب الدين الحمصي، فقيل له: إنه مريض، فقال السلطان: يخطب
القاضي الحنفي جمعة، والمالكي جمعة، والحنبلي جمعة، وخطباء البلد كل جمعة إلى أن
يبرأ الحمصي، وكان ذلك موافقا لما أراده بعض القضاة المتقدم ذكره، فبرأ الحمصي قبل
يوم الجمعة، فحضر الخطيب وخطب، وحضر قاضي القضاة السري بن الشحنة للخطبة، فسبق
وقفل عليه باب القلعة، فدخل على السلطان واستأذن في الخطابة في الجمعة الآتية،
فأذن، فلما كان يوم الجمعة وهي رابع جمعة في رجب المذكور، فكانت حادي عشرية، طلع
القلعة قاضي القضاة الحنفية المشار إليه، وتعمم بعمامة سوداء، وألقى على رأسه
وكتفيه طرحة سوداء، فعلق طرفها بالحصير، فسقطت عمامته عن رأسه فلبسها، ثم صعد
المنبر وخطب، وانتقدت عليه تكلفات حصلت في خطبته، ثم خطب في الجمعة الثانية منها قاضي
القضاة المالكية برهان الدين الدميري بعد أن استعفى، فلم يقبل منه فارتج وسقط عن
المنبر، ثم قام بعضده رجل حتى رقي المنبر، فلما شرع في الخطبة ارتج عليه القول
وقام وقعد مراراً، ثم خطب في الجمعة الثالثة قاضي القضاة الحنابلة شهاب الدين
الشيشني، وأجاد في الخطبة الأولى، لكن أطال في الثانية، وساق فيها المواعظ ونزل،
فصلى فسها عن الفاتحة، وشرع في السورة، فنبهه رجل من الحاضرين على قراءة الفاتحة،
فعاد لقراءتها، ثم خطب في الجمعة الرابعة الشيخ العلامة كمال الدين الطويل
الشافعي، ثم العلامة شمس الدين الغزي خطيب الغورية في الخامسة، ثم القاضي شرف
الدين البرديني الشافعي في السادسة، ونسي الجلوس بين الخطبتين، ثم الشيخ العلامة
محب الدين المحرقي خطيب الأزهر وهو صاحب الترجمة، والشيخ يحيى الرشيدي خطيب
الأرتكية، ثم القاضي فخر الدين الطويل نقيب الشافعي، ثم قاضي القضاة البرهان
القلقشندي صاحب الوظيفة. قال الحمصي في تاريخه: وشرط عليه أن لا يعود، ثم استقر الحمصي
المذكور يخطب نيابة عنه، ووقع رعب السلطان الغوري في قلوب بعض هؤلاء الخطباء بسبب
الخطبة بين يدي السلطان، حتى كان سبباً لموت القاضي برهان الدين الدميري المالكي،
وصاحب الترجمة فيما ذكره الحمصي. واستمر صاحب الخطبة ضعيفاً حتى مات يوم الأربعاء
سنة ثلاث عشرة وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
130 - محمد الناسخ: محمد الشيخ الإمام العلامة كمال الدين بن الناسخ
الإطرابلسي الشامي المالكي قاضي المالكية بطرابلس الشام. أخذ عن الحافظ البرهان
الحلبي وعن غيره، ودخل حلب فأكرمه أهلها لأنه كان معمرًا، وله سند عال، فسمع عليه
الموفق بن أبي ذر وغيره صحيح البخاري بقراءة القاضي شمس الدين العرضي وغيره،
واشتغل عليه الموفق أيضاً في شرح الألفية لابن عقيل، وكان يذكر أنه يحفظ من كتاب
سيبويه ألف شاهد، وكان يعرف مذهب مالك، ومذهب الشافعي كما ينبغي، ومن مؤلفاته:
" الجواهر الثمينات في الفرائض " ، و " قسمة
التركات " ، وكتاب " الدرر في توضيح المختصر " مختصر الشيخ خليل، وكتاب
" كافي المطالب " لمختصر ابن الحاجب، وكتاب " الحر الثمين بين الغث
والسمين " في إعراب القرآن، واختصر شرح الرسالة لابن ناجي، وكانت وفاته بطرابلس
سنة أربع عشرة وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
131 - محمد الديري: محمد الشيخ الإمام العلامة بدر الدين
الديري، القاهري الحنفي شيخ مدرسة المؤيدية، ومفتي الحنفية بمصر. كانت وفاته يوم
الأربعاء ثاني جمادى الأولى سنة أربع عشرة وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
132 - محمد الأسدي: محمد الشيخ العالم الفاضل بهاء الدين الأسدي
الدمشقي الشافعي الشهير بابن الجاموس، مات بدمشق يوم الأحد تاسع عشر ربيع الآخر
سنة خمس عشرة وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
132 - محمد بن السابق: محمد الشيخ المبارك الصالح شمس الدين بن
السابق الدمشقي كان مؤذناً بالجامع الأموي. توفي
يوم الخميس سادس رجب سنة ست عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى.
134 - محمد الحلواني: محمد الشيخ شمس الدين الحلواني الدمشقي. كان
خطيب جامع الحشر بالحدرة تحت قلعة دمشق، وأحد العدول بمركز الخضريين بها. كانت
وفاته يوم الاثنين سابع عشري شوال سنة ست عشر وتسعمائة.
135 - محمد الحمصي: محمد
القاضي شمس الدين الحمصي ناظر الخواص بمصر.كان من الرؤساء الأعيان، وله كلمة نافذة
عند الحكمام ووجاهة عند أرباب الشوكة، وناب في القضاء، وكانت وفاته بمصر يوم
الجمعة سلخ الحقدة سنة ست عشرة وتسعمائة.
136 - محمد بن الهمام: محمد الشيخ الإمام المحقق كمال الدين بن
الهمام الحنفي.أخذ عنه عبد البر بن الشحنة وغيره، وأخذ هو عن العلامة السراج عمه
قاريء الهداية قرأت بخط الشهاب بن شعبان العمري القاهري أنه توفي في سنة سبع عشرة وتسعمائة
- رحمه الله تعالى - .
137 - محمد القرصوني: محمد الشيخ الإمام الفاضل البارع المفنن
العلامة الرئيس شمس الدين القرصوني رئيس الأطباء بالقاهرة، وطبيب السلطان الغوري.
توفي بالقاهرة في ربيع الأول سنة سبع عشرة وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
138 - محمد القرماني: محمد العالم المولى محيي الدين القرمافي،
الرومي، الحنفي. اشتغل في العلوم وبرع وأعطى تدريساً ببعض المدارس، ثم صار مدرساً
بأحد المدرستين المتجاورتين بأدرنة، ثم تقاعد و أعطي كل يوم خمسين عثمانياً، ولزم
بيته بقسطنطينية حتى مات في أوائل سلطنة سليم بن بايزيد - رحمه الله تعالى - .
139 - محمد المحلاوي: محمد الشيخ شمس الدين المحلاوي رئيس
المؤذنين، ومؤدب السلطان الغوري. توفي القاهرة في ربيع الأول سنة سبع عشرة
وتسعمائة أيضاً - رحمه الله تعالى - .
140 - محمد الغزي: محمد الشيخ الإمام العالم العلامة المفنن شمس
الدين الغزي الشافعي. نزيل القاهرة كان مهيباً لا يكاد أحد ينظر إليه إلا ارتعد من
هيبته، وكان حسن الصوت جداً لا يمل من قراءته من صلى خلفه، وإن أطال القراءة، وكان
يفتي ويدرس سائر نهاره على طهارة كاملة، ولم يضبط عليه غيبة قط لأحد من أقرانه ولا
من غيرهم، وكان يقبح الغيبة وينكرها جداً، ولما بنى السلطان الغوري مدرسته بمصر
جعله إمامها وخطيبها من غير سؤال منه، وقدمه على سائر علماء البلد، وكانت وفاته
بالقاهرة يوم الجمعة خامس عشر المحرم الحرام سنة ثمان عشرة وتسعمائة - رحمه الله
تعالى - واسعة.
141 - محمد البكري: محمد الشيخ الصالح العالم العامل الورع
الزاهد الشيخ صدر الدين البكري. أخذ عن سيدي إبراهيم المتولي، وسيدي أبي العباس
الغمري، وكان أجل أصحابهما، وكان كثير الصمت لا يتكلم إلا جواباً، ولا يكاد يرفع
بصره إلى السماء في ليل ولا نهار تخشعاً، ولما حج وزار النبي صلى الله عليه وسلم.
سمع النبي صلى الله عليه وسلم يرد عليه السلام، وكانت وفاته بالمدينة المنورة سنة
ثمان عشرة وتسعمائة - رحمه الله تعالى ورضي عنه.
142 - محمد الخضري: محمد العبد الصالح الخضري المؤذن بالجامع
الأموي بدمشق. كان الناس يحبونه ويعتقدونه، وكان جهوري الصوت يبلغ بمحراب الحنفية
المخصوص الآن بالشافعية بين باب العنبرانية وباب الخطابة، مات يوم الأربعاء ثامن عشر
المحرم سنة عشر وتسعمائة، وتأسف الناس عليه - رحمه الله تعالى - .
143 - محمد العريان: محمد العريان المجذوب المعتقد. بجلب. كان
في بداية أمره مسرفاً على نفسه، فشرب ذات يوم خمراً وجرح إنساناً، فلما سال دمه
هاله أمره، وندم على ما فرط منه، واجترأ عليه، واضطرب عقله، وصار يختلط بمؤذني جامع
الزكي بحلب، ويعمل أعمالهم، ثم تجرد عن الملبس، وأوى إلى قبة من اللبن بين الكروم
مجاورة لقبة الولي المعروف بالشيخ فولاد، وهو عريان، لا يستر سوى سوءتيه ، وكان
بين يديه كلاب كثيرة، وكانت تمنع مريديه زيارته إلا باشارة منه. وإذا أهدي إليه
شيء بادر فأطعمها منه، وربما منع الناس من الوصول إليه بالحجارة. وكان لا يزال
نظيفاً، وكان خير بك كافل حلب يعتقده، لكونه قدم يوماً، والناس محتاجون للمطر
قدوماً خرق فيه عادته من الإقامة بمكانه المذكور، وقال له: ما لك لا تبادر
بالاستمطار؟ فسأله الدعاء وبادر بالاستمطار، فخرجوا فأمطروا.
وكانت وفاته سنة تسع عشرة وتسعمائة، ودفن بقبته المذكورة
- رحمه الله تعالى واسعة - .
144 - محمد بن الشنتير: محمد الشيخ الإمام العلامة شمس الدين
المقدسي إمام المسجد الأقصى، المعروف بابن الشنتير أقام آخراً بدمشق، وكان إماماً لكافلها
سيبائي، وتوفي بها في سابع رجب سنة تسع عشرة وتسعمائة، ودفن بها - رحمه الله
تعالى - .
145 - محمد السيوفي: محمد الشيخ الصالح المبارك شمس الدين
السيوفي، وكان مؤذناً بالجامع الأموي بدمشق، ومات بها يوم الجمعة ختام رجب سنة تسع
عشرة وتسعمائة، ودفن بباب الفراديس - رحمه الله تعالى - .
146 - محمد بن السقطي: محمد الشيخ شمس الدين بن السقطي. كان من
أعيان لشهود بدمشق، وتوفي بها حادي عشر شعبان يوم الجمعة سنة تسع عشرة وتسعمائة -
رحمه لله تعالى - .
147 - محمد الزفتاوي: محمد الشيخ الصالح ناصر الدين الزفتاوي،
المعروف بأبي العمائم لأنه كان يتعمم بنحو ثلاث أبراد صوف. وأكثر.
أقام بالنحرارية وبني بها زاوية وبستاناً، وكان أحمدي الخرقة، وقصده الناس
بالزيارة من سائر الآفاق، وكان لسانه لهجاً بذكر الله تعالى وتلاوة القرآن العظيم.
مات سنة تسع عشرة وتسعمائة بالنحرارية، ودفن بها وقبره بها ظاهر يزار - رحمه الله
تعالى رحمة واسعة آمين.
148 - محمد الصيروفي: محمد
الشيخ الصالح ناصر الدين الصيروفي قال الحمصي في تاريخه: كان في خدمة الأمير أزدم
دوادار السلطان بالقاهرة، وفارقه وتاب إلى الله تعالى، وبنى زاوية بالقاهرة بالقرب
من ضريح السيدة نفيسة رضي الله تعالى عنها، وبنى زاوية آخرى بدمشق بالقرب من مدرسة
قبليه بضم القاف، وإسكان الباء الموحدة، والياء المثئاة تحت وبينهما لام مفتوحة،
وآخره هاء بمحلة مسجد القصب. وتوفي بدمشق يوم الجمعة ثالث عشر جمادى الآخرة سنة
عشرين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - آمين.
149 - محمد منلا دران: محمد المعروف بمنلا دران، ومنلا سيدي
بفتح المهملة وإسكان التحتية التركماني الحنفي. أحد تلامذة الجلال الدواني. قطن
حلب، فقرأ عليه بها جماعة من فضلائها، وتوفي بها في سنة عشرين وتسعمائة، ونقل ابن
الحنبلي عن تلميذ صاحب الترجمة ابن بلال. قال: رأيته في المنام، فسألته ما فعل
الله بك. فقال: عاتبني عتاباً كثيراً، ثم غفر لي بما في صدري من العلم - رحمه الله
تعالى - .
150 - محمد العجاوي: محمد، الشيخ العالم. شمس الدين العجماوي
المصري إمام سيبائي كافل المملكة الشامية. توفي بدمشق يوم الاثنين سادس عشري محرم
سنة إحدى وعشرين وتسعمائة - رحمه
الله تعالى - .
151 - محمد الضيروطي: محمد، الشيخ الإمام، العالم، الفقيه
الواعظ شمس الدين الضيروطي الشافعي، قالت والدته: لما حملت به رأيت النبي صلى الله
عليه وسلم، وأعطاني كتاباً، فأولته بولدي هذا، وكان محققاً بارعاً زاهداً عابداً،
كثير البكاء من خشية الله تعالى، وكان يرابط في برج له بناه بثغر دمياط ليلاً
ونهاراً، وكان يعظ الناس في الجامع الأزهر بمصر، وكان على مجلسه أبهة وسكينة يحضره
الأمراء فمن دونهم، فيكثر عويلهم وبكاؤهم، وحصل له القبول التام عند الخاص والعام،
وكان لا يكاد يمشي وحده بل الناس يتبعونه، ومن لم يصل إليه رمى بردائه على الشيخ
حتى يمس ثياب الشيخ به، ثم يرده إليه ويمسح به وجهه، وكان قوالاً بالحق لا تأخذه
في الله لومة لائم، وشدد النكير يوماً على السلطان الغوري في ترك الجهاد على الكرسي،
فبلغ السلطان ذلك، فبعث إليه، وقال له: ما حملك على أن تذكرني بالنقائص بين العوام؟
فقال: نصرة الدين، فقال: ما عندنا مراكب معدة للجهاد، فقال: عمر لك مراكب أو
استأجر، وأغلظ على السلطان، فاصفز لون السلطان، وأمر له بعشرة آلاف دينار، فردها
وقال: أنا رجل تاجر لا أحتاج إلى مالك، فقال: عقر بها في البرج، فقال: أنا لا
أحتاج إلى أحد يساعدني فيه، ولكن إن كنت محتاجاً إلى شيء تصرفه على الجهاد أقرضك
وأصبر عليك، ثم طال بينهما الكلام، فقال الشيخ للسلطان: أما تؤدي شكر ما أنعم الله
تعالى به عليك. قال:
فبماذا؟ قال: كنت كافراً فمن الله عليك الإسلام، وكنت رقيقاً، فمن الله عليك
بالعتق، ثم جعلك أميراً، ثم سلطاناً، ثم عن قريب يميتك ويجعلون أنفك في التراب، ثم
يحاسبك على النقير والقطمير، وينادى عليك يوم القيامة من له حق على الغوري، فيا
طول تعبك هناك، بكى السلطان، وكان الشيخ يتاجر في الأشربة والأدوية والخيار شنبر،
وكان لا يأكل من الصدقات، ويقول: إنها تسود قلب الفقير، وكان يتواضع لأشياخه، ولو
في مسألة من العلم، وكان إذا تكلم في علم من العلوم ينصت العلماء له، ويعترفون
بفضله، وكان يتطور ويختفي عن العيون، وربما كان يتكلم مع جماعة، فيختفي عنهم،
وربما كانوا وحدهم فوجدوه بينهم. وأشار مرة إلى سفينة فيها لصوص فتسمرت، ثم أشار
إليها، فانطلقت وتاب اللصوص على يديه. وأخبر زوجته أن ابنها حمزة يقتل شهيداً، بمدفع
يطير رأسه، وكان الأمر كذلك.
وله من المؤلفات " شرح المنهاج " للنووي،
و " شرح الستين مسألة لسيدي أحمد الزاهد " وكتاب " القاموس في الفقه
" وقطعة من شرح الإرشاد مرض - رحمه الله تعالى - فأخبر والدته أنه يموت في
هذه المرضة، فقالت له: يا ولدي من أين لك علم ذلك؟ فقال: أخبرني بذلك الخضر عليه
السلام، فمات رضي الله تعالى عنه في ربيع الأول كما قال الشعراوي، وقال الحمصي: في
ربيع الآخرة سنة إحدى وعشرين وتسعمائة، ودفن في زاويته في دمياط. قال الشعراوي:
وأخبرني ولده السري أن والدته أخبرته أنها رأت الشيخ بعد موته في المنام، فقالت
له: كيف حالك في منكر ونكير؟ فقال: كلمونا
في كلام مليح، وأجبناهم بلسان فصيح - رضي الله تعالى عنه - .
152 - محمد البانياسي: محمد الشيخ الدين بن البانياسي الصالحي
الدمشقي بسفح زاوية الشيخ أبي بكر بن داود. نزل عليه اللصوص ليلة الثلاثاء ثاني
عشري شوال سنة إحدى وعشرين وتسعمائة بالزاوية المذكورة بعد فراغ وقتها فقتلوه، ثم
دفن بكرة الأربعاء شمالي الزاوية المذكورة بالسفح القاسيوني - رحمه الله تعالى - .
153 - محمد الإمام: محمد الشيخ العالم محب الدين إمام المسجد
الأقصى. توفي بالقدس سنة إحدى وعشرين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
154 - محمد القدسي: محمد الشيخ الصالح سيف الدين القدسي. توفي
بها في سنة إحدى وعشرين وتسعمائة، وصلي عليه بجامع دمشق، وعلى المحب إمام الأقصى
المذكور آنفاً، وعلى الشيخ الأشعري الرملي في يوم واحد وهو يوم الجمعة تاسع عشري القعدة
من سنة المذكورة - رحمهم الله تعالى - .
155 - محمد السمنودي: محمد الشيخ الإمام المحدث شمس الدين
السمنودي الشافعي خطيب الجامع الأزهر. كان ورعاً زاهداً لم يأكل من معاليم وظائفه
الدينية شيئاً. إنما
كان ينفقه على العيال، وكان يقول: جهدت إني آكل من معلوم، فلم يتيسر لي إنما آكل
من حيث لا أحتسب، وكان يفتي بمصر مدة طويلة، ثم انتقل إلى المحلة الكبرى، فأقام
بجامع السر يفتي ويدرس به إلى أن مات، وكان لا يفتي في الطلاق أصلاً، ويقول: إنهم
يسألونني في مسائل الطلاق خلاف الواقع، فيعملون بسبب فتياي بالباطل. توفي - رحمه
الله تعالى سنة إحدى وعشرين وتسعمائة، ودفن بمقبرة الشيخ الطريتي.
156 - محمد الحجازي: محمد الشيخ الإمام العالم العلامة محب
الدين الحجازي، ثم المقري الحنفي. كان إمام المقام الشريف وقاريء بخاري القلعة
بمصر، وشيخ تربة السلطان خشقدم بها، وكان - رحمه الله تعالى - مغرماً بسكنى
الروضة، وصيد الأسماك في الشخاتير بالقصب في السواحل، توفي بها في المحرم سنة
اثنتين وعشرين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
157 - محمد التركماني: محمد الشيخ محب الدين التركماني الأصل من
جبال طرابلس الحلبي الحنفي إمام السلطان الغوري، وشيخ قبة بعد العصر، ورد القاهرة
غريباً فقيراً، فانضم إلى الشيخ برهان الدين الطرابلسي شيخ القجماسية، وكان يختلف
إلى الحافظ فخر الدين عثمان الديمي، ثم لا زال يترقى حتى ولي مشيخة أشرفية برسباي
وغير ذلك، وكان حسن الصورة معتدلها عارفاً باللغة التركية. توفي في ربيع الأول سنة
اثنتين وعشرين وتسعمائة بمصر - رحمه الله تعالى - .
158 - محمد المجذوب: محمد الشيخ الصالح، صاحب المكاشفات، سيدي
بهاء الدين المجذوب، بمصر أحد من صحبهم شيخ الإسلام الجد في طريقته، من أولياء
الله تعالى، كان قد طلب العلم في أول أمره، وصار خطيباً في جامع ميدان القمح بمصر،
وكان يشهد، فحضر يوم الجمعة في عقد نكاح، فسمع قائلاً يقول: ها النار جاء الشهود،
فصاح وخرج هائماً على وجهه ثلاثة أيام في الجبل المقطم وغيره، لا يكل ولا يشرب ولا
ينام، ثم غلب عليه الحال، وكان كتابه البهجة، فكان يلهج بها في جذبه عائماً، وكان
كشفه لا يخطئ، ما ضبط عنه أنه أخبر بشيء فأخطأ فيه، وكان إذا قال لأمير عزلناك عزل
من يومه أو جمعته، أو قال وليناك كذا تولاه عن قريب، وحكى الشعراوي إنه كان معه
مرة في وليمة، فأخذ قلة ماء وضرب بها نحو السقف، فقال فقيه كان حاضراً: كسر القلة،
فقال الشيخ: تكذب، فنزلت على الأرض سالمة صحيحة، ثم اجتمع به الفقيه بعد بضع عشرة
سنة، فقال: أهلاً بشاهد الزور، الذي شهد بغير علم أن القلة انكسرت، توفي - رضي
الله تعالى عنه - سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - رحمة واسعة.
159 - محمد السطوحي: محمد المنير المشرقي، ثم الحلبي الأحمدي
السطوحي، الشيخ الصالح، كان منيراً بحانوت داخل باب النصر بحلب، وكان من أرباب
الأحوال مع أنه كان أمياً، هاجر إلى بيت المقدس سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، ودفن
هناك في السنة التي بعدها - رحمه الله تعالى - .
160 - محمد العريان بمصر: محمد الشيخ الصالح المجذوب العريان
بمصر، المعروف بالرويجل، كان له أحوال خارقة ومكاشفات صادقة، وكان ينام في كانون
الطباخ، وهو جمر، فلا يحرقه، حكى الشعراوي عن شيخه شيخ الإسلام شهاب الدين الرملي
قال: أصل ما حصل لي من الخير والفتوى بمصر من دعوى سيدي محمد الرويجل، فإنه دخل
علي في بيتي وقت القائلة، إلى أن وقف على رأسي وقال: إنه يفتح عليك، ثم خرج، ولما
دخل عسكر السلطان سليم بن عثمان مصر، صار يقول إيش عمل الرويجل حتى تقطعوا رقبته، ومر
على شباك سيدي محمد بن عراق، فوقف وجعل يقول يا سيدي إيش عمل الرويجل حتى يقطعوا
رأسه، ثم خرج من جامع باب البحر فقطع رأسه العسكر في طريق بولاق، وكان ذلك في
المحرم سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، دفن في مقبرة الجزيرة - رضي
الله تعالى عنه - .
161 - محمد العسقلاني: محمد الشيخ شمس الدين العسقلاني، نزيل
حلب، كان صالحاً معتقداً اعتاد إماطة الأذى عن الطرقات، وكان يعظ الناس ببعض
المساجد بحلب، قيل لما مرض، عاده بعض أهل الخير، فطلب منه عجوة فجاءه بها، فأخذ
منها شيئاً وقال: هي التي بقيت من الرزق ودفع إليه الباقي، وأخبره أن امرأته حامل،
فما خرج من عنده إلا وامرأته بالباب فدفعه إليها، ثم لم يمض مدة قليلة إلا وقد
توفي إلى رحمة الله تعالى - سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، ودفن في المقبرة التي دفن
بها الشيخ محمد النجمي الخراساني، خارج باب الفرج - رحمه الله تعالى - .
162 - محمد الباعوني: محمد الشيخ العلامة، أقضى القضاة كمالى
الدين الخطيب سبط شيخ الإسلام البرهان الباعوني، توفي بقرية صيدا من أعمال دمشق،
ودفن بها في ثاني عشر جمادى الأولى سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة.
163 - محمد رئيس الكتاب بمصر: محمد الشيخ الصالح الدين، أستاذ
الكتاب ورأسهم ورئيسهم ومرجعهم أبو الفضل الأعرج القاهري الشافعي، أحد أعيان
الكتاب والكتبة من بالقاهرة، وكان قد جمع من المصاحف المعتمدة، رسماً وكتابةً
وتحريراً، ومن تحف الأدبيات والنفائس، ومن آلات الكتابة شيئاً كثيراً، غالبها من
كسبه في الكتب وكتابة يده، وتوفي فجأة ليلة الاثنين ثامن عشري الحجة سنة ثلاث وعشرين
وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
164 - محمد باشا الوزير: محمد باشا المولى الفاضل، ثم الوزير
حفيد المولى بن المعروف معلم السلطان أبي يزيد خان، اشتغل في العلم وبرع فيه، وصار
مدرساً في قلندر خانه بالقسطنطينية، ثم بإحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنه، ثم
صار موقعاً بالديوان في أيام السلطان سليم خان، ثم استوزره، وكان له عقل وافر
وتدبير حسن ومعرفة باداب، ولهذا تقرب عند السلطان سليم، ومات وهو شاب في سنة ثلاث وعشرين
وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
165 - محمد الحليبي: محمد الشيخ الإمام العلامة شمس الدين
الحليبي الشافعي، خليفة الحكم العزيز بالقاهرة، توفي بإصطنبول سنة أربع عشرين
وتسعمائة.
166 - محمد البدخشي: محمد البدخشي - ويقال: البلخشي، باللام -
الشيخ الصالح العارف بالله تعالى، الصوفي الحنفي صحب الشيخ المشهور بابن المولى
الأنزاري، وكان على طريقة شيخه من ترك الدنيا والتجرد من علائقها، ثم توطن مدينة
دمشق، وكان له في الشيخ محيي الدين بن العربي اعتقاد، ولما فتح دمشق السلطان سليم
بن عثمان - رحمه
الله تعالى - ذهب إلى بيت الشيخ المذكور مرتين، كنا في الشقائق، وسمعت صاحبنا
الشيخ الصالح إبراهيم بن أبي بكر السيوري - رحمه الله تعالى - يحكي
عن أبيه الشيخ الصالح أبي بكر أن هذا الشيخ كان مقيماً برواق الجامع الأموي
الشمالي، وكان يجلس عند شباك الكلاسة الذي يلي الزاوية الغزالية، وأن السلطان سليم
زاره بهذا الموضع مرتين، وفي المرة الأولى لم يجر بينهما كلام، وفي المرة الثانية
سكت السلطان سليم خان أيضاً وتكلم الشيخ محمد فقال: كلانا عبد الله، وإنما الفرق
بيني ويينك أن ظهرك ثقيل من أعباء الناس، وظهري خفيف عنها، فاجتهد أن لا تضيع
أمتعتهم، قال في الشقائق: وسأل السلطان سليم خان - رحمه الله تعالى - عن اختياره
الصمت فقال: فتح الكلام ينبغي أن يكون من أعالي ولا علو لي، قلت: وهذه منقبة عظيمة
للسلطان سليم خان - رحمه الله تعالى - أفصحت على حسن خلق وأدب ومعرفة واتضاح فرحمه
الله تعالى، وذكر ابن طولون في تاريخه، أن زيارة السلطان للبلخشي كانت ليلة الاثنين
سابع عشرة رمضان سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، وأنه دخل الجامع الأموي فصلى
بالمقصورة، وقرأ في المصحف العثماني، وزار قبر رأس سيدي يحيى عليه السلام، ثم قبر
هود عليه السلام، ثم صعد المنارة الشرقية، ثم جاء إلى الكلاسة فزار بها الشيخ محمد
البلخشي، ثم مشى إلى داخل الجامع وجلس معه ساعة، وعرض عليه دراهم فأبى أخذها،
ووصاه بالرعية، وحكي عن خواجه محمد قاسم، وكان من نسل خواجه عبيد الله السمرقندي
العارف العالم، أنه قال: ذهبت إلى خدمة المولى إسماعيل الشرواني من أصحاب خواجه
عبيد الله، فرغبني في مطالعة الكتب فاعتذرت إليه بعدم مساعدة الوقت، وذهبت إلى
خدمة الشيخ محمد البدخشي، فقال لي: كأنك كنت عند المولى إسماعيل؟ قلت: نعم، قال:
يرغبك في مطالعة الكتب، قلت: نعم، قال: لا تلتفت إلى قوله إني قرأت على عمي من القرآن
إلى سورة العاديات، والآن ليس احتياجي في العلم إلى ما ذكره المولى إسماعيل، وما
عرفت حاله، تارة أراه في أعلى عليين، وتارة في أسفل سافلين، قال خواجه محمد قاسم:
ثم ذهبت إلى خدمة المولى إسماعيل فقال: لعلك كنت عند الشيخ محمد البدخشي، قال:
قلت: نعم، قال: هل منعك عن المطالعة؟ قلت: نعم، قال: إن لك في المطالعة نفعاً
عظيماً، إن جدك الأعلى خواجه عبيد الله، كان يطالع في أواخر عمره تفسير البيضاوي،
ثم قال المولى إسماعيل: إن لي مع الشيخ محمد البدخشي حالاً عجيبة، إني إذا قصدت أن
أصاحبه أريه نفسي في أعلى عليين، وإذا قصدت ترك صحبته أريه نفسي في أسفل سافلين
قلت: رحم الله تعالى المولى إسماعيل الشرواني، والشيخ محمد البدخشي، لقد نصح كل
منهما خواجه محمد قاسم المذكور، فأرشده كل منهما إلى طريقه الذي فتح عليه فيه،
فأما المولى إسماعيل فأرشده إلى طريق المطالعة، والدأب، وأما البدخشي فأرشده إلى الاشتغال
بالله تعالى، والانقطاع إليه عن كل سبب، وقد أفصحت هذه القصة على كشف كلي لهما،
وعما كان عليه المنلا إسماعيل من قوة التصرف، وستأتي ترجمته في الطبقة الثانية -
إن شاء الله تعالى - وأما الشيخ محمد البدخشي فكانت وفاته بدمشق في أواخر سنة اثنتين
وعشرين، أو في أوائل سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، ودفن بالسفح عند رجلي الشيخ محيي
الدين بن عربي - رحمهما الله تعالى - .
167 - محمد الحليبي: محمد الشيخ الإمام العلامة شمس الدين الحليبي
الشافعي، خليفة الحكم العزيز بالقاهرة، وذكر الشيخ رضي الدين الجد في قائمة من
صحبهم، في طريق الله تعالى من الصالدين، توفي باصطنبول سنة أربع وعشرين وتسعمائة -
رحمه الله مالى - .
168 - محمد العربيلي: محمد
العبد الصالح العربيلي الأعمى، كان من حملة القرآن العظيم، حفظه بتربة المرحوم عمر
بن منجك، في محلة باب النصر بدمشق، وكان من جماعة سيدي حسن الدونائي، وكان يركب
الفرس، ويدور بها في دمشق، ونواحيها، كالبصير من غير قائد، توفي ليلة الجمعة مستهل
القعدة سنة أربع وعشرين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
169 - محمد المغربي: محمد الشيخ الإمام العلامة السيد الشريف،
شمس الدين مغربي الحريري المالكي، مفتي المالكية بدمشق توفي بها يوم الثلاثاء،
سابع عشر المحرم، سنة خمس وعشرين وتسعمائة، ودفن عند رجلي شيخه، الشيخ عبد النبي
المالكي، بباب الصغير جوار عبد الجبار - رحمهما الله تعالى - .
170 - محمد الخراساني: محمد الخراساني النجمي، نزيل حلب، قيل:
إنه كان يمني الأصل، وكان عالماً عاملاً، مطروح التكلف، لطيفاً في مواعظه، مليناً
للقلوب القاسية، وسنده في لباس الخرقة، يتصل بنجم الدين البكري، وذكر ابن الحنبلي،
أن الشيخ جلال الدين النصيبي، والشيخ جبريل الكردي، أنكرا على صاحب الترجمة حين
قدم حلب، ما كان عليه من سماع الموصول، والشبابة، فقيل للأول: لا بأس بالاجتماع
به، وإلا فلا وجه للإنكار عليه، فلما توجه إليه قال في نفسه: إن كان الشيخ ولياً،
فإنه يطعمنا اليوم خبزاً، ولبناً، وعسلاً، وإنه يسألني عن مسألتين، فوافق ما في
نفسه، وأما الثاني، فإنه طرق عليه الباب ذات يوم، ودخل عليه، فاعتنقه الشيخ فقال
للشيخ: اجعلني في حل مما كان يصدر مني، من الغيبة لك، قد وجدت نفسي وأنا نائم أني
في مفازة وإذا بك قلت لي: افتح فاك، وألقيت فيه شيئاً، فلم أقدر على ابتلاعه، ولا
على إلقائه، فذكرتني أني اغتبتك، فلما تبت صار الذي وضعته في حلقي كأنه سكر،
فابتلعته، وأخذتني، وأخرجتني من التيه، فلما أتم القصة جعله الشيخ في حل، وكان من
كلامه من لم ينخلع لم ينقلع، وحكى ابن الحنبلي أيضاً، عن شيخ الشيوخ، الموفق بن
أبي ذر أنه كان ذات يوم بين النائم واليقظان، فإذا طائر واقف على مكان داره،
واضطرب ساعة قال: فاستيقظت مذعوراً، فأخذت الغطاء على رأسي، وإذا هاتف يقول: هذا
روح الشيخ الخراساني فما مضى إلا قليل من الأيام، حتى توفي الشيخ الخراساني في في
الحجة سنة خمس وعشرين وتسعمائة، وكان يوم دفنه مشهوداً، وعمرت عليه عمارة خارج باب
الفرج من مدينة حلب، أنشأها الأمير يونس العادلي.
171 - محمد النجمي: محمد الشيخ الإمام العلامة، شمس الدين
النجمي، أحد علماء مكة المشرفة، كان ممن جمع بين العلم والعمل، ولم يخفف بمكة بعده
مثله، وكانت وفاته بها سنة خمس وعشرين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بدمشق بالجامع
الأموي، بعد صلاة الجمعة، ثاني عشري المحرم سنة ست وعشرين وتسعمائة.
172 - محمد بن الخراط: محمد الشيخ الصالح العالم العلامة، شمس
الدين المؤدب المقري الشافعي الحموي، المعروف بابن الخراط، توفي بها في أوائل سنة
ست وعشرين وتسعمائة، وصلي عليه، وعلى الشيخ البازلي غائبة يوم الجمعة، ثامن جمادى
الآخرة منها - رحمه الله تعالى - .
173 - محمد الكركي: محمد بن علي بن أبي بكر، محب الدين، ابن
قاضي القضاة، علاء الدين، ابن قاضي القضاة تقي الدين، ابن الرضي الأنصاري الكركي،
كان موقعاً لنائب الشام سيبائي، وهو الذي عمر الحمام والدار، قبل القيمرية داخل
دمشق، وكان الحمام قديماً دائراً، يقال: إنه من أيام اللنك، توفي فجأة يوم
الأربعاء، ثاني عشري شوال سنة ست وعشرين وتسعمائة.
174 - محمد الشربيني: محمد الشربيني الشيخ الصالح الولي المكاشف
شيخ طائفة الفقراء، بالشرقية من أعمال مصر، كان من أرباب الأحوال والمكاشفات، وكان
يلبس بشتا من ليف، وعمامة من ليف، وكان يتكلم على سائر أقطار الأرض، حتى كأنه يربي
بها، وحكى الشيخ الشعراوي عن بعض السواح أن له ذرية بأرض الغرب، من بنت سلطان
مراكش، وذرية في بلاد العجم، وذرية في بلاد الهند، وذرية في بلاد التكرور، فكان في
ساعة واحدة يطوف علي عياله في هذه البلاد، ويقضي حوائجهم، وكل أهل بلاد يقولون:
إنه مقيم عندهم، ولتبدله في هذه الصور، وتصرفه في هذه الأشكال، كان ربما أنكر عليه
بعض الفقهاء ترك الجمعة، فوجد يصلي الجمعة بمكة المشرفة، وقال ولده الشيخ أحمد:
كان الشيخ يقول لعصاه: كوني
صورة إنسان من الشجعان، فتطور في الحال، ويرسلها في حوائجه ثم تعود عصا، وقال سيدي
محمد بن أبي الحمائل: هرب فقير مني إلى الشربيني، ثم جاء فقلت: أين كنت. قال: عند
الشربيني، فقلت له: لأضربنك حتى يجيء الشربيني على صياحك، فقدمته للضرب فإذا
الشربيني واقف على رأسه فقال: شفاعة فتركه، واختفى الشيخ، وكان إذا أراد أن يعدي
في البحر، يقول له: المعدي هات كرا، فيقول الشيخ: عدنا لله يا فقير فيعديه فأبى
عليه يوماً وقال: زمقتنا بحمارتك، فقال الشيخ: ها الله وطأطأ الإبريق، فأخذ ماء
البحر كله فيه، ووقف المركب على الأرض فاستغفر المعدي وتاب، فصب الإبريق في البحر.
ورجع الماء كما كان، وكان إذا احتاج لضيفه أو لبيته عسلاً أو لبناً أو شيرجاً أو
غير ذلك، فيقول للنقيب: خذا هذا الإبريق واملأه من ماء البحر، فيملأه فيجده عسلاً
أو لبناً أو غير ذلك، على وفق ما يحتاج إليه، وكان بعض خطباء مكة المشرفة، ينكر
على الشيخ فكان ذات يوم يخطب على المنبر، فأحدث أوتذكر أنه كان قد احتلم ولم
يغتسل، فكان الشيخ حاضراً فمد يده الشيخ، فوجد كم الشيخ مثل الزقاق، فدخله فوجد
مطهراً أو ماء فتطهر، وخرج من كم الشيخ، فزال إنكار لخطيب، وأخبر بدخول ابن عثمان
إلى مصر، قبل دخوله بسنتين، وكان يقول: أتاكم
محلقو اللحا، فيضحك الناس عليه لشدة التمكين الذي كان للجراكسة، وله خوارق كثيرة
من هذا القبيل، وكرامات الاولياء لا مرية فيها، وكان يامر فقراءه ومريديه بالشحاذة
على الأبواب، والتعمم بالحبال والخرق، وكان كثيراًما يقول لجماعته: بموت شخص من
عباد الله في ثامن صفر سنة تسع وعشرين، فكل من أخذ من ماء غسله شيئاً، ووضعه عنده
في قلينة ، ومس منه الأبرص والأجذم أو الأعمى أو المريض، شفي من مرضه أو عماه، فما
عرفوا أنه يعني نفسه، إلا يوم مات، فلم يقع من ماء غسله على الأرض نقطة، وقد صبوا
عليه نحو أربعين، فكان يقال: إن رجال الغيب كانت تغرف ماء غسله، وكانت وفاته ثامن صفر
سنة سبع وعشرين وتسعمائة، كما أخبر رضي الله تعالى عنه، وكان ذلك يوم الخميس، ودفن
بزاويته في شربين رضي الله تعالى عنه.
175 - محمد الغزنوي: محمد
الشيخ الفاضل الفقيه، المحدث القاضي بدر الدين الغزنوي المالكي، أخذ الفقه عن
الشيخ العلامة نور الدين السنهوري، وحضر تقاسيمه، والحديث عن عدة من أصحاب ابن
الكويك، واصحاب إبراهيم بن صديق الرسام، وابن ناصر الدين حفيد سيدي الشيخ يوسف
العجمي، ولم يتزوج قط، وانفرد بقاعة بالقرب من جامع الأزهر، ثم انقطع أياماً فلما
طالت غيبته، وجهل أمره فتحت قاعته، فوجدت بها عمامته الكبيرة، وقليل نقد، وصندوق
محرق، وكان انقطاع خبره في سنة ثمان وعشرين وتسعمائة، واتهم بقتله جماعة، وصلب
بعضهم بالقاهرة.
176 - محمد خواجه زاده: محمد الشيخ العارف بالله تعالى، مصلح
الدين الشهير بالنسبة إلى المولى خواجه زاده، الصوفي الإسلام بولي اشتغل بالعلم،
ثم اتصل بخدمة الشيخ العارف بالله تعالى حاجي خليفة، وحصل عنده طريقة التصوف حتى
أجازه بالإرشاد، وانقطع في آخر أمره عن الناس، واشتغل بنفسه وكان رجلاً متواضعاً متخشعاً
أديباً مهيباً وقوراً صبوراً، وكانت أنوار الاستغراق والوجد تشاهد في وجهه، ارتحل
في آخر أمره إلى القدس الشريف، ومات هناك في عشر الثلاثين وتسعمائة رحمه الله
تعالى.
177 - محمد التتائي: محمد الشيخ الإمام العلامة شمس الدين
التتائي المصري المالكي، أقام بمدرسة الشيخونية بمصر، وشرح الرسالة شرحاً حافلاً،
وعدة كتب، وكان معمور الأوقات بالعلم والعبادة والأوراد، وكان صواماً قواماً
مؤثراً للخمول، لا يتردد إلى الأكابر، ولا يأكل لأحد من الظلمة، أو من أعوانهم
شيئاً، وكان محرراً لنقول مذهبه ضابطاً لها، وقال الحمصي: كان قاضياً بمدينة
طرابلس، ثم حضر إلى دمشق، فحصل له محنة وضع فيها بالسجن، ثم حصل له ضعف، فنقل إلى
البيمارستان النوري بدمشق، واستمر به إلى أن توفي يوم الأحد ثاني ربيع الآخر سنة
ثلانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
178 - محمد الباعوني: محمد القاضي، جلال الدين بن الباعوني، أحد
العدول بدمشق، ولي نيابة القضاء بالصالحية، وكان من جماعة سيدي محمد بن عراق، رضي
الله تعالى عنه، توفي بالصالحية مطعوناً يوم الثلاثاء، مستهل جمادىالآخرة سنة
اثنتين وتسعمائة ، رحمه الله تعالى رحمة واسعة - .
179 - محمد الدفاني: محمد الشيخ الصالح العابد الشهير بالدفاني،
توفي يوم السبت سادس عشري جمادىالآخرة سنة ثلاثين وتسعمائة مطعوناً أيضاً رحمه
الله تعالى.
180 - محمد التوزي: محمد الشيخ الفاضل الصالح الورع الزاهد
المعمر بدر التوزي المؤقت بجامع الحاكم بمصر. كان من أولياء الله تعالى المستورين،
وكان ذا قدم راسخ في العبادة، مع إخفائها، وكان له خلوة في سطح جامع الحاكم، لا
يدخلها في الليل أحد غيره، وكان له فيها خلق عمامة، ومرقعة بالية، يلبسها إذا دخل
فلا يزال يتضرع، ويبكي إلى الفجر ثم لبس ثيابه الحسنة، ويخرج لصلاة الصبح، وكان مع
الفقهاء فقيهاً، ومع الفقراء فقيراً، ومع العارفين عارفاً، ومع العامة عامياً،
وكان يعتقده أكابر الدولة ويكرمرنه، ويهدون إليه الهدايا، وكان يفرقها على
المحتاجين، ولا يأكل منها شيئاً، وكانوا يقولون إنه يعرف الكيمياء، وكان يعلم أنهم
لا يعظمونه إلا لذلك، وخدمه الأستاذ ابن تغري بردي خدمة طويلة طلباً للكيمياء، وقال
له مكاشفاً: لا يخلو حالك من أمرين، إما أن يأذن الله تعالى لك في العمل، فتصح
معك، فيقتلك السلطان، وإما أن لا تصح معك، فتكون زغلياً فيقتلك السلطان، فاستغفر
من ذلك الخاطر، وتاب إلى الله تعالى، وكان يغسل الأولياء، فلا يموت ولي إلا يوصي
أن لا يغسله إلا الشيخ بدر الدين تبركاً بيده، فغسل جماعة منهم سيدي أبو العباس
الغزي، وسيدي نور الدين الحسني، وسيدي ياسين، وابن أخت سيدي مدين، وسيدي أبو
السعود الجارحي، وسيدي محمد بن أبي الحمائل، وسيدي محمد بن عنان، وغيرهم، وتوفي
بعد أن أضر في آخر عمره، في أوآخر القعدة سنة ثلاثين وتسعمائة عن نحو تسعين سنة
رضي الله تعالى عنه.
181 - محمد القيصوني: محمد الرئيس شمس الدين القيصوني القاهري،
قال العلائي: كان
من ألطف الناس طبعاً في كل فن ذكي الجنان، سخياً، كثير الإحسان، حسن العشرة، محباً
لأهل العلم والفضلاء، بحيث أنزل في داره عدة من العلماء قائماً بكلفهم، وخدمهم،
كالشيخ شهاب الدين بن شقير التونسي، والشيخ عمر البجائي، والشيخ شهاب الدين
القسطلاني، وقاضي زاده الشرواني، جمع بين حسن الشكل، والنباهة، وفصاحة اللفظ، وحسن
الخلق، والذكاء المفرط، والمداخلة في كل فن، والتفرد في الطب، وجودة الدربة وحسن
العلاج، والخبرة بالأمور. توفي - رحمه
الله تعالى - بعد عوده من الروم، في رشيد يوم الأربعاء حادي عشر صفر سنة إحدى
وثلاثين وتسعمائة، ودفن بكوم الأفراح بعد أن اتصل عند السلطان سليمان بن عثمان -
رحمه الله تعالى - وعظم عند أكابر دولته، وأقبلت عليه الدنيا، رحمه الله تعالى
رحمة واسعة.
182 - محمد السمنودي: محمد الشيخ العالم المفتي الخطيب، شمس
الدين السمنودي المصري الشافعي. قال العلائي: كان
على علم، وخير، وديانة، وتوفي في القعدة سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة - رحمه الله
تعالى - .
183 - محمد المنير البلبيسي: محمد الشيخ الإمام العالم العابد
الناسك الزاهد الولي العارف بالله تعالى، سيدي شمس الدين أبو عبد الله المنير
البلبيسي الأصل، الخانكي، أحد أصحاب سيدي إبراهيم المتبولي، والشيخ كمال الدين
إمام الكاملية بمصر، حكي أنه كان يأتي من المكان الذي هو مدفون فيه، إلى الكاملية،
كل يوم صباحاً، فيحضر عرس الشيخ كمال الدين، ويرجع إلى مكانه قبل الليل لأجل
السقاية، والمسافة المذكورة قدر مرحلتين ذهاباً وإياباً، ودام على ذلك مدة ثلاث
سنوات، وكان يحفظ كتاب الروضة للنووي على ظهر قلب، ومكث في بدايته ثلاثين سنة،
يقرأ في النهار ختمة، وفي الليل ختمة كل يوم وليلة، وكان يحج كل سنة، ويرد إلى
مصر، ويقيم بها شهراً، ثم يزور بيت المقدس، وأخبر عن نفسه في أوآخر عمره أنه حج
سبعاً وستين حجة، وكان حجه على التجريد في أكثر أوقاته ماشياً، وعلى كتفه الركوة يسقي
الماء، وكان يطوي في أكثر أوقاته في الطريق، وفي مدة إقامته بمكة والمدينة، وإذا
أكل فلا يأكل إلا نحو ثلاث تمرات، خوف التغوط في تلك الأماكن، وكان لا يحلق رأسه
إلا في الحج كل سنة، وكان يحمل لأهل مكة والمدينة كل سنة ما يحتاجون إليه من
الطعام، والقماش، والسكر، والصابون، والإبر، والخيوط، فكانوا يتلقونه من مرحلة،
وكان سيدي محمد بن عراق - رضي الله تعالى عنه - ينكر عليه ذلك، ويقول: لمن هذه
الأشياء. يحملها من أمراء مصر، من الشبهات، فبلغه ذلك، فمضى إليه حافياً مكشوف
الرأس، فلما وصل إلى خلوته بالحرم النبوي قبل العتبة ووقف غاضاً طرفه، وقال: دستور
يا سيدي يدخل محمد المنير، فلم يرد عليه ابن عراق شيئاً، فكرر عليه القول، فلم يرد
عليه شيئاً، فرجع منكسراً، فلما حكيت هذه الحكاية للشيخ علي الخواص البوسي، حين قدم
الحج المصري إلى مصر قال: وعزة ربي قتله فإنه ما ذهب قط إلى فقير على هذه الحالة
إلا وقتله، فجاء الخبر انه مات بعد خروج الحاج من المدينة بنحو عشرين يوماً قلت:
كذلك حكى هذه الحكاية الشعراوي في طبقاته الكبرى، وكررها في الوسطى، ولكن يعكر على
ذلك أن وفاة سيدي محمد بن عراق تأخرت عن وفاة سيدي محمد المنير - رضي الله تعالى
عنهما - بسنتين، فلعل الخبر الذي جاء إلى مصر، بعد عود سيدي محمد المنير، بموت
سيدي محمد بن عراق، كان غير صحيح، فإن وفاة سيدي محمد بن عراق تحقيقاً في رابم
عشري صفر سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة بمكة المشرفة، كما تقدم تحريره، وسيأتي تاريخ
وفاة سيدي محمد المنير والله سبحانه وتعالى أعلم.
وكان سيدي محمد المنير ماراً في الأزلم في طريق الحج مرة،
فرأ رجلاً مهتماً فقال له: ما لك؟ قال: هرب الجمال فأعطاه خمسمائة دينار، ولم يكن
بينهما معرفة، فلما وصل إلى مكة جاءه الرجل بمثلها، فأبى أن يقبلها، وقال ما
أعطيتها إلا الله تعالى، وكان يتعمم بالصوف الأبيض، ويلبس البشت المخطط بالأحمر،
ويقول: أنا رجل أحمدي، وكان يكره الكلام في الطريق من غير سلوك، ولا عمل، ويقول
أنه بطالة، وكان ممن صحبه شيخ الإسلام الجد من الأولياء، والعارفين، بمصر، وذكر في
فهرست من اجتمع بهم، واصطحب معهم من الصالدين، وكان سبب إقامة الشيخ في سطح الخانكاه،
في محل مدفنه اليوم، وكان مقيماً في بلبيس أولاً أن امرأة عطشت في هذا المكان،
ومعها ولد فماتت من العطش فقال: أروني ذلك المكان، فلما رآه حفر فيه بئراً، وجلس
يسقي الناس عليها، وبنى له قريباً منها خصاً، ونقل زوجته إليه، ثم عمر حوله
الفقراء دويرات حتى صارت قرية، وينى له بها زاوية، ورتب فيها لقمة للواردين، بحيث
يأكل من سماطه، ويشرب من بئره الامراء، فمن دونهم وقال الشيخ رضي الله تعالى عنه:
ما دامت اللقمة في هذه الزاوية، فالبلاء الجائي من الشرق مدفوع من أهل مصر، ورأى
النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وقال له: يا محمد لا يسعى أحد في إخراج هذه
الرزقة عن ناديتك، إلا أهلكه الله تعالى، وقال ابن طولون: في تاريخه في حوادث سنة
إحدى وثلاثين وتسعمائة يوم الجمعة ثاني جمادى: صلي غائبة بالجامع الأموي على الشيخ
الصالح محمد المنير، توفي بزاويته قرب الخانكاه، من أرض مصر، وكان في كل عام يصوم
رمضان بالجامع الأزهر، ويختم في كل يوم وليلة ختمة، ويحج كل عام ماشياً، ويزور قبر
النبي صلى الله عليه وسلم، ولما كان آخر عام حج فيه نام في مسجد المدينة، فرأى
النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وقال له: يا
شيخ محمد لا بقيت تتعب نفسك، قد قبلناك. انتهى.
والذي حررته من تاريخ العلائي في وفاته أنه توفي يوم
الخميس الحادي والعشرين من شهر صفر سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة، ودفن بزاويته بسطح
الخانقاه رضي الله تعالى عنه.
184 - محمد الشناوي: محمد الشيخ الصالح العالم المربي المسلك
العارف بالله تعالى سيدي محمد الشناوي، شيخ الفقراء بالشرقية، من أعمال مصر، أخذ
الطريق عن سيدي محمد بن أبي الحمائل السروي، وكان من أهل الإنصاف، والأدب يقول عن نفسه:
ما دخلت قط على فقير إلا وأرى نفسي دونه، وقال الشيخ أمين الدين النجار: سمعت
الشيخ أبا العباس الغمري رضي الله تعالى عنه يقول: يموت الأدب في الفقراء بعد محمد
الشناوي، وكان يقدمه على شيخه السروي، وكان أهل البلاد الغربية مجمعين على
اعتقاده، وكان يلقن كلمة التوحيد لرجالهم، ونسائهم، في أي بلد دخل إليه، وقال:
أشعلنا في هذه البلاد نار التوحيد، فلا تنطفئ - إن شاء ألله تعالى - إلى يوم
القيامة، وكان يقضي ليله ونهاره في عبادة الله تعالى، هو وجماعته بحيث كان إذا ختم
القرآن افتتح الذكر، فإذا فرغ من الذكر افتتح القرآن، وكان مع ذلك قد أقامه الله
تعالى في حوائج خلقه ليلاً نهاراً، وكان لم يزل في مقاعده حبائر القطن ملفوفة
ملصوقة من كثرة ركوبه في حوائج الناس، وكان أوسع أشياخ عصره خلقاً، وأكرمهم نفساً،
وكان يقول: الطريق كله أخلاق لا أقوال ودعاوي، وكان يقول: ما ادى أحد قط مقاماً دون
النبوة، وكذبته لأن غايته أنه ادعى ممكناً، وكان يقول: ما دخلت قط على فقير أو
عالم إلا وخرجت بفائدة، ومن كان ذلك فلا تحصى أشياخه، وكان إذا أذن لفقير في تلقين
يأخذه بيده ثم ينشد:
أهيم بليلى ماحييت فإن أمت ... أوصي، بليلى من يهيم بها
بعدي
وكانت له أموال، وبهائم، وحبوب وغيرها كلها على اسم
المحتاجين لا يتخصص منها بشيء، وكان لا يقبل شيئاً من هدايا العمال، والمباشرين،
وأرباب الدولة، ويقول: من شرط الداعي إلى الله تعالى أن يطعم الناس، ولا يطعموه،
وهو الذي سعى في إبطال سخرة الشعير التي كانت في بلاد ابن يوسف، ونقشت بها حجارة، ووضعت
في كراسي البلاد، وكان يموت في تلك السخرة ناس كثير من الجوع، والعطش، وتنقطع
الطرقات نحو شهرين، حتى يفرغ قلع الشعير، وعزم على السفر إلى الروم، بسبب ذلك في
ليلة من الليالي، فرأى سيدي أحمد البدوي - رضي الله تعالى عنه - وقال: له يا محمد
لا نحوجك إلى السفر، فإن جميع أولياء الله تعالى الغربية معك، ولما توقف أمر العرض
إلى السلطان بن عثمان بسبب ذلك قال: الشيخ إن شاء الله تعالى يرسل الله للسلطان من
يسأله في ذلك، ففي تلك الليلة رأى السلطان الشيخ محمد الشناوي على حمارته السوداء
في ديوانه وهو يقول له يا مولانا السلطان أرسل مرسوماً إلى مصر بإبطال سخرة الشعير
التي في بلاد السباخ، فبعث السلطان مرسوماً بذلك، وأرسل الوزراء مكاتبيهم إلى نائب
مصر بالواقعة وأن الذي رآه السلطان هو الشيخ محمد الشناوي، وكان له اعتقاد تام في
سيدي أحمد البدوي، ونسبة تامة إليه، وربما كان يكلمه فيجيبه من داخل ضريحه. قال
الشعراوي: سمعته مرة يحدثه، وسيدي أحمد يجيبه من القبر، وقال في الطبقات الوسطى:
سمعته مرة يشاور سيدي أحمد - رضي، الله تعالى عنه - على
حاجة في مصر، فقال له الشيخ من داخل القبر: سافر، وتوكل على الله تعالى، وكانت
وفاته - رحمه الله تعالى - في ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة ودفن
بزاويته بمحلة روح، وقبره بها ظاهر يزار رضي الله تعالى عنه.
185 - محمد الكحال: محمد الرئيس، صلاح الدين الطبيب المعروف -
رحمه الله تعالى - بالكحال
القابوني الدمشقي. له اشتغال على شيخ الإسلام الوالد، وذكره في فهرست تلاميذه
وقال: إنه كان من أذكياء العالم، وأجاويد الناس، توفي بالمدينة النبوية، على
ساكنها أفضل الصلاة والسلام سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
186 - محمد السمديسي: محمد القاضي شمس الدين السمديسي الحنفي،
أخذ عن رضوان العيني ، وعبد الدايم الأزهري، والشمسي محمد بن أسد، والقراءآت عن
جعفر السمنودي، وأخذ عنه الشيخ بهاء الدين القليعي، وأخذ عنه الشيخ علاء الدين
المقدسي، نزيل القاهرة الفقه والقراءآت، وسمع عنه كثيراً. توفي سنة اثنتين وثلاثين
وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
187 - محمد السعودي: محمد القاضي بدر الدين بن الوقاد السعودي
نقيب الحنفية بمصر. كان له ثروة، وأملاك توفي أوآخر القعدة سنة اثنتين وثلاثين
وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
188 - محمد السندفاني: محمد
السندفاني المحلي، كان شاباً صواماً قواماً، قليل الأكل كثير الصمت، كريم النفس،
يحب الوحدة، ولا يمل منها، يحب أن يجلس في المساجد المهجورة، والخرب، وكان له
والدة وهو بار بها، وكان يتلطف بها، ويقول هبيني لله، والميعاد بيننا الآخرة، وحج
على التجريد ماشياً حافياً عدة سنين، اجتمع بالشيخ العارف بالله سيدي علي الذويب
بالحر الصغير من نواحي دمياط، وكساه جبته، وقال له: يا محمد ما فرح مني بذلك أحد
غيرك قط، وأخذ عنه جماعات من أهل الطريق. توفي سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة، ودفن
بسندفا بالمحلة الكبرى، - رحمه
الله تعالى - .
189 - محمد أبي فاطمة: محمد الشيخ الصالح المجذوب المعروف بأبي
فاطمة العجلوني الدمشقي. قرأت بخط الشيخ موسى الكناري - رحمه الله تعالى - أن
السيد نجدة الحسني الحصني كان هو، وولده بقرية الحرجلة ، فرجع منها إلى دمشق،
فبينما هو يمشي في سهل الغوطة، إذ رأى الشيخ محمد المذكور، وكان يعرفه قال: فحثثت
الفرس خلفه، ولحقته فسلمت عليه فقلت له: من أين أقبلت. قال: من بغداد قال: فقلت
له: الك علم بالشيخ خليل - يعني العجلوني المجنوب، قال: نعم، وضعوه وتداً في بغداد
وهذا هو الأصح، قال السيد نجدة: ثم التفت إلى ولدي، وكان يمشي خلفي، فغاب عني
الشيخ محمد، ولم اعلم كيف ذهب مات في أواخر هذه الطبقة - رحمه الله تعالى - رحمة
واسعة.
حرف الهمزة من الطبقة الأولى
190 - إبراهيم بن المعتمد: إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن محمد
بن علي بن حمد بن إبراهيم بن يعقوب، ابن المعتمد الشيخ الإمام العالم العلامة
الفقيه، برهان الدين بن خطيب، القاضي شمس الدين بن الخطيب، برهان الدين بن
المعتمد، القرشي الدمشقي الصالحي الشافعي، ولد كما قال النعيمي: في ثالث عشر ذي القعدة
سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة، وحفظ المنهاج، وعرضه على جماعة من الأفاضل، وكتب له
الشيخ بدر الدين ابن قاضي شهبة، في الشامية أربعين مسألة، كتب عليها في سنة ثمان
وستين وثمانمائة، وفوض إليه القضاء، الخواجا الصابوني، في سنة سبعين، ثم درس في
المجاهدية، والشامية الجوانية، والأتابكية، وتصدر بالجامع، له حاشية على العاجلة
(في مجلدين، وحج وجاور في سنة اثنتين وثمانين، ولازم النجد بن فهد، وسمع عليه،
وعلى غيره بمكة قال النعيمي وابن طولون: وكان حسن المحاضرة، جميل الذكر يحفظ نوادر
كثيرة من التاريخ، وذكر في تاريخه " مفاكهة الخلان " في وقائع سنة أنه
وضع ذيلاً على طبقات ابن السبكي، وأكثر فيه من شعر البرهان القيراطي، وقال والد
شيخنا الشيخ يونس العيثاوي: كان الشيخ برهان الدين بن المعتمد، من أكابر الشافعية في
عصره. قرأ عليه القاضي برهان الدين الأخنائي، والشيخ تقي الدين القاري، وغيرهما من
الأكابر، وله الدلالة على العجالة، وهي نافعة قال: وكان سخياً له مكارم أخلاق،
وكلمة نافذة كما استفيض، وسمع ممن أدركنا قال: وكان يدرس في الجامع الأموي بناطقة،
وتحقي. انتهى، وكانت وفاته يوم الأحد ثالث عشر شعبان سنة اثنتين وتسعمائة، ودفن من
الغد وسط الروضة بسفح قاسيون، وخلف دنيا عريضة - رحمه الله تعالى - .
191 - إبراهيم نقيب الأشراف : إبراهيم بن محمد السيد الشريف،
برهان الدين الحسني، نقيب الأشراف بدمشق. ولد في سنة ثمان وأربعين وثمانمائة. قالى
الحمصي: وكان رجلاً شجاعاً مقداماً، على الملوك ووقع له مع السلطان الأشرف قايتباي
وقائع يطول شرحها، ومات بالقاهرة وهو يومئذ نقيب الأشراف بدمشق، في يوم الخميس
خامس المحرم سنة ثلاث عشرة وتسعمائة، وأسند الوصاية على أولاده لكاتب الأسرار
المحب ابن أجا. قال ابن طولون: وتقلد أموراً في حياته، وبعد موته - رحمه الله
تعالى - .
192 - إبراهيم بن حمد الهلالي: إبراهيم بن محمد بن سليمان بن
عون بن مسلم بن مكي بن رضوان، الشيخ الإمام العلامة برهان الدين بن عون الهلالي
الدمشقي الحنفي مفتي الحنفية بدمشق، ولد في سنة خمس وخمسين وثمانمائة، وأخذ الحديث
عن جماعة منهم الحافظان السخاوي، والديمي، وترجمه الثاني في إجازته كما قرأت بخطه
بالشيخ الإمام الأوحد المقري المجود العالم المفيد، وتفقه على جماعة منهم الشيخ
الإمام المحدث زين الدين قاسم ابن قطلوبغا الجمالي، وممن أخذ عنه الفقه، وغيره الشمس
بن طولون، وتوفي ليلة الأحد سادس عشر شوال سنة ست عشرة وتسعمائة، وصلي عليه
بالجامع الأموي، ودفن قبلي جامع جراح بباب الصغير - رحمه
الله تعالى - .
193 - إبراهيم بن محمد الدسوقي : إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن
الدسوقي، الشيخ الصالح المعتقد الرباني الصوفي الشافعي، ولد في سنة ثلاث وثلاثين
وثمانمائة، ولبس خرقة التصوف من الشيخ شهاب الدين بن قرا، وتفقه به، ولقنه الذكر
أبو العباس المرسي، وأخذ عليه العهد عن والده، عن جده قال الحمصي: وكان صالحاً
مباركاً مكاشفاً، ونقل ابن طولون أن الجمال يوسف بن عبد الهادي ذكره في الرياض
اليانعة، في أعيان المائة التاسعة فقال: اشتغل، وتصوف، وشاع ذكره، وعنده ديانة،
ومشاركة، وللناس فيه اعتقاد قال ابن طولون: وكان شديد الإنكار على صوفية هذا
العصر، المخالفين له خصوصاً الطائفة العربية، قال: ولم تر عيناي متصوفاً من أهل
دمشق أمثل منه، لبست منه الخرقة، ولقنني الذكر، وأخذ علي العهد الجميع يوم السبت
سادس عشري في الحجة سنة اثنتي عشر وتسعمائة، انتهى.
قلت: أخبرني شيخنا فسح الله تعالى في مدته عن والده الشيخ
الإمام يونس العيثاوي
- رحمه الله تعالى - أن الشيخ إبراهيم المذكور، كان متعبداً
مكباً على الاشتغال بالله تعالى، وكان له أولاد وأولاد أولاد كلهم يشتغلون عليه في
أكثر أوقاتهم، فمنهم من يقرئه القرآن، ومنهم من يعلمه التهجي، ومنهم من يقرئه في
الغاية أو في المنهاج أو غير ذلك، من كتب العلم، وهذا ديدنه وديدنهم - رحمه الله
تعالى - توفي ليلة الاثنين ثالث شعبان سنة تسع عشرة وتسعمائة، وصلي عليه بالأموي
ودفن بمقبرة باب الصغير - رحمه الله تعالى - .
194 - إبراهيم بن محمد الشوبيني: إبراهيم ابن الشيخ برهان الدين
ابن الشيخ شمس الدين الخطيب الشوبيني الحنفي، أحد الشهود المعتبرين بدمشق، ولد في
شوال سنه اثنتين وأربعين وثمانمائة، وتوفي في يوم الخميس عاشر القعدة سنة اثنتين وعشرين
وتسعمائة، ودفن بمقبرة باب الفراديس - رحمه الله تعالى - .
195 - إبراهيم بن محمد بن أبي شريف: إبراهيم بن محمد بن أبي بكر
بن علي بن أيوب الشيخ الإمام الحبر الهمام، العلامة المحقق، والفهامة المدقق، شيخ
مشايخ الإسلام، ومرجع الخاص والعام، مولانا، وسيدنا قاضي القضاة، أحد سيوف الحق المنتضاة،
أبو إسحاق برهان الدين ابن الأمير ناصر الدين بن أبي شريف المقدسي المصري الشافعي،
أحد أجلاء شيوخ شيخ الإسلام الوالد، ولد بالقدس الشريف في سنة ثلاث وثلاثين
وثمانمائة، ونشأ بها، وقيل: سنة ست وثلاثين وثمانمائة، واشتغل بفنون العلم على
أخيه شيخ الإسلام الكمال بن أبي شريف، ورحل إلى القاهرة، فأخذ الفقه عن قاضي
القضاة علم الدين صالح البلقيني، وعن قاضي القضاة شمس الدين محمد القاياتي،
والأصول عن الشيخ جلال الدين المحلي، وسمع عليه في الفقه أيضاً، وأخذ الحديث عن
شيخ الإسلام بن حجر، وعن غيره، وتزوج بابنة قاضي القضاة شرف الدين يحيى المناوي
قاضي قضاة الشافعية بالديار المصرية، وناب عنه في القضاء، ودرس وأفتى وصنف ونظم
ونثر، ووقفت له على ديوان خطب في غاية البلاغة، والفصاحة، وترجمه صاحب الأنس
الجليل فيه، في حياته وقال: ولي المناصب السنية، وغيرها من الأنظار بالقاهرة المحروسة،
وعظم أمره، واشتهر صيته، وصار الآن المعول عليه في الفتوى بالديار المصرية قال:
وهو رجل عظيم الشأن، كثير التواضع، حسن اللقاء، فصيح العبارة فو ذكاء مفرط وحسن
نظم ونثر، وفقه نفيس، وكتابة على الفتوى نهاية في الحسن، ومحاسنه كثيرة، وترجمته،
وذكر مشايخه يحتمل الإفراد بالتأليف، ولو ذكرت حقه في الترجمة لطال الفصل، فإن
المراد هذا الاختصار، ثم قال قدم شيخ الإسلام برهان الدين من القاهرة المحروسة إلى
بيت المقدس سنة ثمان وتسعين وثمانمائة، بعد غيبة طويلة، ثم عاد إلى وطنه بالقاهرة
قلت: وقرأت بخط الشيخ برهان الدين البقاعي في تاريخه في وقائع سنة تسع وتسعين وثمانمائة
أن الشيخ برهان الدين بن أبي شريف كان بالقاهرة مزوجاً بها قاطناً، وأنه قصد السفر
إلى القدس لزيارة أبيه وأمه، فلم يتهيأ له ذلك، فاتفق أن سرقت له أمتعته في رييع
الآخر من السنة المذكورة فاضطرب حاله، فيما يعمل في أمرها قال البقاعي: فاستشارني،
فأشرت عليه برأي، وذهب من عندي فانتظرت ماذا يكون في ذلك، فسألت عنه بعد أيام
فقيل: ذهب إلى القدس، فاشتد عجبي من ذلك لأنه لم يعلم بسفره أحد من أصحابه، ولا
ودع أحداً ممن يعز عليه قال: وإذا هو قد حمله حامل ليحضر جنازة أبيه، فعد ذلك من
خيرهما ومعاً - انتهى.
قال في الأنس الجليل: ثم حضر - يعني صاحب الترجمة - إلى
القدس سنة تسعمائة، وحصل للأرض المقدسة بوجوده الجمال، وانتفع به في الفتوى، فإن أخاه
شيخ الإسلام الكمالي من حين قدم الشيخ برهان الدين إلى القدس وجه إليه أمر الفتوى،
فما كان يكتب إلا القليل، وذكر ابن طولون في تاريخه أن صاحب الترجمة قدم دمشق يوم
الجمعة في ثاني في الحجة سنة ثمان وتسعين وثمانمائة، ونزل بالشميصاتية. قال: ثم
قرأنا عليه بعد ذلك فيها، وأخبر أن ميلاده سنة ست وثلاثين. وأن ميلاد أخيه الشيخ
كمال الدين سنة اثنتين وعشرين. انتهى.
وكذلك أرخ النعيمي ميلاده سنة ست وثلاثين، وما قدمناه
قاله صاحب الأنس الجليل، ولعل ما هذا أصح وقال النعيمي: فوض إليه قضاء مصر في تاسع
عشر ذي الحجة سنة ست وتسعمائة عوض محيي الدين عبد القادر بن النقيب قلت: وبقي في
قضاء قضاة الشافعية بمصر إلى يوم الخميس رابع ربيع الأول سنة عشر وتسعمائة، فعزل
بقاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن الفرفور كما ذكره الحمصي في تاريخه، ثم أنعم عليه
السلطان الغوري بمشيخة قبته الكائنة قبالة المدرسة الغورية بمصر في يوم الخميس
مستهل جمادى الأولى سنة عشر، واستمر في المشيخة المذكورة إلى ذي القعدة سنة تسع
عشرة وتسعمائة، فوقعت حادثة بمصر، وهي أن رجلاً أتهم أنه زنا بامرأة فرفع أمرهما
إلى حاجب الحجاب بالديار المصرية الأمير أنسبائي فضربهما فاعترفا بالزنا، ثم بعد
ذلك رفع أمرهما إلى السلطان الغوري، فأحضرا بين يديه، وذكرا أنهما رجعا عما أقرا
به من الزنا قبل ذلك، فعقد السلطان لهما مجلساً جمع فيه العلماء والقضاة الأربعة،
فأفتى شيخ الإسلام برهان الدين صاحب الترجمة بصحة الرجوع، فغضب السلطان لذلك، وكان
المستفتي القاضي شمس الدين الزنكلوني الحنفي، وولده، فأمر السلطان بهما، فضربا في
المجلس حتى ماتا تحت الضرب، وأمر بشنق المتهمين بالزنا على باب صاحب الترجمة،
فشنقا، وعزل صاحب الترجمة من مشيخه القبة الغورية والقضاة الأربعة الكمال الطويل
الشافعي، والسري بن الشحنة الحنفي، والشرف الدميري المالكي، والشهاب الشبشتي
الحنبلي، وكانت هذه الواقعة سبباً لتكدر دولة الغورية، وتبادي انحلال ملكه حتى قتل
بعد سنتين بمرج دابق، ولا حول ولا قوة إلا بالله. واستمر صاحب الترجمة ملازماً
لبيته، والناس يقصدونه للأخذ عنه، والاشتغال عليه في العلوم العقلية والنقلية، واقتناص
فوائده العلمية والأدبية. قال الشعراوي: فكان من المقبلين على الله عز وجل ليلاً
ونهاراً لا يكاد يسع منه كلمة يكتبها كاتب الشمال، وكان لا يتردد لأحد من الولاة
أبداً، وكان الإنسان إذا عرض عليه محفوظاته يتلجلج من شدة هيبته، فيباسطه حتى يسكن
روعه، وكان له في القدس مصبنة يعمل فيها الصابون، وكان يتقوت منها، وكان لا يأكل
من معاليم مشيخة الإسلام شيئاً، وكان قوالاً بالحق، آمراً بالمعروف لا يخاف في
الله لومة لائم، وعارضه السلطان الغوري في واقعة، فما أفلح بعدها أبداً، وسلب
ملكه، وكان الناس يقولون: جميع ما وقع للغوري بسر الشيخ برهان الدين. انتهى.
ومن لطائفه ما ذكره عنه محدث حلب الزين بن الشماع في عيون
الأخبار. قال: وقد حضرت درسه بالقاهرة سنة إحدى عشرة، فأتى بفوائد كثيرة، وختم
المجلس بنكتة فيها بشارة جليلة، فقال، مما حاصله: أختم المجلس ببشارة عظيمة ظهرت
في قوله تعالى " نبئ
عبادي أني أنا الغفور الرحيم " " سورة الحجر: الآية 49 " قال قوله تعالى:
نبئ أي يا محمد عبادي أي شرفهم بياء الإضافة إلى تقدس ذاته، فأوقع ذكرهم بينه وبين
نبيه فعباد وقع ذكرهم بين ذكر نبيهم، وذكر ربهم لا ينالهم إن شاء الله تعالى ما يضرهم
بل المرجو من كرم الله تعالى أن يحصل لهم ما يسرهم. انتهى.
ومن مؤلفاته " شرح المنهاج " في أربع مجلدات
كبار " وشرح الحاوي " وكتاب في الآيات التي فيها الناسخ والمنسوخ وغير
ذلك، ومن شعره من قصيدة ختم بها صحيح البخاري:
دموعي قد نمت بسر غرامي ... وباح بوجدي للوشاة سقامي
فأضحى حديثي بالصبابة مسنداً ... ومرسل دمعي من جفوني
هامي
وكتب إلى أخيه شيخ الإسلام كمال الدين، وهو ببيت المقدس
متشوقاً:
ما شمت برقاً بأرجاء الشام بداً ... إلا تنفست من أشواقي
الصعدا
ولا شممت عبيراً من نسيمكم ... إلا قضيت بأن أقضي به كمدا
ولا جرى ذكركم إلا جرت سحب ... أودت لظى بفؤاد أورثته ردا
يا لوعة البين ما أبقيت من جلد ... أيقنت والله أن الصبر
قد نفدا
حشوت أحشاي نيراناً قد اتقدت ... بأضلعي فأذابت مني الجسد
كيف السبيل إلى عود اللقاء، وهل ... هذا البعاد قضى
المولى له أمدا
من مبلغ الصحب أن الصب قد بلغت ... أشواقه حالة ما مثلها
عهدا
لم أنسى أنس ليال بالهنا وصلت ... والنفس بالوصل أمسى
عيشها رغدا
أحادي العيس إن حاذيت حيهم ... فحيهم وصف الوجد الذي وجدا
وأشهد بما شهدت عيناك من حرق ... يهدا السقام وما منها
الفؤاد هدا
وإن حللت ربى تلك الرباع فسل ... عن جيرة لهم روح المشوق
فدا
فالروح ما برحت بالقدس مسكنها ... والجسم في مصر للتبريح
قد قعدا
هي البقاع التي شد الرحال لها ... على لسان رسول الله قد
وردا
من حل أرجاءها ترجى النجاة له ... أكرم بها معبداً أعظم
بها بلدا
صوب العهاد على تلك المعاهد ... لا زالت سحائبه منهلة
أبدا
وذكر ابن الحنبلي في تاريخه في ترجمة الزين بن الشماع
تلميذ البرهان بن أبي شريف أنه رأى في منامه الشيخ برهان، وقد دخل منزله بحلب،
فاستأذنه في قراءة بعض ما نظمه الشيخ برهان الدين ليرويه عنه، فأذن له قال: فمما
قرأته عليه.
توق الهوى والنفس وأجهد لتسلما ... وجاهد لكي ترقى من
العز سلما
وكانت وفاته - رحمه الله تعالى - كما نقله ابن الحنبلي عن
ابن الشماع نقلاً عن بعض فضلاء المصريين، في فجر يوم الجمعة ليومين بقيا من المحرم
سنة ثلاث وعشر وتسعمائة، وقرأت بخط تلميذ الشيخ برهان الدين شيخ الإسلام الوالد
أنه توفي ليلة الجمعة تاسع عشري المحرم سنة ثلاث وعشرين المذكورة. قال: ودفن بالقرب
من ضريح الشافعي - رضي الله تعالى عنه - وفي يوم الجمعة رابع عشري ربيع الآخر سنة
ثلاث وعشرين المذكورة صليت بدمشق صلاة الغائب بالجامع الأموي على جماعة من العلماء
ماتوا القاهرة، وهم صاحب الترجمة، وقاضي قضاة الحنفية البرهان بن الكركي، والشيخ
العلامة برهان الدين الطرابلسي الحنفي، والشيخ العلامة شهاب الدين القسطلاني
الشافعي، والشيخ العلامة الصالح المحدث المصري زين الدين عبد الرحمن الصالحي
الشافعي - رحمهم الله تعالى - ذكر
ذلك الحمصي وابن طولون في تاريخهما.
196 - إبراهيم بن مسافر: إبراهيم
بن محمد بن إبراهيم بن مسافر الشيخ برهان الدين الناسخ الدمشقي الميداني. ولد سنة
إحدى وأربعين وثمانمائة، وتوفي يوم الخميس تاسع عشري رمضان سنة خمس وعشرين
وتسعمائة، ودفن بالحمرية عند والده - رحمها " الله تعالى - رحمة - واسعة -
آمين.
197 - إبراهيم الأرمنازي : إبراهيم بن أبي الوفاء بن أبي بكر بن
أبي الوفاء الشيخ الصالح المعمر المعتبر برهان الدين الأرمنازي، ثم الحلبي
الشافعي. كان من حفاظ كتاب الله تعالى، وكان إماماً للسلطان الغوري حين كان حاجب
الحجاب بحلب، فلما تسلطن توجه الشيخ إيراهيم إليه بالقاهرة، وحج منها في سنة ست
وتسعمائة، ثم عاد إليها، واجتمع به فأحسن إليه وأمره بالإقامة لإقراء ولده، فاعتذر
فقبل عذره، ورتب له ولأولاده من الخزينة ثلاثين ديناراً في كل سنة، ثم عاد إلى حلب.
قال ابن الحنبلي: واتفق له أنه قرأ في طريق الحاج ذهاباً
وإياباً، وفي إقامته بمصر قدر شهرين، ما يزيد على ثلاثمائة وخمسين ختمة. قيل: وكان
راتبه في الإقامة مع قضاء مصالحه في اليوم والليلة ختمة، وبدونه ختمة ونصفاً، وكان
يمشي في الأسواق فلا يفتر عن التلاوة. وتوفي بحلب سنة سبع وعشرين وتسعمائة - رحمه الله
تعالى - .
198 - إبراهيم بن أحمد القصيري: إبراهيم بن أحمد بن يعقوب،
الشيخ العلامة برهان الدين الكردي القصيري الحلبي الشافعي. المعروف بفقيه اليشبكية
بحلب لتأديبه الأطفال بها. ولد بقرية عارة بمهملتين من القصير من أعمال حلب،
وانتقل مع والده إلى حلب صغيراً فقطن بها. وحفظ القرآن العظيم. ثم الحاوي، ودخل
إلى دمشق، فعرضه على البدر ابن فاضي شهبة والنجمي والتقوي ابني قاضي عجلون، وسمع
الحديث بها وبالقاهرة على جماعة، وبحلب على الموفق أبي ذز وغيره، وأجازه الشيخ
خطاب وغيره. قال ابن الشماع: ولم
يهتم ، بالحديث كما ظهر لي من كلامه، وإنما اشتغل في القاهرة بالعلوم العقلية
والنقلية. وقال ابن الحنبلي: كان ديناً خيراً كثير التلاوة للقرآن، معتقداً عند كل
إنسان، طارحاً للتكلف، سارحاً في طريق التقشف، مكفوف اللسان عن الإغتياب، مثابراً
على إفادة الطلاب، إلى أن قال: وقد انتفع به كثيرون في فنون كثيرة منها: العربية
والمنطق والحساب والفرائض، والفقه والقراءات والتفسير قال: وكنت ممن انتفع به في
العربية والمنطق والتجويد، قال: ولما كف بصره رأى النبي صلى الله عليه وسلم، في
المنام، فوضع يده الشريفة على إحدى عينيه قال: فكانت لها بعد ذلك رؤية ما. كما نقل
لنا عنه صاحبنا الشيخ الصالح برهان الدين إبراهيم الصهيوني.
قال: ثم كانت وفاته ليلة الثلاثاء رابع عشر جمادىالآخرة
سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
199 - إبراهيم بن إدريس الهمداني: إبراهيم بن إدريس، الشيخ
الصالح برهان، الهمداني الشافعي القاطن برواحية حلب. خليفة الشيخ يونس الهمداني.
كان صالحاً سليم الصدر، متجرداً، لم يتزوج قط، ولم بالرواحية ملازماً للأوراد الفتحية
في طائفة من المريدين كثيرة قيل: وكان أحد أجداده صوفياً بدمشق من أولياء الله
تعالى، متى ضرب بسيفه من يستحق القتل قطع، وإلا لم يقطع.
قال ابن الحنبلي: وكان ممن أخبر بزوال دولة الجراكسة
لمنام رأى فيه رجلاً قصيراً راكباً على فرس وأمامه آخر يذود الناس بين يديه
باللسان التركي، وقد سأل عنه سائل من هذا؟ فقيل: إنه ملك الروم. وكانت وفاته بحلب
سنة خمس وعشرين وتسعمائة، وصلى عليه إماماً صاحبه الشيخ زين الدين بن الشماع، ودفن
شرقي مزار الشيخ ثعلب على الجادة - رحمه الله تعالى - .
200 - إبراهيم بن سلامة كاتب الأسرار بدمشق بن محب الدين:
إبراهيم بن سلامة البرهاني ناظر القلعة الدمشقية ابن القاضي محب الدين، كاتب
الأسرار بدمشق. مات في أوائل جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وتسعمائة، وكان يومئذ
غائباً بالقاهرة، فلما بلغه موته عاد من القاهرة، فأقام على قبره أياماً، وبنى
عليه بنياناً بالقرب من ضريح سيدي الشيخ أرسلان، فانكر بعض أعيان دمشق، وقالوا:
هذا بنى في مقبرة مسبلة، فاستفتي السيد كمال الدين بن حمزة في ذلك، فأفتى بالهدم، واستفتي
شيخ الإسلام التقوي ابن قاضي عجلون بعدم الهدم لأنه أدخل عليه في السؤال أن
البنيان كان قديماً وأعيد، وركب القضاة الأربعة ونائب الشام سيبائي، فهدموا
البنيان عملاً بفتوى السيد، وطلبوا بسبب ذلك إلى القاهرة في قصة شرحناها في ترجمة
السيد المشار إليه.
201 - إبراهيم بن عثمان بن عبادة: إبراهيم بن عثمان بن محمد بن
عثمان بن موسى بن يحيى الشيخ الفاضل برهان الدين، المرادي ، الدمشقي. الصالحي،
الحنبلي المعروف بجابر بن عبادة. ولد
في رمضان سنة سبع وأربعين وثمانمائة، وسمع على البرهان بن الباعوني، والنظام بن
مفلح، والشهاب بن زيد. وتوفي يوم الخميس مستهل رجب سنة تسع عشرة وتسعمائة - رحمه
الله تعالى - .
202 - إبراهيم بن علي القرصلي: إبراهيم بن علي الشيخ العلامة
برهان الدين القرصلي، ثم الحلبي. كان من قرصة بفتح القاف وسكون الراء، وضم الصاد
المهملة - قرية من القصير - وكان من جملة فلاحيها. فتعلم الخط، ثم رأى في المنام
أنه على لوح في البحر، وبيده عصى يحركه، فأول له ذلك، بأنه سيكون من أهل العلم.
وكان كما أول له عن لعلماء،. ودرس
بمسجد العناتبة بحلب. وغيره. قال ابن الحنبلي: وأكب على دروسه جماعة في العقليات
لمهارته فيها، وإان كان في النقليات أمهر، وفضله أظهر. توفي سنة سبع عشرة أو ثمان
عشرة وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
203 - إبراهيم بن علي القلقشندي: إبراهيم بن علي بن أحمد، الشيخ
الإمام العلامة الهمام، والمحدث الحافظ الرحلة القدوة شيخ الإسلام قاضي القضاة أبو
الفتح الجمالي، والبرهاني ابن الشيخ العلامة علاء الدين القلقشندي القاهري. الشافعي
أحد أجلاء شيوخ الوالد - رحمهم الله تعالى - أخذ عن جماعة منهم الحافظ ابن حجر،
والمسند عز الدين بن الفرات الحنفي وغيرهم، وخزج لنفسه أربعين حديثاً، وقال البدر
العلائي: إنه آخر من يروي عن الشهاب الواسطي، وأصحاب الميدومي، والتاج الشرايشي،
والتقي الغزنوي، وعائشة الكنانية وغيرهم، وقال الشعراوي: كان عالماً صالحاً
زاهداً، قليل اللهو والمزاح، مقبلاً على أعمال الآخرة حتى ربما يمكث اليومين
والثلاثة لا يأكل. انتهت إليه الرئاسة، وعلو السند في الكتب الستة والمسانيد
والإقراء. قال: وكان لا يخرج من داره إلا لضرورة شرعية، وليس له تردد إلى أحد من
الأكابر، وكان إذا ركب بغلته وتطيلس يصير الناس كلهم ينظرون إليه من شدة الخشوع
والهيبة التي عليه، وكانت وفاته بمصر يوم الثلاثاء عاشر جمادى الأولى سنة اثنتين وعشرين
وتسعمائة بحصر البول عن إحدى وتسعين سنة بتقديم التاء المثناة فوق. قال
العلماء: سواء لا تزيد ولا تنقص يوماً بعد أن ضعف بصره مع سلامة الحواس، وحسن
الإسماع، وتوفي فقيراً وصلي عليه بالجامع الأزهر، ودفن بتربة الطويل خارج باب
الحديد من صحراء القاهرة. قال الشعراوي: وكأن الشمس كانت في مصر، فغربت - أي عند
موته - قال: وكانت جنازته حافلة خاصة بالأمراء والعلماء والصالدين - رحمه الله
تعالى - .
204 - إبراهيم بن عمر بن مفلح الحنبلي: إبراهيم بن عمر بن
إبراهيم بن محمد بن مفلح بن محمد بن معرج بن عبد الله، الشيخ الإمام العلامة مفتي
الحنابلة، الشيخ برهان الدين ابن قاضي القضاة الحنابلة نظام الدين بن مفلح. ولد في
ربيع الأول سنة ست وخمسين وثمانمائة، وأخذ عن أبيه وغيره، وتوفي بقرية مضايا من
الزبداني ليلة الجمعة سادس عشر شعبان سنة سبع عشرة وتسعمائة، ورحل ميتاً إلى منزله
بالصالحية وقت صلاة الجمعة، ثم غسل يوم السبت ودفن بالروضة قرب قبر والده - رحمه
الله تعالى - .
205 - إبراهيم بن عمر اليمني: إبراهيم بن عمر بن إبراهيم، الشيخ
الصالح المقرئ الوقور برهان الدين اليمني الحرازي، القحطاني، الحاتمي، الشافعي
نزيل دمشق، أخذ عن شيخ الإقراء بدمشق الشيخ شهاب الدين الطيبي وغيره، وتلمذ هو
لشيخ الإسلام الوالد قرأت بخط والدي - رضي الله تعالى عنه - بعد أن ترجم الشيخ
برهان الدين المذكور ما نصه قرأ علي البخاري كاملاً قراءة إتقان وكتب له به إجازة
مطولة وكان أحد المقتسمين للمنهاج في مرتين وللتنبيه وأجزته بهما، وقرأ بعض
الألفية، وقرأ علي شيئاً من القرآن العظيم، وصلى بي وبجماعة التراويح ثلاث سنين
بالكاملية. ختم فيها نحو خمس ختمات، وحضر دروساً كثيرة ولزمني إلى أن مات شهيداً
بالطاعون ثاني عشر جمادىالآخرة سنة ثلاثين وتسعمائة ودفن بباب الفراديس بإشارتي.
كان - رحمه الله تعالى - من المحبين الصلحاء جزاه الله تعالى خيراً وبرد مضجعه.
انتهى.
206 - إبراهيم بن الكيال : إبراهيم بن قاسم بن محمد، الشيخ
الفاضل المحدث برهان الدين بن الشيخ شرف الدين الشهير بابن الكيال الدمشقي. توفي
يوم الثلاثاء حادي عشر صفر سنة أربع وعشرين وتسعمائة، ودفن بمقبرة باب الصغير عند
قبر سيدي أوس بن أوس الثقفي رضي الله تعالى عنه.
207 - إبراهيم البحيري: إبراهيم الشيخ الصالح الإمام العالم
برهان الدين البحيري المصري النحوي. قال الحمصي: كان صالحاً عالماً زاهداً مجاوراً
بالجامع الأزهر. توفي
يوم الخميس ثاني رمضان سنة عشر وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
208 - إبراهيم القيي: إبراهيم الشيخ الصالح برهان الدين القبي
الرملي. توفي بهما سنة عشر وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة ثاني
المحرم سنة إحدى عشرة وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
209 - إبراهيم الدميري: إبراهيم الشيخ العلامة قاضي قضاة
المالكية بالقاهرة المعزية سنين برهان الدين الدميري. توفي ببيته بالقرب من
الصالحية بين القصرين بالقاهرة في يوم الأربعاء ثالث عشري رمضان سنة ثلاث عشرة
وتسعمائة. كان سبب موته خطبته بين يدي السلطان الغوري لما أراد أن يسمع الخطباء،
وقد قدمنا القصة في ترجمة الشيخ محب الدين المحرقي خطيب الجامع الأزهر - رحمه الله
تعالى - .
210 - إبراهيم الشاذلي: إبراهيم الشاذلي المصري العارف بالله
تعالى. كان ينفق نفقة الملوك، ويلبس ملابسهم، وينفق من غيب الله تعالى لا يدري له
أحد جهة معينة تأتيه منها الدنيا، ولم يطلب الطريق حتى لحقه المشيب، فجاء إلى سيدي
محمد المغربي الشاذلي، وطلب منه التربية. فقال له: يا إبراهيم تريد تربية بيتية
وإلا سوقية، فقال له: ما معنى ذلك. قال: التربية السوقية بأن أعلمك كلمات في
الفناء والبقاء ونحوهما، وأجلسك على سجادة، وأقول لك خذ كلاماً، واعط كلاماً من
غير ذوق ولا انتفاع. والتربية البيتية بأن تفني اختيارك في اختياري، وتشارك أهل
البلاد، وتسمع في حقك ما تسمع، فلا تتحرك منك شعرة اكتفاء بعلم الله تعالى. فقال
سيدي إبراهيم: أطلب التربية البيتية. قال: نعم
لكن لا يكون فطامك إلا بعدي على يد الشيخ أبي المواهب، وكان الأمر كذلك، ولم يشتهر
إلا بالمواهبي، ثم قال له الشيخ محمد: أخدم البيت والبغلة، وحسن الفرس، وافرش
تحتها الزبل، وكب التراب، فقال: سمعاً وطاعةً. فلم يزل يخدم عنده حتى مات، فاجتمع
على سيدي أبي المواهب، فما عرف إلا به، ولم يزل عند الشيخ أبي المواهب يخدم كذلك،
ولم يجتمع مع الفقراء في قراءة حزب ولا غيره، حتى حضرت سيدي أبي المواهب الوفاة،
فتطاول جماعة من فقرائه إلى الأذن. فقال الشيخ: هاتوا إبراهيم، فجاءه فقال: افرشوا
له السجادة، فجلس عليها، وقال له: تكلم على إخوانك في الطريق، فابدأ الغرائب
والعجائب، فأذعن له الجماعة كلهم. وكان له ديوان شعر وموشحات وكتب على الحكم
العطائية شرحاً. وتوفي في سنة أربع عشرة وتسعمائة، ودفن بزاويته بالقرب من قنطرة سنقر،
وقبره بها ظاهر يزار - رحمه الله تعالى - .
211 - إبراهيم بن حسن الشيشيري: إبراهيم بن حسن الشيخ العالم
الشيشري ابن الشيخ الكامل بالله حسن النبيسي، ونبيس قرية في حلب الشيشر من بلاد
العجم، وكان المنلا إبراهيم من فضلاء عصره، وله مصنفات في الصرف، وقصيدة تائية في
النحو لا نظير لها في السلامة وله تفسير من أول القرآن إلى سورة يوسف ومصنفات في
التصوف وممن أخذ عنه الشيخ أبو الفتح السيستري نزيل الشميصاتية بدمشق، وكان يحفظ
قصيدة التائية المذكورة ويرويها عنه. قتل في أرزنجان قتله جماعة من الخوارج سنة خمس
عشر وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
212 - إبراهيم الأنطاكي: إبراهيم
الأنطاكي، ثم الحلبي الشاعر المعروف بأسطا إبراهيم الحمامي. قال ابن الحنبلي: كان
شاعراً ذا ذكاء وذوق مع كونه عامياً. وله موشحات وتصانيف وأعمال موسيقية مشهورة
على لحن فيها، وديوان حافل سماه " برهان البرهان " ، ومن شعره مضمناً:
هويت رشا حاز الجمال بأسره ... له طلعة فاقت على شفق
الفجر
تحير فيه الواصفون لحسنه ... وقالوا: عجزنا عنه بالفكر
والذكر
فقلت لهم: هذا الذي صح أنه ... كما شاعت الأخبار في البر
والبحر
تراءى، ومرآة الزمان صقيلة ... فآثر فيها وجهه صورة البدر
توفي ليلة الفطر سنة ست وعشرين وتسعمائة - رحمه الله
تعالى - .
213 - إبراهيم العجلوني: إبراهيم الشيخ الصالح برهان الدين
العجلوني والدمشقي الشافعي الصوفي، أخذ الطريق عن الأخوين الشيخين العالدين
الزاهدين الشهابي أحد، والبرهاني إبراهيم ابني قرا، وكان يتكسب في العطر والبزر
بحانوت في آخر السويقة المحروقة. ذهب ليشتري فلفلاً ليضعه في حانوته من سوق
البزورية داخل دمشق، فلما وصل إلى قرب جامع جراح وقع ميتاً، وحمل إلى منزله بقرب زاوية
الشيخين المذكورين، وكان ذلك عشية السبت عشري شوال سنة سبع عشرة وتسعمائة - رحمه
الله تعالى - .
214 - إبراهيم الصلتي: إبراهيم القاضي برهان الدين الصلتي
الحسيني الشافعي. ولي نيابه القضاة بدمشق، ومات يوم الاثنين ثالث شعبان سنة تسع
عشرة وتسعمائة بتقديم التاء المثناة - رحمه الله تعالى - .
215 - إبراهيم بن الخطيب: إبراهيم العالم الفاضل المولى الشهير
بابن الخطيب الرومي الحنفي، أحد الموالى العثمانية. فرأ على أخيه المولى خطيب زاده
وعلى غيره، ثم ولي التدريس وترقى فيها حتى صار مدرساً بمدرسة السلطان مراد خان
ببروسا، وتوفي وهو مدرس بها، وقال في الشقائق كان سليم الطبع حليم النفس منجمعاً
عن الخلق، مشتغلاً بنفسه، أديباً لبيباً، إلا أنه لم يشتغل بالتصنيف لضعف دائم في
مزاجه، وكانت وفاته في سنة عشرين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
216 - إبراهيم السمديسي: إبراهيم القاضي برهان الدين السمديسي
المصري الحنفي ولي نيابة القضاء، والوظائف الدينية بالقاهرة، وناب عن عمه القاضي
شمس الدين السمديسي في إمامة الغورية، وكانت وفاته يوم الإثنين سادس عشر جمادى
الأولى سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، وصلي عليه في الجامع الأزهر - رحمه الله تعالى - .
217 - إبراهيم الكركي: إبراهيم
الشيخ الإمام العلامة قاضي القضاة برهان الدين بن الكركي المصري الحنفي. كان
فاضلاً عالماً عارفاً بالميقات ووضعياته، ذكياً لطيفاً، حسن العشرة والمعاملة،
وفيه عفة وكرم باشر القضاء بعفة وديانة، وضبط للأوقاف وصرفها إلى أربابها، وكان ذا
فصاحة في اللسان العربي والتركي، ولم يزل في عزة وارتفاع قدر خصوصاً عند الملوك
والأتراك، وكان له ثروة وأملاك وجهات كثيرة، ومتع حتى بموت أعدائه أمامه ودرس
بالأشرفية وغيرها. قال العلائي: وقد
وقفت له على سماع في صحيح البخاري بحفظ الزركشي في نسخة الشيخونية، وكان يقول: إنه
سمع عليه في صحيح مسلم أيضاً، وقد اشتغل على التقويين الشمني والحصكفي، وأخذ الأخذ
عن ابن العطار، وكانت وفاته يوم الثلاثاء خامس شعبان سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة
غريقاً تجاه منزله من بركة الفيل بسب أنه كان توضأ بسلالم قيطونه، فانفرك به
القبقاب، فانكفأ في البركة، ولم يتفق أحد يسعفه فاستبطأوه فتطلبوه، فوجدوا عمامته
عائمة وفردة القبقاب على السلم، فعلموا سقوطه في البركة، فوجدوه ميتاً ونال
الشهادة، ودفن بفسقيته التي أنشأها بتربة الأتابك يشبك بقرب السلطان قايتباي -
رحمه الله تعالى - وتردد
الأمير طومان باي الذي صار سلطاناً بعد موت الغوري إلى بيته، وذهب ماشياً إلى
جنازته هو ومن بمصر من الأعيان، وصلي عليه بسبيل المؤمنين ضحوة الأربعاء سادس
شعبان المذكور، وصلي عليه وعلى البرهان بن أبي شريف وآخرين غائبة في جامع دمشق يوم
الجمعة تاسع عشر محرم سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة - رحمه
الله تعالى - .
218 - إبراهيم بن موسى الطرابلسي: إبراهيم بن موسى بن أبي بكر
ابن الشيخ علي الشيخ الصالح العلامة برهان الدين الطرابلسي، ثم الدمشقي. نزيل
القاهرة الحنفي. أخذ عن السخاوي والديمي وغيرهما، وكان منقطعاً في خلوة بالمؤيدية
عند الشيخ صلاح الدين الطرابلسي، ثم طلب العلم واشتغل، وترقى مقامه عند الأتراك
بواسطة اللسان، ثم صار شيخ القجماسية، وتوفي في أواخر سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة،
وصلي عليه غائبة بجامع دمشق مع البرهانين المتقدمين ابن أبي شريف، وابن الكركي -
رحمهم الله تعالى - .
219 - إبراهيم الصوفي: إبراهيم الصوفى الدمشقى صاحب الشيخ
الصالح علي الوراق. قال
شيخ الإسلام الوالد: كان صالحاً، ولكنه اتهم بالكيمياء، وصلب سنة ثلاثين وتسعمائة
- رحمه الله تعالى - رحمة واسعة.
220 - أبو بكر بن زريق الحنبلي: أبو بكر بن محمد الشيخ الإمام
العلامة تقي الدين ابن الشيخ الإمام العلامة الحافظ ناصر الدين بن زريق، الدمشقي،
الصالحي، الحنبلي. توفي
يوم السبت ثاني عشر صفر سنة سبع عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى.
221 - أبو بكر الحيشي: أبو بكر بن محمد بن أبي بكر الحيشي بن
نصر بن عمر بن هلال بن معدي بن زيد بن أبي يزيد بن عشائر ينتهي نسبه كما وجد بخطه
إلى زيد الخير الصحابي - رضي الله تعالى عنه - الشيخ المحدث تقي الدين الحبيشي الأصل،
الحلبي الشافعي البسطامي الخرقة. قال ابن الحنبلي: أدركته وقد عمر وعلى رأسه تاج
البسطامية، وفي وجهه نور السادات الصوفية. وحدثني ووالدي بالحديث المسلسل
بالأولية، وذكره السخاوي في الضوء اللامع، وقال: ولد سنة ثمان وأربعين وثمانمائة
في مستهل جمادى الأولى بحلب. ولازم والده في النسك، وقرأ وسمع على أبي ذز بن
البرهان الحافظ، وتدرب به في كثير من المبهمات والغريب والرجال، بل وتفقه به
وبالشمس البابي إمام الجامع الكبير بحلب، وأبي عبد الله بن القيم، وابن الضعيف،
وكذا على العلاء ابن السيد عفيف الدين حين ورد عليهم في آخرين: بل أجاز له ابن
حجر، والعلم البلقيني، والزين عبد الرحمن بن داود في بعض الاستدعاءات، وزار بيت
المقدس، وحج في سنة ست وثمانين، وجاور ولازم الشمس السخاوي، وحمل عنه مؤلفاته،
وكانت وفاته في رجب سنة ثلانين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
222 - أبو بكر بن إسماعيل السندي: أبو بكر بن إسماعيل بن يوسف
بن حسين بن يوسف بن موسى، الشيخ تقي الدين السندي، الصوفي، الشافعي، الشهير
بالشرابي ابن أخي قاضي القضاة شهاب الدين السندي الحصكفي شارح المحرر، والفصوص
لابن العربي عمه المذكور دخل حلب، فأخذ عن علمائها كالبدر السيوفي، والبرهان
العمادي، وألف شرحاً لطيفاً على " القصاري " في علم الصرف، ثم رجع إلى
العمادية، وبها توفي قبل العشرين والتسعمائة ظناً. كما قاله ابن الحنبلي رحمه الله
تعالى.
223 - أبو بكر الشاذلي العيدروسي: أبو بكر بن عبد الله الشيخ الصالح
العارف بالله تعالى الشاذلي، المعروف بالعيدروس، وهو مبتكر القهوة المتخذة من البن
من اليمن، وكان أصل اتخاذه لها أنه مر في سياحته بشجر البن على عادة الصالدين، فاقتات
من ثمره حين رآه متروكاً مع كثرته، فوجد فيه تجفيفاً للدماغ، واجتلاباً للسهر،
وتنشيطاً للعبادة، فاتخذه قوتاً وطعاماً وشراباً، وأرشد أتباعه إلى ذلك، ثم انتشرت
في اليمن، ثم إلى بلاد الحجاز، ثم إلى الشام ومصر، ثم سائر البلاد، واختلف العلماء
في أوائل القرن العاشر في القهوة وفي أمرها حتى ذهب إلى تحريمها جماعة ترجح عندهم أنها
مضرة، وآخر من ذهب إليه بالشام والد شيخنا الشيخ شهاب الدين العيثاوي، ومن الحنفية
بها القطب بن سلطان، وبمصر الشيخ أحمد بن أحمد بن عبد الحق السنباطي تبعاً لأبيه، والأكثرون
ذهبوا إلى أنها مباحة، وقد انعقد الإجماع بعد من ذكرناه على ذلك، وأما ما ينضم
إليها من المحرمات فلا شبهة في تحريمه، ولا يتعدى تحريمه إلى تحريمها حيث هي مباحة
في نفسها، وأما مبتكرها صاحب الترجمة، فإنه في حد ذاته من ساعات الأولياء، وأئمة
العارفين، وقد ألف كتاباً في علم القوم سماه " الجزء
اللطيف، في علم التحكيم الشريف " وذكر فيه أنه لبس الخرقة الشاذلية من الشيخ
الفقيه الصوفي العارف بالله تعالى جمال الدين محمد بن أحمد الدهماني المغربي
القيرواني الطرابلسي المالكي في المحرم سنة أربع وتسعمائة. كما لبسها من الشيخ
إبراهيم بن محمود المواهبي بمكة في صفر سنة ثلاث وتسعمائة، كما لبسها من شيخه
الكامل محمد أبي الفتوح الشهير بابن المغربي، كما لبسها من الشيخ أبي عبد الله
محمد بن حسين بن علي التيمي الحنفي، كما أخذ من الشيخ ناصر الدين بن المبلق
السكندري الأصولي، وعن الشيخ تاج الدين بن عطاء الله الإسكندري، عن الشيخ أبي
العباس المرسي، عن الشيخ أبي الحسن الشاذلي - رضي الله تعالى عنهم - وكانت وفاة
صاحب الترجمة في أوائل القرن المذكور، ولعله لم يدرك العاشرة منه.
224 - أبو بكر ابن قاضي عجلون : أبو بكربن عبد الله بن عبد
الرحمن بن محمد بن محمد بن شرف بن منصور بن محمود بن توفيق بن محمد بن عبد الله،
الشيخ العالم العلامة المتقن المحرر الفهامة القدوة الأمة والرحلة العمدة الإمام
الهمام، شيخ مشايخ الإسلام، أبو الصدق تقي الدين ابن الشيخ العلامة أقضى القضاة
ولي الدين ابن قاضي عجلون الزرعي الدمشقي الشافعي. ولد بدمشق في شعبان سنة إحدى وأربعين
وثمانمائة، واشتغل على والده وأخيه شيخ الإسلام الشيخ نجم الدين، وعلى شيخ الإسلام
زين الدين خطاب، وسمع الحديث على المسند أبي الحسن علي بن إسماعيل بن بردس البعلي،
والحافظ شمس الدين بن ناصر الدين وغيرهما، وأخذ عن ابن حجر مكاتبة، والعلم صالح
البلقيني، والشمس المناوي، والجلال المحلي. وكان
إماماً بارعاً في العلوم، وكان أفقه زمانه، وأجل معاصريه وأقرانه، ودرس بالجامع
الأموي والشامية البرانية والعمرية وبالقاهرة دروساً حافلة. وألف
منسكاً لطيفاً، وكتاباً حافلاً سماه " أعلام التنبيه، مما زاد على المنهاج من
الحاوي والبهجة والتنبيه " ، انتهت إليه مشيخة الإسلام ورئاسة الشافعية ببلاد
الشام بل وبغيرها من بلاد الإسلام، وحصل له من السعد في العلم والرئاسة وكثرة
التلامذة، وقرة العين بهم في دمشق ما حصل لشيخ الإسلام زكريا بالقاهرة إلا أن
القاضي زكريا زاد عليه في السعادة بكثرة التصانيف وتحقيقها - رحمهما الله تعالى -
وبرع أكثر تلاميذ صاحب الترجمة في حياته كالشيخ شمس الدين الكفرسوسي، والشيخ تقي
الدين البلاطنسي، والسيد كمال الدين بن حمزة والقاضي رضي الدين الجد، وشيخ الإسلام
الوالد، والشيخ بهاء الدين الفصي البعلي، والشيخ تقي الدين القاري، والشيخ علاء
الدين القيمري، والشيخ شرف الدين يونس العيثاوي وغيرهم، وأخبرني شيخنا المعمر المقرئ
المجيد ولي الله تعالى البدري حسن الصلتي القبيباتي الدمشقي. الصالحي،
المتوفى في أواخر سنة إحدى وتسعين وتسعمائة أنه قرأ على الشيخ تقي الدين صاحب
الترجمة، وتفقه به، وأخذ عنه الحديث وغيره، فهو آخر من يروي عنه بلا شك ولا ريب،
وحدثني شيخنا - فسح الله تعالى في أجله - مراراً عن والده الفقيه العلامة شرف
الدين يونس العيثاوي، عن مشايخه، عن الشيخ العلامة نجم الدين ابن قاضي عجلون أنه
كان إذا ذكر أخوه الشيخ تقي الدين يقول: لولا أنه يقبح بالإنسان أن يمدح أخاه لقلت
ما تحت أديم السماء أفقه منه، وحدثني شيخنا عن والده أيضاً مراراً أن أهل مصر
كانوا يقفلون محابرهم إذا قدمها الشيخ تقي الدين، ويقولون: جاء ابن قاضي زرع،
ويخلون له أمر الفتوى، وقال ابن طولون: عرضت عليه محفوظاتي وأجازني، وكتب لي خطه
بذلك، وفي غضون ذلك حضرت عنده عدة مجالس، واستفدت منه فوائد، وكثيراً من فتاويه قال:
وقد جمعها شيخنا الشهاب بن طوق، وذيل عليها ما قاله أخونا النجمي بن شكم. قال:
ولما قدم لدمشق العالم الرحال جار الله بن فهد المكي، قرأ عليه مسند الشافعي،
وغالب مشيخة الفخر بن البخاري، وبعض مناسك له وغير ذلك، وترجمه شيخ الإسلام الوالد
في بعض مؤلفاته، ثم قال: وقد قرأت عليه جانباً كبيراً من العجالة نحو ثلثيها ومثله
من التصحيح أكبر لأخيه، وسمعت عليه جانباً كبيراً من البخاري، وآخر من مسلم، ومن
سنن أبي داود، وأجازني بها وبجميع الكتب الستة، وكل ما يجوز له وعنه روايته. قال:
وأفتيت ودرست في أيامه مدة طويلة، وقرأت عليه منظومتي المسماة " باللمحة، في
اختصار الملحة " ، وابتهج به كثيراً، وكان يعجب بي كثيراً، ويثني علي في غيبتي
جميلاً، انتهى.
وأخذت من تاريخ ابن طولون وغيره جملاً من سيرته - رضي
الله تعالى عنه - كان - رحمه الله تعالى - مرجع الناس في حل المشكلات والمعضلات، وبيان
الأحكام الشرعية، والقيام في أمور العامة على الحكام وغيرهم، وكان ينكر على كثير
من المتصوفة المنتحلين لأمور ينكرها ظاهر الشرع، وقام على الشيخ شمس الدين العمري
المتصوف مراراً، ومنعه من التكلم، وأدبه وزجره عن مطالعة كتب ابن العربي، وعن ما
كان يقع منه من الشطحيات، ثم لما وقع اعتقاد العمري في قلب السلطان قايتباي، وسافر
إليه العمري، وشكى من الشيخ تقي الدين، فطلب الشيخ تقي الدين " هو والشيخ محب
الدين الحصني بسببه إلى القاهرة مع أن الشيخ تقي الدين " كان مذهبه السكوت في
أمر ابن العربي، وعدم الإنكار. ولما قدم الشيخ العلامة برهان الدين البقاعي دمشق
في سنة ثمانين وثمانمائة تلقاه الشيخ تقي الدين هو وجماعة من أهل العلم إلى
القنيطرة، ثم لما أتف كتابه في الرد على حجة الإسلام الغزالي في مسألة " ليس في
الإمكان، أبدع مما كان " ، وبالغ في الإنكار على ابن العربي وأمثاله حتى أكفر
بعضهم. كان الشيخ تقي الدين ممن أنكر على البقاعي ذلك، وهجره بهذا السبب خصوصاً
بسبب حجة الإسلام تقي الدين مرة أخرى في أيام الغوري بسبب فتياه في واقعة ابن محب
الدين الأسلمي المعارضة لفتيا تلميذه وابن أخته السيد كمال الدين بن حمزة، وطلب هو
والسيد وجماعة إلى القاهرة بهذا السبب، وغرم بسبب ذلك أموالاً كثيرة حتى باع أكثر
كتبه بهذا السبب، وانتهى الأمر آخراً على العمل بفتياه، وإعادة تربة ابن محب الدين
المهدومة بفتوى الشيد كما كانت عملاً بما أفتى به الشيخ تقي الدين كما ذكره الحمصي
في تاريخه. وعاد الشيخ تقي الدين هو وولده الشيخ نجم الدين إلى دمشق، وقد ولي ولده
المذكور قضاء قضاة الشافعية لما قد استوفيت القصة في ترجمة السيد كمال الدين، وأضر
الشيخ تقي الدين آخراً، وغلب عليه في آخر عمره الرقة والخوف والاعتراف بالتقصير. حدثني
شيخنا - فسح الله تعالى في مدته - عن والده قال: دخلت على شيخنا شيخ الإسلام تقي
الدين ابن قاضي عجلون بعد أن أضر، فوجدته محتبياً جاعلاً رأسه بين ركبتيه، فظننت
أنه نائم، فلم أتكلم، ولم يشعر بي فبعد ساعة هب كما يستيقظ النائم، ومسح يديه على
وجهه قائلاً: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، قال: فمكث ساعة، ثم
أفهمته أني دخلت، فسلمت قلت: وقد أحببت أن لا أخلي هذه الترجمة من نكتة ظريفة،
وفائدة منيفة، وهي أني أقول ما رأيت، ولا أظن أني أرى أفقه من شيخ الإسلام والدي،
وسمعته أو حضرته، وهو يقول: ما رأيت أفقه من شيخ الإسلام زكريا، ولا أحسن تصرفاً
إلا أن يكون شيخ الإسلام تقي الدين أبو بكر بن عبد الله ابن قاضي عجلون وهو أكثر
نقلاً واستحضاراً، وهما ما رأيا أفقه من شيخ الإسلام الشمس القاياتي، وهو ما رأى أفقه
من شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني، وهو ما رأى أفقه من شيخ الإسلام تقي الدين
السبكي، وهو ما رأى أفقه من فقيه المذهب النجم بن الرفعة، وهو ما رأى أفقه من
السديد التزمنتي، وهو ما رأى أفقه من سلطان العلماء ابن عبد السلام، وهو ما رأى
أفقه من الإمام فخر الدين بن عساكر الحافظ، وهو ما رأى أفقه من القطب النيسابوري،
وهو ما رأى أفقه من الإمام محمد بن يحيى، وهو ما رأى أفقه من حجة الإسلام الغزالي،
وهو ما رأى أفقه من أبي المعالي إمام الحرمين، وهو ما رأى أفقه من والده الشيخ أبي
محمد الجويني، وهو ما رأى أفقه من القفال، وهو ما رأى أفقه من الإمام أبي زيد المروزي،
وهو ما رأى أفقه من شيخ الإسلام أبي إسحاق المروزي، وهو ما رأى أفقه من الباز
الأشهب بن سريج، وهو ما رأى أفقه من الإمام أبي القاسم الأنماطي، وهو ما رأى أفقه من
الإمام أبي إبراهيم المزني، وهو ما رأى أفقه من إمام الأئمة أبي عبد الله محمد بن
إدريس الشافعي، وهو ما رأى أفقه من إمام دار الهجرة أبي عبد الله مالك بن أنس، وهو
ما رأى أفقه من الإمام نافع، وهو ما رأى أفقه من عبد الله بن عمر رضي الله تعالى
عنهما، وهو ما رأى أفقه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأخبرنا شيخ الإسلام الوالد قال: أخبرنا شيخ الإسلام تقي
الدين ابن قاضي عجلون عن أخيه شيخ الإسلام نجم الدين أن جميع الذين أفتوا في عهد
سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله رحمه الله تعالى:
لقد كان يفتي في زمان نبينا ... مع الخلفاء الراشدين أئمة
معاذ وعمار وزيد بن ثابت ... أبي بن مسعود وعوف حذيفة
ومنهم أبو موسى وسلمان حبرهم ... كذاك أبو الدرداء، وهو
تتمة
وأفتى بمرآه أبو بكر الرضى ... وصدقه فيها وتلك مزية
توفي شيخ الإسلام تقي الدين ابن قاضي عجلون صاحب الترجمة
في ضحوة يوم الاثنين حادي عشر رمضان سنة ثمان وعشرين وتسعمائة بمنزله بالدولعية
داخل دمشق، وصلى عليه ولده قاضي القضاة نجم الدين شمالي مقصورة الجامع الأموي،
ودفن بمقبرة باب الصغير، وحملت جنازته على الرؤوس. قال شيخ الإسلام الوالد: وحمل جنازته
من تلاميذه الشيخ العلامة تقي الدين أبو بكر بن محمد بن محمد البلاطنسي، والشيخ
تقي الدين القارئ، والفقير - يعني نفسه - وقال ابن طولون: وكنت حاضر الجنازة،
وغالب أفاضل البلد، وكان الحر شديداً، وتأخر في دفنه لأجل إصلاح، ولم يحضرها
تلميذه الشيخ شمس الدين الكفرسوسي، والشيخ أبو الفضل المقدسي، وهما من أخصائه،
ولعل لهما عذراً ولا لوم رضي الله تعالى عنه.
225 - أبو بكر المؤقت: أبو بكر بن عبد المحسن الشيخ تقي الدين البغدادي
الأصل الدمشقي المؤقت بالجامع الأموي، كان من أهل العلم، وأخذ عن شيخ الإسلام
الوالد، وكتب بعض مؤلفاته. توفي في أواخر حدود هذه الطبقة ظناً رحمه الله تعالى.
226 - أبو بكر البكري: أبو بكر بن عبد المنعم زين الدين البكري
أحد أعيان قضاة مصر القديمة وأصلائها. كان فاضلاً في فقه الشافعية، وكان ذا نباهة
وعقل وحياء، توفي في منتصف الحجة سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة عن نحو خمسين سنة،
وصلي عليه بجامع عمرو، ودفن عند والده بقرب مقام الشافعي - رضي الله تعالى عنه -
عن غير وارث إلا شقيقه عمر محتسب القاهرة يومئذ رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
227 - أبو بكر الحموي: أبو بكر بن محمود قاضي القضاة تقي الدين
الحموي الأصل، ثم الحلبي، الشافعي، الشهير بابن المعري. كان في دولة الجراكسة
قاضياً بحماة ثم تحاشى عن القضاء، واختار العزلة، وبقي بحماة إلى تولية الدولة
العثمانية، فرحل إلى حلب، ومكث بها على حشمته ورئاسته وأبهته وجلالته، بحيث لا
يخرج من منزله إلا إلى صلاة الجماعة بالجامع الكبير. وتوفي بحلب في سنة إحدى
وثلاثين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
228 - أبو بكر خطيب المزة: أبو بكر الشيخ تقي الدين الشاهد
بمركز العدول بباب الفرج بدمشق، المعروف بخطيب المزة. توفي يوم الاثنين ختام
جمادىالآخرة سنة خمس عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى.
229 - أبو بكر بن المجنون: أبو بكر، الشيخ الصالح تقي الدين الدمشقي
العاتكي، الشهير بابن المجنون. كان أحد جماعة الشيخ العلامة العارف بالله تعالى
سيدي أبي الفتح المزي، وكان تقياً نقياً صالحاً ورعاً، وكان ينسج القطن، ويأكل من
عمل يده. توفي يوم الأحد سلخ رمضان سنة سبع عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى.
230 - أبو بكر الدليواتي: أبو بكر المصري الأصل، الحلبي، الشيخ
الصوفي الشهير الدليواتي، صاحب المزار المشهور - بحلب - كان
قادري الخرقة أردبيليها، وكان رفيقاً للشيخ محمد الكواكبي في أخذ الطريق عن الشيخ
باكير، عن إبراهيم البسيتي عن خوجه علي صاحب المزار المشهور ببيت المقدس عن أخيه
خوجه صدر الدين الأردبيلي، وكان طريقه الماء والمحراب، ومجاهدة النفس، والقيام لله
تعالى، وكان ينكر على الشيخ إبراهيم بن سعيد الدامي ما كان يتعاطاه من الدفوف
والمواصل في السماعات، وتعصب عليه مع الشيخ إبراهيم جماعة من حلب، وأراعوا تعزيره،
فدفعهم الله تعالى، وكانت وفاته بعد خمس عشرة وتسعمائة.
231 - أبو بكر خطيب قبر عاتكة: أبو بكر، الشيخ العالم تقي الدين
خطيب محلة قبر عاتكة بدمشق، عرف بالمناشفي. توفي يوم الأحد رابع ربيع الأول سنة
سبع عشرة بتأخير الباء الموحدة وتسعمائة بدمشق. رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
232 - أبو بكر ابن قاضي زرع: أبو
بكر الشيخ العلامة القاضي تقي الدين الدمشقي، المعروف بابن قاضي زرع الشافعي، كان
آخر حلفاء الحكم بدمشق. توفي يوم الثلاثاء عاشر رمضان سنة تسع عشرة بتقديم المثناة
وتسعمائة رحمه الله تعالى.
233 - أبو بكر الحديدي: أبو
بكر، الشيخ الصالح، العابد الزاهد، الحديدي صاحب الرواية بالبحر الصغير. أخذ
الطريق عن سيدي أحمد بن مصلح المنزلاوي، ووافق الشيخ محمد المنير في الحج كل سنة
أربعين سنة، وكان يفعل كما يفعل من حمل القماش والسكر والصابون لفقراء مكة، وكان
من طريقه سؤال الناس للفقراء حضراً وسفراً، وكان إذا دخل سوقاً سأل الناس يميناً
وشمالاً، فلا يخرج إلا وقد حصل له دراهم كثيرة، فيصرفها للفقراء، ويقول: أخذنا من
الناس ما ينفعهم في آخرتهم، وكان يحب القراء ومن دعاه، فلم يجبه مشى خلفه، وهو
مكشوف الرأس ليدخل عليه حتى يجيبه، وكان يغلب عليه البسط والانشراح، ومع ذلك شديد
الحرص على السنة لا يسامح أحداً في شيء من أدائها، وكان معه مقراض من رأى شاربه طويلاً
قصه، فإن امتنع تبعه قائلاً: واديناه ويا محمداه حتى يمكنه من قصه. توفي
بالمدينة المنورة سنة خمس وعشرين وتسعمائة.
234 - أبو بكر الظاهري: أبو
بكر، الشيخ العالم الفاضل، تقي الدين الظاهري، نزيل دمشق. توفي بها في مستهل رمضان
سنة سبع وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى رحه واسعة.
235 - أبو بكر الحمصي: أبو بكر، الشيخ الصالح تقي الدين الحمصي
أحد صوفي الشميصاتية والنازلين بها، وكان يحفظ القرآن حفظاً جيداً. توفي يوم
الاثنين سادس عشري جمادىالآخرة سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة. قال ابن طولون: وهرع الناس
إلى جنازته والصلاة عليه، ولم أر أحداً بدمشق إلا شهد له بالصلاح، ودفن بباب
الصغير، رحمه الله عالى رحمة واسعة.
236 - أبو البقاء بن الجيعان: أبو البقاء بن الجيعان كاتب السر
بمصر. توفي مقتولاً سنة اثنتين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
237 - أبو الخير بن نص: أبو الخير بن نصر شيخ البلاد الغربية من
أعمال مصر ومحيي السنة. توفي في أواسط حدود هذه الطبقة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
238 - أبو الخير الكليباتي: أبو الخير الكليباتي، الشيخ الصالح
الولي المكاشف الغوث المجذوب. كان رجلاً قصيراً يعرج بإحدى رجليه، وله عصا فيها
حلق خشاخيش وكان لا يفارق الكلاب في أي مجلس كان فيه حتى في الجامع والحمام، وأنكر
عليه شخص ذلك. فقال له: رح وإلا جرسوك على ثور، فشهد ذلك النهار زوراً، فجزسوه على
ثور دائر مصر، وأنكر عليه بعض القضاة ذلك، فقال: هم أولى بالجلوس في المسجد منك،
فإنهم لا يأكلون حراماً، ولا يشهدون زوراً، ولا يستغيبون أحداً، ولا يدخرون عندهم
شيئاً من الدنيا، ويأكلون الرمم التي تضر رائحتها الناس، وكان كل من جاءه في حملة
يقول له: اشتر لهذا الكلب رطل لحم شواء، وهو يقضي حاجتك، فيفعل، فيذهب ذلك الكلب،
ويقضي تلك الحاجة. قال الشعراوي: أخبرني سيدي علي الخواص أنهم لم يكونوا كلاباً
حقيقية، وإنما كانوا جناً سخرهم الله تعالى له يقضون حوائج الناس، وقال الحمصي بعد
أن ترجمه بالقطب الغوث: كان صالحاً مكاشفاً، وظهرت له كرامات دلت على ولايته، وكان
مجذوباً يصحو تارة، ويغيب أخرى، وكان يسعى له الأمراء والأكابر، فلا يلتفت إليهم.
توفي في ثالث جمادىالآخرة سنة تسع وتسعمائة، وحمل جنازته القضاة والأمراء، ودفن
بالقاهرة بالقرب من جامع الحاكم بالقاهرة، وبنى عليه عمارة وقبة القاضي شرف الدين
الصغير ناظر الدولة، وانتهت عمارتها في ختام رجب من السنة المذكورة. وقال
الشعراوي: إنه مات سنة اثنتي عشرة وتسعمائة، والأول هو ما حرره الشيخ الحمصي في
تاريخه، وكان يومئذ بمصر، وما قاله أصح لأنه يتقيد بالوقائع والحوادث يوماً يوماً،
وأكثر ما أرخه الشعراوي - رحمه الله تعالى - في طبقاته تقريب رحمه الله.
239 - أبو السعود قاضي مكة : أبو السعود العلامة قاضي قضاة مكة.
قتله الشريف بركات سنة ثمان وتسعمائة.
240 - أبو السعادات بن ظهيرة: أبو السعادات بن ظهيرة قاضي قضاة
مكة عرض له السيد نبيتة ابن السيد بركات صاحب مكة لما قدم مصر في شهر جمادىالآخرة
سنة خمس وعشرين وتسعمائة عن ابن ناصر لسوء ولايته، وذم سيرته كما ذكره العلائي في
تاريخ.
241 - أبو سنقر البعلي: أبو سنقر، الشيخ الصالح المبارك المعتقد
أبو علي البعلي الأصل الدمشقي. قال الشيخ موسى الكناوي: كان مجذوباً عارفاً، وكان
خفير دمشق، وكان رجلاً مربوعاً أبيض اللون يخضب لحيته بالحناء، عليه جلاية بيضاء
دائماً، وبيده كشتوان كبير، وعصا كبيرة، فإذا سأله أحد مسألة من المغيبات يضرب
بالكشتوان على العصا، ثم يتكلم بما يقتضيه الحال، وقال الشيخ شمس الدين بن طولون:
كان يقال إنه من الإبدال، وأنه خفير الشام قال:ولا شك في صلاحه. قال: وكان عليه
عمامة كبيرة فيها ورقة، فإذا أراد أحداً يكتب، وحضر دواة استكتبه فيها ما تيسر.
قال: وكان يتكلم بكلام فيه كشف، وكانت وفاته في يوم الأحد حادي عشر ذي الحجة سنة
ثلاثين وتسعمائة بالبيمارستان النوري بدمشق، ودفن بباب الصغير عند قبر الشيخ حماد المشهور
تجاهه من الشمال نحو أربعة أذرع كذا قال الشيخ موسى. لكنه أرخ وفاته في صفر سنة
إحدى وثلاثين آخذاً مما وجده مكتوباً على قبره بالحبر، والأول أصح لأنه الذي أرخه
ابن طولون في تاريخه المرتب على الأيام وكذلك الحمصي إلا أنه قال: وكانت له كرامات
ومكاشفات. انتهى.
ومات وهو في عشر السبعين تقريباً، قلت: كتب شيخ الإسلام
الجد - رضي الله تعالى عنه - في قائمة أصحابه الذين اصطحب معهم من الصالدين
والأولياء الشيخ سنقر البعلي من غير إضافة الأب، فلا أدري أهو صاحب الترجمة أم
غيره، فإن في بلدة بعلبك قبراً مشهوراً بقبر الشيخ سنقر، فلعله هو، والله سبحانه
وتعالى أعلم.
242 - أبو النور التونسي: أبو النور الحافظ لكتاب الله تعالى
المقري التونسي المالكي نزيل المدرسة المقدمية بحلب. كان يؤدب الأطفال بها، وكان
من عادنه أن يقرأ ثلث القرآن بعد المغرب، وثلثه بعد العشاء، ومن غريب ما اتفق له
أنه لما ركب البحر من تونس إلى إسكندرية حصل لملاح السفينة، وكان فرنجياً حمى غب
أشغ(لته عن مصلحته السفينة،وعجز ركابها علاج ينفعه، وطلب من الشيخ أبي النور ما
يكتب للحمى، فكتب له ورقة خذوه فغلوه، ثم الجحيم صلوه، ثم في سلسلة ذرعها سبعون
ذراعا، فاسلكوه، ولف الورقة، ودفعها له، فوضعها في رأسه فما مضت تلك الليلة حتى
ذهبت عنه الحمى. توفي أبو النور بحلب سنة ست وعشرون وتسعمائة، ودفن بمقبرة الرحبي
رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
243 - أبو يزيد بن محمد آل عثمان: أبو يزيد بن محمد السلطان
المفخم، والخاقان المعظم، بايزيد خان ابن السلطان محمد خان فاتح القسطنطينية
العظمى ابن السلطان مراد خان ابن السلطان محمد خان ابن السلطان بايزيد خان ابن
السلطان مراد خان ابن السلطان أورخان ابن السلطان عثمان خان الغازي ابن أرطغرل بن سليمان
شاه سلطان الروم - رحمه الله تعالى - .مولده سنة ست وخمسين وثمانمائة، وجلس على
تخت السلطنة بعد وفاة أبيه في ثامن ربيع الأول سنة ست وثمانين وثمانمائة، وعمره إذ
ذاك ثلاثون سنة، وكان من أعيان الملوك الأكابر، وممن ورث السلطنة عن آبائه كابراً
عن كابر، تزينت باسمه رؤوس المنائر، وصدور المنابر، فتح الفتوحات، وغزا في سبيل
الله الغزوات، مما افتتحه قلعة ملوان وقلعة كوكلك وقلعة أق كرمان وقلعة متون وقلعة
قرون وغير ذلك وكان محباً للخيرات، مثابراً على البر والصدقات، يميل إلى العلماء والصلحاء،
ويعرف حقوق الفضلاء والنبلاء، ودخل الخلوة عند بعض المشايخ، وبنى الجوامع والمدارس
والتكايا والزوايا، ورتب للمفتي الأعظم ومن ببيته من العلماء في زمانه كل عام عشرة
آلاف عثماني، ولكل واحد من مدرسي المدرسة العثمانية سبعة آلاف عثماني، ولمدرسي شرح
المفتاح لكل واحد أربعة آلاف عثماني، ولكل واحد من مدرسي شرح التجريد الذي عثماني،
وكذلك رتب لمشايخ الصوفية ومريديهم وأهل الزوايا ما يليق بهم. عين لهؤلاء من
الكسوة من الفراء والحوائج على قدر مراتبهم، وصار ذلك قانوناً جارياً بعده
مستمراً، وكان يحب أهل الحرمين الشريفين، ويحسن إليهم إحساناً كثيراً، ورتب لهم
الصر في كل عام، وكان يجهز إلى فقراء الحرمين في كل سنة أربعة عشر ألف دينار ذهباً
يصرف نصفها على فقراء مكة، ونصفها على فقراء المدينة، وكان يكرم الواردين عليه من
أهل الحرمين الشريفين أو من غيرهم، ويصلهم ويحسن إليهم حتى ألف الشيخ جمال الدين
المبرد الحنبلي الصالح الدمشقي في مدحه، ونشر مناقبه مؤلفاً مستقلاً، وصنف الشيخ
شهاب الدين أحمد بن. الحسين العليف شاعر مكة باسمه تاريخاً سماه " الدر
المنظوم، في مناقب السلطان بايزيد ملك الروم " ، لا يخلو من فوائد لطيفة،
وكتب في مدحه قصيدة رائية طنانة مطلعها: خذوا
من ثنائي موجب الحمد والشكر ومن در لفظي طيب النظم والنثر ومنها:
فيا راكباً يسري على ظهر ضامر ... إلى الروم يهدي نحوه
طيب النشر
لك الخير إن وافت بروساً فسر بها ... رويداً لإستنبول
سامية الذكر
إلى ملك لا يبلغ الوصف كنهه ... شريف المساعي نافذ النهي
والأمر
إلى بايزيد الخير والملك الذي ... حمى بيضة الإسلام
بالبيض والسمر
وجرد للدين الحنيفي صارماً ... أباد به جمع الطواغيت
والكفر
وجاهدهم في الله حق جهاده ... رجاء لما يبغي من الفوز
والأجر
له هيبة ملء الصدور وصولة ... مقسمة بين المخافة والذعر
أطاع له ما بين روم وفارس ... ودان له ما بين بصرى إلى
مصر
إلى أن قال:
سليل بني عثمان والسادة الأولى ... علا مجدهم فوق
السماكين والنسر
ملوك كرام الأصل طابت فروعهم ... وهل ينسب الدينار إلا
إلى التبر
محوا أثر الكفار بالسيف فاغتدت ... بهم حوزة الإسلام
سامية القدر
فيا ملكاً فاق الملوك مكارماً ... فكل إلى أدنى مكارمه
تجري
لئن فقتهم في رتبة الملك والعلى ... فإن الليالي بعضها ليلة
القدر
فدتك ملوك الأرض طراً لأنها ... سوار وأنت البدر في غرة
الشهر
وهي طويلة. ويحكى أنها لما وصلت إلى السلطان أبي يزيد خان
سر بها، وأمر لقائلها أحمد العليف بألف دينار جائزة، ورتب له في الصر في كل عام
مائة دينار ذهباً كانت تصل إليه في كل عام، وصارت بعده لأولاده، وكان قد استولى على
المرحوم السلطان أبي يزيد خان في آخر عمره مرض النقرس، وضعف عن الحركة، وترك
الحروب والسفر سنين متعددة، فصارت عساكره يتطلبون سلطاناً شاباً قوي الحركة، كثير
الأسفار ليغازي بهم، ويغنموا الغنائم، فرأوا أن السلطان سليم خان من أولاد السلطان
أبي يزيد أقوى أخوته وأجلدهم، فمالوا إليه، وعطف عليهم، فخرج إليه أبوه محارباً،
فقاتله وهزمه أبوه، ثم عطف على أبيه ثانياً لما رأى من ميل العساكر إليه واجتماعهم
عليه، فلما رأى السلطان أبو يزيد توجه أركان الدولة إلى السلطان سليم، استشار
وزراءه وأخصاءه في أمره، فأشاروا إليه أن يفرغ له عن السلطنة، ويختار التقاعد بعزه
في أدرنة، وأبرموا عليه في ذلك، فأجابهم حين لم ير بداً من إجابتهم، وطلب السلطان سليم
إلى حضرته، وعهد إليه بسلطنته، ثم توجه مع بعض خواص خدامه إلى أدرنة، فلما وصل إلى
قرب جورلو كان فيها حضور أجله. فتوفي بها في سنة ثمان عشرة وتسعمائة، ووصل خبر
موته هو وسلطان مكة قايتباي بن محمد بن بركات الشريف، وسلطان اليمن الشيخ عامر بن
محمد إلى دمشق في يوم واحد، وهو يوم الأحد ثاني عشري ربيع الأولى من السنة
المذكورة. رحمهم الله تعالى رحمة واسعة. آمين.
244 - أحمد أبو المكارم الشارعي: أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد
الله، القاضي شهاب الدين أبو المكارم الشهير بالشارعي المصري المالكي، نزيل دمشق.
ولد في ثاني عشر ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة بالشارع الأعظم قرب باب زويلة،
وتوفي ليلة الخميس ثاني عشري ربيع الأول سنة إحدى وتسعمائة بدمشق رحمه الله تعالى.
245 - أحمد بن عبية: أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر
بن عبية، شيخ العالم الواعظ المذكور شهاب الدين قاضي القدس الشريف الشهير بابن
عبية المقدسي الأثري الشافعي نزيل دمشق. ولد في ثاني عشر ربيع الأول سنة إحدى
وثلاثين وثمانمائة، واشتغل بالقدس الشريف وحصل، وولي قضاء بيت المقدس، وامتحن بسبب
القمامة، ثم رحل إلى لدمشق وقطن بها ووعظ وذكر الناس بالجامع الأموي، وله شعر لطيف
وخط حسن، وقرأت بخطه أنه بات في بيت بعض إخوانه، وكان بقرب ناعورة على النهر تدور
وتئن فقال:
وناعورة أنت فقلت لها: اقصري ... أنينك هذا زاد للقلب في
الحزن
فقالت: أنيني إذ ظننتك عاشقاً ... ترق لحال الصب قلت لها:
إني
وهذا أقرب من قول الحافظ أبي الفضل بن حجر رحمه الله
تعالى:
غرمت على الترحال من غير علمها ... فقالت وزادت في الأنين
وفي الحزن
لقد حدثتني النفس أنك راحل ... فزاد أنين قلت: ما كذبت
إني
قلت: ولو قال: قد صدقت لكان أولى، ومن شعر ابن عبية -
رحمه الله تعالى - قصيدة نونية نقلت منها من خطه ما أثبته هنا:
بأبي أزج حواجب وعيون ... سلب بصاد للقلوب ونون
ففؤادي المعتل منه ناقص ... بمثال ذاك الأجوف المقرون
يا نظرة قد أورثت قلبي الردى ... بأبي جفون معذبي وجفوني
نظرت غزالاً ناعساً يرعى الكرى ... فهي التي جلبت إلي
منوني
قال العذول: وقعت في شرك الهوى ... فأجبت هذا من فعال
عيوني
يا قاتل الله العيون فإنها ... حكمت علينا بالهوى والهون
إلى أن قال وأجاد:
خدعوا فؤادي بالوصال وعندما ... ثبت الهوى في أضلعي
هجروني
هجروا ولو ذاقوا الذي قد ذقته ... تركوا الصدود وربما
وصلوني
لم يرحموني حين حان فراقهم ... ما ضرهم لو أنهم رحموني
ومن العجائب أن نسوا ودي ومن ... ودي لهم كل الورى عرفوني
وقال في ملخصها مادحاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
ما مخلصي في الحب من شرك الهوى إلا بمدح المصطفى المأمون
زين الأعارب في القراع وفي القرى ... ليث الكتائب لم يخف
لمنون
بدر تبدى في حنين للوغا ... فسبى عداه بصارم وحنين
في البأس ما في الناس مثل محمد ... كلا، وقال: افي الحسن
والتمكين
هو فاتح كالحمد أول سورة ... وجميع أهل القرب كالتأمين
توفي بدمشق ليلة السبت ثالث جمادى الأولى سنة خمس
وتسعمائة، ودفن شمالي ضريح الشيخ حماد في مقبرة باب الصغير رحمه الله تعالى.
246 - أحمد إمام الكاملية: أحمد بن محمد، الشيخ العالم الزاهد
شهاب الدين إمام الكاملية. توفي بالقدس الشريف سنة تسع بتقديم المثناة وتسعمائة،
وصلي عليه بجامع دمشق غائبة عقب صلاة الجمعة ثالث عشر جمادى الأولى سنة تاريخه
رحمه الله تعالى.
247 - أحمد بن طوق: أحمد بن محمد بن أحمد بن أحمد بن أحمد، الشيخ
الإمام العالم الصالح المحدث شهاب الدين الدمشقي الشافعي، الشهير بابن طوق. ولد في
ربيع الأول سنة أربع وثلاثين وثمانمائة، وتوفي يوم الأحد ثالث أو رابع رمضان سنة
خمس عشرة وتسعمائة بدمشق.
248 - أحمد بن أمير غفلة: أحمد بن محمد بن عثمان، الشيخ الإمام
الفرضي شهاب الدين أبو العباس الشهير بابن أمير غفلة، ونائب قريمزان الحلبي
الحنفي. قال ابن الحنبلي: كان عالماً عاملاً، منور الشيبة، حسن السمت، فقيهاً،
فرضياً، حيسوباً. تلمذ للعلامة الفرضي، الحيسوب، جمال الدين، يوسف الأسعردي، ثم
الحلبي، وعلق على نزعة الحساب تعليقاً حمله على وضعه شيخنا العلاء الموصلي، كما
نبه على ذلك في ديباجته.
ولم يزل على ديانته يتعاطى صنعة التجارة إلى أن مات سنة
خمس عشرة وتسعمائة، قيل: وكان الناس مضطرين إلى الغيث، فأرسله الله تعالى في أول
ليلة مكث في قبره رحمه الله تعالى.
249 - أحمد النويري: أحمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن محمد
الشيخ الإمام خطيب الخطباء بالمسجد الحرام، وإمام الموقف الشريف محب الدين أبو بكر
بن خطيب الخطباء العلامة شرف الدين أبي القاسم بن خطيب الخطباء أبي الفضل كمال
الدين ابن قاضي القضاة، وخطيب الخطباء محب الدين ابن قاضي القضاة، وخطيب الخطباء
كمال الدين القرشي العقيلي النوريري المكي الشافعي، أخذ عن الشيخ أبي الفتح
المراغي، وسمع ثلاثيات البخاري على جدته لأمه أم الفضل خديجة، وتدعى سعادة بنت
وجيه الدين عبد الرحمن بن أبي الخير محمد بن فهد المكي، وعلى العلامة برهان الدين
أبي إسحاق إبراهيم بن علي بن محمد بن داود البيضاوي الزمزمي، وعلى ابن أخيه الشيخ
محب الدين عبد السلام بن موسى بن أبي بكر البيضاوي المعروف بالزمزمي أيضاً. رواية
هؤلاء كلهم عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الرسام عن الحجار، وله شيوخ آخرون، وأجاز
البرهان العمادي في الحجة سنه خمس عشرة وتسعمائة. أجاز
البدري حسن في ثاني شعبان سنة ست وتسعمائة.
250 - أحمد القسطلاني: أحمد
بن محمد الشيخ الإمام العلامة، الحجة الرحلة الفهامة، الفقيه النبيه المقري المجيد
المسند المحدث أبو العباس شهاب الدين القسطلاني المصري، ثم القاهري الشافعي صاحب
المؤلفات الحافلة، والفضائل الكاملة، أخذ عن ابن حجر العسقلاني وغيره، وأخذ عنه
شيخ الإسلام الوالد وغيره، وكان من أزهد الناس في الدنيا، وكان منقاداً إلى الحق
من رد له سهواً أو غلطاً يزيد في محبته، وألف شرحه على البخاري قبل أن يؤلف شيخ
الإسلام القاضي زكريا شرحه عليه، وكان يقول للشيخ عبد الوهاب الشعراوي، أحضر عند
شيخ الإسلام شرحي فمهما وجدته خالفني فيه، فاكتبه لي في ورقة، فكان يكتب له
أوراقاً ويجهزها إليه وتارة يرسل الشيخ عبده، فيأخذها، وقال له مرة: لا تغفل عن
كتابة ما يخالفني فيه الشيخ، فإنه لا يحرر الكتاب إلا الطلبة، ولا طلبة لي. وقال
العلائي: إنه كان
فاضلاً محصلاً ديناً عفيفاً متقللاً من عشرة الناس إلا في المطالعة والتأليف
والإقراء والعبادة. وقال الشعراوي: كان من أحسن الناس وجهاً، طويل القامة، حسن
الشيب. يقرأ . بالأربع عشرة رواية، وكان صوته بالقرآن يبكي القاسي إذا قرأ في
المحراب تساقط الناس من الخشوع والبكاء. قال: وأقام عند النبي صلى الله عليه وسلم،
فحصل له جذب، فصنف المواهب اللدنية لما صحا، ووقف خصياً كان معه على خدمة الحجرة
النبوية. انتهى.
وذكر شيخ الإسلام الوالد أنه أخذ عنه شرحه على البخاري،
والمواهب اللدنية، وأجازه بهما وبسائر مؤلفاته، ومنها كتاب " الأنوار، في
الأدعية والإذكار " ومختصر منه سماه " اللوامع، في الأدعية والإذكار
والجوامع " ، ومختصر من المختصر سماه " قبس اللوامع " وكتاب "
الجني الداني، في حل حرز الأماني " ، وهو للشاطبية كالتوضيح على ألفية ابن
مالك، وله غير ذلك، وكان له اعتقاد تام في الصوفية، وأكثر في المواهب من الاستشهاد
بكلام سيد وفا، وكان يميل إلى الغلو في رفعة قدر النبي صلى الله عليه وسلم حتى
اختار مذهب مالك - رضي الله تعالى عنه - في تفضيل المدينة على مكة. قلت: وأول دليل
على قبول أعماله وإخلاصه في تأليفه عناية الناس بكتابه " المواهب اللدنية " ومغالاتهم
في ثمنه مع قلة الرغبات، والله سبحانه وتعالى أعلم، وكانت وفاته على ما حررته من
تاريخ العلائي ليلة الجمعة ثامن المحرم سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة لعروض فالج له.
نشأ من تأثره ببلوغه قطع رأس إبراهيم بن عطاه الله المكي صديق السلطان الغوري بحيث
سقط عن دابتة، وأغمي عليه، فحمل إلى منزله، ثم مات بعد أيام، وصلى عليه بالأزهر
عقب صلاة الجمعة، ودفن بقبة قاضي القضاة بدر الدين العيني من مدرسته بقرب جامع
الأزهر، وتأثر كثير من الناس لموته لحسن معاشرته وتواضعه - رحمه الله تعالى - ورضي
عنه وصلي عليه غائبة بدمشق مع جماعة منهم البرهان بن أبي شريف.
251 - أحمد بن الملاح: أحمد
بن محمد الشيخ علي الإمام العالم المقريء شهاب الدين الرملي، ثم الدمشقي الشافعي
الشهير بابن الملاح. ولد سنة تسع وخمسين وثمانمائة، وكان على جانب كبير من الديانة
وصفاء القلب، وتولى مشيخة الإقراء بالمدرسة السيبائية، والإمامة بها وناب في إمامة
الأموي مرات، وتوفي يوم الاثنين تاسع عشر رمضان سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة رحمه
الله تعالى.
252 - أحمد بن محمد الخالدي: أحمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر
بن محمد الشيخ الصالح أبو العباس شهاب الدين، الشهير بابن بري الخالدي البابي
الحلبي، ثم الدمشقي الحنفي الصوفي. ولد في ثالث صفر سنة أربعين وثمانمائة، وكان من
أعيان الناس، وتوفي بدمشق يوم الأحد سادس رجب سنة أربع وعشرين وتسعمائة، ودفن بالحمرية
خارج دمشق رحمه الله تعالى.
====================
ج2. كتاب
: الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة
المؤلف : النجم الغزي
253 - أحمد بن محمد التباسي: أحمد بن محمد سيدي الشيخ العارف
بالله تعالى أبو العباس المغربي التونسي، المشهور بالتباسي - بفتح المثناة فوق
وتشديد الموحدة، - ويقال: الدباسي - بالدال - المالكي، وهو شيخ سيدي علي بن ميمون - رحمه الله
تعالى - كان والده من أهل الثروة والنعمة، فلم يلتفت إلى ذلك. بل
خرج عن ماله وبلاده، وتوجه إلى سيدي أبي العباس أحمد بن مخلوف الشابي - بالمعجمة
والموحدة - الهدلي القيرواني والد سيدي عرفة، فخدمه وأخذ عنه الطريق، وكان سيدي
أحمد بن مخلوف من أكابر الأولياء، ومن مناقبه أن الشيخ أبا الفتح الهندي لما توجه
إلى المغرب يقصد زيارة الشيخ أبي مدين كشف له في بعض بلاد الله تعالى عن شجرة
مكتوب على أوراقها: لا إله إلا الله محمد رسول الله الشابي ولي الله، ثم آل أمره
إلى أن صحبه، وفتح للشابي على يديه، فلازم التباسي خدمته حتى فتح له، وصار من كبار
العارفين، وكان ينفق من الغيب، ولم يقرأ من القرآن إلا سورة يوسف، ومع ذلك كان إذا
تكلم في الطريق يستحضر من البقرة إلى الجنة والناس، وكان يستحضر نصوص المدونة
للإمام مالك رضي الله تعالى عنه - قال سيدي علي بن ميمون رضي الله تعالى عنه: دخلت
عليه فوجدته يقرأ رسالة ابن أبي زيد على مقتضى ظاهر الشرع، وباطن الطريق حتى قلت
في نفسي: هذا هو التقرير أو كما قال: قال: سيدي محمد ابن الشيخ علوان الحموي في
كتابه " تحفة الحبيب " وكان مما بلغنا إذا أشكل على جهابذة المحققين من
أعيان المدرسين من علماء ناحيته شيء في مسألة من مسائل العلوم الظاهرة يرسلون
إليه، فيوضحها ويقررها على أحسن ما يكون، ولم يمت حتى كتب على خديه بقلم نوراني
" رحمه الله " فكان لفظ رحمه مكتوباً على خده الأيمن والجلالة على
الأيسر، وكانت هذه الكتابة واضحة يقرأها كل من يدرك القراءة إذا قرب من الشيخ.
قال: ومن غريب ما بلغنا من بعض الثقات أن الشيخ حصل له مرض، فاحتاج إلى النقلة من
محل إلى آخر، فنادى أربعة أنفار من أصحابه ليحملوه، وكان مستلقياً على نحو بساط،
فقام كل من الأنفار الأربعة عند طرف من أطرافه، فلم يستطيعوا رفعه، فاستدعى بأربعة
معهم، فلما كملت عدتهم ثمانية خف عليهم حتى حملوه، ونقلوه لسر إلهي، ونقل والده
سيدي الشيخ علوان - رضي
الله تعالى عنه - عن الشيخ مسعود الصنهاجي وكان من أصحاب التباسي أن رجلاً كانت
منه نظرة لأجنبية فدخل على الشيخ فاستطرد الشيخ في الكلام، ثم قال: ما قرأ أحدهم
يدخل علينا، وعينه تقطر من الزنا، فاعترف صاحب الذنب بعد وجل الباقين. وكانت وفاة
التباسي - رضي الله تعالى عنه - بنفزاوة - بالنون والفاء والزاي - في ذي القعدة
سنة ثلاثين وتسعمائة. كما ذكره ابن الحنبلي في تاريخه في ترجمة سيدي علي بن ميمون
نقلاً عن خط شيخه الزين بن الشماع، وذكر ابن طولون في تاريخه في وقائع سنة اثنتين
وثلاثين وتسعمائة يوم الجمعة ثالث عشري المحرم. صلي غائبة بالجامع الاموي على
الشيخ المسلك أحمد الدباسي المغربي التوزي. توفي بمعاملة نفزاوة من الجناح الأخضر من
الغرب، وقد جاوز المئة سنة، وشاع أنه شيخ السيد علي بن ميمون رحمه الله تعالى.
254 - أحمد بن محمد الباني: أحمد بن محمد، الشيخ الصالح الفاضل
المعتبر شهاب الدين أبو العباس ابن الشيخ المسند العالم المعمر شمس الدين الباني
المصري الشافعي الأصم كأبيه. صنف تفسيراً من سورة يس إلى آخر القرآن، وباعه مع بقية
كتبه لفقره وفاقته، وولده الشيخ شمس الدين الباني أحد شيوخ جلال الدين السيوطي،
وخرج له السيوطي مشيخة، وقرأها عليه، وكانت وفاة والده صاحب الترجمة يوم الجمعة
سادس عشر المحرم سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
255 - أحمد بن إبراهيم الحاملي: أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحيم
القاضي شهاب الدين ابن شيخ الإسلام برهان الدين الأنصاري الحاملي، ثم المقدسي
الشافعي. ولد في سنة ست وأربعين وثمانمائة، واشتغل في العلم على والده، وعلى شيخ
الإسلام الكمال بن أبي شريف، وباشر نيابة الحكم العزيز بالقدس الشريف في حياة
والده ذكره صاحب الأنس الجليل، وقال: وهو خير متواضع: ولي مشيخة الخثنية بنزول صدر
من والده. قال: وهو مستمر إلى يومنا - يعني
بعد سنة إحدى وتسعمائة، وتقدم ذكره أخيه في المحمدين، ولم يتفق لي تحرير وفاتهما -
رحمهما الله تعالى.
256 - أحمد بن إبراهيم بن منجك: أحمد
بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن منجك الأمير شهاب الدين الدمشقي لم يحمد ابن
طولون سيرته في أوقافهم، ومات بطرابلس وحمل إلى دمشق في محفة، ودخلوا به لدمشق يوم
الأحد سابع عشر المحرم سنة ثمان عشرة وتسعمائة، ودفن بتربتهم بميدان الحصا، وتولى
أوقافهم بعده الأمير عبد القادر بن منجك - رحمه
الله تعالى - .
257 - أحمد بن إبراهيم الأقباعي: أحمد بن إبراهيم ابن أخي الشيخ
الصالح الصوفي ابن الشيخ العارف بالله تعالى برهان الدين ابن الشيخ العارف بالله
تعالى القطب الغوث سيدي أحمد الأقباعي الدمشقي الشافعي. ولد في سنة سبعين تقريباً.
واشتغل في العلم على والده، وابن عمته الشيخ رضي الدين، وأخذ الطريق عن أبيه، وقرأ
على شيخ الإسلام الوالد جانباً من عيون الأسئلة للقشيري، وحضر بعض دروسه، وتولى
مشيخه زاوية جده بعد أبيه، وكان على طريقة حسنة، وتوفي في صبيحة يوم الأربعاء سادس
عشري ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة. قال الشيخ الوالد: ووقفت على غسله وحملت
تابوته، وتقدمت في الصلاة عليه. قال النعيمي: ودفن على والده بمقبرة سيدي الشيخ
أرسلان رضي الله تعالى عنه.
258 - أحمد بن أي بكر الحموي: أحمد
بن أبي بكر بن محمود الأصلي العريق بدر الدين ابن قاضي القضاة تقي الدين الحموي،
ثم الحلبي الشافعي ناظر أوقاف الحرمين الشريفين حلب. كان له حشمة ورئاسة، وذكاء
عجيب، واستحضار جيد لفوائد أصلية وفرعية، غير أنه نضم إلى قرا قاضي مفتش أوقاف حلب
وأملاكها، وداخل في أمور السلطنة، وصار له عنده اليد النافذة، وهرع الناس إليه
لذلك، فلما قتل قرا قاضي في جامع حلب سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة قتل معه وأرادوا
العامة حرقه، فاستخلصه منهم أهله وجماعته، فغسلوه وكفنوه ودفنوه بمقبرة أقربائه.
259 - أحمد بن أحمد بن خليل: أحمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن
خليل، الشيخ العلامة شهاب الدين أبو العباس الحاضري الأصل، الحلبي الحنفي عرف بابن
خليل. أخذ عن الحافظ برهان الدين الحلبي سبط بن العجمي، وكان يفتي بحلب، ويعظ
بجامعها، وكان وعظه نافعاً يكاد يغيب لفرط خشوعه، وكان ديناً خيراً تلمذ له شيخ
الشيوخ بحلب الموفق ابن أبي ذر المحدث قال ابن الحنبلي، وأخبرني أنه كان يتمثل بقول
القائل:
وكان فؤادي خالياً قبل حبكم ... وكان بذكر الخلق يلهو
ويمرح
فلما دعا قلبي هواك أجبته ... فلست أرى قلبي لغيرك يصلح
توفي سنة ثلاث عشرة وتسعمائة بحلب، وتأسف الناس عليه -
رحمه الله تعالى - .
260 - أحمد بن أحمد الرملي: أحمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله
بن زهير بن خليل الإمام العلامة، والمفيد الفهامة، شمس الدين الرملي، ثم الدمشقي
الشافعي. ولد
بالرملة في ربيع الأول سنة أربع وخمسين وثمانمائة، وكان يعرف قديماً بابن الحلاوي،
وبابن الشفيع كما قال الحمصي في تاريخه. دخل دمشق وأخذ عن ابن نبهان، وابن عراق،
والتليلي، والزين خطاب، ثم رحل إلى القاهرة، فأخذ عن المناوي، والمحب بن الشحنة،
وابن الهائم الشاعر، وقرأ القرآن على النور الهيثمي والشيخ جعفر السنهوري وغيرهما
من مشايخ الاقراء وقرأ القرآن العظيم بما تضمنه حرز الأماني، وأصله على الإمام شمس
الدين محمد بن أبي بكر الحمصاني نحو قراءته له على الشيخ عبد الرحمن شهاب الدين،
المعروف بابن عياش نحو قراءته على الشمس العسقلاني. وشمع على الجمال عبد الله بن
جماعة خطيب المسجد الأقصى المسلسل بالأولية وغيره، ثم استوطن دمشق، وناب في الحكم مراراً،
فحمدت سيرته ومروءته، وناب في إمامة الجامع الأموي عن العلامة غرس الدين خليل
اللدي، ثم لما مات استقل بها، فباشرها سنين حتى توفي، وانتهت إليه مشيخة الإقراء
بدمشق، وكان له مشاركة جيدة في عدة من العلوم، وله نظم حسن، وتوفي يوم السبت عشر
في الحجة سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، ودفن بمقبرة باب الصغير - رحمه الله تعالى -
رحمة واسعة آمين.
261 - أحمد بن إسكندر الحلبي: أحمد بن إسكندر بن يوسف، وقيل:
ابن يوسف بن إسكندر، الشيخ العلامة شهاب الدين الدين الحلبي نزيل دمشق الشافعي،
المعروف بابن الشيخ إسكندر هو جد أخي لوالدي لأمه، الشيخ العلامة العارف بالله
تعالى شهاب أحمد الغزي أخذ عن جماعة منهم جدي ووالدي. قال شيخ الإسلام الوالد:
وكان له في علم الهيئة والمنطق والحكمة وغير ذلك، وكان مدرس السيبائية بتقرير من واقفها
سيبائي نائب الشام، وناظراً على وقف سيدي إبراهيم بن أدهم - رضي الله تعالى عنه -
قتله اللصوص بدرب الروم سنة تسع وعشرين وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
262 - أحمد بن أسعد التنوخي الحنبلي: أحمد بن أسعد بن علي بن
محمد بن محمد بن منجا بن سعد القاضي شهاب الدين أبي العباس ابن القاضي وجيه الدين
ابن قاضي القضاة علاء الدين ابن القاضي صلاح الدين ابن القاضي شرف الدين ابن الشيخ
زين الدين ابن الشيخ عز الدين ابن القاضي وجيه الدين التنوخي الصالحي الدمشقي
الحنبلي. ولد في سابع عشري صفر سنة سبع وعشرين وثمانمائة، وحفظ القرآن، واشتغل في العلم،
ثم غلب عليه التصوف، ثم عاد فقيها، وولي نيابة الحكم للقاضي برهان الدين بن مفلح
وغيره، ثم غلب عليه جانب التصوف، وبنى بمنزله بحارة الفواخير لصيق التربة العادلية
بسفح قاسيون رواقاً بمحراب، وكان له نظم حسن، ومنه كتاب " العقيدة " في
نحو سبعمائة بيت على طريقة السلف، وقد أنكر عليه في بعضها الشيخ العلامة عبد النبي
المالكي، وتوفي يوم الأربعاء خامس عشر جمادى الأولى سنة ثمان وتسعمائة - رحمه الله
تعالى - .
263 - أحمد بن بترس الصفدي: أحمد بن بترس الصفدي، الشيخ العارف
بالله تعالى، المكاشف بأسرار غيب الله. كان ظاهر الأحوال بصفد، مسموع الكلمة عند
حكامها، وكان الناس يترددون إليه، فيشفع لهم، ويقضي حوائجهم، ويقريهم ويضيفهم،
وكان ذا شيبة نيرة، وكان إذا أراد أن يتكلم بكشف يطرق رأسه إلى الأرض، ثم يرفعه
وعيناه كالجمرتين يلهث كصاحب الحمل الثقيل، ثم يتكلم بالمغيبات، وكان في بداءته ذا
رياضة ومجاهدة، كان له نحل كثير، وكان قبل أن يظهر عليه الحال يمضي إلى النحل
ويجتنيه، فإذا جناه لا يأكل من عسله، ولا يلعق يده، واجتمع به الشيخ موسى الكناوي
- رحمه الله تعالى - في سنة أربع وعشرين وتسعمائة بصفد، وقصده زائراً فدخل عليه في
يوم جمعة، وقبل يده فأمره بالجلوس، فجلس عنده إلى قرب صلاة الجمعة، والخلق ترد
عليه ما بين زائر ومتشفع به إلى الحكام، وجائع يقصده للطعام وغير ذلك، ثم ذهب
لصلاة الجمعة، ثم عاد بعدها، وجلس عنده إلى انقضاء صلاة العشاء الآخرة، وأضمر أن
يبيت عنده تبركاً، قال: فلما انصرف الناس عنه رأيته تجشأ عشر مرات متتابعات، فقلت
في نفسي، واعجباً أنا اليوم ملازم له، ولم أره أكل ولا شرب، ثم قلت في نفسي، ربما
يكون جشاؤه عن جوع، فبادر، وقال: لا ليس هو عن جوع، ولا عن أكل قال: فقلت له: وإلا
عما ذا؟ قال: أرأيت هذا الكلام الذي وقع من الناس في مجلسنا في يومنا دخل مع الروح
نهاراً لمصالح المسلمين، فالروح تخرج ليلاً لتختلي بمولاها ومناجاته. قال: فقف
شعري وهبته، وطلبت الأذن منه، وانصرفت إلى منزلي.
وذكر أيضاً أنه كان عنده في اليوم الثاني من هذه القصة
بعد أن صلى الصبح إماماً به، وبمن عنده وانصرف الناس إلى أشغالهم، وبقي عنده إلى
ارتفاع النهار. قال: وإذا أنا بالشيخ تحرك، وقام وقعد، وأرعد وأزبد. قال: فبقيت
باهتاً لا أدري ما السبب. قال:
ثم جلس الشيخ في مجلسه، واستقبل باب الطبقة، وقال: جوز موز قال: فرفع الستارة شاب
مغربي عليه ثوب أبيض نظيف، وعمامة نظيفة بيضاء، فدخل خائفاً مضطرباً يلتفت يميناً
وشمالاً، ولم ير الشيخ ورآني فقصدني، ووقع علي وأنا جالس لم أتحرك، ولم أتكلم قال:
فأخذت بكتفه وأجلسته. قال: ثم أن الشيخ دعاه فرأى الشيخ حينئذ، فقام إليه وقبل
قدميه ويديه، ثم حضر الناس من أشغالهم، فقال الشيخ: هاتوا له لبناً وعسلاً وخبزاً،
فوضعه له فأكل قليلاً، ثم أذن له الشيخ فخرج فقال الناس للشيخ: ما هذا الرجل
المغربي. فقال. أتاني ليسلبني حالي، فأظفرني الله تعالى به، وعفوت عنه. قال الشيخ
موسى - رحمه الله تعالى - : وكانت معي طاسة تساوي نحو خمسين درهما للشرب والأكل.
قال: فقعدنا عند
وادي دلبية لأجل الغداء، فلما وصلت إلى صفد فقدتها، وسألت رفيقي عنها، والشيخ
يسمعني أسأله، فقال: لا تسأل عنها نسيتها وقت غدائكم بوادي دلبية. قال: وكنت
جالساً عنده وحدي، فخطر لي خاطر. هل للشيخ قوة التمكين؟ فقال: نعم لنا قوة
التمكين، فسكت ولم أزد على ذلك. قال: وقد مات بصفد سنة ست أو سبع وعشرين وتسعمائة.
قلت: ذكر ابن طولون أنه صلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة ثامن عشري ذي القعدة
سنة ست وعشرين وتسعمائة، وأنه توفي بصفد - رحمه الله تعالى - .
264 - أحمد بن حجي: أحمد بن حجي، القاضي شهاب الدين أبو العباس
الحسباني الدمشقي الأطروش أحد عقلاء دمشق. ولد ليلة الأربعاء خامس ذي الحجة سنة
ثمان عشرة وثمانمائة، وسمع قبل طرشه على الحافظ بن حجر، والمسند علاء الدين بن
بردوس البعلي وغيرهما، وأذن للنعيمي في الرواية عنه، وأجازه بكل ما يجوز له
روايته، وتوفي يوم الأربعاء سابع رمضان سنة سبع وتسعمائة، ودفن في تربة باب
الفراديس - رحمه الله تعالى - .
265 - أحمد بن حسن المقدسي الحنبلي: أحمد بن حسن بن أحمد بن حسن
بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي، الشيخ الإمام العلامة الصالح المفيد
مهذب الدين أبو العباس بن عبد الهادي المقدسي الأصل، الصالحي الدمشقي الحنبلي، قال
أخوه الشيخ جمال الدين يوسف بن عبد الهادي: ولد سنة ست وخمسين وثمانمائة، وسمع
الحديث من جماعة كالنظام بن مفلح بن الشريف، وفاطمة الحرستانية، وجماعة من أصحاب
بن المحب أصحاب ابن التفليسي، وأصحاب عائشة بنت عبد الهادي.
266 - أحمد بن حسين العليني: أحمد بن حسين بن محمد الشيخ شهاب
الدين أبو العباس العليني المكي الشافعي نزيل المدينة. ولد سنة اثنتين وخمسين
وثمانمائة، وسمع على جماعة، وأجازه آخرون. قال ابن طولون: أجازني في استدعاء بخط
شيخنا النعيمي مؤرخ في سنة عشرين وتسعمائة قال: وربما اجتمعت به - رحمه الله تعالى - .
267 - أحمد بن خضر الرومي: أحمد
بن خضر، العالم الفاضل المولى أحمد باشا ابن المولى خضر بيك ابن جلال الدين الرومي
الحنفي، كان عالماً متواضعاً محباً للفقراء، ولما بنى السلطان محمد خان المدارس
الثماني أعطاه واحدة منها، وسنه يومئذ دون العشرين، ثم تنقل في المناصب حتى صار
مفتياً بمدينة بروسا في سلطنة السلطان بايزيد خان، وأقام بها مدة متطاولة، وله
مدرسة هناك بقر بالجامع الكبير منسوبة إليه، وله كتب موقوفة على المدرسة، وكانت
وفاته سنة سبع وعشرين وتسعمائة. قال في الشقائق: وجاوز سنه التسعين - رحمه الله
تعالى - .
268 - أحمد بن حمزة الطرابلسي: أحمد بن حمزة، الشيخ الإمام
الصالح العالم العلامة شهاب الدين التركي الطرابلسي الدمشقي الشافعي الصوفي. ولد
في شوال سنة أربع وثلاثين وثمانمائة، وكان إماماً لكافل طرابلس الشام " البجاني
" ، ولما جاء من كفالة طرابلس إلى كفالة دمشق صحبه المذكور إلى دمشق، وكان
على طريقة حسنة. قال الحمصي: كان رجلاً عالماً صالحاً، ومن محاسنه أنه صلى بالجامع
الأموي في شهر رمضان بالقرآن جميعه في ركعتين، وقال النعيمي: أصيب في بصره سنة خمس
عشرة وتسعمائة بعد أن أصيب في أواخر القرن التاسع بأولاد نجباء، وصبر عليهم، ثم
انقطع عن الناس بالمدرسة التقوية إلى أن توفي يوم الجمعة خامس ذي القعدة سنة عشرين
وتسعمائة - رحمه الله تعالى - رحمة واسعة.
269 - أحمد بن شعبان بن شهاب الدين: أحمد بن شعبان بن علي بن
شعبان الإمام العلامة العمدة شهاب الدين، وكان ممن اصطحب هو وشيخ الإسلام الجد.
أخذ العلم والحديث عن الشيخ العلامة المسند شهاب الدين أحمد الحجازي، وعن شيخ الإسلام
شرف الدين المناوي، والمسند الحافظ عبد الرحمن جلال الدين أبي هريرة القمصى وعن
الإمام المسند شمس الدين محمد بن عمر الملتوتي الوفائي، وتلقن الذكر من الإمام
العارف بالله تعالى، أبي إسحاق جمال الدين بن نظام الشيرازي بجامع الأزهر، ومن
الشيخ العارف بالله تعالى زيد الدين الحافي أحد أصحاب الشيخ عبد الرحمن الشيريسي،
ومن الشيخ العارف بالله تعالى شرف الدين الغزي أحد أصحاب الشيخ ركن الدين
السمناني، ومن الشيخ الإمام القدوة أبي عبد الله محمد بن أحمد المديني ابن أخت
سيدي مدين المصري ومن غيرهم، ولبس الخرقة القادرية والسهروردية والأحمدية من الشيخ
أبي العباس أحمد الأسياطي بحق لباس للخرق الثلاث من ابن الجزري، ولبس الخرقة
القادرية أيضاً من الشيخ كمال الدين ابن إمام الكاملية، والشيخ زين الدين التميمي
كلاهما عن ابن الناصح، ولبس الخرقة الأحمدية أيضاً عن الشيخ الكبير سيدي إبراهيم المتبولي،
وتوفي بغزة سنة ست عشرة وتسعمائة، وصلى عليه غائبة بدمشق عقب صلاة الجمعة تاسع رجب
منها - رحمه الله تعالى - .
270 - أحمد بن شقير: أحمد
بن شقير، الشيخ الإمام العالم العلامة، والمحقق المتقن الفهامة، شهاب الدين
المغربي التونسي النحوي، المعروف بابن شقير، وربما عرف بشقير نزيل القاهرة عده شيخ
الإسلام الجد ممن اصطحب بهم من أولياء الله تعالى، وهو من مشاهير المحققين من
علماء القاهرة. أخذ عنه المقر السيد عبد الرحيم العباسي وغيره، وأخبرنا شيخ
الإسلام الوالد، ومن خطه نقلت قال: أنشدني المقر الكريم العلامة السيد عبد الرحيم
العباسي للعلامة المحقق شهاب الدين بن شقير التونسي:
سائلي عن قضيتي في البراغيث ... خذ الشرح إن أردت التقصي
نحن منها ما بين فتل وقتل ... وهي منا مابين قرص ورقص
توفي يوم الاثنين سادس القعدة سنة تسع وتسعمائة بمصر،
وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة ثامن محرم سنة عشر وتسعمائة - رحمه الله
تعالى - .
271 - أحمد بن صدقة الدمشقي: أحمد بن صدقة، الشيخ الفاضل شهاب
الدين الدمشقي الشافعي أحد العدول بدمشق. توفي وهو متوجه إلى مصر بالعريش في أواخر
جمادى الآخرة سنة تسع عشرة وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
272 - أحمد بن عبد الله القرعوني: أحمد بن عبد الله، الشيخ
الصالحي المبارك شهاب الدين القرعوني الدمشقي - الشافعي. توفي بدمشق يوم الثلاثاء
خامس عشر الحجة سنة عشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة - .
273 - أحمد بن عبد الحق: أحمد
بن عبد الحق الشيخ شهاب الدين الشافعي. توفي بدمشق يوم الأحد سادس رجب سنة خمس
عشرة وتسعمائة رحمه الله.
274 - أحمد الشهير بابن مكية: أحمد
بن عبد الرحمن بن عبد الكريم الشيخ شهاب الدين الشهير بابن مكية النابلسي، ثم
الدمشقي الشافعي. ولد سنة أربع وأربعين وثمانمائة، واشتغل في العلم على الشيخ
الإمام شمس الدين محمد بن حامد الصفدي، وكان أول دخوله إلى دمشق في سنة ست وتسعين
وثمانمائة، ووعظ بها بعد صلاة الجمعة عشري جمادى الآخرة تجاه محراب الحنفية على
كرسي الواعظ شهاب الدين بن عبية، وكان حاضراً إذ ذاك، فتكلم صاحب الترجمة على
البسملة وأسماء الفاتحة، ونقل كلام العلمماء في ذلك، فكان هذا أول أمره بدمشق،
وصار من مشاهير الوعاظ بالجامع الأموي، وكانت وفاته في آخر أيام التشريق سنة سبع
وتسعمائة، ودفن عند الشيخ إبراهيم الناجي غربي سيدنا معاوية - رضي الله ى عنه -
بمقبرة الباب الصغير رحمه الله تعالى.
275 - أحمد بن عبد الرحمن الشويكي الحنبلي: أحمد بن عبد الرحمن
بن عمر الشويكي الأصل النابلسي، ثم الصالحي الحنبلي الشاب شهاب الدين الفاضل. حفظ
القرآن العظيم، ثم المقنع، ثم شرع في حله على ابن عمه العلامة شهاب الدين الشويكي
الآتي ذكره أيضاً، وكان له سكون وحشمة، وميل إلى فعل الخيرات، وتوفي يوم الأربعاء
تاسع شعبان سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة، ودفن بالسفح، وتأسف الناس عليه، وصبر والده
واحتسب، ومات وهو دون العشرين سنة رحمه الله تعالى.
276 - أحمد بن عبد الرحيم التلعفري: أحمد بن عبد الرحيم بن حسن
الرئيس الفاضل العلامة شهاب الدين التلعفري الدمشقى القبيباتي الشافعي، الشهير
بابن المحوجب. ولد في ربيع الأول سنة إحدى أو اثنتين وأربعين وثمانمائة، وطلب
العلم، وكان له خط حسن، وكتب بخطه كثيراً لنفسه، وعندي نسخة من شرح الروض بخطه في
أربع مجلدات نقلها من خط المصنف، وكان مهاباً عند الملوك والأمراء، وله كرم وافر،
وسماطه من أفخر الأطعمة يأكل منه الخاص والعام حتى نائب دمشق وقاضيها فمن دونهما،
وكان له كلمة نافذة يأوي إليه كل مظلوم، وكان قد جزأ الليل ثلاث أثلاث. ثلثاً
للسمر مع جلسائه والكتابة، وثلثاً للنوم وثلثاً للتهجد والتلاوة، وكان شيخ الإسلام
زين خطاب يأتي إليه، ويبيت عنده الليالي، وكان يتردد إليه أكابر الناس العلماء
والأمراء وغيرهم، وبالجملة انتهت إليه الرئاسة والسيادة بالشام وتردد إلى مصر
كثيراً، ووجه إليه السلطان قايتباي خطابة المقدس، وهو بمصر عند موت بعض خطبائه من
غير طلب منه فقبلها، ثم نزل عنها لبعض المقادسة، ورأى شدة عنايتهم بطلبها مع تصميم
على تقريره فيها، وكان ذلك من كمال عقله ورزانته، وكان كث اللحية والحاجبين
وافرهما، أشعر الأذنين، واسع الصدر، وكانت وفاته يوم السبت ثالث عشري ربيع الأول
سنة اثنتي عشرة وتسعمائة، ودفن برؤوس العمائر قبلي قبر الشيخ تقي الدين الحصني
رحمه الله تعالى.
277 - أحمد بن عبد العزيز السنباطي: أحمد بن عبد العزيز، الشيخ
الإمام العلامة المفنن شهاب الدين أبو السعود ابن الشيخ العلامة المحدث عز الدين
السنباطي المصري الشافعي. ولد سنة سبع وثلاثين وثمانمائة، وكان أحد العدول
بالقاهرة. سمع
صحيح البخاري على المشايخ المجتمعين بالمدرسة الظاهرية القديمة بين القصرين
بالقاهرة، وكانوا نحو أربعين شيخاً منهم العلامة علاء الدين القلقشندي ممن أخذ
الصحيح عن الحافظ عبد الرحيم العراقي، وابن أبي المجد والتنوخي، ومن مشايخه أبو
السعادات البلقيني، والشهاب الأبدي صاحب الحدود في النحو، والعلامة ناصر الدين بن
قرقماش الحنفي صاحب زهر الربيع في شواهد البديع أخذه عنه وممن أخذ عن صاحب الترجمة
الشيخ نجم الدين الغيطي قرأ عليه جميع صحيح البخاري، وكان وفاته سنة ثمان وعشرين
وتسعمائة رحمه الله تعالى.
278 - أحمد بن عب(د القادر النبراوي الحنبلي: أحمد بن عبد
القادر الثشب الفاضل شهاب الدين ابن القاضي محب الدين النبراوي المصري الحنبلي،
توفي يوم الخميس عشري ربيع الأول سنة خمس وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
279 - أحمد بن عبد الملك الموصلي الشيباني: أحمد بن عبد الملك
بن علي بن عبد الله، الشيخ الصالح الورع، الزاهد العابد، المحقق المسلك شهاب الدين
أبي العباس ابن الشيخ الصالح عبد الملك الموصلي الشيباني المقدسي، ثم الدمشقي الشافعي
الصوفي أحد مشايخ الصوفية بدمشق والقدس، وشيخ زاويتي جده بهما. ولد بالقدس في ربيع
الأول سنة أربع وأربعين وثمانمائة، وأخذ عن قاضي القضاة قطب الدين الخيضري وعن
غيره، ولبس خرقة التصوف من ابن عمه الشيخ زين الدين عبد لقادر بلباسه لها من يد
والده الشيخ إبراهيم بلباسه لها من يد والده الشيخ العارف بالله تعالى سيدي أبي
بكر الموصلي، وهو جد صاحب الترجمة أيضاً، قال ابن طولون: جالسته كثيراً بالجامع
الأموي، وانتفعت به، وأجازني شفاهاً غير مرة، وكتبت عنه أشياء انتهى.
وكانت وفاته يوم الاثنين حادي عشر القعدة سنة خمس وعشرين
وتسعمائة ودفن جوار قبر الشيخ إبراهيم الناجي بتربة الباب الصغير رحمه الله تعالى.
280 - أحمد بن عبد الوهاب العيني: أحمد
بن عبد الوهاب بن عبد القادر الدمشقي الحنفي، الشاب الفاضل شهاب الدين ابن القاضي
تاج الدين ابن ديوان القلعة، سبط شيخ الإسلام زين الدين العيني. قرأ بدمشق على
القطب ابن سلطان الآتي ذكره في الطبقة الثانية، وسمع على علماء عصره بالجامع
الأموي، وتوفي مطعوناً ثالث عشر رجب سنة ثلاثين وتسعمائة عن نحو ثماني عشرة سنة،
وتقدم للصلاة عليه السيد كمال الدين بن حمزة، وتأسف الناس عليه رحمه الله تعالى
رحمة واسعة.
281 - أحمد بن عثمان منلا زاده: أحمد بن عثمان، الشيخ الإمام
العالم العلامة الشهير بمنلا زاده الجرخي السمرقندي، الخطابي الشافعي. دخل بلاد
العرب، وكان فقيهاً عارفاً بالقراءات، وكان بينه وبين الشاطبي أربعة رجال، وجمع
بين الهداية والمحرر في تأليف واحد، ومن مؤلفاته شرح هداية الحكمة، وله مؤلفات
أخرى حافلة، دخل حلب ودمشق وأخذ عنه شيخ الإسلام الجد، وقرأ عليه المتوسط، وشرح الشمسية
وغيرهما، وسأله مفتي حلب البدري حسن السيوفي عن عبارة أشكلت عليه في المطول، فرفع
له الإشكال بإرجاع ضمير فيها إلى خلاف ما ظنه السيوفي. فاعتقد
فضله، ثم أخذ عنه " تفسير البيضاوي " وصار يثني عليه الثناء الجميل، وكان
يخبر عنه أنه كان يقول: عجبت لمن يحفظ شيئاً كيف ينساه: قال الشيخ شمس الدين
الخناجري فيما نقله ابن الحنبلي في تاريخه: وقد كنت مع البدر ابن السيوفي يوم
توديعه إياه، فلما عزم الناس على المسير في خدمته، قال له البدر: أنمشي خلفكم أو
قدامكم؟ فقال له: كيف دستور العرب؟ قال: أن نمشي قدام الشيخ ليلاً وخلفه نهاراً،
ولكن كيف دستور العجم؟ قال: دستورنا نحن ترك التكلف. فساروا في خدمته كما أراد.
انتهى.
ولعل وفاته تأخرت إلى أول القرن العاشر - رحمه الله تعالى - .
282 - أحمد بن علي الشعراوي: أحمد بن علي بن شهاب، الشيخ العالم
الصالح شهاب الدين الشعراوي الشافعي والد الشيخ عبد الوهاب الشعراوي. اشتغل في
العلم على والده الشيخ نور الدين علي الشعراوي، ووالده حمل العلم عن الحافظ بن حجر،
والعلم صالح البلقيني، والشرف يحيى المناوي، وكان فقيهاً نحوياً مقرئاً، وله صوت
شجي في قراءة القرآن يخشع القلب عند سماع تلاوته بحيث صلى خلفه قاضي القضاة كمال
الدين الطويل، فكاد أن يخر إلى الأرض من فرط الخشوع، وقال له: أنت لا يناسبك إلا
إمامة جامع الأزهر، وكان ماهراً في علم الفرائض، وعلم الفلك، وكان يعمل الدوائر،
ويشد المناكيب، وكان له شعر ونثر أمة في الإنشاء، وربما أنشأ الخطبة حال صعود المنبر،
وكان مع ذلك لا يخل بأمر معاشه من حرث وحصاد وغير ذلك، وكان له توجه صادق في قضاء
حوائج الناس، ويشهد بينهم، ويحسب، ويكتب محتسباً في ذلك، وكان يقوم كل ليلة بثلث القرآن،
أو بأكثر. قال ولده الشيخ عبد الوهاب: وقد كنت أقرأ عليه مرة في سورة والصافات،
فلما بلغت قوله تعالى: " فاطلع فرآه في سواء الجحيم قال: تالله
إن كدت لتردين " " سورة الصافات: الآية - 55 - 56 " بكى حتى أغمي عليه،
وصار يتمرغ في الأرض كالطير المذبوح. قال: وصنف عدة مؤلفات في علم الحديث والنحو
والأصول والمعاني والبيان، فنهبت مؤلفاته كلها، فلم يتغير وقال: قد ألفناها لله
فلا علينا أن ينسبها الناس إلينا أم لا توفي - رحمه الله تعالى - سنة سبع
وتسعمائة، ودفن في بلدته بناحية ساقية أبي شعرة إلى جانب قبر والده بزاويتهم رحمهم
الله تعالى.
283 - أحمد بن علي المقرئ: أحمد
بن علي الشيخ العالم المقرئ شهاب الدين بن الشيخ نور الدين شيخ القراء بالقاهرة.
توفي في يوم الأحد عاشر القعدة سنة ثلاث عشر وتسعمائة رحمه الله تعالى.
284 - أحمد الباعوني: أحمد بن علي بن إبراهيم، الشيخ شهاب الدين
الباعوني الأصل من باعون قرية بالموصل - الحلبي المولد والدار، الشاعر المعروف
بابن الصواف ، المعروف أبوه بالصغير - بالتصغير - كان أديباً شاعراً، ذكره جار
الله بن فهد في رحلته إلى حلب سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة وذكره في " معجم
الشعراء " الذين سمع منهم الشعر وأنشد له:
روحي الفداء لذي لحاظ قد غدت ... بسوادها البيض الصحاح
مراضا
كالغصن قداً، والنسيم لطافةً ... والياسمين ترافةً
وبياضاً
وله مطلع قصيدة التزم بها واوين أول البيت وآخره:
وواد به الغيد الحسان قد استووا ... وورد ظباء الحي في
ظله ثووا
ووافوا به من مهجتي في الهوى حووا ... وولوا وعن عهد
المحبين ما لووا
توفي بالحريق في داره بحلب سنة أربع وعشرين وتسعمائة.
285 - أحمد البغدادي: أحمد بن علي بن البهاء بن عبد الحميد بن
إبراهيم، الشيخ العلامة القاضي شهاب الدين ابن القاضي العلامة علاء الدين البغدادي
الدمشقي الصالحي الحنبلي، ولد ليلة الاثنين عاشر ربيع الأول سنة سبعين وثمانمائة، وأخذ
العلم عن أبيه وغيره، وكان من العلماء المتميزين في الفقه والفرائض، وانتهت إليه
رئاسة مذهبه، وقصد بالفتاوي، وانتفع الناس به فيها وفي الاشغال، وتعاطى الشهادة
على وجه إتقان لم يسبق عليه، وفوض إليه نيابة القضاء في الدولة العثمانية قاضي
القضاة زين العابدين في ربيع الأول سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، ثم ترك القضاء،
وأقبل على العلم والعبادة، وكان من أخص أصحاب شيخ الإسلام الجد، وله على الوالد
مشيخة، وللوالد عليه مشيخة أيضاً، أخذ عنه كثيراً من نظمه وتأليفه، وهو الذي أشار
إليه بالكتابة على الفتوى بمحضر من والده شيخ الإسلام - رضي الدين الغزي وكان
يمنعه أولا من الكتابة في حياة شيوخه، فاستأذنه له في الكتابة صاحب الترجمة، فأذن
له فيها، وكتب ليلة عيد الأضحى سنة ثمان وعشرين وتسعمائة كما استوفيت القصة في كتاب
بلغة الواجد في ترجمة الوالد، ثم كانت وفاة الشيخ شهاب الدين البغدادي بكرة النهار
يوم الجمعة حادي عشري رجب سنة تسع وعشرين وتسعمائة، ودفن بتربة باب الفراديس.286 -
أحمد الجعفري: أحمد بن عمر بن سليمان بن الشيخ العلامة شهاب الدين الجعفري الشافع
الصوفي الوفائي الدمشقي. له كتاب لطيف شرح فيه حكم ابن عطا آلله - رحمه الله تعالى
- وضعه على أسلوب غريب، وكلما تكلم على حكمة اتبعها بشعر عقدها فيه فمن ذلك قوله:
أجل أوقات عارف زمن ... يشهد فيه وجود فاقته
متصفاً بالذي يقربه ... من ربه من وجود زلته
عقد فيه قول ابن عطا الله: خير أوقاتك وقت تشهد فيه وجود
فاقتك وترد إلى وجود زلتك. وقال أيضاً:
خيرماتطلب منه ... هو ما يطلب منك
فاطلب التوفيق منه ... للذي يرضيه عنك
عقد فيه قول ابن عطا الله: خير ما تطلبه منه ما هو طالبه
منك. وقال أيضاً:
إن وسع الكون صغير جرم جثمانيتك
فإنه يضيق عن ... عظيم روحانيتك
عقد فيه قول ابن عطا الله: وسعك الكون من حيث جثمانيتك،
ولم يسعك من ثبوت روحانيتك. قرأت بخط صاحب الترجمة في آخر كتابه المذكور أنه فرغ
منه في آخر يوم الجمعة ثالث عشري القعدة سنة تسع عشرة وتسعمائة بمكة المشرفة تجاه البيت
الحرام، وهو من هذه الطبقة كما هو الغالب على الظن والله سبحانه وتعال أعلم.
287 - أحمد الفرفوري: أحمد بن محمود بن عبد الله بن محمد، قاضي
القضاة العلامة شهاب الدين أبو العباس، الشهير بابن الفرفور الدمشقي الشافعي. ولد
في نصف شوال سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، وأخذ عن الشيخ برهان الدين الباعوني،
وأبي الفرج ابن الشيخ خليل، والشيخ زين الدين خطاب الغزاوي، والشيخ نجم الدين قاضي
عجلون، والشيخ شمس الدين محمد بن محمد السعدي، وأبي المحاسن بن شاهين وغيرهم، وفضل
وبرع وتميز على أقرانه، وكان جامعاً بين العلم، والرئاسة، والكرم، وحسن العشرة
بحيث أن الحمصي - رحمه الله تعالى - قال: إنه ختام رؤوساء الدنيا على الإطلاق.
وقال: إنه كان سلطان الفقهاء والرؤوساء، ولي قضاء القضاة الشافعية بدمشق، ثم جمع
له بينه وبين قضاء مصر يوم الخميس رابع ربيع الأول سنة عشر وتسعمائة، وأبيح له أن يستنيب
في قضاء دمشق من يختار، فعين ولده القاضي ولي الدين واستمرت بيده الوظيفتان إلى أن
مات، فتولى قضاء مصر بعده شيخ الإسلام إبراهيم القلقشندي، وقضاء دمشق ولده
المذكور، وكان له شعر متوسط منه ما قرأت بخط الشيخ شمس الدين ابن طولون في تاريخه،
ونقلته من خطه أيضاً. قال: أنشدنا قاضي القضاة ولي الدين بن الفوفور لوالده قاضي
القضاة بمصر والشام الشهابي بن الفرفور يمدح سلطان مصر الأشرف قانصوه الغوري، فقال
في العشر الأخير من جمادى الأولى سنة ثمان وتسعمائة:
لك الملك بالفتح المبين مخلد ... لأنك بالنصر العزيز مؤيد
وأنت العزيز الظاهر الكامل الذي ... هو الأشرف الغوري،
وهو المسدد
تملكته والسيف كاللحظ هاجع ... بأجفانه، والرمح هاد ممدد
بأمن ولا خوف، وسلم ولا وغا ... ولكنه عيد لعود يؤبد
فملكك يوم العيد جاء مبشراً ... بعود سرور كل عام يجدد
ولم تك يوماً ساعياً طالباً له ... ولكنه وافاك يسعى
ويجهد
تقلدته من مالك الملك راضياً ... بما قد أراك الله تثني
وتحمد
وكان لك الله ا(لمهيمن حافظاً ... يعينك في كل الأمور
ويسعد
وكم فئة لابت عليهم قلوبهم ... ولكن إليه لم تطل منهم يد
ومن عاند المقدور منه فقد قضى ... وكان له من منهل الهلك
مورد
فبشرى بتمكين من الله دائم ... ونصر على الباغي، ومن كان
يحسد
لقد شاع في الإسماع ما قد حويت من ... صفات بها منها
الكمال مؤكد
ففي السلم حلم فيه كالماء رقة ... وفي الحرب نار جمرها
يتوقد
لأنك حامي حومة الدين بالظبا ... وللسيف خد بالدماء مورد
بذلك شم الراسيات بعسكر ... إذا سار ضاهاه الجراد المبدد
وإن دخلوا داراً لأعداك أقفرت ... وإن وردوا بحراً يجف
وينفد
وقد ساقنا ما شاقنا من سماعها ... محساً نراها بالعيان
ونشهد
وكان الذي قد شاهدته عيوننا ... بأضاف ما قال الرواة
وعددوا
فتجلس في التخت الشريف بطلعة ... بها تدهش الأبصار إذ
تتردد
يدبر أمر الملك منك روية ... يريك بها الله الصواب فترشد
وتجلس في الشورى مع الأمراء في ... نهارك للملك الشريف
تمهد
وتستقبل الإذكار بالليل ساهراً ... بترتيب أوراد بها
تتعبد
فتستغرق الوقتين حكماً وحكمةً ... فتجهد إما في الدجا
تتهجد
كما قد رأينا الحال ليلة مولد ... فيا حبذا ذكر وورد
ومورد
ويا حبذا لحن عن اللطف معرب ... ونظم بديع فهو در منضد
فذكر وتسبيح وتمجيد خالق ... وتقديسه لا لغو فيه ولا دد
فهذا هو الذكر الجميل الذي غدا ... على طول هذا الدهر
يروى ويسند
فللخلفاء الراشدين بمثل ذا ... مآثر تروى عنهم ليس تجحد
ونعم المماليك الذين تعلموا ... وقد لازموا الأوراد حتى
تعودوا
مزامير داود وإلا بلابل ... وورق وكل كالغزال يغرد
وأطربنا في المجلس الشيخ حيدر ... فطبنا وقلنا: إنما هو
معبد
وجانم في الإيقاع تحريك عضوه ... على الوزن في أمثاله ليس
يوجد
ومنه لنعمان سمعنا قراءة ... بها كل مسموع سوى الذكر يزهد
فألحانهم فخر لهم وسعادة ... وخير وفضل وارتقاء وسودد
فلله أوفى الحمد نلنا مرادنا ... وفزنا بما كنا نروم
ونقصد
وقد شاهدت سلطاننا العين قد حوى ... صفات كمال مثلها ليس
يوجد
محب لأهل العلم والفضل والتقى ... بحيث إليهم دائماً
يتودد
ويسأل في العلم الشريف مسائلاً ... تعز على درك الفهوم
وتبعد
كذا أولياء الله أيضاً يحبهم ... ويدعو لهم في ورده ويمجد
ومولد خير الخلق أحراه عادة ... بها كل خير دائماً يتولد
فبالأشرف الغوري يطوى حديث من ... بأخبارهم كم جاء سفر
مجلد
فأقسم لا يسعى إليه مشقة ... ولا سفرة أدت لرؤياه تبعد
وقد حاز أنواع المحاسن كلها ... كمالاً وفضلاً فهو في
الدهر مفرد
فدام له النجل السعيد ممتعاً ... بما يرتضي والعيش أصفى
وأرغد
وقرت به عيناه طول زمانه ... على درجات العز يرقى ويصعد
ولا زال في عز ونصر وملكه ... على رغم أنف الحاسدين مخلد
وألف صلاة مع سلام تصاعدت ... يلقاها خير الأنام محمد
فلما وقف عليها السلطان الغوري ابتهج بها، وقرأها بنفسه على
من حضر، وكافأه عنها بقصيدة من نظمه وجهزها إليه وهي:
أجاد لنا القاضي ابن فرفور أحمد ... مديحاً به أثني عليه
وأحمد
شهاب لدين الله، والشمس باهر ... مناقبه مشهورة ليس تجحد
وقاضي قضاة الشام جاء يزورنا ... ويثبت دعوى حبنا ويؤكد
ويهدي لنا منه الدعاء فمرحبا ... به زائراً للأنس جاء
يجدد
له عندنا الإكرام والعز والرضى ... وفوق الذي من غيرنا
كان يعهد
ولما تأملنا بديع بيانه ... وحسن معاني نظمه حين ينشد
وجدنا قصيداً كل بيت به غدا ... يرى أنه في الحسن قصر
مشيد
بلاغتها كالسحر وهي فصيحة ... وألفاظها الدر النفيس
المنضد
وبشرنا فيها بتمكين ملكنا ... وإنا بنصر الله فيه نؤيد
لأن إلينا مالك الملك ساقه ... بحيث أتانا، وهو يسعى
ويجهد
ولاحظ أن العيد عود تفاؤلاً ... لنا بسرور عوده يتأبد
وإنا بعون الله نقهر ضدنا ... ومن قد بغى جهلاً ومن كان
يحسد
وترجم عنا في الحماسة والوغا ... بأبلغ ما في مثل ذلك
يقصد
ووصف الذي قد كان ليلة مولد ... عبارته فيها لجين وعسجد
ففيها قد استوفى الوقائع كلها ... بنظم به الذكر الجميل
مخلد
وعدد أوصافا لنا في مديحه ... بأحسن لفظ في المدائح يورد
وقد سرنا في ملكنا أن مثله ... لما فيه من جمع الكمالات
يوجد
إمام كبير في العلوم وقد حوى ... محاسن في أوصافه تتعد
سخاء وجود عفة ونزاهة ... وفخر على أهل الزمان وسؤدد
ويحمل كل الكل إن كان حادث ... وإن جل خطب أو تكدر مورد
فهذا به في الحكم تبرأ ذمة ... وهذا له فصل القضاء يقلد
وهذا به استدراك ما اختل كله ... وهذا به إصلاح ما كان
يفسد
فأهلاً وسهلاً مرحباً لقدومه ... له عندنا أعلى مقام
وأحمد
وسوف يرى من قربنا ما يسره ... ونطرد عنه كل سوء ونبعد
بحيث تقر العين منه ولا يرى ... من الدهر في أيامنا ما
ينكد
ونسعفه في كل ما قد أهمه ... ونبسط في حكم لديه ونعضد
ويبلغ في أيامنا غاية المنى ... ويأتيه إحدى العيش فيها
وأرغد
فإنا رغبنا منه في صالح الدعا ... ولا سيما في الليل إذ
يتهجد
فناظمها الغوري غاية قصده ... دعا له من مخلص القلب يصعد
بعفو وغفران، وحسن عواقب ... وخاتمة بالخير وهو يوحد
وبالحشر مع من أنعم الله بالهدى ... عليهم ومن من نوره
النار تخمد
وبعد صلاة من إلهي دائماً ... على المصطفى، وهو النبي
محمد
وآل وصحب كلما هبت الصبا ... وناح على الأفنان طير مغرد
قلت: ولا
شك أن القصيدة الثانية أقرب من الأولى إلى الحسن والرقة وبين القصيدتين فرق ظاهر،
وللفاضل الأديب علاء الدين ابن مليك في صاحب الترجمة وولده الولوي مدائح فائقة،
وقصد رائقة، ضمنها ديوانه، وكانت وفاة قاضي القضاة شهاب الدين بالقاهرة في سابع
جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة وتسعمائة. قال
الحمصي: شرع في وضوء صلاة الصبح، فتوفي وهو يتوضأ، وكان مستسقياً. وحمل تابوته
الأمراء، وكانت جنازته حافلة، ودفن بالتربة المنسوبة إلى ابن أجا الحلبي كاتب
الأسرار بالقرافة بالقرب من الإمام الشافعي - رضي الله تعالى عنه - وصلي عليه
غائبة بالجامع الأموي بدمشق يوم الجمعة ثاني شهر رجب سنة إحدى عشر المذكورة رحمه
الله تعالى.288 - أحمد بن محمود المالكي: أحمد بن محمود الشيخ شهاب الدين المالكي
أحد العدول بباب مدرسة الصالحية بالقاهرة؛ كان عالماً فاضلاً، ومات بالقاهرة حادي
عشر شوال سنة اثنتي عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى.289 - أحمد بن ولي الدين
الرومي: أحمد بن ولي الدين، العالم الفاضل الشاعر الشهير بأحمد باشا بن المولى ولي
لدين الحسيني الرومي الحنفي قرأ على علماء عصره وفضل، وتنقل في المناصب حتى صار
قاضي العسكر، ثم جعله السلطان محمد خان الغازي معلماً لنفسه، واشتد ميله إليه حتى استوزره،
ثم عزله عن الوزارة لأمر جرى بينهما، وجعله أميراً على بعض البلاد مثل تيرة وأنقرة
وبروسا، وكان رفيع القدر، عالي الهمة، كريم الطبع، سخي النفس، ولم يتزوج لعنة كانت
به، وكان له نظم منه بالعربية:
يا رامي قلبي بسهام اللحظات
هيهات نجاتي
ما زلت فداك روحي وحياتي
من قبل مماتي
نمقت إلى بابك قرة عيني ... بالدمع كتابا
أشهدت على الوجد مداد ... دواتي سل من عبراتي
جلباب دجى صدغك هذا ... قد أصبح مسكا
يا ريم لقد أحرق في الصين ... قلوب الظبيات
كم تحرق أحشاي وفيك زلال
والشارب على منه خضرا ... في ماء الحياة
من أحمد في ليله أصداغ ملاح ... لاحت كلماتي
من شمها فاز بمسك الدعوات ... حسب الغدوات
ذكر صاحب الشقائق النعمانية أن أحمد باشا أراد أن يعارض
بذلك موشحاً للمولى خضر بيك ابن المولى جلال الدين العلامة الملقب بجراب العلم،
المتوفي في سنة ثلاث وستين وثمانمائة بمدينة قسطنطينية حين كان قاضياً بها، وهو
أول قاض بها من بعد فتحها على يد سلطان محمد خان وهو قوله:
يا من ملك الأنس بلطف الملكات
في حسن صفات
حركت جنوني بفنون الحركات
يا جنة ذاتي
العارض والخال وأصداغك حفت ... إطراق محياك
والجنة كيف احتجبت بالشهوات ... من كل جهات
إن ضاق عن الوسع عبارات لساني ... لا عبرة فيها
في القلب نكات كتبت بالعبرات ... تحكي نكبات
قد سال على بابك أنهار دموعي ... ليلاً ونهاراً
فالرحم على السائل أولى الحسنات ... ثم العزمات
كرر عدة الوصل وصلها بخلاف ... فالوعد كفاني
والصب يرى لذته في الفلوات ... من ذكر فرات
لو مرعلى تربة من حيك ... ظل يا مؤنس روحي
أحييت عظامي ورفاتي ... من بعد مماتي
في خطي إذا نقل من فيه ... مثالاً يحكيك بلطف
من شاربك الخضر روي في ... الظلمات عن عين حياتي
قلت: عجبت
ممن يذكر أن هذا الموشح معارض بالذي قبله فضلاً عن من يدعي معارضته به، وقد توفي
أحمد باشا، وهو أمير بروسا في سنة اثنتين وتسعمائة، ودفن بها، وله فيها مدرسة وقبة
مبنية على قبره، وقد كتب على بابها تاريخ وفاته. قال في الشقائق والتاريخ: لمحمد
ابن أفلاطون نائب لمحكمة بروسا وهو هذا:
هذه أنوار مشكاة لمن ... عده الرحمن من ممدوحه
فر من أدناس تلك الدار إذ ... كان مشتاقاً إلى سبوحه
قال روح القدس في تاريخه: ... إن في الجنات مأوى روحه
290 - أحمد بن يحيى بن المهندس: أحمد بن يحيى بن أحمد بن محمد
بن أحمد بن محمد بن عمر بن حسين، الشيخ العالم المورق المتقن شهاب الدين، الشهير
بابن المهندس الشيرازي الأصل الدمشقي العاتكي الشافعي. ولد في سنة أربع وثلاثين وثمانمائة.
قال النعيمي: رافقناه على جماعة من العلماء، ثم انتهى إليه الاتقان في كتابة
الوثائق والتواقيع حتى صار أكبر من يشار إليه في ذلك، وتوفي ليلة الخميس سادس عشري
رجب سنة عشر وتسعمائة رحمه الله تعالى.
291 - أحمد بن يوسف الطرابلسي: أحمد بن يوسف القاضي شهاب الدين،
الشهير بالطرابلسي المالكي نزيل دمشق. ولد سنة ثمان وثمانمائة فوض إليه نيابة الحكم
قاضي القضاة محيي الدين بن عبد الوارث، واستمر على تقوى وحرمة حتى توفي ليلة
الأربعاء ثامن رمضان سنة سبع وتسعمائة، ودفن عند قبر الشيخ تقي الحصني برؤوس
العمائر.
292 - أحمد بن يوسف المالكي: أحمد بن يوسف المقريء المالكي،
العارف بالله تعالى أحد رجال المغرب وأوليائها: كان موجوداً في أول هذا القرن، ومن
أصحابه سيدي أحمد البيطار، وستأتي ترجمته في الطبقة الثانية.
293 - أحمد بن يوسف الباعوني: أحمد بن يوسف ابن الشيخ الأديب
الفاضل القاضي شهاب الدين ابن القاضي جمال الدين الباعوني الدمشقي الشافعي. ولد
سنة تسع وخمسين وثمانمائة، وحفظ المنهاج وغيره، وسمع على عمه البرهان الباعوني،
والبرهان بن مفلح، والبرهان الأنصاري المقدسي، والبرهان الأذرعي، وولده الشهاب
الأذرعي، والقطب الخيضري، والزين خطاب، وجمع عدة دواوين قال ابن طولون: وكان قليل
الفقه، كثير الأدب، وسافر إلى مصر مراراً، وتوفي ليلة السبت حادي عشر رمضان سنة
عشر وتسعمائة.
294 - أحمد بن يوسف الخالدي: أحمد بن يوسف الخواجا المتصوف شهاب
الدين ابن الشيخ المتصوف المعمر زين الدين الخالدي الدمشقي الحنفي. قال ابن طولون:
أنشدني لنفسه في قضاة زمانه:
قضاة زماننا احتجوا بعلموما لهم على ذاك اجتماعفأضحى
العلم منفرداً يناديأضاعوني وأي فتى أضاعواتوفي يوم الأحد سابع عشر رجب سنةأربع وعشرين
وتسعمائة، وقد بلغ الثمانين عن دنيا واسعة، ودفن بالحمرية على والده رحمه الله
تعالى.
295 - أحمد بن شكم: أحمد الشيخ العالم العلامة الصالح الناسخ
شهاب الدين الشهير بابن شكم الدمشقي الصالحي. اشتغل على الشيخ بدر الدين ابن قاضي
شهبة، والشيخ نجم الدين ابن قاضي عجلون وغيرهما، وكان على طريقة حميدة ساكناً في
أموره. مطرحاً، نحيف البدن على وجهه أثر العبادة، وانتفع عليه جماعة من أهل الصالحية
وغيرهم في علوم سيما العربية. توفي يوم الأربعاء ثامن عشر رمضان سنة ثلاث وتسعمائة
رحمه الله تعالى.
296 - أحمد الغمري: أحمد، الشيخ العارف بالله تعالى سيدي أبو
العباس الغمري القاهري، كان رضي الله تعالى عنه جبلاً راسياً، وطوداً راسخاً في
العلوم والمعارف، وهو ممن صحبه شيخ الإسلام الجد من أولياء الله تعالى، وكان رضي الله
تعالى عنه يحب بناء المساجد والجوامع حتى قيل: إنه بنى خمسين جامعاً منها جامعه
المعروف به بمصر، وجامعه بالمحلة. كان معاناً في نقل العمد والرخام وغيرها من
الكيمان في الشذرات، والبلاد الكفرية حتى أن عمد جامعه بمصر والمحلة يعجز عن نقلها
سلطان، وذكر عنه إمام جامعه بمصر سيدي الشيخ أمين الدين بن النجار أنه أقام صف
العمد التي على محراب جامعه المذكور كلها في ليلة واحدة والناس نائمون، وكان
الفعلة قد باتوا على أن يقيموها بكرة النهار، فأصبحوا فوجدوا عمد الصف الأول كلها
قائمة فقال له بعض من يدل عليه: وعزة ربي لو أنك قلت لجميع هذه العمد: قومي بإذن
الله تعالى لم يتخلف منها عمود واحد، وكراماته - رضي الله تعالى عنه - كثيرة
مستفيضة، وحكى ولده سيدي أبو الحسن الغمري. قال: كنت مع والدي ومعنا عمود رخام على
جملين، فجئنا إلى قنطرة ضيقة لا تسع سوى جمل واحد، فساق الشيخ الجمل الآخر، فمشى على
الهواء بالعمود، وكان لا يمكن صغيراً يمزح مع كبير، ولا يمكن أمرد من الأذان في
جامعه حتى يلتحي، وكان السلطان قايتياي محمد الناصر يزوره غفلة، فلما ولي قال:
أخذنا على غفلة ومناقبه - رضي الله تعالى عنه - لا تحصى. توفى
رابع عشر صفر في مصر سنة خمس وتسعمائة، ودفن في جامعه بمصر رحمه الله تعالى رحمة
واسعة.
297 - أحمد بن ماقي: أحمد القاضي شهاب الدين بن ماقي. توفي
مطعوناً بدمشق يوم الأربعاء مستهل ربيع الأول سنة تسع بتقديم المثناة وتسعمائة.
298 - أحمد النشيلي: أحمد، الشيخ الفاضل العلامة القاضي شهاب الدين
النشيلي الشافعي خليفة الحكم العزيز بالديار المصرية. كان من ندماء السلطان الغوري
وخواصه مات في ختام رمضان سنة عشر وتسعمائة، وكان يتهم بمال له صورة، فلم يظهر له
أثر بعد موته.
299 - أحمد الفيشي: أحمد القاضي شهاب الدين الفيشي الشافعي
خليفة الحكم أيضاً بالقاهرة. توفي يوم الثلاثاء ثالث ذي القعدة سنة عشر وتسعمائة
مطعوناً رحمة الله تعالى.
300 - أحمد المنصوري الحنبلي: أحمد القاضي شهاب الدين المنصوري
الحنبلي خليفة الحكم بالقاهرة. كان سميناً مفرطاً في السمن، ومات يوم الاثنين تاسع
عشري جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة وتسعمائة بالقاهرة.
301 - أحمد بن العسكري الحنبلي: أحمد الشيخ الإمام العالم
العلامة شهاب الدين ابن العسكري الصالحي الدمشقي مفتي الحنابلة بها، كان صالحاً،
ديناً، زاهداً، مباركاً يكتب على الفتيا كتابة عظيمة، ولم يكن له في زمنه نظير في
العلم والتواضع والتقشف على طريقة السلف، وكان منقطعاً عن الناس قليل المخالطة
لهم، وألف كتاباً في الفقه جمع فيه بين المقنع والتنقيح، ومات قبل تمامه ذي الحجة
سنة اثنتي عشرة وتسعمائة بدمشق، ودفن بالصالحية رحمه الله تعالى.
302 - أحمد الإعزازي: أحمد الشيخ العلامة القاضي شهاب الدين
الإعزازي الدمشقي الصالحي، كان صالحاً، مباركاً ديناً. (وناب في القضاء بدمشق،
وتوفي بها يوم الجمعة ثالث عشر ربيع الأول سنة ثلاث عشرة وتسعمائة، وصلى عليه
بالأموي بعد صلاة الجمعة، ودفن بمقبرة باب الصغير، وكانت جنازته حافلة رحمه الله
تعالى.303 - أحمد
بن كركر: أحمد الشيخ العدل شهاب الدين الدمشقي، الشهير بابن كركر سافر إلى مصر
القاهرة صحبة تاج الدين ديوان القلعة، فمرض في بيت الأمير سودون أمير مجلس، ومات
يوم السبت تاسع عشر شوال سنة ثلاث عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى.304 - أحمد
الخشاب: أحمد الشيخ العلامة شهاب الحموي، ثم الدمشقي الخشاب.كان من فضلاء
الشافعية، وكان خطيباً بجامع القصب، وتوفي في الحجة سنة ثلاث عشرة وتسعمائة رحمه
الله تعالى.305 - أحمد بن الفاقوسي: أحمد
القاضي شهاب الدي الموقع بديوان السلطان الغوري بالقاهرة، عرف بابن الفاقوسي. مات
بالقاهرة في خامس عشر صفر سنة أربع عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
306 - أحمد بن عيد: أحمد القاضي شهاب الدين، الشهير بابن عيد
الحنفي، ولي نيابه القضاء بالقاهرة، وسافر إلى دمشق، وولي بها نيابة القضاء عن ابن
يوسف، وتزوج بدمشق زوجة القاضي الفاضل إسماعيل الحنفي، وطلع هو وهي إلى بستان
بالمزار، فنزل عليه السوقة ليلاً فقتلوه، وقتلوا غلامه، فأصبح نائب الشام سيبائي
رسم على زوجته بسببه، وكان ذلك يوم الخميس ثاني عشري الحجة سنة أربع عشرة وتسعمائة.
307 - أحمد بن قطيبا: أحمد
الشيخ شهاب الدين الشهير بابن قطيبا القدسي أحد العدول بدمشق، مات يوم الثلاثاء
سادس رمضان سنة خمس عشر وتسعمائة بدمشق رحمه الله تعالى رحمة واسعة آمين.
308 - أحمد بن الرقام: أحمد القاضي شهاب الدين بن الرقام قاضي
تدمر، وأحد الشهود بدمشق. مات بها في رابع عشري جمادى الآخرة سنة ست عشرة وتسعمائة
رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
309 - أحمد الفيومي: أحمد، الشيخ العلامة شهاب الدين الفيومي
خطيب جامع برد بيك بدمشق، وهو المعروف بالجامع الجديد خارج بابي الفراديس والفرج،
وأخذ عنه الخطابة صاحبه والد شيخنا الشيخ العلامة يونس العيثاوي، واستمرت في يده
إلى أن مات. توفي صاحب الترجمة ثاني رمضان سنة سبع عشرة وتسعمائة.
310 - أحمد المغربي: أحمد الشميخ المعتق شهاب الدين أبو العباس
المغربي القسطنطيني، ثم القاهري أحد جماعة الشيخ أبي المواهب التونسي المتقدم في
المحمدين. كان يجلس متصدراً تجاه رواق المغاربة بالجامع الأزهر في موضع الشيخ أبي
المواهب ملازماً لحزب الشيخ أبي المواهب المذكور، وطريقه بعد عصر الجمعة في محفل،
وكانت وفاته ليلة الأحد عشري ربيع الأول سنة ثماني عشرة وتسعمائة بالقاهرة.
311 - أحمد الشيشني الحنبلي: أحمد الشيخ العلامة قاضي القضاة
شهاب الدين الشيشني المصري الحنبلي، ولي قضاء الحنابلة بمصر سنين، وتوفي في سنة
سبع عشرة وتسعمائة، وولي قضاء الحنابلة بعده قاضي القضاة عز الدين، وصلي عليه
غائبة بدمشق بالجامع الأموي يوم الجمعة ختام صفرالمذكور رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
312 - أحمد الضرير: أحمد الضرير، الشيخ الصالح أحد تلامذة سيدي عمر
الروشني أحد سادات العجم. دخل مصر، ولقيه الشعراوي في سنة نيف وعشر، فذكر عنه في
كتاب " البحر المورود، في المواثيق والعهود " ، أنه حكي له أن جماعة من
العلماء بتبريز اعترضوا على جماعة سيدي عمر الروشني في الصباح، وعقدوا على ذلك عقد
مجلس، فنادى الشيخ: أيها الفقراء من كان منا، فليكتم ورده ولا يصح ولا ينطق،
فافتتح الشيخ الذكر، فغرقوا فيه، فصار الفقير. يكتم ويخفت نفسه فيموت فمات منهم
اثنا عشر رجلاً وغشي على نحو من أربعمائة فقير قال الشيخ أحمد المذكور: فأتوا بي
إلى هؤلاء الموتى، فجسستهم بيدي، فوجدت أمعآءهم قد انفتقت واحترقت أكبادهم كأنها
شويت على الجمر. قال: فأمسكتها، فتفتتت تحت يدي، ثم إن الشيخ عمر أرسل وراء من كان
تولى أمر تلك الواقعة، وجمع العلماء لعقد المجلس، وكان اسمه منلا عبد اللطيف من
أعيان المدرسين بتوريز، وقال له: انظر هؤلاء الموتى. هل يقول عاقل قط أن هؤلاء
متصنعون سهم الله في البعيد؟ فسقطت عليه داره، فهلك هو وأولاده وعياله وجيله، ولم
ينج منهم أحد، وكان يوماً مشهوداً بتوريز رحمه الله تعالى.
313أ - حمد القرعوني: أحمد، الشيخ الصالح المعتقد شهاب الدين
القرعوني، ثم الدمشقي. كان
من المغالين في اعتقاد الشيخ محيي الدين بن العربي. قال الشيخ عبد الباسط العليوي:
وهو ابن بنت أخي القرعوني صاحب الترجمة أخبرني أنه قرأ على ابن حجر، وسنه حيتئذ
نحو الثلاثين سنة لكنه لم يشتهر بالحديث، وتوفي يوم الثلائاء خامس عشر الحجة سنة
عشرين وتسعمائة بدمشق رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
314 - أحمد أبي عراقية: أحمد، الشيخ الصالح المعتقد المكنى بأبي
عراقية. أصله من العجم، وكان مقيماً بدمشق، وكان للأروام فيه اعتقاد. قال ابن
طولون: وهو ممن أخذ عنه، وقد أخبرنا كثيراًعن استيلائهم عن هذه البلاد، وعمارتهم
عند قبر المحيوي ابن العربي تكية قبل موته، وقد وقع ذلك بعد موته بسنين. ما قال.
انتهى.
وكانت وفاته في سنة عشرين وتسعمائة ودفن عند صفة الدعاء
أسفل الروضة من سفح قاسيون رحمه الله تعالى.
315 - أحمد الحسيني البخاري: أحمد، الشيخ العارف بالله تعالى،
السيد الحسيني البخاري صحب في بداءته الشيخ العارف بالله تعالى خواجه عبيد الله السمرقندي،
ثم صحب بأمره الشيخ الإلهي، وسار معه إلى بلاد الروم، وترك أهله وعياله ببخارى،
وكان الشيخ الإلهي يعظمه غاية التعظيم، وعين له جانب عيشه، وكان يقول: إن السيد
أحمد البخاري صلى بنا الفجر بوضوء العشاء ست سنين، وسئل السيد أحمد عن نومه في تلك
المدة. قال: كنت آخذ بغلة الشيخ وحماره في صبيحة كل يوم، وأصعد الجبل لنقل الحطب
إلى مطبخ الشيخ، وكنت أرسلهما ليرتعا في الجبل، وأستند إلى شجرة، وأنام ساعة، وذهب
بأذن شيخه إلى الحجارة على التجرد والتوكل، وأعطاه الشيخ حماراً وعشرة دراهم، وأخذ
من سفرة الشيخ خبزة واحدة، ولم يصحب سوى ذلك إلا مصحفاً ونسخة من المثنوي، فسرق
المصحف، وباع المثنوي بمئة درهم، وكان مع ذلك على حسن حال، وسعة نفقة. وجاور بمكة المشرفة
قريباً من سنة، ونذر أن يطوف بالكعبة كل يوم سبعاً، ويسعى بين المروتين سبعاً،
وكان كل ليلة يطوف تارة، ويتهجد أخرى، وتارة يستريح ولا ينام ساعة مع ضعف بنيته،
وزار القدس الشريف وسكنه مدة، ثم رجع إلى شيخه وخدمته ببلدة سيما، ثم وقع في نفسه
زيارة مشايخ القسطنطينية، فاستاذن من شيخه فأذن له فذهب إليها، ثم كتب إلى شيخه
يرغبه في سكناها، فرحل إليه شيخه، ثم لما مات شيخه صار خليفة في مقامه، ورغب الناس
في خدمته حتى تركوا المناصب، واختاروا خدمته، وكان مجلسه عليه الهيبة والوقار،
وكان له أشراف على الخواطر، ولا يجري في مجلسه ذكر الدنيا، وكان طريقته الأخذ
بالعزيمة، والعمل بالسنة، والتجنب عن البدعة، وترك الصورة والعزلة والجوع، والصمت،
وإحياء الليل، وصوم النهار، والمحافظة على الذكر الخفي، وتوفي في سنة اثنتين
وعشرين وتسعمائة، ودفن عند مسجده، وقبره يزار، ويتبرك به. قيل: ولما وضع في قبره
توجه هو بنفسه إلى القبلة، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم رحمه الله تعالى.
316 - أحمد الزواوي: أحمد الزواوي، الشيخ الصالح العابد. أخذ
الطريق عن الشيخ شعبان البلقطري، وكان ورده في اليوم والليلة عشرين ألف تسبيحة
وأربعين ألف صلاةعلى النبي صلى الله عليه وسلم. دخل القاهرة، وكان الغوري قد سافر
إلى ابن عثمان، فقال: جئت لأرد ابن عثمان عن مصر، فعارضه الأولياء، وأخذه البطن،
فحمل إلى بلده، فمات في الطريق في سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
317 - أحمد الفيشي: أحمد الشيخ الإمام العلامة شهاب الدين
الفيشي المالكي خليفة الحكم بالقاهرة، ومفتي المالكية بها، سافر به السلطان سليم
إلى الروم، وتوفي بالقسطنطينية، وورد خبره إلى دمشق في رمضان سنة أربع وعشرين
وتسعمائة.
318 - أحمد الحسامي: أحمد
الشيخ الإمام العلامة، المحقق، المجد، الفقيه، النحوي، الصوفي شهاب الدين الحسامي
القاهري الشافعي. كان صالحاً، قانعاً، باراً بأمه، قائماً بمصالحها، صابراً،
متواضعاً يخدم نفسه، ويشتري حوائجه من السوق، ويحملها بنفسه، ولا يمكن أحداً
يحملها عنه، وكان يتعمم بالقطن من غير قصارة، وثيابة قصيرة اقتداء بالسلف، وكان
ملازماً للطهارة لا يكاد يدخل عليه وقت، وهو محدث، وكان كثير الصمت، قليل الكلام،
تجلس معه اليوم واليومين، فلا تسمع منه كلمة لغو، وكان كثير الصيام والقيام يقوم
النصف الثاني من الليل كل ليلة، وكان يتورع عن صدقات الناس، ولا يقبل هدية من أحد
لا يتورع في كسبه، وكان صوفياً. أخذ التصوف عن الشيخ المرصفي، وكان يذهب إلى مجلسه
كل يوم جمعة، وكان العلماء مع ذلك يرجعون إليه في المعقولات، ويعدلونه في العربية بابن
مالك وابن هشام، وكانت وفاته بالقاهرة يوم الثلاثاء خامس عشر ربيع الثاني سنة خمس
وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
319 - أحدم الطواقي: أحمد الشيخ شهاب الدين الطواقي الدمشقي
المتصوف. انفرد بإتقان علم الموسيقي، ورحل بسببه إلى الشرق، ثم إلى الروم، ثم قطن
دمشق، وسكن بمحلة باب السريجة، وكان يتشكل في لباسه، ويلبس على رأسه مئزراً
عسلياً، ويضع على أكتافه مئزراً أخضر، وفي رقبته مسبحة، وبيده اليمنى سجادة، وكان
ينظم الشعر، ويعتقد المحيوي بن العربي، ويدعي أنه من ذريته قال ابن طولون وليس كذلك
فقد أخبر الثقة ممن يعرفه ويعرف أهله أن أصله تركماني، وكان ينسب إلى معاشرة
المرد، وتوفي له ولد، فوجد عليه، وبنى على قبره بيتاً في تربة التوتة قبلي
القنوات، ولازمه مدة، وكان الناس يترددون إليه ثمة، ومات قتلاً في أوائل الحجة سنة
ست وعشرين وتسعمائة عن سن عالية، ودفن عند ولده رحمهما الله تعالى.
320 - أحمد بن نابتة: أحمد، الشيخ الفاضل الصالح الفقيه المقري
شهاب الدين، المعروف بابن نابتة المصري الحنفي. حضر في الفقه طى العلامة الشمس
قاسم بن صبغا، وأخذه أيضاً عن الشيخ جلال الدين الطرابلسي، والقراءات عن الشمس
الحمصاني، وكان متزهداً متقللاً، وأقبلت عليه الطلبة، واشتغل الناس عليه، وأصيب
بالفالج أشهراً، ثم مات به في ليلة الأربعاء حادي عشر ربيع الثاني سنة سبع وعشرين
وتسعمائة، وهو في أواخر الثمانين، ودفن بتربة الشيخ جلال الدين السيوطي رحمه الله
تعالى.
321 - أحمد المنوفي: أحمد،
الشيخ الفاضل المحدث المعتقد القاضي شهاب الدين المنوفي الشافعي متولي الظاهرية
القديمة بمصر، ولي قضاء بلدة منوف العليا، فباشر القضاء بعفة ونزاهة، وطرد البغايا
من تلك الناحية، وأزال المنكرات، واستخلص الحقوق بحيث كانت تأتيه الخصوم من بلاد
بعيدة أفواجاً، وتستخلص بهمته وعدله حقوقاً كانت قد ماتت. قال العلائي: وقد أوقفنى
على عدة مختصرات له في الفقه، والفرائض، والحساب، والعربية حوت مع الاقتصار فوائد
وفرائد خلت منها كثير من المختصرات والمطولات، وكانت وفاته في مستهل شوال سنة سبع
وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
322 - أحمد السنباطي: أحمد الشيخ الفاضل الصالح شهاب الدين
السنباطي المصري، وهو غير الشيخ شهاب الدين بن عبد الحق السنباطي، فإنه متأخر عن
هذه الطبقة، وكان صاحب الترجمة شاهداً بحارة عبد الباسط. قال العلائي: وهو آخر من
يروي عن ابن حجر والخطيب الرشيدي. توفي في أواخر رجب سنة ثمان وعشرين وتسعمائة.
323 - أحمد الراعي: أحمد، الشيخ الفاضل العريق المعتبر شهاب
الدين ابن الشيخ العالم، المعروف بالراعي شارح الجرومية. قال العلائي: وهو ممن سمع
على شيخ الإسلام ابن حجر، وتقدم في صناعة التوريق والتسجيل. واعتبر، وله فيه
مصنفات، وتوفي في تاسع جمادى الأولى سنة ثمان وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
324 - أحمد أبو طاقية: أحمد. الشيخ المعتقد أبو طاقية المصري.
كانت الجراكسة وغيرهم يعتقدونه ويجيئون إليه، وكان يلبس عليه عرقية بغير عمامة،
وجبة صوف صيفاً وشتاء، وكان منفرداً لا عيال له. ولا أهل. وجد ميتاً بحجرته
بالمدرسة البندقدارية قد تدلى لسانه وتمزق بدنه كأنه أكل شيئاً مسموماً بحيث غسل بخمس
روايا، وحفظ بدنه بأربعة أرطال من القطن وورق الموز، وكان ذلك يوم السبت خامس عشري
شعبان سنة ثمان وعشر وتسعمائة، ووجد عنده ما يقرب من الذي دينار.
325 - أحمد البهلول: أحمد البهلول المصري أحد أصحاب الشيخ شعبان
البلقطري كان سيدي محمد ابن عنان يعظمه، وله كرامات وخوارق، وكان يقول: لا تدفنوني
إلا خارج باب القرافة في الشارع، ولا تجعلوا لقبري شاهداً، ودعوا الناس والبهائم
تمشي علي، فقيل له: قد عملنا لك قبراً في جامع بطيحة. فقال: إن
قدرتم أن تحملوني، فافعلوا، فلما مات عجزوا أن يحركوا النعش إلى ناحية جامع بطيحة،
فلما حملوه إلى ناحية القرافة خف علي وكانت وفاته سنة ثمان وعشرين وتسعمائة رحمه
الله تعالى.
326 - أحمد البحيري: أحمد الشيخ العلامة المفنن السالك الشاعر
المعمر شهاب الدين البحيري المصري المالكي. حفظ
القرآن العظيم، وسلك في شبوبيته على الشيخ العالم الزاهد الناسك أبي العباس المرسي
مريد الشيخ الملك محمد الحنفي الشاذلي، وأخذ الشيخ مدين، واستقل في العلم، وأمعن
في العربية ولا سيما التصريف، وألف فيه شرحا جيداً على المراح، وتب بخطه كثيراً،
ومما كتب شرح مسلم للابي، وأخذ الفقه عن الشيخ يحيى العلمي، وله نظم جيد وألغاز،
وكان قانعاً متقللاً، وتزوج وهو شاب، ثم تجرد، وتوفي خامس شوال سنة تسع وعشرين
وتسعمائة رحمه الله تعالى.
327 - أحمد السهروردي: أحمد الشيخ شهاب الدين السهروردي المصري.
كان بيده جهات كثيرة، وأنظار، وسافر إلى الروم، وعاد إلى مصر، فتوفي بها في ليلة
الاثنين أو صبيحته تاسع جمادى الأولى سنة ثلاثين وتسعمائة.
328 - أحمد الخجا ناظر الجامع الأموي: أحمد الطالشي العجمي،
المشهور بالخجا ناظر الجامع الأموي نحو سنة، فقطع جوامك أكثر مرتزقته، ونقص من
مؤذنيه ومؤقتيه وأئمته ومدرسيه، وأبطل أموراً، ورتب فيه قراء يقرأون الربعة
الشريفة تحت قبة النسر، وعدتهم ستون نفراً، ووضع يده على أنظار المدارس التي حول
الجامع، ومات يوم الأحد خامس عشري شعبان سنة ثلاثين وتسعمائة.
329 - أحمد ابن الجيعان: أحمد القاضي شهاب الدين بن الجيعان
نائب كتابة السر بمصر، وأحد أعيانها. قبض عليه في فتنة أحمد باشا لما ادعى السلطنة
بمصر لنفسه، وبعث السلطان سليمان إليه إبراهيم باشا في عساكر ثخينة فقتله، واتهم
بإغراء أحمد باشا على طلب السلطنة جماعة من أعيان مصر منهم القاضي شهاب الدين بن الجيعان
صاحب الترجمة، والشيخ شمس الدين الدمياطي، فقبض عليهما، ثم أخرج ابن الجيعان من
العرفانة، فشنق بعد أن طلب من الجلاد أن يخليه ليصلي ركعتين فصلى، ثم شنق في يوم
الخميس تاسع عشري رجب سنة ثلاثين وتسعمائة، وطالت مدة حبس الدمياطي، ثم أخذت منه
أموال وأطلق.
330 - أحمد باشا الطاغية: أحمد
باشا الطاغية، كان من خواص مماليك السلطان سليم بن السلطان أبي يزيد بن عثمان،
ولما استعفى الوزير محمد الجمالي، المعروف ببيري باشا من الوزارة العظمى تقدم إلى
التصدي لها أحمد باشا المذكور، وكان ميل السلطان سليمان إلى تصدير إبراهيم باشا،
فأعمل السلطان سليمان الفكر في دفعه، فأنعم عليه بنيابة مصر، وأعطاها له تيماراً
ليستجلب خاطره، ويستشلحه عن الوزارة العظمى، فسافر إلى مصر، فدخلها في صبيحة الأحد
ثامن عشر شوال سنة تسع وعشرين وتسعمائة، ومعه الأمير جانم الحمزاوي، والأمير
إبراهيم المرقباني، واستولى عليها، وأظهر الطغيان والتجبر، وصادر أكابرها في
الأموال، وقتل جماعة من أمرائها، وكان ممن قبض عليه جانم الحمزاوي الذي أقامه
الخنكار معه مرجعاً ومستشاراً وعمدة في المملكة، والأمير فارس، وضم إليهما الأمير إبراهيم
المرقباني صورة، فإنه كان من أعوانه وخواصه، واعتقلهم أياماً، ثم أحضر مباشري
الأمير فارس، وعذبهم عذاباً شديداً بحيث قطع من لحومهم، وأطعمهم منها، فاعترفوا
بما ليس عليهم، فعاتبه الأمير فارس على ذلك، وويخه وقال له: لأخبرن السلطان سليمان
بتفاصيل أفعالك، فأمر بضرب عنقه، فضربت عنق الأمير فارس، في الحال، ثم ضيق على
الأمير جانم لحمزاوي، وطلب منه مائة وستين ألف دينار، وحبسه، فتكلم في أمره قرا
موسى، والأمير محمد بيك الرومي، والأمير داود بيك، وشفعوا فيه عنده، فلم يقبل
شفاعتهم، فحنقوا عليه، ثم أمر بقتل قرا موسى في قصص طويلة، ثم تطاول إلى السلطنة
بمصر وقال: إن السلطان سليمان قد سمح له بذلك، فادعى السلطنة لنفسه، وأمر أن يخطب
باسمه في المنابر، وأن تضرب سكه الدنانير والدراهم باسمه، ورتب عسكراً من الجراكسة
والعوانية والعامة، وعصى عليه أهل قلعة الجبل وحاصرها، وصمم الينكجرية على عدم
التسليم له، وقالوا: نحن مماليك السلطان الحافظون لقلعته، فإن ورد علينا أمر منه
نتركها ونسلمها، وإلا نحن باقون على دركنا لا ندعه أبداً بعد أن أرسل إليهم في ذلك
بعض أكابر مصر، فأجابوا بذلك، فابتدأ الحصار من يوم الاثنين تاسع عشر ربيع الأول
سنة ثلاثين وتسعمائة، واستمر على ذلك يعمل الحيل البالغة في أخذها، حتى دخلها في
مستهل ربيع الثاني من السنة المذكورة، فقبض على من فيها، وقتل أئمة الجوامع
والمؤذنين، وهبروا بالسيوف نحو ألف نفس ممن فيها، ولم يرحموا صغيراً ولا كبيراً
بحيث كان المقتول في هذه الحادثة من الفريقين من الينكجرية نحو ألف وخمسمائة، ومن
الجراكسة نحو ستمائة، ومن العوام نحو ألف وانتهب بيوت من بقي من الينكجرية،
واستباحوا حريمهم، ثم أمر بإعادة بعض ما انتهب منهم، وأحضر القضاة يوم الخميس سادس
ربيع الثاني المذكور، وابن الخليفة في بيت طراباي، وطلب منهم المبايعة على السلطنة
بمصر وأعمالها، ولبس شعار الملوك، ثم برز به جهاراً إلى المقعد على رؤوس الإشهاد
زاعماً أن السلطان سليمان - رحمه الله تعالى - من عليه بذلك في نصرته بفتح رودس
حين البيعة بها بحسن صنيعه.
ثم أخذ بعد ذلك في مصادرة الأكابر كالأمير جانم الحمزاوي
طلب منه مائة وخمسين ألف دينار، وكذلك قاضي القضاة الشافعية شرف الدين البرديني،
والقاضي بدر الدين بن الوقاد السعودي، والخواجا بن عبد الله، والخواجا قاسم
الشرواني، والخواجا عبد الرحمن بن الجمال، والخواجا بن الصيرفي الإسكندري، وطلب من
كل واحد منهم مائة ألف دينار، وأحضرهم في مجلس واحد، وأحضر معهم جماعة من أعيان
اليهود وغيرهم، فأمر بتعذيبهم بحضرتهم بأنواع العذاب حيث مات بعضهم، فقال القاضي
بدر الدين: هذا لا يحل، واستغاث. فقال له: ليس هذا غيرة للإسلام، وإنما هو توجع
لليهود المعاملين لك، وقيل: إنه أمر بضرب القاضي شرف الدين والتضييق عليه، وأمر
بضرب جماعة من التجار مقارع وكسارات، ثم صادر الخواجا أبا سعيد كبير المغاربة،
وأخذ منه ومن المغاربة أموالاً كثيرة، وكذلك من اليهود والنصارى، وكان يساعده على
ذلك ويفقهه في المظالم جماعة منهم الأمير إبراهيم المرقباني، فكان من تدبيره السيئ
أن سعى عند أحمد باشا في أمان عبد الدائم بن بقر الذي كان السلطان الغوري قد حبسه لفساده
في بعض الأبراج، فأطلقه وضمنه البلاد الشرقية، فالتزم بها بثلاثين ألف دينار
يجمعها من العربان، وضمنه المرقباني المذكور، فحذره منه فقال: إن حصل منه خلل
اشنقني فاتفق أن عبد الدائم أظهر العصيان، وانحاز إلى برج دمياط، فقال أحمد باشا
للمرقباني: أنت قلت في ضمانك إن حصل منه خلل اشنقني فأمر بشنقه، وصدق عليه من أعان
ظالماً سقط عليه ثم أصر أحمد باشا على هذه الاحوال أياماً، وكان ذلك بإغراء قاضي
زاده الإردبيلي، واستمالته لأحمد باشا عن اعتقاد أهل السنة إلى اعتقاد إسماعيل
شاه، ومذهب الإمامية وإباحته له أموال أهل السنة فيما نقله العلائي. فلما كان ضحوة
يوم الاثنين سابع عشر ربيع الثاني المذكور حسن عند أحمد باشا النزول إلى حمام
خشقدم الزمان برأس الرميلة، وكان أخبر أهل التقويم بحدوث عارض كبير، وضرب سيف في
الحمام المذكور، فدخلها وأمر جماعة من الجراكسة ومماليكه أن يحرسوا درب الحمام، فبلغ
الأمراء بمصر منهم الأمير جانم الحمزاوي، والأمير محمد بيك الرومي، والأمير تنم
ناظر الدشيشة، والأمير علي ابن عمر أنه دخل الحمام، فنزلوا إليه وبعثوا جماعة
يقتحمون عليه الحمام، فمانعهم المماليك والجراكسة وجماعة، ووقع بعضهم في بعض حتى
قتل بينهم نحو ستين نفساً، فلما بلغه الخبر وهو بالحمام استغاث بالحمامي، فأخرجه
من المستوقد، ثم ألبس قفطاناً أخضر، وركب فرساً، ودار من جانب باب القرافة، وانحاز
إلى المبيت، فلم يظفر بشيء من المال، فنزل عند المساء في نحو خمسة عشر نفساً من
جماعته، فتوجهوا إلى بركة الحاج، ثم انحاز إلى عبد الدائم بن بقر فخرج في أثره
الأمير جانم والأمير تنم في نحو خمسمائة نفس، فاستكشفوا أمره، فوجدوا معه قبائل من
العربان والجراكسة والعثمانية مناهم بأمور منها أن يبيح لهم القاهرة وأعمالها، وأن
يسامع العربان في الخراج ثلاث سنين، فلم يجدوا لهم بهم طاقة، فرجعوا إلى مصر يوم
الخميس عشري ربيع الثاني المذكور، فتبعهم بعض جماعة أحمد باشا، فقطعوا منهم رأس
بدوي وجركسي، وعلقا بباب زويلة، ثم قبضا في اليوم المذكور على هامان أحمد باشا
قاضي زاده، فقطعت رأسه، وعلقت بباب زويلة أيضاً، ثم اجتمعت الأمراء، وأقيم الأمير
تنم باشا على الجراكسة، ونودي لهم بالأمان، والأمير جانم باشا على الينكجرية،
والأمير محمد بيك محافظاً للقلعة، ثم اجتمعوا أسفل مدرسة السلطان حسن، فكتبوا
وصرفت عليهم نفقاتهم، وحرض عليهم الأمير تنم في المصادقة مع السلطان سليمان حفظاً لمهجهم،
ثم نودي بأن النفير عام، فتأهب لذلك طوائف من الروم، والعجم، وأهل الشام،
والمغاربة والعوام. وطلبوا القضاة، وطلعوا إلى القلعة، وانكشف أمر أحمد باشا بأنه
داعية لإسماعيل شاه الصوفي في سفارة قاضي زاده وتسويله، ووجدوا تاجاً عنده من شعار
الصوفي، واستفيض أنه استحل قتل أهل السنة، وسلب أموالهم، وعزم على تقديم الاثني
عشر إماماً على اعتقاد الرافضة، واظهار ذلك على المنابر وغير ذلك بحيث ثبت عندهم
كفره، ثم ركب القضاة الأربعة في محفل عظيم، والتاج على رمح، والمنادي ينادي أمامهم
وسط القصبة إن أحمد باشا ثبت كفره وإظهاره شعار الصوفي، فعليكم بالجهاد فيه، وإن
يقاتل كل
إنسان عن نفسه وعن عياله، ومن لم يخرج بنفسه أعطى دراهم
للبدل عنه، ثم توجه الأمير جانم الحمزاوي، والأمير تنم في نحو الذي نفس، وثمان
عربات، وحصل بينهم مجاوشات قتل فيها خلالق، ثم حصل فيما قبل اختلاف بين العربان
الذين اجتمعوا على أحمد باشا، فافترقوا فرقتين بين حرام وبين وائل، واقتتلا فقتل بينهم
نحو المائة، ثم وصل إلى الإسكندرية ألف ينكجري من الروم بعثهم السلطان سليمان لحفظ
بعض الأبراج، فصادف وصولهم هذه الحادثة، فتلائموا على عسكر السلطان، واجتمعوا على
قتال أحمد باشا ومن معه، فاجتمع الأمير أحمد بن بقر شيخ عرب الشرقية من أعمال مصر
بأولاده الثلاثة المطيعين، وبعثوا إلى عبد الدائم، فقال له أبوه الأمير أحمد: يا
ولدي إما أن ترجع إلى الله تعالى وتكفينا شر سطوة السلطان سليمان، وترحم نفسك،
وترحمنا وتعدل عن صحبة أحمد باشا ونصرته ونقبض عليه، وإلا هلكنا عن آخرنا، فإن
الأمور تضايقت، وقد وصل طلاع عسكر السلطان سليمان إلى مصر، فانحل عبد الدائم عن
أحمد باشا، وانفلت عنه العربان، وغالب الجراكسة، فلما علم ضعف حاله، وانقلال الخلق
عنه قصد أن يعدي إلى زفتة، فنزل هو وستة أنفار من خواصه، فلما وصل إلى البر دهمته عربان
الأمير حسام الدين ابن بغداد، فتوارى منهم، وتنكر بلبس عباءة خولي، فلما فقدوه
تتبعوا أمره، واستقصوا عليه حتى قبض عليه وعلى من معه، فقطعت أعناقهم، وعلق رأس
أحمد باشا في صنجقة ، وركب القضاة والأعيان، واشتهرت ونودي عليها بعد أن زينت مصر
والقاهرة، وفرج عن الناس كرب كثير، وذلك يوم السبت التاسع والعشرين من شهر ربيع
الثاني سنة ثلاثين وتسعمائة، ثم علقت رأسه على باب زويلة، ثم جهزت إلى السلطان
سليمان - رحمه الله تعالى - في ثالث جمادى الأولى، وضبط الأمراء مصر إلى أن وردها
مصطفى باشا. عن نفسه وعن عياله، ومن لم يخرج بنفسه أعطى دراهم للبدل عنه، ثم توجه
الأمير جانم الحمزاوي، والأمير تنم في نحو الذي نفس، وثمان عربات، وحصل بينهم
مجاوشات قتل فيها خلالق، ثم حصل فيما قبل اختلاف بين العربان الذين اجتمعوا على أحمد
باشا، فافترقوا فرقتين بين حرام وبين وائل، واقتتلا فقتل بينهم نحو المائة، ثم وصل
إلى الإسكندرية ألف ينكجري من الروم بعثهم السلطان سليمان لحفظ بعض الأبراج، فصادف
وصولهم هذه الحادثة، فتلائموا على عسكر السلطان، واجتمعوا على قتال أحمد باشا ومن
معه، فاجتمع الأمير أحمد بن بقر شيخ عرب الشرقية من أعمال مصر بأولاده الثلاثة
المطيعين، وبعثوا إلى عبد الدائم، فقال له أبوه الأمير أحمد: يا ولدي إما أن ترجع
إلى الله تعالى وتكفينا شر سطوة السلطان سليمان، وترحم نفسك، وترحمنا وتعدل عن
صحبة أحمد باشا ونصرته ونقبض عليه، وإلا هلكنا عن آخرنا، فإن الأمور تضايقت، وقد
وصل طلاع عسكر السلطان سليمان إلى مصر، فانحل عبد الدائم عن أحمد باشا، وانفلت عنه
العربان، وغالب الجراكسة، فلما علم ضعف حاله، وانقلال الخلق عنه قصد أن يعدي إلى
زفتة، فنزل هو وستة أنفار من خواصه، فلما وصل إلى البر دهمته عربان الأمير حسام
الدين ابن بغداد، فتوارى منهم، وتنكر بلبس عباءة خولي، فلما فقدوه تتبعوا أمره،
واستقصوا عليه حتى قبض عليه وعلى من معه، فقطعت أعناقهم، وعلق رأس أحمد باشا في
صنجقة ، وركب القضاة والأعيان، واشتهرت ونودي عليها بعد أن زينت مصر والقاهرة،
وفرج عن الناس كرب كثير، وذلك يوم السبت التاسع والعشرين من شهر ربيع الثاني سنة
ثلاثين وتسعمائة، ثم علقت رأسه على باب زويلة، ثم جهزت إلى السلطان سليمان - رحمه
الله تعالى - في ثالث جمادى الأولى، وضبط الأمراء مصر إلى أن وردها مصطفى باشا.
331 - إدريس بن حسام الدين البدليسي: إدريس بن حسام الدين،
العالم الفاضل المولى البدليسي العجمي، ثم الرومي الحنفي. قال في الشقائق: كان
موقعاً لديوان أمراء العجم، ولما حدثت فتنة ابن أردويل ارتحل إلى الروم، فأكرمه
السلطان أبو يزيد غاية الإكرام، وعين له مشاهرة ومسانهة، وعاش في كنف حمايته عيشة راضية،
وأمره أن ينشيء تواريخ آل عثمان بالفارسية فصنفها، وكان عديم النظير، فاقد القرين
بحيث أنسى الأقدمين، ولم يبلغ إشاءه أحد من المتأخرين، وله قصائد بالعربية
والفارسية تفوت الحصر، وله رسائل عجيبة في مطالب متفرقة، وبالجملة كان من نوادر
الدهر، ومفردات العصر. توفي في أوائل سلطنة السلطان سليمان خان رحمه الله تعالى.
332 - إدريس بن عبد الله اليمني: إدريس
بن عبد الله، الشيخ الفاضل، اليمني، الشافعي نزيل دمشق. كان من أصحاب شيخ الإسلام
الوالد ممن حضر، وشملته إجازته، وكان قد عزم على قراءة المنهاج عليه وعلى غيره
والاشتغال، فعاجلته المنية سنة تسع بتقديم المثناة وعشرين وتسعمائة رحمه الله
تعالى.
333 - إدريس المؤرخ المارديني: إدريس، الشيخ الفاضل، العالم
المؤرخ المنشيء صدر الدين المارديني القاهر. توفي بها في سنة سبع بتأخير الموحدة
وعشرين وتسعمائة.
334 - إسماعيل خطيب السقيفة: إسماعيل بن محمد ابن الشيخ علي
العلامة عماد الدين السيوفي الدمشقي الشافعي، الشهير بخطيب جامع السقيفة بباب توما
بدمشق. ولد في مستهل ربيع الأول سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة، وقرأ في القرآن
العظيم على الشمس بن النجار، وحفظ التنبيه، ومنهاج البيضاوي، والشاطبية، وعرض على
الشيخ تقي الدين الحريري، والشيخ برهان الدين الباعوني، والشيخ علاء الدين
البخاري، وسمع بقراءة القطب الخيضري، وعلي الخردفوشي، وابن بردس، وابن الطحان وغيرهم،
وجلس في أول أمره بمركز الشهود، وخطب بجامع السقيفة، وكان فيه دهاء وحيلة، وهو
والد الشيخ العلامة شمس الدين، الشهير بابن خطيب السقيفة بينه وبينه في السن إحدى
عشرة سنة لا تزيد ولا تنقص، فإن مولد ولده سنة أربع وأربعين وثمانمائة في ربيع
الأول أيضاً كما حرر النعيمي مولاهما، وهو أمر غريب لا يكاد يتفق، وكانت وفاة
الشيخ شمس الدين قبل أبيه يوم الأحد ثاني صفر سنة سبع وتسعين وثمانمائة، وتوفي
والده الشيخ عماد الدين صاحب الترجمة يوم الخميس ثاني عشري ربيع الأول سنة إحدى
وتسعمائة، ودفن عند ولده جوار الشيخ أرسلان - رضي الله تعالى عنه - قال النعيمي:
وبه انقرض ذكر بيت السقيفة.
335 - إسماعيل بن اكرم العنابي: إسماعيل بن محمد الفاضل الأمير عماد
الدين أبو الفدا ابن الأمير ناصر الدين بن الأكرم العنابي الدمشقي. سمع شيئاً
من البخاري على البدر بن نبهان، والجمال بن المبرد، وولى أمرة التركمان في
الدولتين الجراكسية والعثمانية، ونيابة القلعة في أيام خروج الغزالي على ابن
عثمان، وكان في مبدأ أمره من أفقر بني الأكرم، فحصل دنيا عريضة، وجهات كثيرة، وفي
آخر عمره انتقل من العنابة، وعمر له بيتاً غربي المدرسة المقدمية داخل دمشق، وكان
عنده تودد لطلبة العلم، ومحبة لهم واعتقاد في الصالدين، وبعض إحسان إليهم. خرج مع
نائب دمشق إلى قتال اللدروز، فتضعف في البقاع، ورجع منه في شقدوف إلى أن وصل إلى
قرية دمر، فمات بها أو في الطريق منها، وحمل إلى دمشق وهو ميت، فغسل بمنزله
الجديد، وصلي عليه عند مقصورة الأموي، ودفن بالعنابة، وحضر جنازته السيد كمال
الدين بن حمزة والأعيان، وكان موته في صبيحة الخميس حادي عشر المحرم سنة ثلاثين وتسعمائة
عن نحو سبعين سنة رحمه الله تعالى.
336 - إسماعيل بن عبد الله الصالحي: إسماعيل بن عبد الله
الصالحي، الشيخ الصالح الموله، قرأ القرآن بمدرسة الشيخ أبي عمر، جف دماغه بسبب
كثرة القراءة، فزال عقله، وقيل: عشق فعف، وكان في جذبه كثير التلاوة، ويتكلم
بكلمات حسنة، وللناس فيه اعتقاد حتى الأعيان، وكان يلازم الجامع الجديد، وجامع
الأفرم بالصالحية قال ابن طولون: وأنشدني:
إذا المرء عوفي في جسمه ... وملكه الله قلباً قنوعاً
وألقى المطالع عن نفسه ... فذاك الغني وإن مات جوعاً
توفي في تاسع عشري رمضان سنة تسعمائة، ودفن بالروضة من
جهة الشرق بالقرب من قبر ابن مالك بالسفح، وكانت له جنازة حافلة رحمه الله تعالى
رحمة واسعة.
337 - إسماعيل بن قاسم الموقع: إسماعيل بن قاسم بن طوغان، الشيخ
الصالح عماد الدين الشهير بابن الموقع الدمشقي. ولد سنة خمس وأربعين وثمانمائة.
قال الحمصي: وكان مباركاً. وتوفي يوم الاثنين ثامن عشر ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة
وتسعمائة، ودفن بباب الصغير.
338 - إسماعيل الشويكي: إسماعيل، الشيخ الصالح عماد الدين
النحاس، الشهير بالشويكي ثم الدمشقي الشافعي. ولد سنة ست وعشرين وثمانمائة، واشغل
في العلم على جماعة، وكانت وفاته في عشرين رمضان سنة سبع وتسعمائة رحمه الله تعالى.
339 - إسماعيل الزاهر: إسماعيل الفرا، الشيخ العارف بالله تعالى
الولي المعتقد، المعروف بالزاهر القاهري. كان
صديقا لشيخ الإسلام الجد، وهو ممن اصطحب لهم في طريق الله تعالى من الأولياء،
والصالدين، واجتمع به شيخ الإسلام الوالد، وضمن لوالده أن يكون من أهل العلم
والصلاح، فوفى الله تعالى عنه ما ضمنه، وكان الأمر كذلك ولله الحمد. توفي بالقاهرة
سنة سبع وعشرين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بدمشق بعد صلاة الجمعة في الجامع الأموي
سابع شعبان من السنة المذكورة كما ذكره ابن طولون في تاريخه رحمه الله تعالى.
340 - إلياس الرومي: إلياس العالم الفاضل المولى شعاع الدين
الرومي. كان من نواحي قسطمون، واشتغل في العلم، وتقدم في الفضل حتى صار معيداً
لدرس المولى الفاضل خواجه زاده، ثم اشتغل في التدريس حتى صار مدرساً بإحدى الثماني
بإسلام بول، ثم أعطي تقاعداً، وكان كريم النفس، متخشعاً، مشتغلاً بنفسه، منقطعاً
عن الخلق، ويقال: أنه جاوز التسعين، ومات سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، وله شريك في
لقبه سيأتي في جزء الشين المعجمة رحمه الله تعالى.
341 - أمر الله ابن آق شمس الدين: أمر الله بن محمد بن حمزة،
الشيخ العارف بالله تعالى المولى ابن الشيخ العارف بالله تعالى، المعروف بآق شمس
الدين الدمشقي الأصل الرومي المولد والمنشأ. قرأ
على علماء عصره، ثم اتصل بخدمة المولى الفاضل الشهير بالخيالي، ولما توفي والده
أخذت أوقافه من يده، فجاء شاكياً إلى السلطان محمد خان بن عثمان، فعوضه الوزير
محمد باش القراماني عن أوقاف والده بتولية أوقاف الأمير البخاري بمدينة بروسا،
وصار متولياً على أوقاف السلطان مراد خان بها أيضاً، ثم ابتلي بمرض النقرس، واختلت
منه رجلاه واحدى يديه، فأعطي تقاعداً. وأقعد سنين كثيرة حتى مات، وكان يبكي كل
وقت، ويقول: ما أصابتني هذه البلية إلا بترك وصية والدي، وكان يوصي أولاده أن لا
يقبلوا منصب القضاء والتولية. وكانت وفاته في سنة تسع وتسعمائة رحمه الله تعالى
رحمةً واسعةً.
342 - أمة الخالق: أمة الخالق الشيخة الأصلية المعمرة أم الخير. ولدت سنة
إحدى عشرة وثمانمائة، وحضرت على الجمال الحنبلي، وأجاز لها الشرف ابن الكويك
وغيره. وهي آخر من يروي عن أصحاب الحجاز. نزل أهل الأرض درجة في رواية البخاري
بموتها، وكانت وفاتها في سنة اثنتين وتسعمائة رحمها الله تعالى رحمة واسعة.
343 - أم الهنا: أم الهنا بنت محمد الشيخة المباركة الصالحة بنت
القاضي ناصر الدين البدراني المصرية. قال الحمصي: كانت فاضلة، ولها رواية في
الحديث. توفيت في ثامن جمادى الأولى سنة إحدى عشرة وتسعمائة، ودفنت بالقرب من ضريح
سيدي العارف بالله تعالى عبد الله المتوفي بالقاهرة رحمها الله تعالى.
حرف الباء الموحدةمن الطبقة الأولى 344 - باشا جلبي الرومي:
باشا جلبي، العالم المولى ابن المولى زيرك الرومي الحنفي. كان من الأفاضل، وله
ذكاء تام ولطف محاورة. تخزج عنده كثير من الطلبة، وكان من مشاهير المدرسين، وتنقل
في التداريس حتى ولي تدريس إحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنة، وتوفي وهو مدرس بها
في أوائل سلطنة السلطان سليم خان ابن السلطان بايزيد، وله شريك في اسمه في الطبقة
الثانية رحمه الله تعالى.
345 - باكير الرومي: باكير، الشيخ الفاضل تقي الدين الرومي ناظر
التكية السليمية، ولي نظارة الجامع الأموي، ودخل دمشق... ونزل عند شيخ الإسلام الجد،
وكان من أصحابه وتلاميذه وترجمه بالولاية والفضل، ثم عزل من الجامع الأموي، وأعطي
تولية التكية السسليمية، ثم عزل عنها بالشيخ أبي الفتح بن مظفر الدين المكي، ثم
سافر إلى بلاد الروم، وعاد بتولية الجامع، وتولية التكية جميعاً، ودخل دمشق عاشر
رجب سنة ست وعشرين وتسعمائة، فصرفه نائب الشام في تولية التكية دون الجامع، ثم
كانت وفاته ليلة الجمعة خامس الحجة الحرام سنة ست وعشرين المذكورة، ودفن بالقرب من
الشيخ محيي الدين بن العربي تحت السماء رحمه الله تعالى.
346 - بالي الأيدي: بالي الأيدي، المولى العالم الفاضل الرومي
الحنفي. أخذ العلم عن علماء عصره، واتصل بخدمة المولى خطيب زاده، ثم بخدمة المولى
سنان جلبي، ثم تنقل في التداريس حتى صار مدرساً باحدى الثماني، ثم تقاعد عنها
بثمانين عثمانياً، ثم أعطي قضاء بروسا، ثم أعيد إلى إحدى الثماني، ثم ولي قضاء
بروسا ثانياً، ثم أعيد إلى إحدى الثماني، واستمر حتى مات وهو مدرس بها، وكان له
مشاركة جيدة في سائر العلوم قادراً على حل غوامضها. قوي الحفظ. مكباً على الاشتغال
حتى سقط مرة عن فرسه. فانكسرت رجله، فاستمر ملقى على ظهره مدة شهرين أو كثر، ولم
يترك درسه في المدة، واقتنى كتباً كثيرة، وألف رسالة أجاب فيها عن إشكالات المولى
سيدي الحميدي، وكانت وفاته في سنة تسع بتقديم المثناة وعشرين وتسعمائة، ودفن عند
مسجده بالقسطنطينية رحمه الله تعالى.
347 - بخشي خليفة الرومي: بخشي خليفة المولى الفاضل الأماسي
الرومي الحنفي. اشتغل في العلم بأماسة على علمائها، ثم رحل إلى ديار العرب، فأخذ
عن علمائهم، وصار له يد طولى في الفقه والتفسير، وكان يحفظ منه كثيراً، وله مشاركة
في سائر العلوم، وكان كثيراً ما يجلس للوعظ والتذكير، وغلب عليه التصوف، فنال منه منالاً
جليلاً، وفتح عليه بأمور خارقة حتى كان ربما يقول: رأيت في اللوح المحفوظ مسطوراً
كذا وكذا، فلا يخطيء أصلاً، ويكون الأمر كما قال، وله رسالة كبيرة جمع فيها ما
اتفق له من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وكان خاضعاً خاشعاً متورعاً
متشرعاً يلبس الثياب الخشنة، ويرضى بالعيش القليل. توفي بعد الثلاثين وتسعمائة
رحمه الله تعالى.
348 - برادر الرومي: برادر بكسر الموحدة وبالراء بعدها دال
مهملة مفتوحة، ثم راء آخر الحروف المنلا برادر الرومي العثماني الكاتب الفاضل نزيل
رواق الأروام بالجامع الأزهر سنين كثيرة. كان فصيحاً في التركية، والفارسية،
والعربية، كاتباً، منشئاً، عارفاً، عفيفاً نظيفاً، قنوعاً. توفي بالقاهرة ليلة الثلاثاء
ثالث صفر سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة.
349 - بركات بن محمد الشريف: بركان بن محمد الشريف أمير مكة
وسلطانها. توفي بمكة ليلة الأربعاء رابع عشري القعدة سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة،
وتولى مكانه ولده أبو نمي بن بركات. ذكره العلائي في تاريخه استطراداً رحمه الله
تعالى.
350 - بركات بن إبراهيم الأذرعي: بركات بن إبراهيم بن محمد بن
إبراهيم، الشيخ الإمام الفاضل زين الدين، وقال النعيمي محب الدين الأذرعي الدمشقي
العاتكي الشافعي الشهير بابن سقط: ولد في سابع عشر شعبان سنة ثلاث وخمسين
وثمانمائة. قال الحمصي: وكان من أهل الفضل، وكان أحد عدول دمشق. توفي ليلة الجمعة
ثاني عشر شوال سنة تسع عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى.
351 - بركات بن أحمد بن الكيال: بركات بن أحمد بن محمد بن يوسف
بن محمد الشيخ العالم الصالح الواعظ زين الدين الدمشقي الصالحي، الشهير بابن
الكيال. ولد كما روى بخطه سنة ثلاث وستين وثمانمائة، وكان في ابتداء أمره تاجراً،
ثم ترك التجارة بعد أن ترتب عليه ديون كثيرة، ولازم الشيخ برهان الدين التاجي
زماناً طويلاً، وانتفع به قال الحمصي: وقرأ عليه صحيح البخاري كاملاً، وكتب من مصنفاته،
ودرس بالجامع الأموي في علم الحديث، وكان متقناً محرراً، وخرج أحاديث مسند الفردوس،
وانتفع الناس به وبوعظ وحديثه. قال ابن طولون: ورأس بعد موت شيخه، ولازم الجامع
الأموي تجاه محراب الحنابلة، ووعظ بمسجد الأقصاب، وجامع الجوزة وغيرهما، وخطب
بالصابونية سنين وحصل دنيا كثيرة، وصنف عدة كتب. قلت: ومنها
كتاب " حياة القلوب، ونيل المطلوب " في الوعظ، ومنها " الكواكب الزاهرات،
في معرفة من اختلط من الرواة الثقات " ، في علم الحديث، ومنها " أسنى
المقاصد، في معرفة حقوق والولد على الوالد " ، ومنها الجواهر الزواهي، في ذم
الملاعب والملاهي " ، ومنها والأنجم الزواهر، في تحريم القراءة بلحون أهل
الفسق والكبائر " كما نقلت ذلك من خطه وطالعت المؤلفين الأخيرين من مؤلفاته
بخطه والظاهر أن عربيته كانت قليلة، وكانت وفاته يوم الأحد ثامن أو تاسع ربيع
الأول سنة تسع وعشرين وتسعمائة. قال الحمصي: وسبب موته أنه خرج من بيته لصلاة
الصبح بالجامع الأموي، فلقيه اثنان فأخذا عمامته عن رأسه، وضرب على صدره، فانقطع
في بيته، ثم بعد ذلك أراد الخروج إلى الجامع، فما استطاع ذلك فتوضأ وصلى الصبح
والضحى في بيته، ودفن بعد صلاة الضحى، وذكر ابن طولون أنه قبل موته بثلاث أيام حصل
من مشد الزبالة في حقه قلت: أدب
بسبب زبالة وجدها عند باب بيته، وذكر أن الذي ضربه، وحل عمامته رجل مجذوب. كان من
أتباع الشيخ العقيبي لأن الشيخ بركات كان ينكر على الشيخ عمر ما كان يعتاده من أمر
بعض فقرائه أن يطوفوا في الأسواق، وفي رقابهم المعاليق وغير ذلك. وهم يجهرون
بالذكر حتى ربما صرح الشيخ بركات بالإنكار في مجالسه العامة، فأضمر ذلك له ذلك
المجذوب حتى ظفر به، وقال له مالك: وللشيخ
عمر وكانت هذه الحادثة سبب موته - رحه الله تعالى - وصلى عليه الشيخ شمس الدين
الكفرسوسي في صحن الجامع الأموي، وكانت جنازته حافلة، ودفن بمقبرة باب الصغير
بالقرب من سيدي أوس. قال ابن طولون: ولم يخلف بعده في دمشق مثله في الوعظ، وحسن
صوته، وإدراكه لفن النغمة، ورثاه الفاضل الشيخ شهاب الدين ابن التدمري بقصيدة
أنشأها بعد الفراغ من الفراغ في صبحته أولها:
مات من كان للنواظر قره ... ولأهل الصلاح كان مسره
مات من كان خادم العلم دهراً ... فلهذا في العلم حصل عمره
سهر الليل في العلوم وسيما ... في حديث النبي أشغل فكره
كم له في الحديث قول صحيح ... شرح الله للأحاديث صدره
ناصر للحديث طول زمانه ... فلهذا قد عزز الله نصره
وله في العلوم قول سديد ... فيه شدد المهيمن أزره
وهي طويلة ونظمها متوسط ومن أبياتها:
ليس من أهل ذا الزمان، ولكن ... آخر المولد المبارك عمره
حافظ حد ربه فلهذا ... حاد عما نهى وتابع أمره
وإذا كان حاضراً بين جمع ... فتراه في الجمع قد صار صدره
وله في مجالس الوعظ قول ... ينفع السامعين في كل كره
إن يعد في الأنام يوماً مريضاً ... بدعاه فيكشف الله ضره
طالما قد دعا على كل نحس ... من ذوي العلم أخمد الله جمره
كم يؤاسي الفقير منه بفضل ... ثم يكفي لسائر الناس شره
إلى أن قال:
فتوفاه ذو الجلال شهيداً ... ليوفيه في القيامة أجره
راح من كف أهله وبنيه ... ومحبيه درة أي دره
يوم موت له بكى الناس حتى ... خلت فوق الثرى من الدمع
مطره
قد بكته مجالس الوعظ لما ... غاب عنها وخلد الله ذكره
بلغ الله روحه ما تمنى ... في جنان الرضى بأعلى الأسره
وجزاه الإله خيراً دواماً ... ثم أعلى في جنة الخلد قصره
وحباه بكل روح وريح ... ان ونعمى وغبطة ومسره
وما أحسن قوله فيها:
من يكن ذا نباهة ورشاد ... وسداد فليس يأمن دهره
أعظم الله أجركم في أخيكم ... وكفاه نار الجحيم وحره
ووقاكم من حادثات الليالي ... وكفاكم من حاسد السوء شره
352 - بركات ابن حسن الفيجي: بركات بن حسن الفيجي المقريء. أخذ
عن والده وعن غيره، وأجازه البدر حسن ابن الشويخ في سنة أربع وتسعمائة.
353 - بركات المصري: بركات الشيخ الصالح المجذوب المصري. كان
يحب الإقامة بالأخلية، وكان أكثر إقامته بميضأة الكاملية بمصر، أو بميضأة
الحجازية، وكان يرى الناس أنه يأكل الحشيش، سل عليه جندي سيفاً. وقال له: كيف أنت
شيخ وتأكل الحشيش؟ فقال له: هذا ما هو حشيش. وأعطاه الجندي: فوجده مأمونية حارة،
وله كرامات كثيرة. توفي سنة خمس عشرة وتسعمائة.
354 - بركات الخياط: بركات الخياط المصري الشيخ الصالح
الملامتي. كان يأكل من كسب يمينه، ويخيط المضربات المثمنة، وكان يقول لمن يخيط له:
هات معك فوطة وإلا اتسخ قماشك من ثيابي، وكان يتستر بالتقذر لا يدع جيفة يجدها من
كلب أو قط إلا وضعها في دكانه، وكان الشيخ نور الدين المرصفي وغيره يرسلون إليه
الحملات، فيضعونه له الحجر على حانوته، فيعلم بالحاجة، فيقضيها ويقول: الاسم لطوبه
والفعائل لأمشير نحن نتعب مع الناس وهؤلاء يأخذون الهدايا منهم، وأخبر بدخول ابن عثمان
مصر في الوقت الذي دخل فيه، وهوآخر يوم من سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، وكان الأمر
كما قال. ومات في ثالث شهر من دخوله، ودفن بالقرب من حوض الصارم بالحسينية
بالزاوية التي بناها له تلميذه الشيخ رمضان، ودفن معه جماعة من الصلحاء منهم سيدي
علي الخواص رحمه الله تعالى.
حرف التاء المثناةمن الطبقة الأولى: 355 - التوقاتي
الرومي: التوقاتي المولى العالم المدرس ببلدة أماسية الرومي الحنفي. كان فاضلاً
منقطعاً عن الناس بالكلية. مشتغلاً
بالدرس والعبادة، وكان لا يقدر على الحضور بين الناس وحشة منهم وحياء، وكان صالحاً
مباركاً. مات بأماسية في أواسط سلطنة السلطان سليمان خان رحمه الله تعالى.
حرف الثاء المثلثة خال
حرف الجيم من الطبقة الأولى
356 - جان بردي: جان بردي بن عبد الله الجركسي، الشهير
بالغزالي. سخيف الرأي كان في الدولة الجراكسية كافل حماة ثم دمشق، ثم لما قتل
الغوري بمرج دابق رجع جان بردي إلى مصر، وقد تسلطن طومان باي لما وصل موت الغوري
إلى مصر، فأقامه طومان باي كافلاً لدمشق، وبعث معه قوة من الجيش، فلما وصل جان
بردي وعسكره، إلى غزة تلاقى هو وسنان باشا وزير السلطان سليم، وكان قد جهزه السلطان
سليم أمامه إلى مصر، فانتصر عليه، وهرب جان بردي إلى مصر، فلما أخذ السلطان سليم
مصر أمنه، وولاه كفالة الشام دمشق، وصفد، وغزة والقدس وأعمالها، كما وعده بذلك،
ووعد خير بك بنيابة مصر حين كانا في عسكر الغوري، وبعثا يطلبان من السلطان سليم
الأمان أن لا يقتلهما، وأن يكرمهما، وأن يفرا عن الغوري ولا يثبتا في عسكره، فلما
التقى الجمعان فر خير بك بمن معه من ميمنة الغوري، وجان بردي بمن معه من ميسرته،
فوافاهما السلطان سليم بما وعدا، ثم لما رجع جان بردي إلى مصر وافق طومان باي، ومع
ذلك ثبت السلطان سليم على ميثاقه، ووعده وولاه نيابة الشام، ورجع في ركاب السلطان
سليم إلى دمشق، ثم خرج في وداعه، ثم عاد إلى دمشق، وقد ولى السلطان سليم قاضي
القضاة ابن الفرفور بعد أن تحنف وكان شافعياً، وأبطل القضاة الأربعة إلا ابن فرفور،
فكان قاضياً، وكان جان بردي نائباً، وأعاد الشهود إلى مراكزهم على عادتهم في
الدولة الجركسية بعد أن كان السلطان سليم قد رفعهم مع القضاة من مراكزهم، ووقع
بينه وبين ابن الفرفور بهذا السبب، ونشر العمل في دمشق وأعمالها، وأبطل ما كان حدث
بها من اليسق ومنع من أخذه، ومنع البوابين أن يأخذوا شيئاً من الداخلين إلى
المدينة، وجرد السيف على كل من تعرض من الأروام لا مرأة أو صبي، وكتب بذلك إلى
السلطان سليم، وأخبره بأن دمشق غير معتادة لهذه المناكر، فأجيب بأنا قلدناك أمر
الرعية، فافعل ما هو الشرع، وزادت محبة السلطان له والناس، وصار بينه ويين
الفرفوري تباين وتنافر، فإنه كان يميل إلى ابقاء القديم على قدمه، وكان ابن
الفرفور يأبى إلا قانون الأروام، وهرب منه إلى حلب خوفاً من انتهاك حرمته، وعرض
جان بردي بالقضاء لقاضي القضاة شرف الدين بن مفلح الحنبلي بدلاً عن ابن فرفور،
فأجيب إلى ذلك، وولي ابن مفلح القضاء إلى أن قتل جان بردي الغزالي.
قال والد شيخنا: وكان سيرتهما في مدتهما حسنة إلى سنة ست
وعشرين وتسعمائة، وكان الغزالي في بيروت، وجاءه الخبر بموت السلطان سليم، فركب من
ساعته إلى دمشق، وحاصر قلعتها أياماً يسيرة، ثم سلمها إليه أهلها، ونفى نائبها إلى
بيت المقدس، واستخدم من كان فيها من الينكجرية، ورد أولاد العرب من المقدمين، ورؤساء
النوب والبارودية والجلخية والبوابين إلى مناصبهم بالقلعة، وجعل نيابتها للأمير
إسماعيل بن الأكرم، وأمر الخطباء أن ينوهوا بسلطنته، ويدعون له بها على المنابر،
وفرح بذلك جهلة العوام دون عقلاء الناس لما يعلمونه من قوة بأس بني عثمان، وحذراً
عليه أن لا تبقى نيابة بيده بسبب بذلك فيعدمونه ويعدمون حسن سياسته، ثم توجه إلى
طرابلس وحمص وحماة وحلب، وحاصر قلاعها، ولم يظفر بطائل لكنه قبض على كافل حمص
وقتله، ثم دخل حماة وقد فر كافلها وقاضيها إلى حلب، فأخذ من كان معه في النهب،
وقتل من كان له غرض في قتله، وأوقع الحمويين في أمر مذبح.
ولما بلغ السلطان سليمان خان ما فعله جان بردي الغزالي
جهز جيشاً إليه، واشتد الخوف على أهل دمشق وأعمالها لما سمعوا بذلك، واضطربت
الأحوال، واختلفت الآراء وودوا العقلاء موت الغزالي أو قبضه ليتلقوا الجيش به
ليدفعوا عن أنفسهم تهمة ما فعله ويسلموا من انتهاك الحرم، وأخذ المهج، وصار
الغزالي إلى تحصين ما حول القلعة، ويبني التداريب المانعة من الدخول إلى المدينة،
ونصب منجنيقاً في داخل القلعة ليرمي بها الحاصرين لها، وكان الجهلاء والذين كتبهم
في عسكره فرحين بذلك متدرعين بالسلاح يقولون: نكسرهم إلى أبواب الروم والعقلاء
مهمومون بذلك لعلمهم بما يحدث بعده من حكام الأروام، ولا يقدرون على نصحه، واستمر
الناس في الخوف، وحاروا في أمورهم، فمنهم من نقل حرب إلى القوى، ومنهم من دخل المدينة
بماله وعياله، وصار الغزالي يكثر الركوب إلى داخل القلعة، ويرجع إلى دار السعادة،
وضاقت عليه الأرض، وهم بالهرب، وكانت جهالة عساكره الذين جمعهم من القرى يقولون
له: نحن فينا كفاية لصدهم، وصار ينادي كل يوم بالأمان والإطمئنان، وأن لا يخرج
أحلأ من محلته. قال الحمصي في تاريخه: وفي يوم الجمعة الثالث والعشرين منه - أي من
شهر صفر - سنة سبع وعشرين تسعمائة أمر جان بردي الغزالي يخطبوا له بالسلطنة،
ويلقبوه بالأشرف، فصلى بالجامع الأموي بالمقصورة، وخطب بالأشرف، ووقف على المقصورة
بساطاً في اليوم المذكور. قال: وفي يوم السبت رابع عشريه جمع مشايخ الحارات
بالجامع الأموي، وحلفهم أنهم معه ولا يخونوه، وإنما يكونوا على كلمة واحدة، وفي
الاثنين سادس عشريه ركب هو والعساكر وأهل الحارات إلى مسطبة السلطان بالقابون، فبلغه
أن عسكر السلطان بن عثمان وصل إلى القصير، وأن عدتهم اثنان وستون ألفاً، وأن باشهم
الوزير الثالث فرحات وصحبته نائب حلب قراجا باشا، والأمير شاه سوار، والأمير إياس
باش الينكجرية، والأمير محمد ابن قرقماس، والأمير محمد بن قرمان، وقاضي القضاة ولي
الدين بن الفرفور، وقد أعيد إلى وظيفة القضاء على عادته عوضاً عن قاضي القضاة شرف الدين
بن مفلح، فلما بلغ الغزالي ذلك ركب هو والعساكر إليهم، واقتتلوا وكسر عسكر
الغزالي، واستأصل جميع عسكره الأسافل، وذكروا أن عدة القتلى سبعة آلاف، ثم دخل
العسكر العثمانية إلى لدمشق على حمية على أثرهم، فوجدوا أبواب دمشق مفتحة، ولم يقف
أحد منهم في وجوههم، فطلع إليهم نائب القلعة الأمير إسماعيل بن الأكرم بمفاتيح
القلعة، وسلمهم إياها، ثم دخلوا البلد وانتهبوها، ولم يسلم منهم إلا ما قل.
وذكر والد شيخنا أن رعايا أهل دمشق كانوا يتضرعون إلى
الله تعالى أن يلقى الغزالي عساكر الأروام في الفلاة ليسلموا هم وحريمهم، فاستجاب
الله دعاءهم، وقبل تضرعهم، فخرج الغزالي إليهم هو وعسكره، وكان معه الأمير يونس بن
القواس بعشيره، والأمير عمر بن الغرقي بعشيره، والتقى العسكران بين دوما وعيون
فاسريا والقصير، فلما التقى الجيشان فر ابن القواس بعشيره، وثبت الغزالي هو وقليل
ممن معه، فقتلوا وقتل معه عمر ابن الغرقي ثم تبع الأروام بقية الفارين وأخذوا في
سلب ما عليهم وبايديهم ولو قصدوا قتل العوام الذين تجيشوا مع الغزالي لقتلوا خلقاً
كثيراً حتى وصلوا إلى القابون وآخر عسكر الروم بل أثناؤهم لا يعرفون أن الغزالي
برز إليهم حتى رأوا القتلى، فقالوا: ما شأن هؤلاء؟ فقيل لهم: إنه عسكر الغزالي،
ولم يدخل من عسكر الغزالي إلى البلد أحد. بل من سلم منهم من القتل فروا في القرى والقفار.
قال والد شيخنا: سوى عبد أسود بيده رمح راكب على فرس سايقها سوقاً حثيثاً، فقال له
الواقفون برأس الأباريز: بشر بشر، فقال: انكسروا، فكبروا فرحين ظناً منهم أن
الغزالي انتصر، فقال لهم رجل من العقلاء: من له بيت أو محلة فليذهب إليها، فإنما
أراد بقوله: انكسروا الغزالي وعسكره، فقيل له: بل انتصر، فبينما هم في المحاورة إذ
نادى رجل من أعلى القلعة من كان بيته داخل المدينة. فليدخل قبل إغلاق الباب، فهرع
الناس إلى مساكنهم وبيوتهم، فلم يكن بأسرع أن دخل عسكر الروم المدينة، وكان ذلك
يوم الثلاثاء السابع والعشرين من شهر صفر سنة سبع وعشرين وتسعمائة.
357 - جان بلاط: جان بلاط بن عبد الملك الأشرف أبو النصر سلطان
مصر اشتراه بشتك الدوادر وقدمه للأشرف قايتباي بعد طلبه له، فجعله خاصكياً، وقربه
إليه، وعلمه القرآن والحساب، والرمي، وصار رئيساً محتشماً، ثم رقاه أستاذه حتى
أعطاه تقدمة ألف على التجارة، واستمر على ذلك حتى ولي الدوادارية الكبرى في زمن
ولده الناصر، ثم أنعم عليه بنيابة حلب، وأقام بها سنة، ثم نقله إلى نيابة الشام، وأقام
بها سبعة أشهر. قال ابن طولون: وفي أيام ولايته بدمشق ذهبت في خدمة شيخنا المحدث
الجمال ابن المبرد إليه، فقال له: عني هذا ولدك فقال: لا هذا طالب علم. فأنشد:
يا طالب العلم لا تركن إلى الكسل ... واعجل فقد خلق
الإنسان من عجل
واستعمل الصبر في كسب العلوم وقل: أعوذ بالله من علم بلا
عمل ثم قدم القاهرة في زمن الظاهر، فولاه الأمرة الكبرى، وزوجه بأخته، وصار العادل
طومان بأي يرمي الفتنة بينه وبين الظاهر إلى أن تنافرا، وقدر جان بلاط على الظاهر،
فخرج من قلعة مصر وتركها له، فصعد جان بلاط القلعة، وتسلطن في ضحوة يوم الاثنين ثاني
القعدة سنة خمس وتسعمائة، ثم جرد قصروه نائب الشام، فأرسل إليه عسكراً مقدمهم
الدوادار الكبير، وأمير سلاح العادل طومان باي، فاتفقا عليه، وعادا إلى القاهرة،
فحصروا القلعة جمعة، وخامر عسكر جان بلاط عليه، ففروا عنه، فطلع إليه طومان باي في
يوم الاثنين ثامن عشر جمادى الآخرة ثاني سنة ولايته، وهي سنة ست وتسعمائة، فأمسكه
وأرسله إلى الإسكندرية، ثم قتله خنقاً، ودفن بها مدة شهر، ثم نقل إلى القاهرة ودفن
بتربة أستاذه قايتباي الأشرف نحو ثلاث أيام، ثم رد إلى تربته التي أعدها لنفسه
خارج باب النصر، فنقل إليها، ولم تتغير جثته رحمه الله تعالى.
358 - جبريل الكردي: جبريل بن أحمد بن إسماعيل، الشيخ الإمام
العلامة أمين الدين الكردي، ثم الحلبي الشافعي. أحد المدرسين بحلب والمعتبرين بها،
كان له القدم الراسخة في الفقه والكتابة الحسنة المعربلة على رقاع الفتاوى أخذ
الحديث عن السيد علاء الدين بن محمد بن عفيف الدين بن محمد ابن السيد بدر الدين
الألجي، وأجاز له جميع ما يجوز له وعنه روايته، وأخذ الصحيحين عن الكمال ابن
الناسخ بحق قراءته لهما عن الحافظ برهان الدين الحلبي، وقرأ صحيح مسلم على قاضي
القضاة نظام الدين بن التادفي الحنبلي، وكان ديناً، خيراً، متواضعاً، مشغولاً بإقراء
الطلبة في الفقه والعربية وغيرهما، ولف في آخر عمره مئزراً على رأسه، وتوفي سنة
ثلانين وتسعمائة كما قال ابن الحنبلي رحمه الله تعالى.
359 - جبريل الشافعي: جبريل قال الحمصي في تاريخه: سنة سبع عشرة
وتسعمائة رابعة الجمعة صلي بالجامع الأموي - يعني بدمشق - صلاة الغيبة على الشيخ العلامة
وجيه الدين جبريل الشافعي مفتي حلب، وتوفي بها قلت: الظاهر أنه غير جبريل المتقدم،
ولم يذكره ابن الحنبلي في تاريخه.
360 - جعفر بن إبراهيم السنهوري: جعفر بن إبراهيم، الشيخ الإمام
العلامة المقريء المجود نور الدين أبو الفتح ابن الشيخ صارم الدين أبي إسحاق
السنهوري، المصري، الشافعي، البصير أخذ القراءات عن الشيخ شهاب الدين أبي جعفر
أحمد الكيلاني، المعروف بابن الحافظ وعن غيره، وكانت وفاته في سنة ثلاث وعشرين
وتسعمائة رحمه الله تعالى.
361 - جعفر بن تاجي بيك: جعفر بن تاجي بيك المولى الفاضل الرومي
الحنفي، كان والده في خدمة السلطان أبي يزيد خان حين كان أميراً على أماسية، ورغب
هو في طلب العلم، وخدم الموالي كالمولى بن الحاج حسن، والمولى القسطلاني، والمولى
خطيب زده، والمولى خواجه زاده، واشتهر بالفضل، ورغب في خدمة الفضلاء، وأعطاء
السلطان أبو يزيد خان مدرسة محمود باشا بالقسطنطينية، ودرس بها وأفاد، ثم جعله
موقعاً بالديوان السلطاني، وعاش في دولة وافرة، ونكب فانتهبت ثاره، وعزل عن منصبه
في آخر سلطنة السلطان أبي يزيد بحادثة يطول شرحها، وأعطي تقاعداً مائة درهم كل
يوم، فلم يقبله، ولما تسلطن السلطان سليم خان أضاف إليها قضاء بعض البلاد فقبلها،
ثم جعله موقع الديوان، ثم قاضياً بالعساكر الأناظولية، ثم قتله لأمر أوجب ذلك في
قصة يطول شرحها.
362 - جمال خليفة القراماني: جمال خليفة، الشيخ العارف بالله
تعالى جمال الدين القراماني الحنفي: كان مشتغلاً في العلم، فاضلاً في فنونه. قرأ
على قاضي زاده. وخدم المولى مصلح الدين القسطلاني، وكان خطه حسناً استكتبه السلطان
محمد خان في نسخة من كافية ابن الحاجب، وأجازه بمال حج به، ثم رجع إلى
القسطنطينية، فدخل يوماً على القسطلاني، وهو يومئذ قاض بالقسطنطينية، ومعه مصحف
بخط أرغون الكاتب لبعض إخوانه يريد بيعه، فعرضه على السلطان، فقال له. كم درهماً
يريد صاحبه؟ فقال: ستة آلاف درهم. فقال: كثير ودفعه إلى جمال خليفة، ثم عرضت على
المولى القسطلاني أفراس وردت من بلاد قرامان، فاشترى فرساً منها بعشرة آلاف درهم.
قال جمال خليفة - رحمه الله تعالى - : فقلت في نفسي: أنا لا أصير في العلم مثل المولى
القسطلاني، ومع ذلك هذا حاله في آخر عمره، وكان ذلك سبباً لإنقطاعي عن طريق العلم،
وميلي إلى طريق الصوفية، ثم صحب جمال خليفة في طريق الله تعالى الشيخ حبيب
القراماني الآتية ترجمته في حرف الحاء المهملة، ولزم خدمته، واشتغل بالرياضات
والمجاهدات حتى أجازه بالإرشاد، فأقام مدة في بلاد قرامان، ثم دخل القسطنطينية،
وبنى له الوزير بيري باشا زاوية، فأقام بها حتى مات.
وكان يتكلم في التفسير، ويعظ الناس ويذكرهم ويلحقه عند
ذلك وجد وحال، وربما غلب عليه الحال، فألقى نفسه من على المنبر، وكان لا يسمع صوته
أحد إلا ويحصل له حال، وتاب على يديه جماعة، وسمع صوته مرة كافر من بعد، فدخل
المسجد وأسلم على يده، وكان عابداً، زاهداً، ورعاً، متضرعاً يستوي عنده الغني
والفقير، يحب الطهارة، ويغسل أثوابه بنفسه مع ما له من ضعف المزاج، وكان يقول:
التوحيد والإلحاد يعسر التمييز بينهما، وكان متمسكاً بالشريعة، محذراً ممن لا
يتمسك بها، ويقول: إن مبنى الطريقة على رعاية الأحكام الشرعية، وكانت وفاته سنة ثلاث
وتسعمائة رحمه الله تعالى.
363 - جبير بن نصر التبريزي: جبير بن نصر العجمي التبريزي،
الشيخ الصالح نزيل دمشق. كان كثيراً ما ينشد قول محمد بن عبد الباقي الشهير بابن
نصر الكاتب:
كيف السلوك إلى سبيل محجة ... في الوصل تستبقي الصديق
صديقاً
إن زرته مدداً يمل، وإن أزر ... غباً يراه قطيعة وعقوقا
توفي بدمشق في أوائل جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة
وتسعمائة، ودفن بجانب الشارع الأعظم قبلي تربة الطواشي رحمه الله تعالى.
حرف الحاء المهملةمن الطبقة الأولى: 364 - حبيب
القراماني: حبيب القراماني العمري من جهة الأب، البكري من جهة الأم، الشيخ العارف
بالله تعالى أحد شيوخ الروم. اشتغل في أول عمره بالعلم، وقرأ في شرح العقائد، ثم
ارتحل إلى خدمة السيد يحيى ابن السيد بهاء الدين الشيرازي، فلقي في طريقه جماعة من
مريديه، فقال لهم: إن يقدر شيخكم أن يريني الرب في يوم واحد، فلطمه أحدهم لطمة شديدة
حتى خر مغشياً عليه، فعلم السيد يحيى بهذه القصة، فدعا الشيخ، وقال له: لا بأس
عليك إن الصوفية تغلب الغيرة عليهم، وإن الأمر كما ظننت، وأمره بالجلوس في موضع
معين، وأن يقص عليه ما يراه، ثم قال لمريديه: إنه من العلماء، فحكي عن الشيخ أنه
قال: لما دخلت من الموضع جاءتني تجليات الحق مرة بعد أخرى، وفنيت عن كل مرة، ثم
داوم على خدمة السيد يحيى اثنتي عشرة سنة، ثم استأذن منه، وعاد إلى بلاد الروم،
وسكن مدة بأنقرة، ولازم زيارة الشيخ المعروف بحاج بيرام، وصحبة الشيخ آق شمس
الدين، والأمير النقشبندي القصيري، والشيخ عبد المعطي الرسي وغيرهم، وكان له أشراف
على الخواطر، ولم يره أحد راقداً، ولا مستنداً إلا في مرض موته. توفي - رحمه الله
تعالى - سنة اثنتين
وتسعمائة، ودفن في مدينة إماسية بعمارة محمد باشا.
365 - حسام بن الدلاك: حسام العالم المولى الرومي الحنفي،
المعروف بابن الدلاك. كان
خطيباً بجامع السلطان محمد خان بالقسطنطينية، وكان يعرف العربية، وكان له مهارة
تامة في علم القراءات. حسن الصوت، حسن التلاوة. مات في أوائل القرن العاشر رحمه
الله تعالى.
366 - حسن بن محمد بن سعد الدين الجباوي: حسن بن محمد الجباوي،
ثم الدمشقي القبيباتي الشافعي، الصوفي، المعروف بابن الشيخ سعد الدين الجباوي.
سأله الشيخ شمس الدين بن طولون: هل أخذت عن أحد؟ فذكر له أنه أخذ عن الشمس الارتحي
وجماعة، فاستجازه فأجاز له، ومن المشهورين طريقهم أنهم يبرئون من الجنون بإذن الله
تعالى بنشر يخطون فيها خطوطاً كيف اتفق، فيشفى بها العليل، ويحتمي لشربها عن كل ما
فيه روح، ثم يكتبون للمبتلى عند فراغه من شرب النشر حجاباً.، وفي الغالب يحصل
الشفاء على أيديهم، وأخبرني بعض من اعتقد صلاحه وصدقه من جماعتهم أنهم يقصدون بتلك
الخطوط التي يكتبونها في نشرهم وحجبهم: بسم الله الرحمن الرحيم، وهم يتلفظون بها
حال الكتابة، وأصل هذه الخاصية التي لهم أن جدهم الشيخ سعد الدين لما فتح الله
تعالى عليه، وكوشف بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعلي - رضي الله تعالى
عنهما - وكان قبل ذلك من قطاع الطريق، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم علياً - رضي
الله تعالى عنه - أن يطعمه ثمرات أغمي على الشيخ سعد الدين أياماً، ثم لما يفق إلا
وقد تاب الله تعالى عليه وفتح عليه، ثم كشف الله تعالى. له عن كبير الجان، فأخذ
عليه العهد بذلك، وكانت وفاة صاحب الترجمة يوم الخميس عاشر جمادى الأولى سنة عشر
وتسعمائة رحمه الله تعالى.
367 - حسن بن محمد بن الشويخ: حسن بن محمد ابن الشيخ العلامة
المقرئ الصوفي بدر الدين ابن الشيخ محمد المقدسي الشافعي، المعروف بابن الشويخ.
أخذ القراءات، ولبس خرقة التصوف من الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن علي
إمام الكاملية بين القصرين بالقاهرة بحق لباسه لها من الشيخ العلامة المقري
الصوفي، المعروف بابن الجزري، ولبسها أيضاً من الشيخ محمد البسطامي شيخ زاوية سيدي
تقي الدين العجمبم البسطامي الكائنة بمصر أسفل قلعة الجبل بالمصنع، وأخذ عليه
العهد ولقنه الذكر بمكة في سابع رمضان سنة خمس وتسعمائة، وأخذ الحديث عنه الحافظ
عثمان الديمي الشافعي رحمه الله تعالى.
368 - حسن بن محمد منلا بدر الدين: حسن بن محمد منلا بدر الدين الرومي
الحنفي قدم دمشق مع الدفتردار الزيني عمر الفيقي، وكان يقريء ولده، فأخذ له تدريس
القصاعية الحنفية، فدرس بها، وحضره بعض أولاد العرب منهم القطب بن سلطان مدرس
القاهرية الجوانية، وحج في سنة ثمان وعشرين وتسعمائة، وتوفي يوم الأربعاء ثامن
عشري جمادى الآخرة سنة تسع بتقديم المثناة وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة
واسعة.
369 - حسن بن إبراهيم الدسوقي: حسن
بن إبراهيم، الشيخ الصالح ابن الشيخ المعتقد الماوردي الزبداني، المعروف بابن
الدسوقي. كان له لطف ومحاورة. قال ابن طولون: أنشدنا ببيته بالزبداني لأبي الحسن
القيرواني:
كم من أخ قد كان عندي شهدة ... حتى بلوت المر من أخلاقه
كالملح يحسب سكراً في لونه ... ومجسه ويحول عند مذاقه
توفي ليلة الأربعاء سادس عشر القعدة سنة سبع عشرة
وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
370 - حسن بن إبراهيم الحنبلي: حسن بن إبراهيم بن أحمد بن خليل
بن أحمد بن عيسى بن عثمان بن عمر بن علي بن سلامة، الشيخ بدر الدين العجمي الأصل، المقدسي
البيت لبدي، ثم الصالحي الحنبلي. حفظ المحرر للمجد بن تيمية، وحله على شارحه الشيخ
علاء الدين البغدادي، ولازم شيخ الحنابلة الشهاب العسكري في حل المقنع والتنقيح،
وحل توضيح ابن هشام في النحو على الشيخ شهاب الدين بن شكم، ولازمه مدة طويلة وتسبب
بالشهادة في مركز العشر، وتوفي يوم الخميس حادي عشر المحرم سنة خمس عشرين وتسعمائة
بالصالحية، ودفن بتربة القاضي علاء الدين الزواوي رحمه الله تعالى.
371 - حسن بن أبي بكر بن مزهر: حسن بن أبي بكر بن مزهر، القاضي
بدر الدين ابن القاضي زين الدين كاتب الأسرار بالقاهرة. صودر وحبس، ثم ضرب بحضرة
السلطان الغوري، ثم عصر، ثم لف القصب والمشاق على يديه وأحرقت، ثم عصر رأسه، ثم
أحمي له الحديد ووضع على ثدييه، وأقطع ثديه، وأطعم لحمه واستمر في العذاب إلى أن
مات بقلعه مصر، وعذب عذاباً شديداً - رحمه الله تعالى - وكانت وفاته يوم الأربعاء
رابع رجب سنة عشر وتسعمائة رحمه الله تعالى.
372 - حسن بن أحمد الكبيسي: حسن بن أحمد، الشيخ الصالح بدر
الدين الكبيسي، ثم الحلبي. سمع ثلاثة أحاديث بقراءة الشيخ أبي بكر الحيشي على مسند
الدنيا الشيخ محمد بن مقبل بن عبد الله المؤذن، الحلبي، وأجاز لهما، وكان معتقداً
عند الناس، محباً للعلماء والصلحاء، شديد الحرص والميل إلى مجالس العلم والذكر،
وقال الشيخ زين الدين بن الشماع: لم تر عيني مثله في شدة ضبطه للسانه، وتمسكه
بالشريعة. قال ابن الحنبلي: ولم يضبط عنه أنه حلف يوماً على نفى ولا إثبات، وحكي
أنه لما قربت وفاته أوصى أن يجهز ويدفن متى مات ليلاً أو نهاراً، وأن يكفن في شاش كان
على رأسه، فكفن به بعد أن تبرع له معتقدوه بأكفان كثيرة، وكانت وفاته في سنة إحدى
وتسعمائة أو بعدها بيسير رحمه الله تعالى.
373 - حسن بن أحمد الوفائي: حسن بن أحمد، الشيخ الصوفي الوفائي
الحلبي.كان سالكاً على طريقة سيدي علي وفاء. كما كان أبوه كذلك، وكان خياطاً
ومحبوه يترددون إلى حانوته ويتبركون بخياطته، وكان أسمر اللون، وشعر رأسه مسترسل،
وعلى رأسه مدلوكة من صوف أسود وعمامة سوداء، وعباءة سوداء، وكان متقشفاً مخشوشناً ملازماً
علي الذكر في مريديه بمسجد قرب داره في زقاق الكلاسة بحلب، وهو غير محلة الكلاسة
بها إلى أن توفي في سنة ثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
374 - حسن ابن ثابت الزمزمي: حسن بن ثابت بن إسماعيل الشيخ
الإمام الحيسوب المفيد بدر الدين الزمزمي، المكي. خادم بئر زمزم. وسقاية العباس -
رضي الله تعالى عنه - نزيل دمشق الشافعي. أخذ العلم عن قريبه الشيخ إبراهيم
الزمزمي وغيره، ثم اعتنى بعد الزيارج، وبتصانيف الشيخ جلال الدين السيوطي - رحمه الله
تعالى - وتوفي بالمدرسة الباذرائية داخل دمشق في سابع عشر ربيع الأول تقريباً سنة
إحدى وعشرين وتسعمائة تحقيقاً، ودفن بمقبرة باب الصغير رحمه الله تعالى.
375 - حسن بن صالح السرميني: حسن بن صالح بن سلامة الشيخ، الفاضل،
الأديب بدر الدين السرميني، الإدلبي، الأزهري، ثم الحلبي، الشافعي، الصوفي،
الشاعر. ولد في حدود الثمانين وثمانمائة بسرمين، ونشأ بها يتيماً عند أمه، ثم بلغ
ثم ارتحل إلى الشام وزار بيت المقدس، ثم رحل إلى القاهرة، وأقام بالأزهر أربع سنين،
واشتغل بالعلم، ولازم الشيخ نور الدين المحلي وغيره. وتردد إلى شيخ الإسلام القاضي
زكريا، ثم ذهب إلى مكة في سنة ثلاث عشرة وتسعمائة، وجاور بها سبع سنين متوالية،
وقرأ بها العلم. وقرأ جانباً من البخاري على الحافظ تقي الدين بن فهد، ولعله مات
في حدود هذه الطبقة.
376 - حسن بن عطية العلوي: حسن بن عطية بن محمد بن فهد، المسند
بدر الدين العلوي الهاشمي المكي الشافعي، ولد يوم الأربعاء تاسع المحرم سنة ثلاث وأربعين
وثمانمائة، وأخذ عن والده وعمه الحافظ تقي الدين بن فهد، وأبي الفتح المراغي، وعبد
الرحيم الأسيوطي، وأبي الفضل بن حجر العسقلاني، واجتمع به ابن طولون في سنة عشرين
وتسعمائة، وأجاز له ولم يسمع منه، وتوفي في القعدة سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة
رحمه الله تعالى.
377 - حسن بن علي المنوفي: حسن بن علي القاضي، بدر الدين
المنوفي المصري، ثم الدمشقي المالكي الشهير في بلده بابن مشعل. قال ابن طولون: حدث
بدمشق عن جماعة منهم الحافظ شمس الدين السخاوي، وقرأت عليه في دار الحديث وغيرها
قطعاً من كتب وأربعينات وأجزاء، ومنه وصلت المسلسل بالمالكية سنة سبع وتسعمائة
رحمه الله تعالى.
378 - حسن بن المرادي الحنبلي: حسن بن علي بن عبيد بن أحمد بن عبيد
بن إبراهيم، الشيخ، الإمام، الفاضل بدر الدين أبو علي المرادي، ثم الدمشقي الصالحي
الحنبلي. حفظ القرآن العظيم وعدة كتب، واشتغل أولاً على جماعة، وآخراً على الشيخ
زين الدين بن العيني، فقرأ عليه شرحيه على الألفية، وعلى الخزرجية، وأخذ الحديث عن
ابن السلمي، وأبي الشريفة، النظام بن مفلح، ورحل مع الجمال بن المبرد إلى بعلبك،
فسمع بها غالب مسموعاته، وسمع على جماعة كثيرين، وكان له خط حسن، وكان يتكسب
بالشهادة، وهو من شيوخ ابن طولون ومجيزيه. توفي يوم الخميس تاسع رمضان سنة ست عشرة
وتسعمائة.
379 - حسن البعلي: حسن بن علي الشيخ الإمام العالم بدر الدين بن
أبي الحسن البعلي إمام الجامع الكبير بها. توفي يوم الثلاثاء ثاني عشري جمادى
الأولى سنة ست عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى.
379 - حسن بن علي الماتاني الصالحي: حسن بن علي بن محمد الشيخ
بدر الدين الماتاني الصالحي سمع على الشهاب بن زيد، والنظام بن مفلح، والبدر بن
نبهان وغيرهم، وكان له استحضار عظيم في السيرة، ومعقول حسن، ومحبة لأهل الحديث.
توفي ليلة الأربعاء ثاني عشري شعبان سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
380 - حسن بن علي الحصكفي: حسن بن علي بن يوسف بن المختار،
الشيخ الإمام شيخ الإسلام بدر الدين الإربلي الأصل، والحصكفي، الحلبي، الشافعي،
الشهير بابن السيوفي. خاتمة
علماء الشافعية بحلب. ولد تقريباً في سنة خمسين وثمانمائة بحصن كيفا. كذا ذكره
السخاوي في الضوء اللامع، والذي نقله الشيخ زين الدين بن الشماع عن المحب جار الله
بن فهد عن نفس صاحب الترجمة أنه ولد في سنة إحدى وخمسين وثمانمائة، وأنه نشأ
بالحصن، وحفظ القرآن العظيم، و " المنهاج " للنووي، و " الإرشاد
" لابن المقري، وألفيتي العراقي في الحديث، وفي السيرة، و " منهاج البيضاوي
" في الأصول و " الطوالع " . له أيضاً في أصول الدين، و " الشاطبية
" في القراءات و " الكافية " لابن الحاجب، و " الألفية "
لابن ممالك في النحو، و " تصريف العزي " في الصرف، و " الشمسية
" في المنطق، وقرأ الشاطبية والقرآن العظيم بمضمونها على شيخ القراء أبي محمد
سليمان بن أبي بكر بن المبارك شاه الهروي، وهو على الجلال أبي عبد الله يوسف بن
رمضان بن الخضر الهروي، وهو عن ابن الجزري، وأخذ عن الهروي المذكور أيضاً علم العروض،
وأنهى عليه كتاب القسطاس للزمخشري قراءة بحلب، وقرأ أيضاً بعض السبع على أبي الحسن
الجبرتي نزيل سطح الجامع الأزهر في دخلته إلى القاهرة، وقرأ ثمن حزب أو دونه
للأربعة عشر على الزين جعفر السنهوري، وأخذ الفقه وغيره بها عن الشيخ العلامة شمس
الدين الجوجري، وسمع عليه، وأخذ بالقدس عن الكمال بن أبي شريف بعض " الحاوي
" وقرأ عليه أيضاً حاشيته على شرح العقائد، وشيئاً من شرحه على المسايرة
للإمام ابن الهمام، وشيئاً من حاشيته على شرح المحلي لجمع الجوامع، وكان صاحب
الترجمة كتب على هوامش نسخته أنظاراً على شيخه المؤلف المشار إليه، فلما دفع إليه
نسخته ليكتب عليها الإجازة تذكرها، فتكدر حياءً من شيخه، فاتفق أن الشيخ اطلع
عليها، وردها عن آخرها، وأجازه من غير اكتراث، ولا تغير عليه، وهذه منقبة عظيمة
للكمال بن أبي شريف، ولصاحب الترجمة رواية أيضاً عن القطب الخيضري، وقرأ الشاطبية أيضاً
على الشمس السلامي الحلبي بها، وأخذ عنه الفقه والحديث أيضاً، وقرأ عليه في
الصحيحين، وشرح ألفية العراقي، وحمل عنه أيضاً ألفية ابن معطي، وألفية بن مالك
كلاهما في النحو، وأخذ عن الشيخ علي قرا ثرويش الأصول والمنطق والمعاني والبيان،
وأخذ الحديث أيضاً من الشيخ أبي ذز بن البرهان الحلبي، وقرأ عليه في الصحيحين و
" الشفاء " للقاضي عياض، وأخذ عنه أيضاً " إعراب
المنهاج " له، وعن الشيخ نصر الله " الكافية " لابن الحاجب، وعن منلا
زاده " تفسير البيضاوي " . وتلمذ أيضاً للعلامة المحقق منلا عبد الرحمن
الجامي، وحج قديماً سنة ست وستين وثمانمائة، وأخذ بمكة عن التقي بن فهد، وسمع على
الشيخ عبد الرحمن بن خليل الأذرعي بدمشق سنة سبع وستين تأليفه المسمى بشارة
المحبوب، بتكفير الذنوب، وأخذ عن البرهان البقاعي سنة إحدى وثمانين وثمانمائة،
وأجازه بالإفتاء والتدريس جماعة، وصار أعجوبة زمانه، وواسطة عقد أقرانه، ثم تصدر
ببلده للإفادة، وانتفع الناس بتدريسه وإفادته، وصار شيخ بلده ومفتيها ومحققها
ومدققها مع الديانة والصيانة، غير أنه كان يكثر الدعوى والتبجح والمشاححة لطلبة
العلم في ألفاظ وغيرها، وتنافس في المباحثة مع الشيخ عبد الغني المغربي شيخ
المالكية بدمشق ومع غيره.
وكان طويل القامة، نير الشيبة، مهيباً، من رآه لا يشك أنه
من كبار العلماء، وعظام النبلاء غير أنه كان يخضب لحيته بالسواد في أول شيبه، ثم ترك
آخراً، وله من المؤلفات حاشية على شرح المنهاج للمحلي، وحاشية على شرح الكافية
المتوسط للسيد ركن الدين، ومن شعره ما كتبه على غطاء علبة:
إلهي فاحفظني وقال: اتكشف الغطا ... إذا ما كشفت السر عن
كل مضمر
ولكن غطاء القلب، فاكشفه سيدي ... وأشهدني الأسرارفي كل
مظهر
وقال رحمه الله تعالى:
إذا ما نالت السفهاء عرضي ... ولم يخشوا من العقلاء لوما
كسوت من السكوت فمي لثاماً ... وقلت: نذرت للرحمن صوما
وقال في مؤذن اسمه قاسم، ولم يكن حسن الصوت:
إذا ما صاح قاسم في المنار ... بصوت منكر شبه الحمار
فكم سبابة في كل أذن ... وكم سبابة في كل دار
توفي بحلب في رييع الأول سنة خمس وعشرين وتسعمائة بعد أن
ألمت به كائنة بغير حق من قبل قاضي حلب زين العابدين محمد بن الفناري، وقد أشرنا
إليه في ترجمة المذكور، وفي تاريخ ابن طولون أنه مات قهراً بسبب تلك الكائنة، ولم
تطل مدة القاضي بعدها كما تقدم، وكان للصلاة على الشيخ بدر الدين مشهد عظيم بالجامع
الكبير بحلب، ودفن في مقابر الحجاج، ووضع تحت رأسه طاقية كان قد وهبها له الشيخ
الصالح علاء الدين علي بن يوسف ابن صبر الدين الجبرتي بوصية منه. ورآه أحد ولديه
في المنام، وهو يشكو من سقوط لبن القبر على ضلعه، فتوجه إليه ولده والحاج أبو بكر
الحجار، المعروف بابن الحصينة، فنظرا، فإذا هو قد سقط قال أبو بكر: فكشفت عليه،
فوجدته لم يتغير، ولا ظهر له رائحة كريهة، وإنما انقطع الكفن من عند كتفه قليلاً.
وصلي عليه غائبة بدمشق في الجامع الأموي يوم الجمعة بعد
صلاتها رابع ربيع الثاني من سنة خمس وعشرين المذكورة - رحمه الله تعالى - .
382 - حسن بن عمر الحبار الرحيبي: حسن بن عمر. وقال الشيخ موسى
الكناوي: حسن بن محمد الشيخ الصالح المبارك الحبار الدوباي الرحيبي نسبة إلى
الرحيبة من عمل دمشق عنها يوماً ونصف يوم، ثم الدمشقي. كان من عباد الله تعالى الصالدين،
وأوليائه المقربين، وكان يعمل الحبر المليح ويبيعه ويقتات من كسب يمينه، وكان لا
يلقى أحداً إلا مبتسماً، ويسابقه بالسلام، وكاد سليم الصدر من الغش والحسد،
ملازماً على الذكر، مشغول القلب بالله تعالى، وكان يقرأ عنده جماعة بتربة عمر بن
منجك، منهم رجل اسمه موسى الرشاني، فمرض. فقال للشيخ حسن: إني دفنت في موضع كذا
سبعين أشرفياً قايتبائياً أخرج علي منها، والباقي لك لا أستحق فيه حقاً دونك، فمات
موسى المذكور، وصرف عليه الشيخ أشرفيين، وبعد أيام حضر ابن عم له، فسأل: هل خلف
شيئاً؟ فأحضر له جميع المبلغ المذكور، ودفعه إليه، ولم يأخذ شيئاً، وكان بميدان
الحصا امرأة غاب عنها زوجها، ولها أولاد أيتام، وكان الشيخ يجمع لها من الفطرة كل
سنة ثلاثة أكيال، فاستاجر في بعض السنين من رجل يقال له عمر الإقبالي الحمصي
حماراً يحمل عليه القمح، فذهب مع الشيخ إلى بيت تلك المرأة، فلما أفرغ المغل رأى المرأة
قد أقبلت على الشيخ، فدعت له، ولم يرد عليها الشيخ ولا كلمة، ولا أعارها طرفه.
قال: فرأيتها امرأة جميلة، فلما كنا في أثناء الطريق. قلت له: يا
سيدي هذه امرأة جميلة، ولم لا تتزوجها؟ قال: وما أعلمك بأنها جميلة. فقلت: قد
رأيتها، فقال: هه - كلمة تعجب وزجر - قال: ولم يخاطبني، ولم ينظر إلي بعد ذلك
يومين، وكانت هذه عادته مع الأرامل والأيتام يتفقدهم، ويملأ لهم الماء، ويقضي
حوائجهم، ويدفع إليه مما يدفعه إليه أهل الخير من زكوات أموالهم، وكانوا يستحبون
دفع الصدقات والزكوات إليه ليصرفها على مستحقيها ثقة بأمانته، وديانته، ومعرفته
للمحتاجين، والحكايات عنه في ذلك كثيرة، ولما كان سيدي محمد بن عراق بالصالحية في
سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة. قام في عمارة الرصيف الذي بدرب الصالحية، فكان الشيخ
الحبار يمضي ويعاونهم في عمارته، ويضرب لثاماً كي لا يعرف، فقدر أنه مرض، فجاء
إليه سيدي محمد بن عراق " مختفياً " ، وأهدى إليه هدية، وذكره في
سفينته، فيمن صحبهم في طريق الله تعالى، وشهد فيه أنه من الأخيار، وكانت وفاته رضي
الله تعالى عنه يوم الاثنين ثالث عشر شعبان سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، ودفن بتربة
باب الصغير قريباً من تربة عمر بن منجك. قال الشيخ موسى الكناوي - رحمه الله تعالى - ورأيته بعد
موته في المنام، فقلت له: كيف وجدت الله. فقال: خير موجود رحمه الله.
383 - حسن بن عيسى الفلوجي: حسن بن عيسى بن محمد الفلوجي البغدادي
الأصل، العالم الحنفي بدر الدين اشتغل قليلاً على الزيني بن العيني، واعتنى
بالشهادة، ثم تركها، وحضل دنيا واسعة، وحج سنة عشرين، وجاور، وولي نظر الماردانية
والمرشدية، ونزل له أخوه شمس الدين عن تدريسها، وعدة مدارس، ولم يكن فيه أهلية
فتفرقها الناس مع أنه كثير الشر. كما قال ابن طولون، ومات يوم الثلاثاء، ودفن يوم
الأربعاء عشرين صفر سنة سبع وعشرين وتسعمائة، ودفن بالسفح رحمه الله تعالى.
384 - حسن الطحينة: حسن، الشيخ الصالح، الحلبي، الشافعي، الشهير
بالشيخ حسن الطحينة. قرأ في الفقه على الشيخ عبد القادر الأبار الحلبي، ثم صار من
مريدي الشيخ موسى الأريحاوي، وانقطع بالجامع الكبير بحلب بالرواق المعروف يومئذ
بمصطبة الطحينة، نحو أربعين سنة بحيث لا يتغير من مكانه صيفاً ولا شتاء.
وحكيت عنه مكاشفات، وهرع إليه الناس بالأموال وغيرها،
وكان يصرفها في وجوه الخير من عمل بعض الركايا، وإصلاح كثير من الطرقات وإزالة ما
فيها، وكان إذا رأى طائراً على بركة الجامع الكبير بحلب. قال: هذا رسولي يخبر بكذا
وكذا، وكان يكره سماع اليراع، وينفر منه إذا سمعه، وكان يخلط المآكل المنوعة إذا
وضعت له، فإذا قيل له في ذلك قال: الكل يجري في مجرى واحد. توفي - رحمه الله تعالى
- في سنة سبع وتسعمائة.
385 - حسن المطراوي: حسن المطراوي المصري، صاحب الكرامات
والخوارق، وكان مقيماً بجامع القرافة، والناس يقصدونه بالزيارة، وكان شيخاً طاعناً
في السن قارب المائة سنة ومع ذلك يقوم الليل على الدوام، قال الشيخ عبد الوهاب
الشعراوي: وأخبرني أنه فقد الماء الذي يتوضأ منه في ليلة، فتوجه إلى الله تعالى،
وإذا بشخص من أرباب الأحوال طائر، وفي عنقه قربة ماء ملأها من النيل،. فنزل عليه،
وصبها له في الخابية، وصعد في الهواء. قال: ثم قال لي: يا ولدي من صدق مع الله
تعالى سخر له الوجود، فإني لو أعلم أني لو كنت غير صادق معه في قيام الليل، أو قمت
لعلة ما سخر لي بعض أوليائه. توفي في سنة عشر تقريباً رحمه الله تعالى.
386 - حسن مؤدب الأطفال: حسن الشيخ، الصالح، المبارك، الفقيه
اللطيف بدر الدين المصري مؤدب الأطفال بخروبيها أدب جماعة من أكابرها وأعيانها
كالقافي بدر الدين بن عبد الوارث وأولاد ابن عبد المنعم وغيرهم منذ سنين طبقة بعد
طبقة. قال العلائي: وقد ذكر لي أنه وجد بعد موت والده عدة مساطير بمعاملات كثيرة، فتفكر
في تخليصها ومخاصمات أربابها، وما في ذلك من المشاق، فغلب عليه طريق الراحة
والخير، فغسلها أجمع وقنع بجهة التعليم، وكان أمة في ذلك مواظباً درباً مباركاً
فيه متبركاً به، ونال منه معايش مع الانجماع، وفراغ القلب، وكأن ملازماً لأذان
الخروبية السكري سكنه، والإمامة بجامع الحسنات، توفي ليلة الثلاثاء سادس عشر صفر
سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة عن نحو تسعين سنة رحمه الله تعالى.
387 - حسن العراقي: حسن العراقي نزيل مصر، الشيخ الصالح العابد
الزاهد صاحب الأحوال العجيبة، والكشف الصحيح، كان عن طريقه إذا أتاه أحد بشيء من
الأثواب النفيسة ويقول هذا نذر لك يا شيخ حسن يقبلها ثم يأخذ السكين فيقطعه قطعاً
ثم يخيطها بخيط ومسلة، ويقول: إن العبد إذا لبس الجديد تصير النفس سارقة بالنظر
إليه، وتعجب به، فإذا قطعناها تقطع خاطر النفس، وحكى عنه الشيخ عبد الوهاب
الشعراوي حكاية عجيبة أخبر بها عن نفسه أنه كان في مبتدأ أمره شاباً من أهل دمشق،
وكان ينسج العباء، وكان مسرفاً على نفسه، فجاءه التنبيه من الله تعالى: ما لهذا
خلقت، فدخل الجامع الأموي، فوجد شخصاً يتكلم على الكرسي في شأن المهدي وخروجه،
فاشتاق إلى لقائه، وصار يدعو الله تعالى في سجوده أن يجمعه بالمهدي، فبيمنا هو
ليلة بعد صلاة المغرب في الجامع يصلي السنة إذ دخل عليه شخص عليه عمامة كعمائم العجم،
وجبة من وبر الجمال، فجلس خلفه، وحس بيده على كتفه، وقال له: قد استجاب الله تعالى
دعاك يا ولدي أنا المهمي، فقال: تذهب معي إلى الدار؟ فذهب معه وقال له: أخل لي
مكاناً أنفرد به، فأخلى له مكاناً، فأقام عنده سبعة أيام بلياليها، ولقنه الذكر
وقال له: اعلمك وردي تداوم عليه إن شاء الله تعالى تصوم يوماً، وتفطر يوماً، وتصلي
كل ليلة، خمسمائة ركعة فكان يصليها خلفه كل ليلة في تلك المدة وكان إذ ذاكأمرد حسن
الصورة وكان المهدي يقول له: لا تجلس قط إلا ورائي، فلما انقضت السبعة أيام خرج
فودعه، فأخبره أنه سيعمر طويلاً، فكان الشيخ يقول في أواخر عمره: إن سنه مائه وسبع
وعشرون سنة، ثم خرج سائحاً، فرحل إلى مكة، ثم إلى اليمن، ثم إلى الهند، ثم إلى السند،
ثم إلى الصين، ثم عاد إلى بلاد العجم، ثم سافر إلى بلاد الروم، ثم أقصى المغرب، ثم
دخل إلى مصر بعد خمسين سنة في السياحة، فلما دخل إلى مصر وجد أن المشار إليه بها
هو سيدي إبراهيم المتولي، فلم يأذن له بدخول مصر، وقال له: اسكن في القرافة، ولا
تجتمع بأحد، فأقام في قبة مهجورة عشر سنين تخدمه الدنيا في صورة عجوز تأتيه كل يوم
برغيفين وإناء فيه طعام، ولم يكلمها قط، ولم تكلمه ثم استأذن في دخول مصر، فأذن له
أن يسكن في بركة القرع، فأقام فيها سنين عديدة، ثم أراد الشيخ عبد القادر الدشطوطي
أن يبني له جامعاً هناك، فعارضه. وقال له: أخرج من هذه الحارة، فلم يزل به حتى خرج
إلى الكوم المدفون به الآن خارج باب الشعرية بالقرب من بركة الرطلي، وجامع البشيري
بمصر، فمكث به سبع سنين، فبينماً هو يوماً جالس هناك إذ طلع إليه الدشطوطي، فقال
له: إنزل من هذا الكوم، فقال له: لا أنزل، وتنازعا فدعا عليه الدشطوطي بالكساح،
ودعا هو على الدشطوطي بالعمى، فاستجيبت دعوة كل منهما في صاحبه، وبقي الشيخ حسن
معقداً بالكوم المذكور حتى توفي به في سنة نيف وعشرين وتسعمائة، ودفن به - رحمه
الله تعالى رحمة واسعة.
388 - حسن بن محمد بن الشحنة: حسن بن محمد بن محمد قاضي القضاة
ابن قاضي القضاة أبو الطيب عفيف الدين، وقال الحمصي وابن طولون بدر الدين بن أبي
اليمن أثير الدين بن أبي الفضل محب الدين بن الشحنة. قال ابن طولون الحنفي، وقال
ابن الحنبلي في تاريخه الشافعي: ولد في سنة ثمان وخسمين وثمانمائة، وحصل بالقاهرة
طرفاً من العلم، وأخذ البخاري عن الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد القادر بن محمد بن
طريف الشاوي - بالمعجمة - المصري، الحنفي الصوفي، وهو خاتمة من يروي عن ابن أبي
المجد، الخطيب الدمشقي، وقرأ شرح " جمع الجوامع " بحلب
على العلامة المنلا علي، الشهير بعلي درويش الخوارزمي قراءة تحقيق، وتدقيق، وولي
قضاء حلب، وكتابة السر بها، وتوفي في يوم الثلاثاء حادي عشر شوال سنة عشر
وتسعمائة. قال ابن طولون: مطعوناً بالقاهرة رحمه الله تعالى.
389 - حسين بن أحمد بن الأطعاني: حسين بن أحمد بن حسين، الشيخ،
الصالح، الموصلي الأصل، العزازي الحلبي الشافعي، المعروف بابن الأطعاني. قال ابن الحنبلي:
كان فيما بلغني صالحاً فاضلاً، حسن الخط، له اشتغال على البدر السيوفي في العربية
والمنفق. قال: وكان أبوه متزوجاً بنت الشهاب أحمد ابن الشمسي محمد الأطعاني، ولم
يرزق الشيخ حسن منها بل من أمة أذنت له في التسري بها كانت عاقراً، فاشتهر بواسطة
ذلك بالأطعاني قال: وكان من شأنه فيما بلغني عن سقاء كان بمكة يدعى بعزرائيل أنه
لما توفي بها طلب منه ماء لغسله يأتي به من سبيل الجوخي لقلة الماء بمكة إذا ذاك.
قال: فذكرت أني الآن فارقته خالياً عن الماء، فصمموا علي في الذهاب إليه، فذهبت
لآتي بالماء من غيره، فمررت به فإذا هو ممتلئ، فملأت قربتي، وعدت وعد ذلك من كراماته،
وكانت وفاته في سنة اثنتي عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى.
390 - حسين ابن حسن البيري: حسين بن حسن بن عمر، الشيخ حسام
الدين البيري، ثم الحلبي، الشافعي الصوفي، وصفه شيخ الإسلام الوالد في رحلته
وغيرها الشيخ الإمام الكبير العلامة المفتي العارف بالله تعالى. ولد ببيرة الفرات،
ثم انتقل إلى حلب، وجاور بجامع الطواشي، ثم بالألجيهية، ثم ولي في سنة أربع وتسعمائة
النظر والمشيخة بمقام سيدي إبراهيم بن أدهم، وكان له فوق ونظم ونثر بالعربية،
والفارسية، والتركية، وله رسالة في " القطب والإمام " وعرب شيئاً من
" المثنوي " من الفارسية، وشيئاً من " منطق الطير " من
التركية منه:
اسمعوا يا سادتي صوت اليراع ... كيف يحكي عن شكايات
الوداع
ومنه:
ما ترى قط حريصاً قد شبع ... ما حوى الدرالصدف حتى قنع
ومن شعره رضي الله تعالى عنه:
بقايا حظوظ النفس في الطبع أحكمت ... كذلك أوصاف الأمور
الذميمة
تحيرت في هذين، والعمر قد مضى ... إلهي فعاملنا، بحسن
المشيئة
قال ابن الحنبلي، وأنشدني له الشيخ قاسم بن الجبريني:
من البطون بسر اللطف أرباني ... إلى الظهور، وذاك اللطف
رباني
وقد بنى في وجودي والبنان بنا ... لو خلته قلت: واشوقي
إلى الباني
الله أكرمني، الله أوهبني ... الله أمنحني، الله أعطاني
أنساني الغير بالإحسان واعجبا ... فكيف أنسى لمن للغير
أنساني؟
إنسان عيني مغمور بحكمته ... واحيرتي كيفما أدركت إنساني!
ما ثم في الكون معبود سواه يرى ... ولا له أبداً في ملكه
ثاني
في طي أسمائه الحسنى له حكم ... إذا نشرت ترى القاصي بها
داني
وكانت وفاته في سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة رحمه الله
تعالى.
391 - حسين بن حسن الجباوي: حسين بن حسن بن محمد، الشيخ الصوفي
المتقدم ذكره الجباوي، ثم الدمشقي القبيباتي الشافعي، الشهير بابن سعد الدين قال
ابن طولون: مشى على طريقة أهله، ثم أقبل على الدنيا، واستأجر عدة جهات، وتقدم عند
الحكام، واجتمعت به مراراً بمنزله بالقبيبات، فوجدت عنده كرماً ومحادثة حسنة. قلت:
وهو والد الشيخ أحمد، والشيخ سعد الدين، وستأتي ترجماتهما - إن شاء الله تعالى -
توفي يوم الاثنين خامس عشر ذي الحجة سنة ست وعشرين وتسعمائة عن نحو خمس وثلاثين
سنة تقريباً، ودفن عند والده برؤوس العمائر عند باب الله رحمه الله تعالى.
392 - حسين بن سليمان الإسطواني الحنبلي: حسين
بن سل(يمان بن أحمد، الفاضل بدر الدين بن عبد الله الأسطواني الصالحي الحنبلي. قال
ابن طولون: حفظ القرآن بمدرسة أبي عمر، وقرأ على شيخنا ابن أبي عمر الكتب الستة،
وقرأ وسمع ما لا يحصى من الأجزاء الحديثية عليه. قال: وسمعت
بقرائته عدة أشياء، ولي إمامة محراب الحنابلة بالجامع الأموي في الدولة العثمانية.
انتهى.
وقال شيخ الإسلام الوالد: حضر بعض دروسي، وشملته إازتي،
وقرأ علي، وسألني أسئلة في الفقه، وذاكرني فيه، وقرر في الكاملية سبع سنين إلى أن
توفي في صفر سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة، ودفن بباب الفراديس - رحمه الله تعالى.
393 - حسين بن عبد الرحمن الرومي: حسين
بن عبد الرحمن العالم الفاضل المولى حسام الدين الرومي الحنفي قرأ على علماء عصره
ودخل إلى خدمة المولى أفضل زاده ثم ولي التداريس حتى صار مدرساً بمدرسة السلطان
محمد خان ببروسا ثم بمدرسة أبي يزيد خان باماسية ثم بإحدى الثماني ومات وهو مدرس
بها وكان فاضلاً بارعاً حسن الصوت لطيف المعاشرة وله أدب ووقار وله حواش على أوائل
حاشية التجريد وكلمات متعلقة بشرح الوقاية لصدر الشريعة ورسالة في جواز استخلاف
الخطيب ورسالة في جواز الذكر الجهري وغير ذلك توفي في سنة عشرين وتسعمائة رحمه
الله تعالى.
394 - حمزة الشهير بليس جلبي: حمزة العالم المولى نور الدين
الرومي الحنفي الشهير بليس جلبي قرأ على علماء عصره وخدم المولى خواجه زاده ثم صار
حافظاً لدفتر بيت المال والديوان في زمن السلطان محمد خان ثم صار مدرساً بمدرسة السلطان
مراد خان ببروس ثم صار حافظاً لدفتر بيت المال أيضاً في سلطنة السلطان أبي يزيد
خان ثم عزل وبقي متوطناً في بروسا وبنى بها زاوية للصلحاء ومات في سنة اثنتي عشرة
أو ثلاث عشرة وتسعمائة ودفن في زاويته المذكورة رحمه الله تعالى.
395 - ابن الحطاب الشويكي: ابن الحطاب الأبله، المبارك الشويكي
الممشقي. كان في أول أمره حائكاً مجيداً، وحصل له توله وتزايد عليه، وكان الناس
يتبركون به، وتوفي في سابع عشر شعبان يوم السبت سنة ثلاث عشرة وتسعمائة، ودفن
بمقبرة الحمرية، وجعل على قبره إشارة رحمه الله تعالى.
396 - حميد الدين الحسيني: حميد الدين بن أفضل الدين العالم
العلامة المولى حمد الله الحسيني. كان له حظ عظيم من الورع والتقوى والعلم والفضل.
قرأ على والده، وكان والده عالماً صالحاً زاهداً قانعاً صبوراً، وعلى غير والده، ثم
خدم المولى بيكان، ثم أعطي تدريس مدرسة السلطان مراد خان ببروسا، وعزل عنها في
أوائل دولة السلطان محمد خان، فأتى القسطنطينية، فبينما هو ذات يوم مار في بعض
طرقاتها إذ لقي السلطان محمد، وهو ماش مع عدة من علمائه، وكان ذلك عادته قال:
فعرفته، ونزلت عن فرسي، ووقفت فسلم علي، وقال: أنت ابن أفضل الدين؟ قلت: نعم، قال:
أحضر الديوان غداً، قال: فحضرت، فلما دخل الوزراء عليه قال: جاء ابن أفضل الدين،
قالوا: نعم قال: أعطيته مدرسة والدي السلطان مراد خان ببروسا، وعينت له كل يوم
خمسين درهماً، وطعاماً يكفيه من مطبخ عماتي. قال: فلما دخلت عليه، وقبلت يده
أوصاني بالإشتغال بالعلم، وقال: أنا لا أغفل عنك، ثم أعطاه السلطان محمد إحدى
المدارس الثماني، ثم جعله قاضياً بالقسطنطينية، ثم صار مفتياً بها في أيام السلطان
أبي يزيد خان، واستمر حتى مات، وكان عالماً كبيراً. ذكر تلميذه المولى محيي الدين
الفناري أنه لم يجد مسألة من المسائل شرعية أو عقلية إلا وهو يحفظها، وقال: لو
ضاعت كتب العلم كلها لأمكن أن يمليها من حفظه، وهذا الكلام في نفس الأمر غلو
وإغراق.
وحكى في الشقائق عنه أنه حكى عن نفسه أنه وقع
بالقسطنطينية طاعون حين كان مدرساً بإحدى الثماني، فخرج ببعض أولاده إلى بعض
القرى، وهي زلة لا تليق بمقام مثله، وكان حليماً صبوراً لا يكاد يغضب حتى تحاكم
إليه، وهو قاض رجل وإمراة، فحكم للرجل، فاستطالت عليه المرأة، وأساءت القول في حقه،
فلم يزدها على أن قال: لا تتعبي نفسك حكم الله لا يغير، وإن شئت أن أغضب عليك، فلا
تطمعي، وله حواش على شرح الطوالع للأصبهاني، وهي متداولة مقبولة، وحواش على شرح
المختصر للسيد الشريف، وهي مقبولة أيضاً، وكانت وفاته في سنة ثمان وتسعمائة.
397 - حيدر الخيالي: حيدر العالم الفاضل المولى الرومي، الحنفي
ابن أخي المولى الخيالي، وحفيد المولى محمد بن الفناري. اشتغل في العلم، وخدم
المولى محمود القوجوي، وصار معيد الدرس، وكان يومئذ مدرساً بدار الحديث بأدرنة،
وقرأ عليه المطول من أوله إلى آخره، وصحيح البخاري من أوله إلى آخره، وكان يقرأ
عليه في أثناء الدرس شرح الكرماني، ثم رحل إلى مصر، وأخذ عن علمائها التفسير،
والحديث، والأصول، والفروع، ثم عاد إلى الروم، فصار متولياً على أوقاف عمارة
السلطان محمد خان ببروسا، ثم على أوقاف السلطان أورخان بها، وكان له يد طولى في
النظم والنثر بالعربية مع الفصاحة والبلاغة. توفي ببروسا في أواخر دولة السلطان
سليم خان بن السلطان أبي يزيد خان رحمهم الله تعالى.
حرف الخاء المعجمةمن الطبقة الأولى: 398 - خالد بن
عبد الله الأزهري: خالد بن عبد الله بن أبي بكر، الشيخ العلامة النحوي زين الدين
المصري الأزهري الوقاد به. اشتغل وبرع، وانتفعت به الطلبة، وصنف شرحاً على أوضح
المسالك إلى ألفية ابن مالك لابن هشام، وهو المشهور بالتوضيح، وإعراباً على
الألفية لابن مالك، وشرحاً على الجرومية، وآخر على قواعد الإعراب لابن هشام، وآخر
على الجزرية في التجويد، وآخر على البردة، والمقدمة الأزهرية، وشرحها، وكثر النفع
بتصانيفه لوضوحها. وكانت وفاته في رابع عشر المحرم سنة خمس وتسعمائة بعد أن حج،
ووصل إلى بركة الحاج خارج القاهرة، وكان صحبة الركب الأول، وحصل له محنة من العرب
رحمه الله تعالى.
399 - خضر بن محمد الحسباني: خضر بن محمد الشيخ زين الدين الحسباني
عامل أوقاف الحرمين الشريفين بدمشق. مولده تقريباً في أوائل الثلاثين وثمانمائة،
وتوفي يوم الجمعة ثامن عشر شوال سنة ست عشرة وتسعمائة، ودفن شرقي القلندرية بمقبرة
باب الصغير عند والده أبي الفضل. قال ابن طولون: وبمجرد إهالة التراب في قبره أذن
المغرب، فأذن شخص عند قبره وفرح - رحمه
الله تعالى - .
400 - خضر بن أحمد الرومي: خضر بن أحمد، الشيخ. العارف
المولى خضر بيك ابن المولى أحمد باشا الرومي الحنفي. تربى عند والده، وحصل فضيلة
وافرة من العلم وصار مدرساً بمدرسة السلطان مراد الغازي ببروسا، وانتفع به الطلبة،
وفضلوا عنده، ثم مال إلى التصوف وتهذيب الأخلاق، وصار خاشعاً. وقوراً، ساكناً،
مهيباً، متأدباً، متواضعاً مراعياً لجانب الشريعة، حافظاً لآداب الطريقة، مقبولاً
عند الخاصة والعامة. حتى توفي سنة ثلاث أو أربع وعشرين وتسعمائة رحمه الله.
401 - خضر نائب قلعة مصر: خضر الأمير خير الدين نائب قلعة مصر،
كان ديناً عفيفاً، عاقلاً، شفوقاً، محترماً، ذا رأي وتؤدة يحمل هم الخلق في
الحوادث، ويشفع وينفع مع حسن اعتقاد. وبر للفقراء والمساكين دائماً من سماطه
صباحاً ومساءً، وعمر مسكنه بالقلعة مسجداً، وأوصى أن يعمر مقام سيدي سارية، وأن
يدفن فيه. ففعلوا، ومات ليلة الأربعاء خامس ربيع الثاني سنة سبع بتأخير الباء
الموحدة وعشرين وتسعمائة عن نحو سبعين سنة بمصر، وأوصى بألفي دينار من ماله
للصدقات، وأن يحج عنه.
402 - خطاب بن محمد الصالحي الحنبلي: خطاب بن محمد بن عبد الله الكوكبي،
ثم الصالحي، الدمشقي، الحنبلي الشيخ المفيد زين الدين. حفظ القرآن في مدرسة الشيخ
أبي عمر، وأخذ عن الشيخ صفر، والشهاب بن زيد وغيرهم، واشتغل في العربية على الشيخ
شهاب بن شكم، وحل عليه ألفية العراقي في علم الحديث، واعتنى بهذا الشأن. قال ابن
طولون: أنشدنا لنفسه في مستهل رجب سنة سبع وتسعين وثمانمائة، وكان الطاعون موجوداً
بدمشق يومئذ:
بطشت يا موت في دمشق ... وفي بنيها أشد بطش
وكم بنات بها بدوراً ... كانت فصارت بنات نعش
وقال: عرض
له ضعف في بعض الأحيان، وكان عند الناس أنه فقير، فأوصى بمبلغ من الذهب له كمية
جيدة، ثم برأ من ذلك الضعف، فشنق نفسه بخلوته بالضيائية في سابع عشر جمادى الأولى
سنة خمس وتسعمائة. رحمه الله تعالى.
403 - خليل بن محمد بن خلفان: خليل بن محمد بن أبي بكر بن خلفان
- بفتح المعجمة والفاء، وإسكان اللام بينهما، وبالنون آخره - القاضي غرس الدين
الدمشقي الحنبلي، المعروف بالسروجي. ولد في ربيع الأول سنة ستين وثمانمائة بميدان الحصا،
واشتهر بالشهادة، ثم فوض إليه نيابة الحكم مدة يسيرة، وتوفي يوم الخميس سابع شهر
رمضان سنة ثمان وعشرين وتسعمائة، ودفن بتربة الجورة بالميدان - رحمه الله تعالى
رحمة واسعة - .
404 - خليل بن إيراهيم الصالحي: خليل بن إبراهيم بن عبد الله،
الشيخ المحدث أبو الوفاء، ابن أبي الصفا الصالحي، الحنفي، ولد سنة ثلاث وثلاثين
وثمانمائة. أجاز ابن طولون، والكفرسوسي، وابن شكم وغيرهم في صفر سنة سبع وتسعمائة،
وأجاز لمن أدرك حياته، ومن مشايخه ابن حجر، والشيخ سعد الدين الديري الحنفي،
والعيني، والقاياتي، والعلم البلقيني وغيرهم رحمه الله تعالى.
405 - خليل بن سالم الحلبي: خليل بن سالم، الشيخ الصالح.
الصوفي. الحريري. الخرقة الحلبي، المعروف بابن النفاش بالفاء، كان يصدع بالأمر
بالمعروف، والنهي عن المنكر، وكان له اهتمام بترميم المساجد من ماله حتى اتهمه
الأستادار في الدولة الجراكسية بدفين ظفر به، وأراد أن يأخذ منه مالاً بطريق
الجور، فصدعه بالقول وهول عليه، فلم يستطع التوصل إليه ذكره ابن الحنبلي. وقال:
توفي عن سن عالية في سنة ثمان وعشرين وتسعمائة أو بعدها - رحمه الله تعالى.
406 - خليل بن عبد القادر بن غرس الدين: خليل بن عبد القادر بن
عمر بن محمد، الشيخ الإمام، العالم المحدث غرس الدين أبو سعيد بن الشيخ أبي
المفاخر زين الدين ابن الشيخ العلامة سراج الدين، الجعبري الأصل، الحلبي الشافعي
سبط خطيب الأقصى، الشيخ شهاب الدين القرقشندي. ولد في المحرم سنة تسع وستين وثمانمائة
بالقدس الشريف، واشتغل في العلم على جماعة منهم شيخ الإسلام الكمال بن أبي شريف،
والشيخ العلامة برهان الدين الخليلي الأنصاري وغيرهما، وجمع معجماً لاسماء شيوخه.
ولي حصة من مشيخة حرم الخليل عن والده المتوفي في المحرم سنة سبع وتسعين
وثمانمائة، وكان رجلاً خيراً ديناً من أهل العلم، والتواضع والناس سالمون من يده
ولسانه، وتوفي في أحد الربيعين سنة ست وتسعمائة رحمه الله تعالى.
407 - خليل بن نور الله بن خليل الله: خليل بن نور الله، الشيخ
العلامة، المعروف بمنلا خليل الله الشافعي تلميذ المنلا علي القوشجي. دخل حلب
وقطنها، واكب على القراءة عليه بها جماعة، منهم الشمس السفيري، وكتب على الفتوى،
وكان يختمها بخاتم له على طريقة الأعجام. قيل:
وكان يفتي من الرافعي الكبير بقوة المطالعة، وكانت له مواعيد حسنة بجامع حلب، وألف
رسالة في المحبة، ورسالة في الفتوح، في بيان النفس والروح ، ورسالة في بيان "
نكتة التثنية، في قوله تعالى: " رب المشرقين ورب المغربين " " سورة
الرحمان: الآية 17 " مع الإفراد في قوله: " رب المشرق والمغرب "
" سورة المزمل: الآية 9 " والجمع في قوله: " رب المشارق والمغارب " " سورة
المعارج: الآية 40 " وكانت وفاته سنة ثمان وتسعمائة، وحمل سريره برسباي
الجركسي كافل حلب، ودفن بتربة السفيرفي خارج باب المقام، وتأسف لفقده الفضلاء
والنبلاء رحمه الله تعالى.
408 - خليل بن خليل الفراديسي الحنبلي: خليل بن خليل الفراديسي
الصالحي الحنبلي. الشيخ غرس الدين أبو القاسم. كما قال ابن طولون: حفظ القرآن، ثم
قرأ المحرر للمجد بن تيمية، وأخذ عن النظام بن مفلح، والشهاب بن زيد، والشيخ صفي
الدين، ولازم شيخنا القاضي ناصر الدين بن زريق، وأكثر من الأخذ عنه، ثم أقبل على
الشهادة والمباشرة لأوقاف مدرسة أبي عمر وغيرها، قال ابن طولون: أجاز لنا، وكتب
عنه فوائد، توفي في حبس كرتباي الأحمر ملك الأمراء بدمشق سنة أربع وتسعمائة رحمه
الله تعالى.
409 - خليل الأوسي: خليل القاضي غرس الدين الأوسي، الرملي
الشافعي. قاضي الرملة، المعروف بابن المدققة. توفي بالقاهرة يوم الجمعة خامس شوال
سنة تسع وتسعمائة - رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
410 - خليل الرومي: خليل. العالم الفاضل المولى الرومي. الحنفي،
المشهور بمنلا خليلي. كان حليماً كريماً متواضعاً متخشعاً إلا أنه كان يغلب عليه
الغفلة في سائر أحواله. درس في بعض مدارس الروم، ثم بإحدى الثماني، ثم (بمدرسة أدرنة،
ثم أعطي قضاء القسطنطينية في دولة السلطان أبي يزيد خان، ثم قضاء العسكري
الأناظولي، ثم الروم إيلي، ومات على ذلك فى أوائل دولة السلطان سليم خان بن أبي
يزيد خان رحمه الله تعالى.
411 - خليل القلعي: خليل القلعي، الشافعي، العبد الصالح والد
إمام الجوزة. كان على طريقة السلف الصالحين رحمه الله تعالى.
412 - خليل المقيم بالكلاسة: خليل، الشيخ الصالح الموله المقيم
بالكلاسة بدمشق، كان للناس فيه اعتقاد عظيم، وكان يحبون أن يطلب منهم الدراهم. فيعطونه.
توفي في أواخر الحجة سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
413 - خميس المجذوب: خميس، الشيخ الصالح المجنوب صاحب الحال
والتمكين بدمشق، واشتهر أنه هو الذي أدخل الشي حسن ابن الشيخ سعد الدين الجباوي
إلى الشام، وكان سبب رسوخ الطائفة السعدية في دمشق، وكان إذا مر به أحد يأمره
بتقبيل يد الشيخ حسن واعتقاده، وقال الشيخ موسى الكناوي: لم أره. وحكى عنه أصحابنا
حكايات تدل على تصرفه وسعة حاله. قال: ومن أصحابه سيدي محمد بن قيصر القبيباتي.
قلت: من الحكايات المشهورة عنه أن بعض جماعته، ولعله ابن قيصر. كان يتردد
إلى سيدي علي بن ميمون بالصالحية، وكان ابن ميمون ربما لاح منه إنكار على الشيخ
حسن، فذكر ذلك لسيدي خميس، فقال لذلك الرجل: الذي كان يتردد إلى سيدي علي بن
ميمون. قل لابن ميمون لما سقطت نعلك في البحر. وأنت في السفينة في يوم كذا من ردها
إليك إلا رجال الشام، فذكر ذلك لابن ميمون، فاعترف بذلك، وصار يتأدب بعد ذلك مع
الشيخ خميس - رحمه الله تعالى - ومات سيدي خميس في سنة ثماني عشرة وتسعمائة أو
دونها، ودفن بمقبرة القبيبات رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
414 - خديجه بنت محمد البيلوني: خديجة بنت محمد بن حسن البابي
الحلبي، المعروف بابن البيلوني، الشافعي. الشيخة الصالحة المتفقهة، الحنفية، أجاز
لها الكمال بن الناسخ الإطرابلسي وغيره رواية صحيح البخاري، واختارت مذهب أبي
حنيفة - رضي الله تعالى عنه - مع أن أباها وأخوتها شافعيون حفظاً لطهارتها عن
الانتقاض بما عساه يقع من مس الزوج لها، وحفظت في مذهب الحنفية كتاباً، وكانت
دينة، صينة، متعبدة، مقبلة على التلاوة إلى أن توفيت في رمضان سنة ثلاثين وتسعمائة
رحمها الله تعالى.
حرف الدال المهملةمن الطبقة الأولى:
415 - دمرادش المحدث: دمرداش المحمدي، الشيخ الصالح الورع
المعتقد، صاحب الزاوية، والغيط بالقاهرة ذكر ابن طولون أنه كان أحد مماليك السلطان
قايتباي الملك الأشرف، والظاهر أنه ليس كذلك، فإن الشيخ عبد الوهاب الشعراوي، ذكر
أنه كان أجل أصحاب سيدي أحمد بن عقبة المغربي، المدفون في حوش السلطان برقوق،
بصحراء مصر، فلما مات شيخه، ساح في البلاد حتى دخل تبريز العجم، فصحب الشيخ العارف
سيدي عمر روشني بها وأقام عنده مدة، ثم رجع إلى مصر، فنزل بالبرية خارج الحسينية،
فسأل السلطان قايتباي أن يأفن له في إحياء أرض زاويته، والغيط المعروف به الآن،
فأذن له فأقام بغرس النخيل، وسقيه نحو خمس سنين، وهو في خص، هو وزوجته، فغرس ألف
نخلة فلم يخطيء منها واحدة، وليس منذ غرس غيطة بمصر، أحسن تمراً من غيطه، ولتمره
شهرة زائدة، وكل ذلك ببركة التقوى، وملاحظة النية عند غرسه فإنه أخبر عن نفسه، أنه
لم يغرس نخلة قط، إلا على نية الفقراء، والمساكين الذين هو من جملتهم، وذكر أن سيدي
إبراهيم المتبولي، هو الذي أشار عليه بذلك، وقال له:يا دمرداش كل من عمل يدك،
وإياك والأكل من صدقات الناس، فإنهم يتقاسمون حسناتك في الآخرة، وقد وقف غيطه،
وشرط أن تنقسم غلته أثلاثاً ثلاث لمصالح الغيط، وثلث لورثته، وثلث الفقراء
والمساكين القاطنين بالزاوية، والواردين إليها، وشرط على القاطنين بزاويته، أن
يقرأوا كل يوم ختماً يتناوبونه، ثم يجتمعون قبيل المغرب، ويهدونه إلى النبي صلى
الله عليه وسلم، وإلى الشيخ محيي الدين بن العربي - رضي الله تعالى عنه - وقال
العلائي: كان على سمت حسن يكل الحلال، ويطعمه، وكان يعتقد ابن العربي، وابن
الفارض، واستكتب، الفتوحات المكية، وغالب شروح التائية، وقال الشعراوي: أقام عند
الفقراء الصادقون، وانتفعوا به، واستخلف منهم جماعة، وأذن لهم بالتسليك في مصر،
منهم الشيخ حسن الجركسي، والشيخ محمد الحانوتي، والشيخ كريم الدين بن الزيات، وهو
الذي أحيى طريقة شيخه بعده، قال: وزاوية الشيخ دمرداش عامرة بالسماط، والفقراء، وليس
في مصر زاوية يأكل فقراؤها حلالاً مثلها لأن وقفها، من عمل الشيخ بيده، لا منة
لأحد فيه على الفقراء، ولا رياء فيه، ولا سمعة قال: وكان إذا غلب عليه الحال يأكل
الإردب الفلفل، وعمل له مرة الأمير قبردي الدوادار سماطاً، وأرسل يقول له: ائت
بجميع أصحابك، فلم يأت معه أحد، فجلس على السماط قيل: وكان يكفي خمسمائة نفس،
فقال: أما ننتظر الجماعة فقال الشيخ: أنا
أسد عنهم، فصار يأكل من الإناء، ويلحسه حتى أكله كاملاً، وقال: لم أشبع فآتوه بكسر
يابسة، وبقية الطعام الذي ترك للعيال، والغز، فاستغفر الأمير، واعتذر للشيخ وقيل
له: كيف أكلت ذلك كله؟ فقال: رأيته شبهات، فحضرت بطائفة من الجن فكلوه، وحميت
الفقراء منه، وذكر العلائي أنه توفي في عصر يوم السبت، حادي عشري في الحجة سنة
تسع، بتقديم المثناة وعشرين وتسعمائة، وأقيم مكانه ولده سيدي محمد، وذكر ابن
طولون، أنه صلي عليه غائبة بالجامع الأموي بدمشق يوم الجمعة سابع عشر المحرم، سنة
ثلاثين وتسعمائة، ثم صلي عليه بالعمارة السليمية بالصالحية، في الجمعة التي تليها،
ولعل ذلك لاعتقاده الزائد في ابن العربي - رضي الله تعالى عنهما - ورحمهما رحمة
واسعة.
حرف الذال المعجمةمن الطبقة الأولى: 416 - ذو النون
الكملاني: ذو النون الشيخ الإمام، العالم الصالح الزاهد المجذوب الكملاني، كذا
ترجمه الشيخ شهاب الدين الحمصي، في تاريخه، وقال: وكان له أحوال ظاهرة ومكاشفات
غريبة، وكان لا يستقر في مكان إلا قليلاً، وانتقل في آخر أمره إلى الجبل المانع،
بالقرب من قرية الكسوة بدمشق، وأقام به مدة، ثم رجع إلى مقام السيد ضرار بن الأزور
الصحابي - رضي الله تعالى عنه - خارج دمشق، وأقام به مدة، ثم عاد إلى الجبل
المانع، فعدا عليه جماعة من المناحيس، الفلاحين الفسقة، فقتلوه ليلاً، وقطعوا
رجله، ودفنوه تحت أحجار بالجبل المذكور، ففطن به جماعة من جيرة الجبل المذكور،
فأخرجوه، وأحضروه إلى قرب سيدي الشيخ أرسلان، فغسلوه، وكفنوه، ودفنوه بالمكان الذي
أنشأه القرب من سيدي ضرار بن الأزور، المذكور، وتأسف الناس عليه، وكان قتله في رجب
سنة تسع وعشرين، وتسعمائة رحمه الله تعالى.
حرف الراءمن الطبقة الأولى:
417 - رجب قاضي البقاع: رجب القاضي زين الدين قاضي البقاع، من
أعمال دمشق. قال الحمصي: كان من الفضلاء. توفي
في رابع عشر القعدة سنة ثماني عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة. آمين.
418 - رستم الرومي: رستم الشيخ العارف بالله تعالى، رستم خليفة
الرومي البرسوي الحنفي، أصله من قصبة كونيك، من ولاية أناظولي، وأخذ الطريق عن
الشيخ العارف المعروف بحاجي خليفة الرومي، ويفهم من سيرته أنه كان أويسيا، له
خوارق، ويتستر بتعليم الأطفال، وكان لا يتكلم إلا عن ضرورة، وله أنعام تام على
الأغنياء والفقراء، وإذا أهدى إليه أحد شيئاً كافأه بأضعافه، ولم يكن له منصب، ولا
مال، وحكى عن نفسه، أنه رمد مرة فلم ينفعه الدواء، فرأى رجلاً فقال له: يا ولدي
إقرأ المعوذتين في الركعتين الأخيرتين من السنن المؤكدة قال: فداومت على ذلك فشفي
بصري، وكان بعض جماعته يقول: نرى
أن ذلك الرجل هو الخضر عليه السلام، وخرج جماعة من المارقين على بروسا، في سنة سبع
عشر وتسعمائة، فاضطرب الناس اضطراباً شديداً، حتى هموا بالفرار، فاستغاثوا بالشيخ
رستم خليفة، فقال لهم هؤلاء الجماعة: لا يدخلون هذا البلد، ولا يلحق أهله ضرر من
جهتهم، فثبتوا مكانهم، وكان كما قال: ومات في تلك السنة، ودفن ببروسا رحمه الله.
419 - رمضان الرومي: رمضان الرومي، الشيخ العارف بالله تعالى،
المقيم بأدرنة، كان صوفياً، وأخذ عن الشيخ العارف المعروف بالحاج بيرام، وكان
بحراً زاخراً في المعارف الإلهية، وطوداً شامخاً في الإرشاد، وسلك على يديه جماعة
من المريدين، وكان مجاب الدعوة، انقطع المطر مرة بأدرنة في سلطنة السلطان بايزيد
خان، فاستسقى أهلها، فلم يسقوا حتى استغاثوا به، فحضر إلى المصلى، وصعد المنبر،
ودعا الله تعالى، وتضرع إليه فما نزل من المنبر إلا وقد نزل المطر، وتوفي بأدرنة في
أيام سلطنة السلطان المذكور رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
420 - رمضان الرومي أيضاً: رمضان الرومي أيضاً العالم الزاهد
الورع الخاشع، المعروف بحاج رمضان المتوطن ببلدة قسطموني، من بلاد الروم، كان قائم
الليل، صائم النهار، منقطعاً إلى الله تعالى، منجمعاً عن الناس قال في الشقائق: وكان بركة
من بركات المسلمين، توفي في أوائل دولة السلطان سليمان خان، رحمهم الله تعالى رحمة
واسعة.
حرف الزايمن الطبقة الأولى:
421 - زكريا ابن القاضي زين الدين الأنصاري: زكريا بن محمد بن
زكريا الشيخ الإمام، شيخ مشايخ الإسلام، علامة المحققين، وفهامة المدققين، ولسان المتكلمين،
وسيد الفقهاء والمحدثين، الحافظ المخصوص بعلو الأسناد، والملحق للأحفاد بالأجداد،
العالم، العامل، والولي الكامل، الجامع بين الشريعة والحقيقة، والسالك إلى الله
تعالى أقوم مسالك الطريقة، مولانا وسيدنا قاضي القضاة، أحد سيوف الحق المنتضاة،
زين الدين أبو يحيى الأنصاري السنيكي، المصري، الأزهري، الشافعي، وسنيكة المنسوب
إليها - بضم السين وفتح النون وإسكان الياء المثناة تحت وآخر الحروف تاء التأنيث -
بليدة من شرقية مصر. قرأت
بخط شيخ الإسلام الوالد أنه ولد ببلده في سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة. وقال
الحمصي: في سنة أربع وعشرين وثمانمائة، وحكى العلائي. عن الشيخ الصالح المعتقد
ربيع ابن الشيخ المصطلم عبد الله السلمي الشنباري أنه يوماً بسنيكة مسقط رأس الشيخ
زكريا، وإذا بامرأة تستجير به وتستغيث أن ولدها مات أبوه، وعامل البلد النصراني
قبض عليه يروم أن يكتبه موضع أبيه في صيد الصقور، فخلصه الشيخ منه، وقال لها: إن
أردت خلاصه فافرغي عنه يشتغل ويقرأ بجامع الأزهر، وعلي كلفته، فسلمت إليه الشيخ
زكريا على ذلك ليتنصل من الفلاحة، وكان عليه يومئذ خلق ثوب وزمط مقور، فلا زال
يشتغل الشيخ زكريا حتى صار إلى ما صار إليه، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله
ذو الفضل العظيم. قال العلائي: وكان إذا ورد عليه الشيخ ربيع أو زوجته أو أحد من أقاربه
يجله في زمن صمدته ومنصبه، وكان يقضي حوائجهم، ويعترف بالفضل لهم، وربما مازحته
زوجة الشيخ ربيع التي ربته، وحكى الشيخ عبد الوهاب الشعراوي، عن الشيخ زكريا - رضي
الله تعالى عنه - أنه قال: جئت من البلاد وأنا شاب، فلم أعكف على الاشتغال بشيء من
أمور الدنيا، ولم أعلق قلبي بأحد من الخلق. قال:
وكنت أجوع في الجامع كثيراً. فأخرج في الليل إلى الميضأة وغيرها، فأغسل ما أجده من
قشيرات البطيخ حوالي الميضأة وآكلها، وأقنع بها عن الخبز، فأقمت على ذلك الحال
سنين، ثم إن الله تعالى قيض لي شخصاً من أولياء الله تعالى كان يعمل في الطواحين
في غربلة القمح، فكان يتفقدني ويشتري لي ما أحتاج إليه من الأكل والشرب والكسوة
والكتب، ويقول لي: يا زكريا لا تخف عني عن أحوالك شيئاً، فلم يزل معي كذلك عدة
سنين، فلما كان ليلة من الليالي أخذ بيدي والناس نائمون. وقال لي: قم معي، فقمت
معه فأوقفني على سلم الوقادة الطويل بالجامع، وقال: إصعد هذا الكرسي، فلم يزل يقول
لي اصعد إلى آخر درجة. ثم قال: إنزل، فنزلت، فقال لي: يا زكريا إنك تعيش حتى تموت أقرانك،
ويرتفع شأنك، وتتولى مشيخة الإسلام - يعني قضاء القضاة مدة طويلة - وترتفع على
أقرانك، وتصير طلبتك مشايخ الإسلام في حياتك حتى يكف بصرك قلت: ولا بد لي
من العمى. فقالا: لا بد، ثم انقطع عني فلم أره من ذلك. انتهى.
واشتغل - رضي
الله تعالى عنه - في سائر العلوم المتداولة، وبرع فيها، فقرأ القرآن العظيم على
جماعة منهم الإمام الرحلة زين الدين أبو النعيم رضوان بن محمد العقبي، والإمام
المقريء نور الدين علي بن محمد ابن الإمام فخر الدين المخزومي البلبيسي الشافعي
إمام الأزهر قراءة عليهما جميعاً للأئمة السبعة، ومنهم الإمام العلامة زين الدين
ظاهر بن محمد بن علي النويري المالكي جميعاً للأئمة الثلاثة زيادة على السبع، وقرأ
على العقبي الشاطبية، والرائية، وسمع عليه من التيسير للداني يسيراً، وتفقه بجماعة
منهم شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني، وفقيه الوقت الشرف موسى بن أحمد السبكي، ثم القاهري،
والشيخ شمس الدين محمد بن علي البدشيني نزيل تربة الجبرتي بالقرافة، والعلامة شهاب
الدين أبو العباس أحمد بن رجب القاهري عرف بالمجدي، والعلامة شمس الدين محمد بن
محمد بن أحمد الحجازي مختصر الروضة، والشيخ العلامة شمس الدين محمد بن إساعيل
الوفائي، وقرأ على شيخ الإسلام شمس الدين محمد بن على القاياتي أول شرح البهجة
للعراقي إلى الأمان، ومن الأمان إلى آخره، وعلى العلامة علم الدين صالح ابن شيخ
الإسلام سراج الدين البلقيني، وأذن له جماعة من هؤلاء وغيرهم بالتدريس والإفتاء،
وقرأ كتاب " التبيان،
في آداب حملة القران " ، للنووي على الشيخ أبي إسحاق الصالحي، وأخذ العربية،
والأدب، والأصول، والمعقولات عن شيخ الإسلام ابن حجر، وعن المحيوي الكافيجي،
والتقي الحصكفي وعن غيرهم، وكان رفيقاً للجمال يوسف الكوراني، والعماد إسماعيل
الكردي، على الشمس الشرواني في هذه، وسمع عليه هو والعماد المذكور بقراءة الكوراني
شرح المواقف. لكن نقل العلائي أن الشمس الشرواني لما سئل عن هؤلاء في فهم الكتاب
المذكور قدم الكوراني عليهما، وأخذ القاضي زكريا - رحمه الله تعالى - الحديث عن
جماعة منهم ابن حجر قرأ عليه السيرة النبوية لابن سيد الناس، والسنن لابن ماجة لما
عدا من قوله في آخر الدعوات ما يدعو به الرجل إذا خرج من بيته إلى آخر الكتاب،
فمات ابن حجر قبل إكماله، وسمع عليه أشياء كثيرة، وقرأ على أبي النعيم رضوان
العقبي مسند الإمام الشافعي، وصحيح مسلم، والسنن الصغرى للنسائي، وسمع عليه شرح معاني
الآثار للطحاوي وغير ذلك كثيراً، وقرأ صحيح البخاري على أبي إسحاق إبراهيم بن صدقة
الحنبلي، وسمع جميعه على الشمس القاياتي، وأكثره على ابن حجر، وأجازه خلائق يزيدون
على مائة وخمسين نفساً ذكرهم في ثبته، ولبس الخرقة الصوفية من الشيخ أبي العباس
أحمد بن علي الأتكاوي، والشيخ أبي الفتح محمد بن أبي أحمد الغزي، والشيخ أبي حفص
عمر بن علي النبتيتي، والشيخ أحمد ابن الفقيه علي الدمياطي. الشهير بابن الزلباني،
والشيخ زين الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن علي التميمي الخليلي، وكلهم شافعيون،
وتلقن منهم الذكر، وأذنوا له بالتلقين والإلباس، وكنلك أخذ الطريق عن أوحد الجماعة
القائم في النصيحة بين العباد بما استطاعه سيدي محمد بن عمر الواسطي، الغمري،
الشافعي بحق أخذه عن سيدي الشيخ أحمد الزاهد صاحب الستين مسألة في الفقه - رضي
الله تعالى عنه - وسافر شيخ الإسلام زكريا وهو بالمحلة الكبرى من مصر، وأقام عنده
أربعين يوماً، وقرأ عليه كتاب " قواعد الصوفية " له كاملاً، ثم رجع إلى
مصر. قال الشعراوي: وأخبرني - رضي الله تعالى عنه - أنه دخل مرة على سيدي محمد
الغمري الخلوة على غفلة، فرأى له سبع عيون قال: لما بهت فيه. قال لي: يا زكريا إن
الرجل إذا كمل صار له عيون بعدد أقاليم الدنيا. قال: ودخلت عليه مرة أخرى، فرأيته
متربعاً في الهواء قريباً من سقف الخلوة. قال الشعراوي: وأخبرني أنه من حين كان
شاباً يحب طريق الصوفية، ويحضر مجالس ذكرهم حتى كان أقرانه يقولون: زكريا لا يجيء
منه شيء في طريق الفقهاء لكوني كنت مكباً على مطالعة رسائل القوم، مواظباً على
مجالس الذكر، قال: ولما اشتغلت بالعلم، وبرعت فيه - بحمد الله تعالى - شرحت البهجة. قال: فلما
أتممت شرحها غار بعض الأقران، فكتب على بعض نسخ الشرح كتاب الأعمى والبصير تعريضاً
بأني لا أقدر أشرح البهجة وحدي، وإنما ساعدني فيه رفيق أعمى كنت أطالع أنا وإياه.
قال: فاحتسبت بالله تعالى، ولم ألتفت إلى مثل ذلك. قال: وكان تأليفي لشرح البهجة
في يوم الاثنين، والخميس لكونها
ترفع فيها الأعمال. كما ورد في الحديث. انتهى.ع فيها
الأعمال. كما ورد في الحديث. انتهى.
ثم وكان - رضي الله تعالى عنه - بارعاً في سائر العلوم
الشرعية وآلاتها حديثاً، وتفسيراً، وفقهاً، وأصولاً، وعربية، وأدباً، ومعقولاً،
ومنقولاً. فأقبلت
عليه الطلبة للإشتغال عليه، وعمر حتى رأى تلاميذه وتلاميذ تلاميذه شيوخ الإسلام،
وقرت عينه بهم في محافل العلم، ومجالس الأحكام قصد بالرحلة إليه من الحجاز والشام
ومن أعيان من أخذ عنه الشيخ الإمام العلامة جمال الدين عبد الله الصافي، والشيخ
الإمام نور الدين المحلي، والشيخ الإمام مجلي، والشيخ الفقيه عميرة البرلسي،
والشيخ العلامة السيد كمال الدين بن حمزة الدمشقي، والشيخ بهاء الدين المفصي، وشيخ
الإسلام الجد، وشيخ الإسلام الوالد. قرأ عليه المنهاج والألفية، وسمع عليه أشياء
كثيرة، والشيخ العلامة مفتي البلاد الحلبية البدر بن السيوفي، والشيخ العلامة شهاب
الدين الحمصي، والشيخ العلامة بدر الدين العلائي الحنفي، والشيخ العلامة شمس الدين
الشبلي، والشيخ الصالح الولي عبد الوهاب الشعراوي، والشيخ العلامة فقيه مصر شهاب
الدين الرملي القاهري، وولده شيخنا العلامة شمس الدين الرملي، والشيخ العلامة مفتي
الحجاز، وعالمها شهاب الدين بن حجر الهيتمي. شارح المنهاج، وولد الشيخ زكريا الشيخ
العلامة الصالح العلامة نور الدين النسفي المصري، ثم الدمشقي وغيرهم. وولي الجهات
والمناصب، وولاه السلطان قايتباي قضاء القضاة، فلم يقبله إلا بعد مراجعة كلية، ثم
عزل عن القضاء بسبب خطه على السلطان بالظلم، وزجره عنه تصريحاً وتعريضاً. قال
العلائي: وعاش عزيزاً مكرماً محظوظاً في جميع أموره ديناً ودنيا بحيث قيل: إنه حصل
له من الجهات والتداريس والمرتبات والأملاك قبل دخوله في منصب القضاء كل يوم نحو
ثلاثة آلاف درهم، وجمع من الأموال، والكتب النفيسة ما لم يتفق لمثله. قال: ومتع بالقول
على ملازمة العلم والعمل ليلاً ونهاراً مع مقارنة مئة سنة من عمره من غير كلل ولا
ملل مع عروض الإنكفاف له. بحيث شرح البخاري جامعاً فيه ملخص عشرة شروح، وحشى تفسير
البيضاوي في هذه الحالة، وكان يبر من الطلبة من يسوق له عبارات الكتب، فيأمره
بكتابة ما يراه منها، " ويحرر من غير ضجر، وكان يقرأ عليه الدروس ومروياته في
الحديث، ويراجع مصنفاته فيصلحها " ويحررها
المرة بعد الأخرى إلى آخر وقت قال: وكان رجاعاً إلى الخير. منقاداً للمعروف، ولو
من الأداني، منصفاً لمن أوله ولو صغيراً غير متكثر بالعلوم والمشيخة، ضابطاً
لأوقاته غير مضيع لعمره، سليماً من العوارض والعواطل غير أنه تحمل في منصب القضاء
لمراعاة مصالح دنياه وحفدته أموراً تخشى عاقبتها، حتى أنشد فيه الشيخ تاج الدين بن
شريف.
قاضي سنيكة عالم متبحر ... لكنه لكنه لكنه
ثم انتقد عليه أموراً ظاهرها التعصب، ومنها حادثة وقعت
للعلائي نفسه، مع رأس نوبة النواب الأمير أزبك اليوسفي، بسبب المدرسة العلائية
الديلمية، زعم العلائي أن صاحب الترجمة راعى جانب الأمير أزبك فيها، ثم قال
العلائي. معتذراً:
لعمري أني رقمت هذه الأمور، وإني في تأثر وحيرة، فإنه من شيوخنا في الجملة دراية،
وروايةً وإن شاركناه في كثير من شيوخه، وقد جمع من أنواع العلوم، والمعارف،
والمؤلفات المقبولة، ومكارم الأخلاق، وحسن السمت، والتؤدة، والأخذ عن الأكابر، ما
لم يجمعه غيره، فإنه آخر من روى عن الضابط الصين المسند أبي النعيم رضوان العقبي،
وعن القاياتي إلى أن قال: وكان قلمه أجود من تقريره، لكنه رزق حظاً وافراً وتكاثرت
عليه صغار الطلبة، والمشايخ الكمل، ووسع الناس، واستجلبهم بقبول ما يأتون، والتوجه
إلى ما يبدون. قال: وسبب
ذلك في الحقيقة كثرة اطلاعه، وتحصيل الكتب الواسعة، ولفظ نكت المتأخرين، ونوابغهم،
وغفلة غالب الناس عن ما أخذه لقصور هممهم، وعدم اطلاعهم انتهى.
وإنما ذكرت كلام العلائي هذا لاشتماله على تقرير حال الشيخ
- رضي الله تعالى عنه وإن اشتمل على غض قليل من مقامه لأن الفاضل لا يخلو من حاسد
مناكد، ولا بد لكل من تولى القضاء من راض منه وساخط، وكذلك تباعد أكثر السلف عن
تولية القضاء كأبي حنيفة، وسفيان الثوري، ويحيى بن يحيى النيسابوري وأمثالهم، فمثل
ذلك لا يكون جرحاً في مثل صاحب الترجمة مع إطباق الناس على تعديله، واعتقاد تقديمه
وتفضيله، وقد كان - رضي الله تعالى عنه - يتأسف على تولية القضاء. قال الشعراوي:
قال في مرة إنها كانت غلطة. فقلت
له: ما هي؟ فقال: لي توليتي للقضاء صيرتني وراء الناس مع أني كنت مستوراً قال:
فقلت له: يا سيدي إني سمعت بعض الأولياء يقول: كانت ولاية الشيخ للقضاء ستراً
لحاله لما شاع عند الناس من صلاحه وزهده وورعه ومكاشفاته. قال: فقال: الحمد لله
الذي خففت عني يا ولدي. قال الشعراوي: وكانت
أول شهرة يعني بالصلاح والولاية في أيام السلطان خشقدم، وذلك أنه كان في باب النصر
رجل مشهور بالصلاح، فمر عليه السلطان خشقدم، فوقف عليه يزوره، فقال للسلطان: إذا
كان لك حاجة. فاسأل فيها الشيخ زكريا، فركب السلطان فزاره، فأسرعت الناس إليه، فمن
ذلك اليوم اشتهر بالصلاح. وقال الشعراوي أيضاً: أخبرني يوماً أن الخضر عليه السلام
كان يجتمع بسيدي علي الضرير النبتيتي، فسأله يوماً عن أحوال علماء العصر، فصار
يقول: ونعم منهم، فسأله عني فقال: ونعم منه إلا أن عنده نفيسة، فقلت: يتوب منها،
ولم يبين له الخضر ذلك. قال: فتنكرت على أفعالي، وصار عندي تطير من جميع أفعالي، فأرسلت
أقول لسيدي علي: إذا رأيته مرة أخرى، فاسأله يبين النفيسة لأتوب عنها، فأتاه
فأخبره. وقال: إنه إذا كاتب الأمراء في حاجة يقول لقاصده: قل هذا الكتاب من الشيخ
زكريا، فيسمي نفسه شيخاً. قال: فمن ذلك اليوم ما تلفظت بهنه الكلمة، وكان الشيخ
بعد ذلك يقول لقاصده، إذا أرسله إلى أحد من الأمراء: يقول لك زكريا خادم الفقراء.
وذكر الشعراوي في طبقاته الكبرى والوسطى وغيرهما جملة من
كراماته. منها أنه دعا لأعمى مرة، فأبصر. قلت:
وحدثت عن والدي - رضي الله تعالى عنه - أن الشيخ دخل إلى الغوري في حادثة تعصب
الغوري فيها، فعلم الغوري بان الشيخ جاء في ذلك، فأمر البوابين، فوضعوا السلسلة
على بابه، فجاء الشيخ وهو راكب على بغلته، فقطع السلسلة بكراسة كانت في يده من غير
اكتراث ثم دخل ودخل الناس معه وبالجملة فقد صار أمثل أهل زمانه وأرأس العلماء من
أقرانه، ورزق البركة في عمره، وعلمه وعمله، وأعطي الحظ في مصنفاته وتلاميذه حتى لم
يبق بمصر إلا طلبته وطلبة طلبته، وقرئ عليه شرحه على البهجة سبعاً وخمسين مرة حتى
حرره أتم تحرير، ولم ينقل ذلك عن غيره من المؤلفين، وكانت مؤلفاته " شرح
الروض " و " شرح البهجة " و " المنهج " وشرحه يدرسها
الناس، ويرجع إليها مدرس كل كتاب منها في حل مشكلاته، وأقرأ شيخ الإسلام الجد في
شرحه على الروض وغيره، وراجعه في مواضع منه، فأصلحها، ومؤلفاته كلها حافلة، جليلة،
معتبرة، مقبولة فما يتعلق بالفقه منها " المنهج وشرحه " وشرحا البهجة
الكبير والصغير، وسماه بالخلاصة، وشرح الروض، وشرح التنقيح ومختصره، وشرحه مختصر
أدب القضاء للغزي، والفتاوي وما يتعلق بعلم الفرائض شرحان على الفصول، وشرح
الكفاية لابن الهائم، وشرح النفحة القدسية لابن الهائم أيضاً، وما يتعلق بالأول مختصر
جمع الجوامع، وشرح المختصر المذكور، وحاشية على شرح جمع الجوامع للمحلي، وقطعة على
مختصر ابن الحاجب، وشرح الطوالع في أصول الدين، وما يتعلق بالتفسير حاشية على
البيضاوي، ومقدمة في البسملة والحمدلة، وما يتعلق بالقراءات، والتجويد مختصر
المرشد للعمادي، وشرح الجزرية، ومختصر قرة العين في الفتح، والإمالة، ومقدمة في
أحكام النون الساكنة والتنوين، وما يتعلق بالحديث شرح البخاري والإعلام بأحاديث
الأحكام، ومختصر الآداب للبيهقي وشرح الفية العراقي، ومما يتعلق بالتصوف شرح رسالة
القشيري، وشرح رسالة الشيخ أرسلان، وما يتعلق بالنحو والتصريف حاشية على ابن
المصنف، وشرح الشافية لابن الحاجب، وشرح الشذور لابن هشام، وما يتعلق بالمنطق شرح إيساغوجي،
وما يتعلق بالجدل شرح آداب البحث، وما يتعلق بغير ذلك مختصر بنل الماعون، وشرحا
المنفرجة كبير وصغير، وديوان خطب، والثبت الذي أثبت فيه مروياته ومجيزيه، فجملة
مؤلفاته أحد وأربعون مؤلفاً، وكلها نرويها بالإجازة الخاصة من شيخ الإسلام الوالد
بحق أخذها عنه حين كان في طلب العلم بالقاهرة.
وكان صاحب الترجمة معما كان عليه من الاجتهاد في العلم اشتغالاً،
واستعمالاً وإفتاءً، وتصنيفاً، ومعما كان عليه من مباشرة القضاء، ومهمات الأمور،
وكثرة إقبال الدنيا لا يكاد يفتر عن الطاعة ليلاً ونهاراً، ولا يشتغل بما لا
يعنيه، وقوراً، مهيباًَ، مؤانساً، ملاطفاً يصلي النوافل من قيام مع كبر سنه وبلوغه
مائة سنة وأكثر، ويقول: لا أعود نفسي الكسل حتى في حال مرضه كان يصلي النوافل
قائماً، وهو يميل يميناً وشمالاً لا يتمالك أن يقف بغير ميل للكبر والمرض، فقيل له
في ذلك. فقال: يا ولدي النفس من شأنها الكسل، وأخاف أن تغلبني، وأختم عمري بذلك،
وكان إذا أطال عليه أحد في الكلام يقول له: عجل قد ضيعت علينا الزمان، وكان إذا
أصلح القاريء بين يديه كلمة في الكتاب الذي يقرأه ونحوه يشتغل بالذكر بصوت خفي
قائلاً. الله الله لا يفتر عن ذلك حتى يفرغ، وكان قليل الأكل لا يزيد على ثلث
رغيف، ولا يأكل إلا من خبز خانقاه سعيد السعداء، ويقول؛ إنما أخص خبزها بالأكل لأن
صاحبها كان من الملوك الصالحين، وذكر أنه عمرها بإشارة النبي صلى الله عليه وسلم،
وكان - رضي الله تعالى عنه - كثير الصدقة مع إخفائها، وكان له جماعة يرتب لهم من
صدقته ما يكفيهم إلى يوم، وإلى جمعة، وإلى شهر، وكان يبالغ في إخفاء ذلك حتى كان
غالب الناس يعتقدون في الشيخ قلة الصدقة، وكان إذا جاءه سائل بعد أن كف بصره يقول
لمن عنده من جماعته: هل هذا أحد؟ فإن قال له: لا أعطاه، وإن قال له: نعم قال، له:
قل، له: يأتينا في غير هذا الوقت، قال الشعراوي: وقد جاء مرة رجل شريف أسود من
صوفية تربة قايتباي. فقال: يا سيدي خطفت عمامتي في هذه الليلة، وكان حاضراً الشيخ
جمال الدين الصافي، والشيخ أبو بكر الظاهري جابي الحرمين، فأعطاه الشيخ جديداً،
فرماه في وجه الشيخ، وخرج غضبان، فأعلمت الشيخ بذلك. فقال: هو أعمى القلب الذي جاء
هؤلاء الجماعة انتهى.
وكان - رضي الله تعالى عنه - يعتقد ابن العربي، وابن الفارض،
وأنظارهما من كبار الصوفية، ويتأول كلامهم بتآويل جلية حتى ضمن ذلك كتابه شرح
الروض ورد فيه على ابن المقري قال المسند زين الدين بن الشماع. محدث جلبي:
وكان قد رحل إلى مصر، وأخذ عن صاحب الترجمة وغيره قال: أول ما اجتمعت به قال لي:
ما اسمك؟ قلت: عمر، فترنم لهذا الاسم، ثم قال: والله يا سيدي أنا أحب عمر بن
الخطاب - رضي الله تعالى عنه - وأحب من اسمه عمر لأجل سيدي عمر. قال ابن الشماع:
ثم ذكر لي مناماً رآه حاصله أنه رأى سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه -
في منامه وهو طوال قال: فقلت له: اجعلني في صدرك أو في قلبك. فقال له سيدنا عمر -
رضي الله تعالى عنه - يا زكريا أنت عين الوجود، ثم ذكر لي أنه استيقظ، وهو يجد لذة
هذه الكلمة. قال ابن الشماع: ثم ذكر لي أنه اختصم شخصان من أمراء الدولة في الشيخ
شرف الدين عمر بن الفارض - رحمه الله تعالى - فقال أحدهما: هذا ولي الله، وقال
الآخر: هو كافر، وإن القائل بكفره كتب صورة سؤال في كفره، وطلب منه الكتابة قال
شيخ الإسلام زكريا: فامتنعت من ذلك، واعتذرت بأن القول بكفر مسلم هي خطر قال: فلما سمع
القائل بولايته لذلك طمع في الكتابة بولايته، فكتب صورة سؤال، وطلب الكتابة بولايته،
فامتنعت أيضاً، واعتذرت بأن الجزم بولاية من لم نتحقق ولايته فيه خطر أيضاً، فلم
يقنع بل طلب الكتابة، وترك السؤال عندي، فذهبت بعد صلاة الجمعة إلى جامع الأزهر
لزيارة شخص كنت أعتقده لاستشيره في الكتابة في الولاية، فلما رآني ابتدرني قبل أن
أكلمه بقول: نحن مسلمون أولا؟ قلت له: بل أنتم من خيار المسلمين قال: فما الذي
يوقفك عن الكتابة. فقلت
له: كنت أنتظر الأذن قال: ثم فتح علي بكتابة عظيمة في القول بولايته، قال ابن
الشماع: هذا ملخص ما سمعته من لفظه انتهى.
ذكره ابن الحنبلي في ترجمة ابن الشماع، وقال الشعراوي لما
وقعت فتنة الشيخ برهان الدين البقاعي في شأن سيدي عمر بن الفارض: أرسل السلطان إلى
العلماء، فكتبوا بحسب ما ظهر، وامتنع الشيخ زكريا، ثم اجتمع بالشيخ محمد
الإصطنبولي، فقال له: اكتب،
وانصر القوم، وبين في الجواب أنه لا يجوز لمن لم يعرف مصطلح القوم ذوقاً أن يتكلم
في حقهم بشيء آخر لأن دائرة الولاية من وراء طور العقل لبنائها على الكشف. انتهى.
وقال الشيخ شمس الدين محمد بن عمر بن أحمد الحلبي الشافعي في مختصر كتاب الدرر في
ترجمة بن حجر للشمس السخاوي. قال لي الشيخ جمال الدين الصافي. لما قدم مع الغوري
إلى حلب مع قضاة مصر لما سألته عن ابن الفارض، وعن ابن العربي، فقال لي: هذا
السؤال سألته لشيخنا القاضي زكريا، فقال لي: أعتقد أن ابن الفارض ولي الله، وأعتقد
أن ابن العربي ولي الله، ولكنه دون ابن الفارض. قلت: وهنا خلاف ما عليه معتقدوهما،
فإنهم يقدمون ابن العربي على ابن الفارض - رضي الله تعالى عنهما - وقد كان الأول
قاطناً بدمشق، وهي مسكن الإبدال غالباً، والثاني بمصر، وهي مسكن الأوتاد والإبدال
من الصديقين، والأوتاد من الأبرار، وسمعت بعض إخواننا يحكي أنه روي أن الشيخ محيي
الدين بن العربي كان يعرض عليه كلام سيدي عمر بن الفارض - رضي الله تعالى عنه -
فيقول: هو كلامنا لكنه أبرزه في قالب آخر. وكان يقول: هو ماشطة كلامنا، والذي يظهر
لي من كلامهما أن ابن العربي أوسع في المعرفة، وأن ابن الفارض أوغل في المحبة،
والله سبحانه وتعالى هو الموفق، وكان لشيخ الإسلام زكريا ذوق في فهم كلام القوم
يشرح كلام أهل الطريق على أتم وجه، ويجيب عنه الأجوبة الحسنة إذا أشكل على الناس
شيء منه، وكان يقول الفقيه: إذا لم يكن له معرفة بمصطلح ألفاظ القوم: فهو كالخبز الحاف
بغير أدم، ورفع إليه سؤال عن بيت من كلام بعض العارفين صورته:
أمولانا شيخ العلم والفضل والحجى ... ومن حوله أحداق
راجيه محدقه
ومن هو في التوحيد حقاً، وأهله ... بصير نصير سحب جدواه
مغدقه
ومن لاذ وفد السائلين ببابه ... فأولاهم كنز العلوم
وأنفقه
ومن هو قطب حل دائرة النهى ... عليه مدارالعلم حين تحققه
ابن موضحاً معنى لبيت يلي الذي ... يليه بمدحي من معانيه
مشرقه
محمد المختار أزكى الورى، ومن ... على فضله كل البرايا
مصدقه
هو السر في الدارين، والنقطة التي ... لها حرف جمع أعجمت
منه تفرقه
فذا مدح بعض العارفين لوصفه ... ولم يدر معناه البديع
ورونقه
عليه مع الآل الكرام وصحبه ... سلام متى ناحت بأيك مطوقه
فأجاب - رضي
الله تعالى عنه - : بأن السر هو الأكمل، والنقطة القطب، والحرف الطرف، والجمع هذا
الأنبياء، وهمزة أعجمت للسلب، ويقال: أعجمت الكتاب أزلت عجمته، وتفرقة مفعول له،
ويحتمل أن يراد بالنقطة نقطة حرف الهجاء، وبالجمع الكلمات على إرادة التشبيه
البليغ أي هو كالنقطة التي بها أزيلت عجمة حروف الكتابة، فإنه صلى الله عليه وسلم
أزيلت أيضاً به العجمة من ريب وغيره من الكتاب المنزل عليه، والمعنى على الأول أنه
صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق، وقطبهم الذي به أي بكونه قطباً صار طرف الأنبياء.
وخاتمهم، وأزبلت به العجمة عن الكتاب المنزل تفرقة بين الحق والباطل قال: وحاصله
نظماً:
محمد في الدارين أكمل خلقه ... تعالى، وقطب الأنبياء
مصدقه
وخاتم رسل الله، وهو الذي به ... أزيلت جميع المعجمات
الموثقه
وكان شعر الشيخ - رضي الله تعالى عنه - متوسطاً، ومنه ما
رواه عنه شيخ الإسلام الوالد - رضي الله تعالى عنه - في المواضع التي تباح فيها
الغيبة:
وتباح غيبة لمستفت ومن ... رام إغاثة لدفع منكر
ومعرف متظلم متكلم ... في معلن فسقاً مع المحذر
وقال - رضي الله تعالى عنه - متوسلاً:
إلهي ذنوبي قد تعاظم خطرها ... وليس على غير المسامح متكل
إلهي أنا العبد المسيء، وليس لي ... سواك، ولا علم لدي
ولا عمل
إلهي أقلني عثرتي وخطيئتي ... لأني يا مولاي في غاية
الخجل
إلهي ذنوبي مثل سبعة أبحر ... ولكنها في جنب عفوك كالبلل
ولولا رجائي إن عفوك واسع ... وأنت كريم ما صبرت على زلل
إلهي بحق الهاشمي محمد ... أجرني من النيران إني في وجل
وباللطف والعفو الجميل تولني ... وبالخير، فامنن عند
خاتمة الأجل
ومدحه القاضي بهاء الدين محمد بن يوسف بن أحمد:
جاء فيه العذول شيئاً فريا ... قمر قد أباحني الرشف ريا
قيل: هذا بدر التمام، فقالت: ... حسنات الخدود: نحن
الثريا
بهواه من عاذلي. وسقامي ... واتهام السلو رحت بريا
وقضيب القوام راح وجسمي ... وصراط الغرام فيه سويا
بت في الوصل في هواه غنياً ... ولهذا هجرت نومي مليا
ومن الصبر عنه رحت فقيراً ... وهو أمسى بكل حسن غنيا
كل من هام في هواه رشيد ... فعذولي عليه راح غويا
ليس قلبي بسقم جفنيه يقوي ... فضعيفان يغلبان قويا
فخلاصي من الغرام عزيز ... وسلوي خلصت منه نجيا
فعسى ذكر رحمة من إلهي ... لي في حب عبده زكريا
شافعي الزمان قاضي القضاة ... قد تلقى الحكم العزيز وليا
هو شيخ الإسلام، وهو إمام ... كان يقتدى به مهديا
قمع الله حين آتاه حكماً ... كل من كان ظالماً مقضيا
ملأ القلب هيبةً وجلالاً ... وعيون الورى جمالاً مليا
وله العلم حلة وشعار ... ولهذا في المجد أضحى سنيا
عالماً عاملاً جليلاً جميلاً ... خاشعاً ناسكاً عزيزاً
أبيا
عابداً زاهداً إماماً كبيراً ... محسناً مخلصاً كريماً
سريا
أمة قانتاً حنيفاً منيباً ... خاضعاً مخبتاً وفياً صفيا
ملا الخافقين في العلم حتى ... سار عنه معنعناً مرويا
هو ممن يتلى الكتاب عليهم ... فيخرون سجداً وبكيا
ولهذا قد حل من كل حال ... ومقام سام مكاناً عليا
وكانت وفاته - رضي الله تعالى عنه - يوم الأربعاء ثالث
شهر في القعدة سنة ست وعشرين وتسعمائة عن مائة وثلاث سنوات، وغسل في صبيحة يوم
الخميس، وكفن وحمل ضحوة النهار ليصلى عليه بجامع الأزهر في محفل من قضاة الإسلام،
والعلماء، والفضلاء، وخلائق لا يحصون، واجتمع بالجامع المذكور ونواحيه أمثالهم اغتناماً
للصلاة عليه، وقاربوا أن يدخلوا به وإذا بقصاد ملك الأمراء يحمله إلى سبيل أمير
المؤمنين ليظفر بالصلاة عليه، وكان الشيخ عبد الوهاب الشعراوي قد رأى قبل موته
مناماً وقصه عليه، وكاشفه به قبل أن يخبر به وقال له يوماً، وهو بين يديه يطالع له
في شرح البخاري: قف واذكر لي ما رأيت في هذه الليلة، فقال له: رأيت أني معكم في مركب،
وأنت جالس عن يسار الإمام الشافعي، فقلت لي: سلم على الإمام، فسلمت عليه، ودعا لي
والمركب مقلعة في بحر مئل عباب النيل، ورأيت المركب كلها مفروشة بالسندس الأخضر
وكذلك القلع والحبال كلها حرير أخضر ومتكآت خضر، فلا زلنا مقلعين حتى انتهينا إلى
جنينة عظيمة أصولها في ساحل البحر، وثمارها مدلاة من شراريف الحائط. قال: وطلعت أنا
من المركب إلى البستان، فرأيت حوراً حساناً يجنين من الزعفران في قفاف بيض على
رؤوسهن كل قمعة من الزعفران قدرها في الجرم إسباطة البلح. قال: فأستيقظت.
فقال له شيخ الإسلام زكريا. إن صح منامك، فإني سوف أدفن بالقرب من الإمام الشافعي،
وكان حاضراً بالمجلس حينئذ الشيخ جمال الدين الصافي، والشيخ أبو بكر الظاهري، فلما
توفي شيخ الإسلام زكريا فتحوا له فسقية في باب النصر، فقال الشيخ جمال الدين
الصافي للشعراوي: أين رؤياك؟ قال: فقلت له: إن الشيخ قال: إن صحت رؤياك. قال:
فبينما نحن كذلك، وقد كفن الشيخ، وما بقي إلا حمله جاء قاصد ملك الأمراء خاير بيك
فقال: إن ملك الأمراء ضعيف، ولا يستطيع أن يأتي إلى باب النصر، ومقصوده أن تحملوه
إلى سبيل المؤمنين ليصلى عليه، فحمل إلى الرميلة، وصلي عليه هناك، فلما صلوا عليه
قال ملك الأمراء: ادفنوه عند الإمام الشافعي - رضي الله تعالى عنه - ثم حمل نعشه مالك
الأمراء وغيره، ومشى أمامه الأمير جانم الحمزاوي، والقضاة، والعلماء، والأمراء،
والخاص، والعام. قال الشعراوي: وكانت جنازته مشهورة ما رأيت أكثر خلقاً منها، قال
العلائي: ودفن بالقرافة الصغرى بتربة الشيخ نجم الدين الخويشاتي بقرب قبر الإمام
الشافعي في فسقية جديدة أنشأها القاضي شرف الدين قريب بن أبي المنصور لنفسه - رحمه
الله تعالى - وصلي عليه غائبة بالجامع الأموي بدمشق يوم الجمعة بعد صلاتها رابع أو
خامس جمادىالآخرة سنة سبع وعشرين وتسعمائة قال ابن طولون: وأخرت الصلاة عليه
لاشتغال الناس بالفتنة الغزالية - رحمه الله تعالى - .
422 - زكريا المصرفي: زكريا القاضي زين الدين المصري الشافعي،
وهو غير شيخ الإسلام القاضي زكريا المتقدم ذكره. كان قاضياً بمصر العتيقة مظهر
للشهامة، وعنده دعوى صحب الشيخ جلال الدين السيوطي، والشيخ نور الدين الأشموني،
ولم يحمد العلائي سيرته، وذكر أنه توفي في سادس جمادى الأولى سنة تسع وعشرين
وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
حرف السين المهملةمن الطبقة الأولى: 423 - سعدي بن ناجي
بيك: سعدي بن ناجي بيك، العالم الفاضل المولى سعدي جلبي أخو المولى جعفر جلبي، ابن
ناجي بيك المتقدم. ذكره الرومي الحنفي. قرأ على جماعة من الموالي منهم المولى قاسم
الشهير بقاضي زاده والمولى محمد بن الحاج حسين، وبرع في فضائله، ودرس في مدرسة
السلطان مراد خان الغازي ببروسا، ثم أعطي مدرسة الوزير علي باشا بالقسطنطينية، ثم
إحدى الثماني، ثم حج وعاد فأعطي تقاعداً بثمانين عثمانياً، وكان فاضلاً في سائر
الفنون وخصوصاً العربية، وله باللسان العربي إنشاء، وشعر في غاية الجودة، وله حواش
على شرح المفتاح للسيد الشريف، وحاشية على باب الشهيد من شرح الوقاية لصدر
الشريعة، ونظم عقائد النسفي بالعربية، وله رسائل أخرى، وتوفي سنة اثنتين وعشرين
وتسعمائة - رحمه الله تعالى - .
424 - السلطان سليم بن أبي يزيد: سليم بن أبي يزيد بن محمد بن
مراد السلطان المفخم، والخاقان المعظم، سليم خان بن عثمان. هو من بيت رفع الله على
قواعده فسطاط السلطنة الإسلامية، ومن قوم أبرز الله تعالى لهم ما ادخره من
الاستيلاء على المدائن الإيمانية، رفعوا عماد الإسلام وأعلوا مناره، وتواصوا
باتباع السنة المطهرة، وعرفوا للشرع الشريف مقداره، وصار صاحب الترجمة منهم هو
الذي ملك بلاد العرب، واستخلصها من أيدي الجراكسة بعد ما شتت جمعهم، فانفلوا عن
مليكهم وجدوا في الهرب، ولد في أماسية في سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة، وجلس على
تخت السلطنة، وعمره ست وأربعون سنة بعد أن خلع نفسه والده السلطان أبو زيد خان عن
السلطنة، وسلمها إليه، وتحول إلى مدينة أدرنة في قصة تقدمت في ترجمة والده - رحمه
الله تعالى - وكان السلطان سليم سلطاناً قهاراً، وملكاً جباراً، قوي البطش، كثير السفك،
شديد التوجه إلى أهل النجدة والبأس، عظيم التجسس عن أخبار الملوك والناس، وربما
غير لباسه وتجسس ليلاً ونهاراً، وكان شديد اليقظة، والتحفظ. يحب
مطالعة التواريخ، وأخبار الملوك، وله نظم بالفارسية، والرومية، والعربية منه ما
ذكر القطب الهندي المكي أنه رآه بخطه في الكوشك الذي بني له بروضة المقياس بمصر
ونصه:
الملك لله من يظفر بنيل غنى ... يسلبه قسراً ومن ذا يضمن
الدركا
لو كان لي أو لغيري قدر أنملة ... فوق التراب لكان الأمر
مشتركا
ولما استقر على سرير السلطنة أخذ في قهر الملوك
والسلاطين، فبدأ بمقاتلة شاه إسماعيل بن الشيخ حيدر الصوفي لما بلغه أشاعته للرفض،
وقتله لعلماء أهل السنة وأكابرها، سافر إليه السلطان سليم إلى بلاد العجم، وتلاقيا
بالقرب من تبريز، وتصافا فانكسر عسكر الصوفي، وانهزم، ودخلت عساكر السلطان سليم
إلى تبريز، ونفذت فيها أوامره ونواهيه، أراد الإقامة بها ليستولي على إقليم العجم
وما فيه، فما أمكنه ذلك لكثرة القحط واستيلاء الغلاء حتى بيع الرغيف بمائة عثماني،
والعليقة بمائتين، فرجع إلى الروم، وأخذ من أراد من أكابر العجم وفضلائها
وأماثلها، وعظمائها، وساقهم سركناً إلى البلاد الرومية، على قوانين سلاطين
العثمانية، ثم سافر بعد أن استقر أمره من الرجوع من الأرض العجمية، وقصد بعساكره
البلاد الحلبية، ولما سمع سلطان الجراكسة قانصوه الغوري بخروج السلطان سليم من أرض
الروم. خرج بعساكره من أرض مصر، وأشاع في عساكره أنه يريد الإصلاح بين السلطان
سليم، والسلطان شاه إسماعيل الصوفي، وسافر من بلاد مصر إلى بلاد الشام، ودخل دمشق،
ثم حلب، وكاتب السلطان سليم بما جاء إليه من الإصلاح بينه وبين الصوفي، فارتاب منه
سلطان سليم، ويعث إليه أني أبدأ بقتالك قبله لأنك مبتدع، وهو مبتدع، فتحرك الشر
بينهما، وقامت الحرب على ساق، والتقيا بعساكرهما في مرج دابق، وانكسر عساكر الجراكسة،
ومات الغوري، ثم من شدة ما دخل عليه من القهر والغلبة، وتفرقت عنه العساكر، ثم دخل
السلطان سليم إلى حلب وملكها، ثم ملك ما بينها وبين دمشق، ثم ملك دمشق ودخلها يوم
السبت مستهل رمضان سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، وأقام بدمشق مدة حتى دبر أمورها،
وأقام قوانينه فيها، ثم سافر منها قاصداً بلاد مصر، فخرج منها يوم الاثنين عشرين
ذي القعدة من السنة المذكورة، وكانت أمراء الجراكسة قد سلطنوا بمصر طومان باي، ولقبوه
بالأشرف، فلما سمعوا بخروج السلطان سليم من دمشق إليهم تأهبوا لقتاله والخروج
إليه، وبرزوا إلى الريدانية خارج مصر، وقاتلوا عساكر الروم، وثبتوا معهم ساعة، وقتل
من أعيان عساكر السلطان سليم وزيره سنان باشا، وكان اسمه يوسف، ثم انكسر عسكر
الجراكسة، وتفرقوا شذر مذر، وهرب طومان باي، ثم دخل السلطان سليم إلى مصر، وكان
دخوله إليها يوم الثلاثاء خامس المحرم سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، ثم قبض بعد ذلك
على طومان باي، وصلبه على باب زويلة، وبقي بمصر مدة حتى مهد أمورها، وسار إلى
الإسكندرية، وعاد إلى مصر، ثم إلى دمشق، وأخذ معه جماعة من أعيان مصر سركناً كما
هو قانونهم، وكان دخوله إلى دمشق يوم الأربعاء حادي عشري رمضان سنة ثلاث وعشرين
وتسعمائة، ونزل بالقصر الظاهري بالميدان الأخضر، وهو موضع التكية السليمانية الآن،
ثم أشار بعمارة على قبر الشيخ محيي الدين بن العربي، وبعث الولوي ابن الفرفور،
ومعه معلم السلطان شهاب الدين بن العطار، وجماعة، وهندسوا عمارة جامع بخطبة، وكان
ذلك يوم السبت رابع عشري رمضان المذكور، وفي ثانية يوم الأحد طلع ابن الفرفور، وقاضي
العسكر المولى ركن الدين زيرك وجماعتهم إلى الصالحية، واشتروا بيت خير بك دوادار
منشيء الحاجبية بالصالحية من مالكه يومئذ، وهو رزق الله الحنبلي الصالحي ليوسعوا
به الجامع، ثم في يوم الاثنين سادس عشري رمضان المذكور شرعوا في هدم مسجد كان جدده
شهاب الدين الصميدي لصيق تربة الشيخ ابن العربي حين كان ناظراً على ذلك، وفي هدم
حمام كان لصيق ذلك يعرف بحمام الجورة، ثم شرعوا في العمارة يوم الأحد ثاني شوال
سنة ثلاث وعشرين المذكورة، ثم أمر السلطان ببناء قبة على تربة الشيخ ابن العربي،
فأسست جدرانها ليلاً، وكان الشروع فيها ليلة الثلاثاء ثالث ذي القعدة، وفي يوم الاثنين
العشرين من محرم سنة أربع وعشرين وتسعمائة. وضع منبر الجامع المذكور، وهو المعروف
الآن بالسليمية، وفيه رسم السلطان سليم خان - رحمه الله تعالى - ببناء تكية شمالي
هذا الجامع، وفي يوم الجمعة رابع عشري المحرم المذكور ركب السلطان إلى الجامع
المذكور، وصلى به الجمعة، وخطب به يومئذ قاضي القضاة ولي الدين بن الفرفور، وكان
مهيباً عظيماً قفلت له غالب أسواق دمشق، وفرق السلطان يومئذ جرابين من الفضة،
وعينت خطابة الجامع المذكور لمنلا عثمان بن منلا شمس الحنفي، فباشرها من يوم
الجمعة مستهل
صفر، وعينت إمامته للشيخ شمس الدين بن طولون الحنفي يوم
الجمعة، وباشرها يوم الجمعة المذكور، وكان خروج السلطان سليم خان من دمشق يوم
الاثنين سابع عشري محرم سنة أربع وعشرين المذكورة عائداً إلى محل سلطنته، ودخل
القسطنطينية يوم الخميس لخمس بقين من شعبان سنة أربع وعشرين وتسعمائة، وأقام بها
نحو سنتين، وظهرت له في ظهره جمرة منعته الراحة، وحرمته الاستراحة، وعجزت في علاجه
حذاق الأطباء، وتحيرت في أمره عقول الألباء، ولا زالت به حتى حالت بينه وبين
الأمنية، وخلت بينه وبين المنية، فمات - رحمه الله تعالى - في رمضان أو شوال سنة
ست وعشرين وتسعمائة بعد أن طالت علته نحو أربعين يوماً، وذكر العلائي في تاريخه نقلاً
عن بعض المراسلات التي وردت إلى مصر من الروم بموت السلطان سليم أنه خرج من
القسطنطينية إلى جهة أدرنة، وقد خرجت له تلك الجمرة تحت إبطه وأضلاعه، فلم يفطن
لها حتى وصل إلى المكان الذي بارز فيه أباه السلطان أبا يزيد حين نازعه في
السلطنة، فطلب له الجرايحية والأطباء، فلم يدركوه إلا وقد تأكلت ووصلت إلى
الأمعاء، فلم يستطيعوا دفعاً عنه، ولا نفعاً. ومات بها ودفن بالأستانة عند قبر
أبيه السلطان أبي يزيد خان رحمها الله تعالى رحمة واسعة. آمين.فر، وعينت إمامته
للشيخ شمس الدين بن طولون الحنفي يوم الجمعة، وباشرها يوم الجمعة المذكور، وكان
خروج السلطان سليم خان من دمشق يوم الاثنين سابع عشري محرم سنة أربع وعشرين
المذكورة عائداً إلى محل سلطنته، ودخل القسطنطينية يوم الخميس لخمس بقين من شعبان
سنة أربع وعشرين وتسعمائة، وأقام بها نحو سنتين، وظهرت له في ظهره جمرة منعته الراحة،
وحرمته الاستراحة، وعجزت في علاجه حذاق الأطباء، وتحيرت في أمره عقول الألباء، ولا
زالت به حتى حالت بينه وبين الأمنية، وخلت بينه وبين المنية، فمات - رحمه الله
تعالى - في رمضان أو شوال سنة ست وعشرين وتسعمائة بعد أن طالت علته نحو أربعين
يوماً، وذكر العلائي في تاريخه نقلاً عن بعض المراسلات التي وردت إلى مصر من الروم
بموت السلطان سليم أنه خرج من القسطنطينية إلى جهة أدرنة، وقد خرجت له تلك الجمرة
تحت إبطه وأضلاعه، فلم يفطن لها حتى وصل إلى المكان الذي بارز فيه أباه السلطان
أبا يزيد حين نازعه في السلطنة، فطلب له الجرايحية والأطباء، فلم يدركوه إلا وقد
تأكلت ووصلت إلى الأمعاء، فلم يستطيعوا دفعاً عنه، ولا نفعاً. ومات بها ودفن بالأستانة
عند قبر أبيه السلطان أبي يزيد خان رحمها الله تعالى رحمة واسعة. آمين.
425 - سليم بن نذر تلميذ الكواكبي: سليم بن نذر - بالنون والذال
المعجمة - العيني، ثم الحلبي، الشيخ العابد، الورع، الزاهد، خليفة الشيخ محمد
الكواكبي، حكي أنه أول ما قدم على شيخه المذكور امتحنه ببيع ما يملك من غنم، وخيل،
وأثاث، ويأتيه بما جمعه من المال. فامتثل أمره، وأتاه به، فأخنه منه، فلم يكترث
لذلك، ثم لم يلبث إلا قليلاً، وأصاب تلك القرية جائحة، ونهب مال، فلما أخبر الشيخ
محمد بذلك أخرج للشيخ سليمان جميع ماله بعينه، وأذن له أن يعود إلى مأمنه، فقوي
اعتقاده في الشيخ، وصار من مريديه، ثم من خلفائه.
قيل: وكان الشيخ محمد الكواكبي يقول: مثلي ومثل سليمان كمثل
بئرين بينهما حائط، فزال الحائط، واختلط الماءان وتوفي الشيخ سليمان في سنة إحدى
عشرة وتسعمائة بحلب، ودفن بها في مقابر الصالحين، وقبره معروف بها يزار رحمه الله
تعالى.
426 - سليمان البحيري: سليمان، الشيخ العلامة علم الدين البحيري
المصري شيخ المالكية ومفتيهم بمصر، توفي يوم الخميس ثامن شعبان سنة اثنتي عشرة
وتسعمائة، ودفن بالصحراء بالقاهرة رحمه الله تعالى.
427 - سنطباي: سنطباي، الشيخ المتصوف. أخذ نظر السنقرية بالقرب
من خانقاه سعيد السعداء بالقاهرة، وأخرج من كان بها من طلبة العلم والصلحاء، ووضع
في خلاويها الجلابقية والمماليك، وكانوا مريدين له يسجدون له ويقرهم على ذلك، وكان
يتهم بضرب الزغل، فرسم عليه السلطان الغوري بعد أن وجد عنده من الذهب المزغول على
ما قيل ما جملته خمسون رطلاً مصرياً من الذهب والفضة شيئاً كثيراً، ومن النحاس
كذلك، ثم عرضه السلطان المذكور بحضرة عسكره، وأحضر جماعته، فضربهم بحضرته، فأقروا
عليه وقابلوه بذلك بحضرة الناس، فقطعت أيديهم، وأمر بقطع يد سنطباي، فرد عنه
الأمير قرقماش أتابك العساكر يومئذ، فرسم السلطان بنفيه إلى القدس بعد أن زجره
السلطان، وقال له: إنك تدعي أنك الصوفي المسلك، وأنت زركاوي شيطان زغلي أخرج من
مملكتي، وكان ذلك في اوائل شوال سنة إحدى عشرة وتسعمائة. ذكر قصته هذه الحمصي، ولا
أدري ما فعل الله به بعد ذلك.
428 - سوندك بقوغه جي ده ده: سوندك، الشيخ العارف بالله تعالى
أحد مشايخ الروم، وصوفيتها، الشهير - رحمه الله تعالى - بقوغه
جي ده ده، كان له جذب وحال. حكي أنه عند المولى حميد الدين بن أفضل الدين المتقدم
في حرف الخاء، وهو يومئذ مفتي الروم فدخل على المفتي المولى الكرماستي، وهو يومئذ
قاضي القسطنطينية، فشكا إليه متصوفة الزمان، وقال: إنهم
يرقصون ويصعقون عند الذكر، وهذا مخالف للشرع، فقال المولى حميد الدين للكرماستي: إن
رئيسهم هذا الشيخ، وأشار إلى الشيخ سوندك، وقال: إن أصلحته صلح الكل، ثم أقام
المولى الكرماستي، وصحب معه الشيخ سوندك إلى منزله، وأحضر مريديه وهيأ لهم طعاماً،
فأطعمهم، ثم قال: اجلسوا واذكروا الله تعالى على أدب ووقار وسكون فقالوا: نفعل
ذلك، فلما شرعوا في الذكر صاح الشيخ في أذن المولى الكرماستي صيحة عظيمة حتى قام،
وسقطت عمامته عن رأسه، ورداؤه عن منكبه، وشرع يصرخ ويصعق حتى مضى نحو ثلث النهار،
فلما سكن اضطرابه. قال له الشيخ: لأي شيء اضطربت أيها المولى أنت قلت إنه منكر؟
فقال له: تبت إلى الله تعالى عن ذلك الإنكار، ولا أعود إليه أبداً، وكانت وفاة
الشيخ سوندك بالقسطنطينية، وهو من هذه الطبقة رحمه الله تعالى.
429 - سويد المجذوب: سويد
المجذوب بحلب، قال ابن الحنبلي: أدركته، وكان من شأنه أنه كلما قيل له: أفرد صوت
صوتين، وكلما قيل له: ازوج: صوت صوتاً واحداً على خلاف ما يطلب منه. قال: وكان خير
بك الجركسي كافل حلب يعتقده، وربما قربه إليه وأكل معه من غير أن يعاف أوساخ
ثيابه، فقيل له: إنه يأكل الحشيشة، فأرسل أميناً اتبعه، فإذا هو قد أخذ الحشيشة
ووضعها في كمه، فاحتوى على عقله حتى أحضره إليه وأشار إلى أن في كمه ما فيه، فطلب
منه خير بك أن يطعمه مما فيه، فأبى فصمم عليه فأخرج له شيئاً من الحلاوات ففتش كمه
فإذا هو خال عن تلك الحشيشة، فزاد اعتقاده فيه - رحمه الله تعالى آمين.
430 - سويدان المجذوب: سويدان، الشيخ الصالح المجذوب المدفون
بالقرب من الخانقاه السرياقوسية بمصر. كان من أولياء الله تعالى، وله مكاشفات
كثيرة، وخوارق شهيرة عده شيخ الإسلام الجد، فيمن صحبهم من أولياء الله تعالى. كان
مكشوف الرأس أبداً، وله شعر طويل ملبد، كث اللحية، وكان أكثر كلامه إشارات لا يفهمها
عنه إلا الفقراء الصادقون، وكان يحمل حملات الناس، وكل من حمله حملة وضع حبة من
الحمص في فيه ليتذكر قصته، فكان ربما امتلأ فمه من الحمص، وربما مكثت الحبة، أو
الحبات في فيه شهراً حتى تقضى تلك الحوائج، وكان يتطور، فربما وجد في صور سبع
وفيل، وفي صورة فقير وأمير، وكانوا يرونه مرة بمكة، ومرة بمصر، وأخبر بموت أمه يوم
موتها بمصر، وهو بمكة، ودخل زمزم ومعه كفنها، فغسله منه، ورماه لهم بمصر مبلولاً
وهم يغسلونها، وما عرف الناس من رماه حتى جاء الخبر مع الحاج من مكة، وأخبر الناس
بذلك، وكان - رحمه الله تعالى - في أول أمره مقيماً بالخانقاه السرياقوسية مدة
طويلة، وبني له هناك زاوية خارج الخانقاه مما يلي مصر، ثم انتقل في أيام السلطان
الغوري إلى مدرسة ابن الزين برصيف بولاق إلى أن توفي في سنة تسع بتقديم المثناة.
عشرة وتسعمائة، ودفن بزاويته خارج الخانقاه السرياقوسية - رحمه الله تعالى - .
431 - سيدي ابن محمود بن المجلد: سيدي ابن محمود، المولى العالم
الصالح الرومي الحنفي، الشهير بابن المجلد، كان أصله من ولاية قوجه إيلي، واشتغل
في العلم، وحصل وصار مدرساً بمدرسة عيسى بيك ببروسا، ثم رغب في التصوف، وعين له كل
يوم خمسة عشر درهماً بالتقاعد، ثم صحب الشيخ العارف بالله تعالى السيد البخاري،
وكان فاضلاً مدققاً، حسن الخط، مؤدباً، صالحاً، ديناً يخدم بيته بنفسه، ويشتري
حوائجه ويحملها من السوق بنفسه، وكان ملازماً للمسجد، منعزلاً عن الناس، ومات على
ذلك في أوائل سلطنة السلطان سليمان رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
432 - سيف الدين القدسي: سيف الدين الشيخ الصالح المقدسي. توفي
بها سنة إحدى وعشرين وتسعمائة، وصلي عليه وعلى الشيخ محب الدين إمام الأقصى،
والشيخ أبي شعرة الرملي جميعاً غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة تاسع عشر رمضان منها.
حرف الشين المعجمةمن الطبقة الأولى: 433 - شرباش الإينالي:
شرباش بن عبد الله الإينالي أحد أمراء دمشق. سكن صالحية قال ابن طولون: وله نفس
أبية، وشوهدت منه أمور ردية الآن. توفي سنة ثمان تسعمائة ودفن بتربة عمر...
434 - شرف الصعيدي : شرف، الشيخ الصالح، الورع، الزاهد. شرف
الدين الصعيدي. دخل مصر في أيام السلطان الغوري، وأقام بها حتى مات، وكان يصوم
الدهر، ويطوي أربعين يوماً فأكثر، وبلغ الغوري أمره، فحبسه في بيت وأغلق عليه
الباب، ومنعه الطعام والماء، ثم أخرجه، فصلى بالوضوء الذي دخل به، فاعتقده السلطان
المذكور اعتقاداً عظيماً، وكان يكاشف بما يقع للولاة وغيرهم، ومات قبل العشرين
وتسعمائة، ودفن بالقرب من تربة الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه.
435 - شعبان الصورتاني: شعبان، الشيخ زين الدين الصورتاني
الحنبلي أحد عدول دمشق ممن سكن الصالحية، ثم ولي قضاء صفد، ثم عزل عنها، وأخذ عن
النظام بن مفلح، وابن زيد، وأكثر عن أبي البقاء بن أبي عمر، وكان لا بأس به، وتوفي
في شوال سنة أربع وتسعمائة رحمه الله تعالى.
436 - شعبان المجذوب: شعبان الشيخ المجذوب الموله بدمشق، كان
عجيب الحال، وللناس فيه اعتقاد كلي، ومات يوم الأربعاء رابع عشر جمادى الأولى سنة
ست وعشرين وتسعمائة، وجيء له بخمسة أكفان، فكفن بها، ودفن عند الشيخ خليل بالقرب
من دار السعادة خارج دمشق رحمه الله تعالى.
حرف الصاد المهملةمن الطبقة الأولى: 437 - صالح بن يوسف :
صالح بن يوسف بن الحسين، السلطان بن السلطان، تملك بلاد بني جبر كان من بيت
السلطنة هو وأبوه وجده، وهو خال السلطان مقرن، وقد وقع بينهما وقعة عظيمة تشهد
لصالح بالشجاعة التي لا توصف، فإنه كر على مقرن وعسكره، وكانوا جما غفيراً بنفسه، وكان
خارجاً لصلاة الجمعة لا أهبة معه، ولا سلاح، فكسرهم، ثم كان الحرب بينهم سجالاً
إلى أن توفي. قدم إلى دمشق في سنة سبع وعشرين وتسعمائة، وأخذ عن علمائها منهم شيخ
الإسلام سمع الجد عليه جانباً من البخاري، وحضر دروس شيخ الإسلام الوالد، واستجاز
منهما، فأجازاه، وكان في قدمته تلك إلى دمشق متستراً بها، مختفياً غير منتسب إلى
سلطنة، وسمى نفسه إذ ذاك عبد الرحيم، ثم حج وعاد إلى بلاده، وكان مالكي المذهب،
فقيهاً متبحراً في الفقه والحديث، وله مشاركة جيدة في الأصول والنحو، وكان محباً
للعلما والصلحاء، شجاعاً مقداماً عادلاً في ملكه، صالحاً كاسمه، مات - رحمه الله
تعالى - في سنة ثلاثين أو إحدى وثلاثين وتسعمائة ببلاده.
438 - صالح اليمني: صالح اليمني، الشيخ الإمام المقريء. قرأ
القرآن على سبعين شيخاً في اليمن وغيرها عدة ختمات إفراداً وجمعاً بما تضمنه حرز
الأماني، وأصله أعلاهم سنداً، وأقلهم عدداً، الشيخ سراج الدين عمر المشار إليه
الأنصاري النشار، والشيخ شهاب الدين أحمد.... القسطلاني بحق قراءة الأول على الشيخ
الإمام السيد الشريف إبراهيم بن أحمد الحسني الطباطي بمكة بحق قراته على الشمس العسقلاني،
وبحق قراءة الثاني على الأول، وعلى الإمام شمس الدين محمد بن أبي بكر الحمصاني،
وشيخ القراء أحمد ابن الشيخ أسد الدين الأسيوطي، وإمام النحو زين الدين عبد الغني
الهيتمي.
حرف الضاد المعجمةمن الطبقة الأولى خال:
حرف الطاء المهملةمن الطبقة الأولى خال:
حرف الظاء المعجمةمن الطبقة الأولى:
439 - ظهير الدين الإردبيلي: ظهير الدين المولى الإردبيلي
الحنفي، الشهير بقاضي زاده. قرأ في بلاد العجم على علمائها، ولما دخل السلطان سليم
خان إلى مدينة تبريز في قتال شاه إسماعيل الصوفي أخذه معه إلى بلاد الروم، وعين له
كل يوم ثمانين درهماً، وقال في الشقائق: كان عالماً كاملاً صاحب مجاورة، ووقار،
وهيبة، وفصاحة، وكانت له معرفة بالعلوم خاصة بعلم الإنشاء والشعر، وكان يكتب الخط
الحسن قتل مع الوزير أحمد باشا بمصر سنة ثلاثين وتسعمائة، وذكر العلائي أن صاحب
الترجمة استمال أحمد باشا إلى اعتقاد إسماعيل شاه الصوفي طلباً لاستمداده به،
واستظهاره معه بمكاتبات وغيرها، وعزم على إظهار شعار الرفض، واعتقاد الإمامية على
المنابر. حتى قال صاحب الترجمة: إن مدح الصحابة على المنبر ليس بفرض، ولا يخل
بالخطبة، وقد ذكرنا ذلك في ترجمة أحمد باشا، وذكر العلائي أيضاً أنه قبض على صاحب
الترجمة يوم الخميس عشري ربيع الثاني سنة ثلاثين وتسعمائة، وقطعت رأسه، وعلقت على
باب زويلة.
حرف العين المهملةمن الطبقة الأولى: 440 - عبد الله بن
محمد السبتي: عبد الله بن محمد، الشيخ العلامة قاضي المالكية بصفد ابن قاضي القضاة
شمس الدين السبتي، ولد في سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، وكانت وفاته بصفد يوم
الأربعاء ثامن عشر رجب سنة عشر وتسعمائة. كما ذكره النعيمي، ونقله ابن طولون عن
ولد المترجم الزيني عبد القادر رحمه الله تعالى.
441 - عبد الله بن إبراهيم الشبشيري: عبد الله بن إبراهيم.
الفاضل، العلامة الشهير بابن الشيخ الشبشيري الحنفي. قرأ على علماء العجم، وبرع
هناك في العربية والمعقولات، ثم دخل بلاد الروم، وعين له السلطان سليم خان كل يوم
ثلاثين درهماً، وعمل قصيدة بالفارسية نحو ثلاثين بيتاً أحد مصراعي كل بيت منها
تاريخ لسلطنة السلطان سليمان، والمصراع الثاني من كل بيت تاريخ فتح رودس، وله حواش
على حاشية شرح المطالع للسيد الشريف، وشرح على الكافية، ورسالة في المعمى فارسية.
مات في أوائل سلطنة السلطان سليمان رحمهما الله تعالى.
442 - عبد الله بن أحمد الشنشوري: عبد الله بن أحمد، الشيخ
الإمام العلامة جمال الدين الشنشوري المصري الشافعي. له شرح التدريب للسراج
البلقيني، وهو من أهل هذه الطبقة رحمه الله تعالى.
443 - عبد الله بن أحمد بن أبي كثير الحضرمي: عبد الله أحمد ابن
أبي كثير الشيخ الإمام شيخ الإسلام، ولي الله تعالى، العارف به الزاهد. المفتي.
الفقيه جمال الدين الحضرمي، ثم المكي الشافعي. قال ابن طولون: حكى لنا عنه إخونا
الجمال بن خضر أنه قال: له ثلاث وخمسون سنة بمكة. ولم يتوضأ إلا من ماء زمزم، ولا
أكل من ضيافة لأحد من أهلها سوى مرة واحدة للقاضي إبراهيم كأنه ابن ظهيرة، فإنه
حاباه في ذلك، وكان من عادته أن يجلس كل يوم بالحرم الشريف يقريء الناس في عدة
علوم إلى قبيل الظهر، ومن بعد صلاة الظهر يقريء آخرين في الحديث إلى العصر، ومن
بعد صلاة العصر آخرين في التصرف، ومن بعد صلاة المغرب إلى العشاء يطوف، وممن أخذ عنه
الحديث. وغيره البرهان العمادي الحلبي. قرأ عليه أحاديث من الكتب الستة وغيرها في
سنة خمس عشرة وتسعمائة، وكانت وفاته في سنة خمس وعشرين بمكة، وصلي عليه غائبة
بدمشق بجامع بني أمية يوم الجمعة رابع عشر الحجة بعد صلاتها رحمه الله تعالى.
444 - عبد الله بن عبد الله بن رسلان: عبد الله بن عبد الله بن
رسلان، الشيخ الإمام العلامة جمال الدين ابن الشيخ زين الدين البويضي - من قرية
البويضة من أعمال دمشق، ثم الدمشقي الشافعي. ولد سنة إحدى وخمسين وثمانمائة. كان
رفيقاً للشيخ تقي الدين البلاطنسي على شيوخه، وأخذ عنه الشيخ موسى الكناوي صحيح
البخاري وغيره، وكانت وفاته في البيمارستان النةوري يوم الخميس سادس أو سابع ذي
القعدة سنة ست وعشرين وتسعمائة، وصلى عليه إماماً رفيقه البلاطنسي، ودفن بمقبرة
باب الصغير جوار الشيخ نصر المقدسي بصفة الشهداء رحمه الله تعالى.
445 - عبد الله بن عبد الرحيم السمهودي: عبد الله بن عبد
الرحيم، الشيخ العالم السيد الشريف القاضي جلال الدين الصعيدي، الأصل، السمهودي،
وهو ابن أخي السيد نور الدين السمهوري مؤرخ المدينة المنورة. قال العلائي: كان من
أهل الفضل والخير لم تعرف له صبوة. رحل إلى الروم طلب قضاء المدينة، ففوض الأمر
إلى نائب مصر يومئذ ففوض القضاء إليه في سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، ولم أقف إلى
الآن على تاريخ وفاته، ولعله من هذه الطبقة رحمه الله تعالى.
446 - عبد الله بن عمر الكناوي: عبد الله بن عمر بن سليمان بن
عمر بن نصر الكناوي الصفدي الشافعي جد الشيخ موسى الكناوي لامه. كان عالماً مؤثراً
للصمت والعزلة عن الناس لا يحضر مجالسهم إلا لحضور الصلاة والجنتئز ونحو ذلك،
وللتدريس وقراءة صحيح البخاري على كرسي يصوت حسن، ونغمة طيبة، وترتيل وتأن، وحضور قلب،
وسكون جوارح، وكان يقرر معاني الأحاديث لمن يحضر مجلسه، وكان إماماً بالمسجد الذي
يجري إليه الماء خارج كفر كنا، وكان يفتي أهل تلك البلاد، ويقريء الطلبة بها في
الفقه والفرائض والحديث والنحو، ومكث على ذلك قريباً من خمسين سنة، وكان صوته في
القراءة لطيفاً، ومع ذلك كان يسمعه من يتسمع لقراءته، وهو يتهجد في هدو الليل من
نحو ميل، وكان في صوته رقة وتحنن، وحكى سبطه الشيخ موسى عن رجل سكن كفركنا أربعين
سنة، ولازم الشيخ عبد الله في تلك المدة في صلاة الفجر كل يوم أنه لم يرى الفجر
سبق الشيخ عبد الله قط. بل
كان هو دائماً يسبق الفجر، وسبب ذلك أن الشيخ عبد الله لما ذهب إلى القدس الشريف
للاشتغال على الشيخ الإمام، الفقيه العارف بالله تعالى شهاب الدين بن أرسلان
الرملي، ثم المقدسي - قدس الله تعالى سره - أقام الشيخ عبد الله المذكور بالمدرسة
الختنية جوار المسجد الأقصى عند الشيخ شهاب الدين مدة، فخرج الشيخ شهاب الدين في
ليلة من الليالي آخر الليل، فوجد الطلب منهم من يقرأ القرآن، ومنهم من يدرس في
قراءة العلم، ومنهم من يصلي، ومنهم من يذكر الله تعالى، ووجد الشيخ عبد الله هذا
نائماً، فوكزه الشيخ شهاب الدين برجله، فجلس فزعاً، فقال له: يا ولدي أرسلك أهلك
لتشتغل بالعلم أو بالنوم؟ فاستمر الشيخ عبد الله لا ينام في تلك الساعة ببركة
الشيخ شهاب الدين بن أرسلان - رضي الله عنه - وكانت وفاة الشيخ عبد الله ببلدة
كفركنا من أعمال صفد في غرة شوال سنة اثنتي عشرة وتسعمائة، وهي في عشر التسعين -
بتقديم التاء المثناة - رحمه الله تعالى 447 - عبد الله المصري: عبد الله القاضي جمال
الدين المقريء المصري الحنفي نزيل دمشق باشر نيابة القضاء بها عن قاضي القضاة محي
الدين عبد القادر بن يونس الحنفي، وتوفي بدمشق يوم الخميس رابع ربيع الأول سنة
ثمان عشرة وتسعمائة رحمه الله.
448 - عبد الباسط بن محمد بن الشحنة: عبد الباسط بن محمد بن
محمد، الشيخ الفاضل الذكي أبو الفضل محب الدين ابن قاضي القضاة أثير الدين بن قاضي
القضاة محب الدين بن الشحنة الحنفي. ولد بالقاهرة سنة سبع وسبعين وثمانمائة، وسمع
بها الحديث على جده المحب وعلى الجمال بن شاهين سبط الحافظ بن حجر، وعلى والده
الأثير، ثم قدم حلب مع والده، فقرأ في العربية والمنطق في العلائي قل دروس وغيره،
وتفرغ له والده عن خطابة الجامع الكبير بحلب وغيرها، ثم عاد إلى القاهرة في دولة الملك
الأشرف قايتباي، فاعتنى به، وولاه نظر الجوالي بدمشق، فلم يزل بها حتى مات في سنة
ثلاث وتسعمائة رحمه الله تعالى.
449 - عبد البر بن محمد بن الشحنة: عبد البر بن محمد بن محمد
قاضي القضاة، أبو البركات، سري الدين، ابن قاضي القضاة أبي الفضل محب الدين ابن
قاضي القضاة أبي الوليد محب الدين أيضاً ابن الشحنة، الحنفي. ولد بحلب سنة إحدى
وخمسين وثمانمائة، ثم رحل إلى القاهرة، فاشتغل في علوم شتى على شيوخ متعددة، ذكرهم
السخاوي في ترجمته في " الضوء اللامع " منهم والده، وجده، ودرس وأفتى،
وتولى قضاء حلب، ثم قضاء القاهرة، وصار جليس السلطان الغورقي وسميره. قال الحمصي:
وكان عالماً متفنناً للعلوم الشرعية والعقلية. قال ابن طولون: ولم يثن الناس عليه
خيراً، وذكر الحمصي أن عبيد السلموني شاعر القاهرة هجاه بقصيدة قال في أولها:
فشا الزور في مصر، وفي جنباتها ... ولم لا وعبد البر قاضي
قضاتها
وعقد على السلموني بسبب ذلك عقد مجلس في مستهل المحرم سنة
ثلاث عشرة وتسعمائة بحضرة السلطان الغوري، وأحضر في الحديد، فأنكر، ثم عزر بسببه
بعد أن قرئت القصيدة بحضرة السلطان، وأكابر الناس، وهي في غاية البشاعة والشناعة، والسلموني
المذكور كان هجاء خبيث الهجو ما سلم منه أحد من أكابر مصر، فلا يعد هجوه جرحاً في
مثل القاضي عبد البر، وقد كان له في ذلك العصر حشمة وفضل، وكان تلميذه القطب بن
سلطان مفتي دمشق يثني عليه خيراً، ويحتج بكلامه في مؤلفاته، وكان ينقل عنه أنه
أفتى بتحريم قهوة البن، وله - رحمه الله تعالى - مؤلفات كثيرة منها شرح منظومة بن
وهبان، في فقه أبي حنيفة النعمان، ومنها شرح الوهبانية، في فقه الحنفية، وشرح
منظومة جده أبي الوليد بن الشحنة التي نظمها في عشرة علوم، وكتاب لطيف في حوض دون
ثلاث أذرع. هل يجوز فيه الوضوء أو لا. وهل يصير مستعملاً بالتوضؤ فيه أولاً؟ ومنها
" الذخائر الأشرفية، في الغاز الحنفية " ، وله شعر لطيف منه قوله من
قصيدة مفتخراً:
أضار وما مناقبي الفخار ... وبي والله للدنيا الفخار
بفضل شائع، وعلوم شرع ... لها في سائر الدنيا انتشار
وهمة لوذع شهم تسامى ... وفوق الفرقدين لها قرار
وفكر صائب في كل فن ... إلى تحقيقه أبداً يصار
ومنها:
سموت لمنصب الإفتاء طفلاً ... وكان له إلى قربي ابتدار
وكم قررت في الكشاف درساً ... عظيماً قبل ما دارالعذار
وقال ناظماً لأسماء البكائين في غزاة تبوك وهم الذين نزلت
فيهم هذه الآية " ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم
عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع " " سورة التوبة: الآية 92 " .
إلا أن بكاء الصحابة سبعة ... لكونهم قد فارقوا خير مرسل
فعمرو أبو ليلى، وعليه سالم ... كذا سلمة عرياض وابن مغفل
قلت: وذيل عليه شيخ الإسلام الوالد بقوله:
كثعلبة عمرو، وصخر وديعة ... وعبد ابن عمرو وابن أزرق
معقل
قال الشيخ الوالد - رضي الله تعالى عنه - : وكنت قبل أن
أقف على بيتي القاضي عبد البر قد استوفيت أسماءهم، ونظمتها في هذه الأبيات:
وفي الصحب بكاؤن بضعة عشر قد ... بكوا حزناً إذ فارقوا
خير مرسل
فمنهم أبو ليلى، وعمرو بن عتمة ... وصخر بن سلمان وربع
بمعقل
كذلك عبد الله، وهو ابن أزرق ... كذاك ابن عمرو، ثم نجل
مغفل
وثعلبة، وهو ابن زيد، وسالم ... هو ابن عمير في مقال لهم
جلي
أبو علية أو علية ووديعه ... والأمجد العرياض للعد أكمل
وذكر ابن الحنبلي في تاريخه أن القاضي عبد البر نظم
أبياتاً في أسماء البكائين المذكورين، وبين فيها اختلاف المفسرين، وأهل السير
فيهم، وشرحها في رسالة لطيفة، ولعلها غير البيتين المتقدمين، ومن لطائف القاضي عبد
البر ما أنشده عنه شيخ الإسلام الوالد - رضي الله تعالى عنه - في كتابه فصل الخطاب:
حبشية سائلتهما عن جنسها ... فتبسمت عن در ثغر جوهري
وطفقت أسأل عن نعومة ماطقي ... قالت: فما تبغيه جنسي
أبحري
وكانت وفاته يوم الخميس خامس شعبان سنة إحدى وعشرين
وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بجامع بني أمية بدمشق المحمية خامس عشر شعبان المذكور -
رحمه الله تعالى رحمة واسعة آمين.
450 - عبد الحق بن محمد البلاطنسي: عبد الحق بن محمد، الشيخ
الإمام العلامة زين الدين ابن الشيخ الإمام العلامة شمس الدين البلاطنسي الشافعي.
ولد.في سنة ست وخمسين وثمانمائة، وتوفي فجأة يوم الأربعاء سابع شعبان سنة ثماني
عشرة وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة ثالث رمضان السنة المذكورة
رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
451 - عبد الحق بن محمد السنباطي: عبد الحق بن محمد، الشيخ
الإمام، شيخ الإسلام الحبر البحر، العلامة الفهامة السنباطي، القاهري، الشافعي
خاتمة المسندين. ولد في أحد الجمادين سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة كما قرأت بخط ابن
طولون نقلاً عن كتاب محدث مكة جار الله بن فهد، وقرأت أيضاً بخط الشيخ نجم الدين
الغيطي، وقرأت بخط الوالد أن الشيخ عبد الحق نفسه ذكر له ذلك، وأخذ بالقراءات
والسماع عن العلامة كمال الدين بن الهمام، والشيخ أمين الدين الأقصرائي، والشيخ
محيي الدين الكافيجي، والشيخ تقي الدين الشمني، والشيخ تقي الدين الحصكفي، والشيخ
شهاب الدين السكندري المقريء تلميذ العسقلاني، والشيخ المحقق جلال الدين المحلي،
والشيخ العلامة علم الدين صالح البلقيني، والشمس الدواني وعن غيرهم، وسمع السنن
لابن ماجة على المسندة الأصلية أم عبد الرحمن باي خاتون ابنة القاضي علاء الدين بن
البهاء أبي البقاء محمد بن عبد البر السبكي، عن المسند أبي عبد الله محمد بن الفخر
البعلي، عن الحجار، وأجازه ابن حجر، والبحر العيني. كان جلداً في تحصيله، مكباً
على الإشتغال حتى برع، وانتهت إليه الرئاسة بمصر في الفقه والأصول والحديث، وكان
عالماً عابداً متواضعاً طارحاً للتكليف. من رآه شهد فيه الولاية والصلاح قبل أن
يخالطه، أخذ عنه شيخ الإسلام فيما بلغني، والعلامة بدر الدين العلائي، وولده الشيخ
الفاضل العلامة شهاب الدين أحمد، والشيخ عبد الوهاب الشعراوي، والقطب المكي الحنفي
وغيرهم، وجاور بمكة في سنة إحدى وثلانين وتسعمائة، وكان نازلاً في دار بني فهد،
فتوعك في ثامن عشر شعبان، وبقي متوعكاً اثني عشر يوماً منها ثلاثة أيام كان في
مصطلحاً لا يدخل جوفه فيها شيء، ولا يخرج منه شيء، ولا ينطق بشطر كلمة، ثم فتح
عينيه في أثنائها، وقال: لا إله إلا الله إقض إمض إقض أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد
أن محمداً رسول الله. ماداً السبابة والإبهام فما أتمها إلا مقبوضاً إلى رحمة الله
تعالى، وكان ذلك في غرة رمضان سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة كما ذكر ذلك العلائي في
تاريخه، وقال محدث مكة جار الله بن فهد في كتابه إلى الشيخ شمس الدين بن طولون:
فقدر الله تعالى وفاته في ليلة الجمعة غرة شهر رمضان عند إطفاء المصابيح أوان
الفجر. قال: وكان ذلك مصداق منام رؤي له في أول السنة يؤمر فيه بزيارة النبي صلى
الله عليه وسلم. قال: إطفاء المصابيح. قال:
وضمن ذلك بعض الشعراء في أبيات وهي:
توفي عبدالحق يوم غروبه ... بمكة بعد الصبح بدء صيامه
وزد واحداً فوق الثلاثين مردفاً ... بتسع ميء واجعله عام
حمامه
قضى عالم الدنيا كأن لم يكن بها ... سقى الله قبراً ضمه
من غمامه
قال الشيخ جار الله: وصلي عليه عقب صلاة الجمعة عند باب
الكعبة، وشيعه خلق كثير إلى المعلا، ودفن بتربة سلفنا عند مصلب سيدنا عبد الله بن
الزبير الصحابي - رضي الله تعالى عنه - بشعب النور، ورثاه جماعة من الشعراء، وحزن الناس
عليه كثيراً، فإنه خاتمة المسندين والقراء أيضاً، وقد جاوز التسعين. انتهى.
وذكر العلائي في تاريخه أن الذي صلى عليه إماماً ولده
العلامة شهاب الدين وأنه دفن في التربة المذكورة بين قبري محدثي الحجاز الشيخين الحافظين
تقي الدين بن فهد، وولده نجم الدين بن فهد، وكان يوماً مشهوداً، وخلف ثلاثة بنين
رجالاً متتابعة صلحاء عقلاء فضلاء غير أن أوسطهم الشيخ شهاب الدين أفضل بنيه، ودونه
الشيخ محب الدين. انتهى - رحمه الله تعالى.
452 - عبد الحليم بن علي القسطموني: عبد الحليم بن علي، العالم
الفاضل المولى حليمي القسطموني المولد، الرومي الحنفي. اشتغل بالعلم، وخدم المولى
علاء الدين العربي، ثم ارتحل إلى بلاد العرب، وقرأ على علمائها، وحج ثم سافر إلى بلاد
العجم، وقرأ على علمائها، وصحب الصوفية، وتربى عند شيخ يقال له: المخمودي،
ثم عاد إلى بلاد الروم، واستقر بها، ثم طلبه السلطان سليم بن أبي يزيد خان قبل
جلوسه على سرير السلطنة، وجعله إماماً له وصاحباً، فرآه متفنناً في العلوم،
متحلياً بالمعارف، فلما جلس على سرير السلطنة جعله معلماً لنفسه، وعيين له كل يوم
مئة عثماني، وأعطاه قرى كثيرة، ودخل معه بلاد الشام ومصر، وتوفي بدمشق بعد عوده في
صحبة السلطان سليم إليها من مصر، ودفن بتربة الشيخ محيي الدين بن العربي يوم
الجمعة عشري شوال سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة. قال الحمصي: وصلى عليه السلطان
بالجامع الأموي هو وأكابر الناس من الأروام والعرب، وترحمت عليه الناس، وأنه كان
لا يتكلم إلا خيراً عند السلطان. قال ابن طولون: ودفن إلى جانب الشيخ محمد البلخشي
من القبلة بتربة المحيوي المذكورة رحمه الله تعالى.
453 - عبد الحليم بن مصلح المنزلاوي: عبد الحليم بن مصلح
المنزلاوي، الشيخ الصالح المتخلق بالأخلاق المحمدية. كان متواضعاً. كثير الإزراء
بنفسه، والحط عليها، وجاءه مرة رجل فقال له: يا سيدي خذ علي العهد بالتوبة، فقال:
والله يا أخي إلى الآن ما تبت، والنجاسة لا تطهر غيرها، وكان إذا رأى من فقير دعوى
سارقه بالأدب، وقرأ عليه شيئاً من آداب القوم بحيث يعرف ذلك المدعي أنه عار عنها،
ثم يسأله عن معاني ذلك بحيث يظن المدعي أنه شيخ، وأن الشيخ عبد الحليم هو المريد
أو التلميذ، وجاءه مرة شخص من اليمن. فقال: أنا أذن لي شيخي في تربية الفقراء،
فقال: الحمد لله الناس يسافرون في طلب الشيخ، ونحن جاء الشيخ لنا إلى مكاننا، وأخذ
عن اليماني، ولم يكن بذلك، وكان الشيخ يربيه في صورة التلميذ إلى أن كمله وزاد
حاله، ثم كساه الشيخ عبد الحليم عند السفر وزوده، وصار يقبل رجل اليماني، ويقول:
يا سيدي صرنا محسوبين عليكم، وكان يؤدب الأطفال في بداءته، ولم يأخذ لهم شيئاً،
ولم يأكل لهم طعاماً، ولا يقبل من أحد شيئاً، فاشتهر بالصلاح في بلاد المنزلة،
فلقيه شخص من أرباب الأحوال اسمه العبيدي، فقال له: يا عبد الحليم لا تكن صالحاً
إلا إن صرت تنفق من الغيب، ثم قال: أطلب مني شيئاً آتك به، فقال: ما أنا محتاج إلى
شيء، فمد يده العبيدي في الهواء، فأتى بدينار، فأثرت تلك الكلمة في الشيخ عبد
الحليم، وأخذ في الاجتهاد سنة يصوم نهارها، ويقوم ليلها، ويختم ختمة نهاراً، وختمة
ليلاً، فجاء العبيدي فقال له: الآن صح لك اسم الصلاح، فمد يدك في الهواء، وهات لي
ديناراً، فمد يده في الهواء فأتى بدينار، ففارقه يومئذ، واشتهر الشيخ عبد الحليم
بعد ذلك، وعمر عدة جوامع في المنزلة، ووقف عليها الأوقاف، وله جامع مشهور به في
المنزلة له فيه سماط لكل وارد وبني بيارستان للضعفاء قريب منه، وكان يجذب قلب من
يراه أبلغ من جذب المغناطيس للحديد، وكان لا يسأله فقير قط شيئاً من ملبوسه إلا
نزعه عنه في الحال، دفعه إليه، وربما خرج إلى صلاة الجمعة فيدفع كل شيء عليه،
ويصلي الجمعة بفوطة في وسطه، ومناقبه كثيرة مشهورة بدمياط، والمنزلة - رضي الله
تعالى عنه - توفي بعد الثلاثين وتسعمائة، ودفن بمقبرة بلدة الخربة، وقبره بها ظاهر
يزار - رحمه الله تعالى.
454 - عبد الخالق المعالي: عبد الخالق المعالي، الحنفي المصري،
الشيخ الإمام الصالح. كان له الباع الطويل في علم المعقولات، وعلم الهيئة، وعلم
التصوف، وكان كريم النفس لا ينقطع عنه الواردون في ليل ولا نهار، وكان للفقراء
عنده في الجمعة ليلة يتذاكرور عنده في أحوال الطريق إلى الصباح، وكان له سماط من
أول رمضان إلى آخره، وكان دائم الصمت لا يتكلم إلا لضرورة. يأمر بالمعروف وينهى عن
المنكر. مات في حدود أواخر هذا الطبقة، ودفن قريباً من جامع آل مالك رحمه الله
تعالى.
455 - عبد الرحمن بن محمد المقدسي: عبد الرحمن بن محمد، شيخ
الشيوخ أبو الفرج زين الدين ابن الأمير ناصر الدين ابن أبي شريف المقدسي شيخ
الخانقاه بالقدس، وهو أخو الكمال، والبرهان ابني أبي شريف. كان موجواً في سنة إحدى
وتسعمائة، ولم يتحرر لي تحديد وفاته بعد ذلك رحمه الله تعالى.
456 - عبد الرحمن بن محمد الكلسي: عبد الرحمن بن محمد بن يوسف
بن عبد الله الشيخ العلامة زين الدين أبو الفرج الكلسي الأصل، الحلبي المولد،
الحنفي. ولد بعد الستين وثمانمائة، واشتغل في النحو والصرف، ثم حج ولازم السخاوي
بمكة، وسمع من لفظه الحديث المسلسل بالأولية وغيره، وسمع عليه البخاري، ومعظم مسلم،
وسمع عليه من مؤلفاته، " القول البديع، في الصلاة على الشفيع " ، والقول
التام، في فضل الرمي بالسهام " ، و " القول النافع، في ختم صحيح البخاري
الجامع " و " تحرير البيان، في الكلام على الميزان " والكثير من شرح
ألفية العراقي له - أعني السخاوي - وأجاز له في ذي القعدة سنة ست وثمانين
وثمانمائة، وفي هذه السنة أجازت له المسندة زينب الشويكية رواية ما سمعه عليها
بمكة من سنن ابن ماجة من باب صفة الجنة والنار إلى آخر الكتاب، وأذنت له في رواية
سائر مروياتها. وأذن له الشمس البازلي بحماة بالإفتاء والتدريس، وأجاز له بعد أن
وصفه بالإمام العالم العلامة الجامع بين المعقول والمنقول، المتبحر في الفررع
والأصول، ثم قرأ على العلامة محمد بن محمد الطرابلسي الحنفي في سنة تسعين في تنقيح
الأصول، وأذن له بالتدريس في سائر العلوم، ثم أجاز له الكمال ابن أبي شريف في سنة
خمس وتسعمائة أن يروي عنه سائر مؤلفاته ومروياته، ثم أجاز له الحافظ عثمان الديمي
في سنة سبع وتسعمائة، وكان قصير القامة، نحيف البدن، لطيف الجثة، حسن المفاكهة، كثير
الملاطفة، وكان له إلمام بالفارسية، والتركية، واعتناء بالتنزهات، والخروج إلى
البساتين مع الديانة والصيانة. توفي بحلب في ذي القعدة سنة ثلاثين وتسعمائة، ودفن
بالقرب من مزار الشيخ يبرق رحمه الله تعالى.
457 - عبد الرحمن بن محمد الكتيي: عبد الرحمن بن محمد بن إدريس،
الشيخ زين الدين الكتبي الدمشقي الحنفي. كان عنده فضيلة، وله قراءة في الحديث،
وكان لطيفاً يميل إلى المجون والخداع. مات سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
458 - عبد الرحمن بن إبراهيم الدنابي الحنبلي: عبد الرحمن بن إبراهيم،
الشيخ الإمام القدوة الزاهد زين الدين أبو الفرج الدنابي الدمشقي الصالحي الحنبلي.
حفظ القرآن العظيم، ثم قرأ المقنع وغيره، واشتغل وحصل وأخذ الحديث عن أبي زيد وابن
عبادة وغيرهما، ثم كان يقريء الأطفال في مكتب مسجد ناصر الدين غربي مدرسة أبي عمر،
وكان يقرأ البخاري في البيوت والمساجد وجامع الحنابلة بالسفح، وكان إذا ختم
البخاري في الجامع المذكور يحضر عنده خلائق، فإنه كان فصيحاً، وله مسلك في الوعظ
حسن، ثم أنه انجمع في آخر عمره عن الناس، وقطن بزاوية المحيوي الرجيحي بالسهم
الأعلى إماماً وقارئاً للبخاري، ومات في سنة خمس عشرة وتسعمائة، ودفن بالروضة بسفح
قاسيون رحمه الله تعالى.
459 - عبد الرحمن بن إبراهيم الدسوقي: عبد الرحمن بن إبراهيم بن
محمد بن عبد الرحمن، الشيخ الصالح القاضي محب الدين. ابن الشيخ الصالح الزاهد
الرباني إبراهيم الدسوقي، ولد في ذي الحجة سنة ثمان وستين وثمانماثة، وكان ناظر الأيتام
بدمشق، وفوض إليه نيابة القضاء فى سنة ست عشرة وتسعمائة، وتوفى ليلة السبت سابع
ربيع الثاني سنة سبع وعشرين وتسعمائة فجاة، ودفن بمقبرة الباب الصغير عند والده
رحمه الله تعالى.
460 - عبد الرحمن بن إبراهيم الشاذلي: عبد الرحمن بن إبراهيم،
الشيخ العابد الدين الصالح زين الدين ابن الشيخ الفاضل أبي المكارم بن أبي الوفاء
الشاذلي المصري الشافعي، وهو أخو الشيخ أبي الفضل بن أبي الوفاء شيخ الوفائية
بمصر، وكان يغلب على صاحب الترجمة الخير والصلاح، ولم يهتم بمشيخة، وتوفي في أواخر
ربيع الثاني سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
461 - عبد الرحمن بن أبي بكر الأسيوطي: عبد الرحمن بن أبي بكر
بن محمد بن أبي سابق الدين بكر بن عثمان بن محمد بن خضر بن أيوب بن محمد ابن الشيخ
همام الدين، الشيخ العلامة، الإمام، المحقق، المدقق، المسند، الحافظ شيخ الإسلام جلال
الدين أبو الفضل ابن العلامة كمال الدين الأسيوطي، الخضيري، الشافعي صاحب المؤلفات
الجامعة، والمصنفات النافعة، ولد بعد المغرب ليلة الأحد مستهل رجب سنة تسع وأربعين
وثمانمائة، وعرض محافيظه على قاضي القضاة عز الدين أحمد بن إبراهيم الكناني
الحنبلي، فسأله ما كنيتك؟ فقال: لا كنية لي. فقال
أبو الفضل، وكتبه بخطه. وتوفي والده وله من العمر خمس سنوات. وسبعة أشهر قد وصل في
القراءة إذ ذاك إلى سورة التحريم، وأسند وصايته إلى جماعة منهم العلامة كمال الدين
بن الهمام، فأحضر ابنه عقيب موته، فقرره في وظيفة الشيخونية ولحظه بنظره، وختم
القرآن العظيم، وله من العمر دون ثماني سنين. ثم
حفظ عمدة الأحكام، ومنهاج النووي، وألفية ابن مالك، ومنهاج البيضاوي، وعرض الثلاثة
الأولى على مشايخ الإسلام العلم البلقيني، والشرف المناوي، والعز الحنبلي، وشيخ
الشيوخ الأقصرائي وغيرهم، وأجازوه، وحضر مجالس الجلال المحلي سنة كاملة يومين في
الجمعة، وحضر مجلس زين الدين رضوان العقبي، وأحضره والده قبل موته وهو صغير مجلس
رجل كبير من العلماء أخبره بعض أصحاب أبيه أنه مجلس الحافظ ابن حجر، وشرع في
الاشتغال في العلم من ابتداء ربيع الأول سنة أربع وستين وثمانمائة، فقرأ على الشيخ
شمس الدين محمد بن موسي السيرائي صحيح مسلم إلا قليلاً منه والشفاء، وقرأ عليه
الفية بن مالك حلاً فما أتمها إلا وقد صنف، وأجازه بالعربية، ثم قرأ عليه قطعة من
التسهيل، وسمع عليه الكثير من ابن المصنف، والتوضيح، وشرح الشذور، وفي المغني في أصول
فقه الحنفية، وشرح العقائد للتفتازاني، وقرأ على الشيخ الإمام الصالح شمس الدين
محمد ابن الشيخ سعد الدين بن سعد بن خليل المرزباني، الحنفي الكافية لابن الحاجب،
وشرحها للمصنف، ومقدمة إيسا غوجي في المنطق، وشرحها للكاني، وقطعة من كتاب سيبويه
حلاً، وسمع عليه من المتوسط والشافية، وشرحها للجاربردي، ومن ألفية العراقي، ولزمه
حتى مات سنة سبع وثمانمائة، وقرأ في الفرائض والحساب على علامة زمانه شهاب الدين
أحمد بن علي الشارمساحي، ثم لزم درس شيخ الإسلام العلم صالح البلقيني من شوال سنة
خمس وستين وثمانمائة، فقرأ عليه من أول التدريب لوالده السراج البلقيني إلى باب
الوكالة، وسمع عليه من أول الحاوي إلى باب العدد، وغالب المنهاج والتنبيه، وقطعة
من الروضة، وقطعة من التكملة للزركشي، ولزم أيضاً درس شيخ الإسلام الشرف المناوي،
فقرأ عليه من المهاج، وسمعه عليه كاملاً في التقسيم، وسمع عليه الكثير من شرح
البهجة للعراقي، ومن تفسير البيضاوي وغيره، ولزمه إلى أن مات، ولزم دروس العلامة
محقق الديار المصرية سيف الدين محمد بن محمد الحنفي، وسمع عليه دروساً عديدة من
الكشاف، ولزم درس العلامة التقي الشمني من شوال سنة ثمان وستين وثمانمائة، وسمع
عليه المطول والتوضيح، والمغني، وحاشية عليه، وشرح المقاصد للتفتازاني، وقرأ عليه
من الحديث كثيراً، ومن علومه شرحه على نظم النخبة لوالده، ولزم أيضاً دروس العلامة
المحيوي محمد بن سليم الكافيجي، وقرأ عليه شرح القواعد له، وأشياء من مختصراته،
وسمع عليه من الكشاف وحواشيه، والمغني، وتوضيح صدر الشريعة، والتلويح للتفتازاني،
وتفسير البيضاوي وغير ذلك، وقرأ على قاضي القضاة العز أحمد بن إبراهيم الكناني
قطعة من جمع الجوامع لابن السبكي، وقطعة من نظم مختصر ابن الحاجب وشرحه كلاهما
تأليفه، وقرأ في الميقات علي الشيخ مجد الدين إسماعيل بن السباع، وعلى الشيخ عز
الدين عبد العزيز بن محمد الميقاتي، وقرأ في الطب على محمد بن إبراهيم الدواني.
قدم عليهم القاهرة من الروم، وحضر عند الشيخ تقي الدين أبي بكر بن شادي الحصكفي
كثيرة، وقرأ على الشيخ شمس الدين البابي دروساً من المنهاج من كتاب الخراج إلى باب
الجزية، وشيئاً من البهجة، وأجيز بالإفتاء والتدريس، وقد ذكر تلميذه الداوودي في
ترجمة أسماء شيوخه إجازةً وقراءةً وسماعاً، مرتبين على حروف المعجم، فبلغت عدتهم
أحداً وخمسين نفساً، وألف المؤلفات الحافلة الكثيرة الكاملة
الجامعة، النافعة المتقنة، المحررة، المعتبرة نيفت عدتها
على خمسمائة مؤلف، وقد استقصاها الداوودي في ترجمة وشهرتها تغنينا عن ذكرها هنا،
وقد اتفقت روايتنا لها عن شيخ الإسلام الوالد عنه بحق إجازته له، وأذن له بروايتها
عنه، وقد اشتهر أكثر مصنفاته في حياته في البلاد الحجازية، والشامية، والحلبية،
وبلاد الروم، والمغرب، والتكرور، والهند، واليمن، وكان في سرعة الكتابة والتأليف
آية كبرى من آيات الله تعالى. قال تلميذه الشمس الداوودي: عاينت
الشيخ، وقد كتب في ويومالجامعة، النافعة المتقنة، المحررة، المعتبرة نيفت عدتها
على خمسمائة مؤلف، وقد استقصاها الداوودي في ترجمة وشهرتها تغنينا عن ذكرها هنا،
وقد اتفقت روايتنا لها عن شيخ الإسلام الوالد عنه بحق إجازته له، وأذن له بروايتها
عنه، وقد اشتهر أكثر مصنفاته في حياته في البلاد الحجازية، والشامية، والحلبية،
وبلاد الروم، والمغرب، والتكرور، والهند، واليمن، وكان في سرعة الكتابة والتأليف
آية كبرى من آيات الله تعالى. قال تلميذه الشمس الداوودي: عاينت الشيخ، وقد كتب في
ويوم واحد ثلاثة كراريس تأليفاً وتحريراً، وكان مع ذلك يملي الحديث، ويجيب عن المتعارض
منه بأجوبة حسنة، وكان أعلم أهل زمانه بعلم الحديث وفنونه، ورجاله، وغريبه،
واستنباط الأحكام منه، وأخبر عن نفسه أنه يحفظ مئتي ألف حديث. قال: ولو وجدت أكثر
لحفظته. قال: ولعله لا يوجد على وجه الأرض الان أكثر من ذلك، ولما بلغ أربعين سنة
من عمره أخذ في التجرد للعبادة والإنقطاع إلى الله تعالى، والإشتغال به صرفاً،
والإعراض عن الدنيا وأهلها كانه لم يعرف أحداً منهم، وشرع في تحرير مؤلفاته، وترك
الإفتاء والتدريس، واعتذر عن ذلك في مؤلف ألفه في ذلك وسماه " بالتنفيس
" وأقام في روضة المقياس فلم يتحول منها إلى أن مات لم يفتح طاقات بيته التي
على النيل من سكناه، وكان الأمراء والأغنياء يأتون إلى زيارته، ويعرضون عليه
الأموال النفيسة فيردها، وأهدى إليه الغوري خصياً وألف دينار، فرد الألف، وأخذ
الخصي فاعتقه وجعله خادماً في الحجرة النبوية، وقال لقاصد السلطان: لا تعد تأتينا
قط بهدية، فإن الله تعالى أغنانا عن مثل ذلك، وكان لا يتردد إلى السلطان، ولا إلى غيره،
وطلبه مراراً فلم يحضر إليه، وقيل له: إن بعض الأولياء كان يتردد إلى الملوك
والأمراء في حوائج الناس، فقال: أتباع السلف في عدم ترددهم أسلم لدين المسلم.
وألف كتاباً سماه " ما رواه الأساطين، في عم التردد
إلى السلاطين " ، قلت: وقد نظمت
هذا الكتاب في منظومة لطيفة حافلة، وزدت على ما ذكره
زيادات شريفة، ورؤي النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، والشيخ السيوطي يسأله عن
بعض الأحاديث، والنبي صلى الله عليه وسلم. يقول له: هات يا شيخ السنة، ورأى هو
بنفسه هذه الرؤيا، والنبي صلى الله عليه وسلم. يقول له: هات يا شيخ السنة، وذكر
الشيخ عبد القادر الشاذلي في كتاب ترجمته أنه كان يقول: رأيت النبي صلى الله عليه
وسلم يقظة. فقال لي: يا شيخ الحديث، فقلت له: يا رسول الله أمن أهل الجنة أنا؟
قال: نعم، فقلت: من غير عذاب يسبق؟ فقال صلى الله عليه وسلم: لك ذلك، وألف في ذلك
كتاب " تنوير الحلك، في إمكان رؤية النبي والملك " ، وقال له الشيخ عبد القادر، قلت له يا سيدي: كم رأيت النبي صلى
الله عليه وسلم يقظة؟ فقال: بضعاً وسبعين مرة، وذكر خادم الشيخ السيوطي محمد بن
علي الحباك أن الشيخ قال له يوماً وقت القيلولة وهو عند زاوية الشيخ عبد الله الجيوشي
بمصر بالقرافة: نريد أن نصلي العصر في مكة بشرط أن تكتم ذلك علي حتى أموت. قال:
فقلت: نعم. قال: فأخذ بيدي، وقال: غمض عينيك، فغمضتها فرمل في نحو سبع وعشرين
خطوة، ثم قال لي: إفتح عينيك، فإذا نحن بباب المعلى، فزرنا أمنا خديجة، والفضيل بن
عياض، وسفيان بن عيينة وغيرهم، ودخلت الحرم، فطفنا وشربنا من ماء زمزم، وجلسنا خلف
المقام حتى صلينا العصر، وطفنا وشربنا من زمزم، ثم قال لي: يا فلان ليس العجب من
طيئ الأرض لنا، وإنما العجب من كون أحد من أهل مصر المجاورين لم يعرفنا، ثم قال
لي: إن شئت تمضي معي، وإن شئت تقم حتى يأتي الحاج. قال: فقلت: بل إذهب مع سيدي،
فمشينا إلى باب المعلا، وقال لي: غمض عينيك، فغمضتها، فهرول بي سبع خطوات، ثم قال
لي: إفتح
عينيك، فإذا نحن بالقرب من الجيوشي، فنزلنا إلى سيدي عمر بن الفارض، ثم ركب الشيخ
حمارته، وذهبنا إلى بيته في جامع طولون.
وذكر الشعراوي، عن الشيخ أمين الدين النجار إمام جامع
الغمري أن الشيخ أخبره بدخول ابن عثمان مصر قبل أن يموت، وأن يدخلها في افتتاح سنة
ثلاث وعشرين وتسعمائة، وأخبره أيضاً بأمور أخرى تتفق في أوقات عينها، وكان الأمر
كما قال - رضي الله تعالى عنه - ومحاسنه ومناقبه لا تحصى كثرة، ولو لم يكن له من
الكرامات إلا كثرة المؤلفات مع تحريرها وتحقيقها لكفي ذلك شاهداً لمن يؤمن بالقدر،
وله شعر كثير كثره متوسط، وجيده كثير، وغالبه في الفوائد العلمية، والأحكام الشرعية،
فمن شعره وأجاد فيه:
فوض أحاديث الصفات ... ولا تشبه أو تعطل
إن رمت إلا الخوض في ... تحقيق معضله فأول
إن المفوض سالم ... مما يكلفه المؤول
وقال رضي الله تعالى عنه:
حدثنا شيخنا الكناني ... عن أية صاحب الخطابة
أسرع أخا العلم في ثلاث ... الأكل والمشي والكتابة
وقال في الشافعي - رضي الله تعالى عنه - مضمناً مكتفياً:
إن ابن إدريس حقاً ... بالعلم أولى وأحرى
لأنه من قريش ... وصاحب البيت أدرى
وقال مقتبساً - رضي الله تعالى عنه.
أيها السائل قوماً ... ما لهم في الخير مذهب
أترك الناس جميعاً ... وإلى ربك فارغب
وقال مقتبساً أيضاً:
عاب الإملاء للحديث رجال ... قد سعوا في الضلال سعياً حثيثا
إنما ينكر الأمالي قوم ... لا يكادون يفقهون حديثاً
وقال مقتبساً:
لا تقابل الجهلا ... بالذي أتوا تفلح
إن ترد أن تسوءهم ... فاعف عنهم واصفح
أعبد الله ودع عن ... ك التواني بالهجود
ومن الليل فسب ... حه وإدبار السجود
وقال:
إني عزمت وما عزم بمنخرم ... ما لم يساعده تقدير من
الباري
أن لا أصاحب إلا من خبرتهم ... دهراً مقيماً، وأزماناً
بأسفار
ولا أجالس إلا عالماً فطناً ... أو صالحاً أو صديقاً لا
بإكثار
ولا أسائل شخصاً حاجة أبداً ... إلا استعارة أجزاء وأسفار
ولا أذيع، ولا للعالم الفطن الصد ... يق ما يحتوي مكنون
أسراري
ولا أصاحب عامياً، وإن شهدوا ... بأنه صالح معدوم أنظار
ولست أحدث فعلاً غير مفترض ... أو مستحب، ولم يدخل بانكار
ما لم أقم مستخير الله متكلاً ... وتابعاً ما أتى فيها من
آثار
وقال متشكياً:
طوبى لمن مات فاستراحا ... ونال من ربه فلاحا
ما نحن إلا في قوم سوء ... أذاهم قد بدا ولاحا
وكانت وفاته - رضي الله تعالى عنه - في سحر ليلة الجمعة
تاسع عشر جمادى الأولى سنة إحدى عشرة وتسعمائة في منزله بروضة المقياس بعد أن تمرض
سبعة أيام بورم شديد في ذراعه الأيسر، وقد استكمل من العمر إحدى وستين سنة وعشرة
أشهر وثمانية عشر يوماً، وكان له مشهد عظيم، ودفن في حوش قوصون خارج باب القرافة،
وصلي عليه غائبة بدمشق بالجامع الأموي يوم الجمعة ثامن رجب سنة إحدى عشرة
المذكورة. قيل: أخذ الغاسل قميصه وقبعه فاشترى بعض الناس قميصه من الغاسل بخمسة
دنانير للتبرك به، وباع قبعه بثلاثة دنانير لذلك أيضاً، ورثاه عبد الباسط بن خليل
الحنفي بقوله:
مات جلال الدين غيث الورى ... مجتهد العصر إمام الوجود
وحافظ السنة مهدي الهدى ... ومرشد الضال بنقع يعود
فيا عوني انهملي بعده ... ويا قلوب انفطري بالوقود
واظلمي يا دنيا إذ حق ذا ... بل حق إن ترعد فيك الرعود
وحق للضوء بأن ينطفي ... وحق للقائم فيك القعود
وحق للنور بأن يختفي ... ولليالي البيض إن تبق سود
وحق للناس بأن يحزنوا ... بل حق أن كل بنفس يجود
وحق للأجبال خر وإن ... تطوى السما طيا كيوم الوعود
وأن يغور الماء والأرض أن ... تميد إذ عم المصاب الوجود
مصيبة حلت فحفت بنا ... وأورثت نار اشتعال الكبود
صبرنا الله عليها وأولاه ... نعيماً حل دار الخلود
وعمه منه بوبل الرضى ... والغيث بالرحمة بين اللحود
ولعله رثي بالمراثي الحافلة، ولم أقف إلا على هذه القصيدة
في تاريخ ابن طولون. ذكر
أنه استملاها من بعض من قدم عليهم دمشق من القادمين، فكتبها هذا من خطه لئلا تخلوا
الترجمة من مرثية ما رحمه الله تعالى.
462 - عبد الرحمن المقدسي: عبد الرحمن ابن الشيخ العلامة زين
الدين بن جماعة المقدسي الشافعي شيخ الصلاحية بالقدس الشريف توفي بالقدس سنة أربع
وعشرين وتسعمائة وصلي عليه وعلى الشيخ عبد القادر الدشطوطي غائبة بجامع بني أمية
بدمشق يوم الجمعة ثاني عشر رمضان منها رحمه الله تعالى.
463 - عبد الرحمن بن عبد الله: عبد الرحمن بن عبد الله الفكيكي
المغربي المالكي نزيل دمشق قرأ على شيخ الإسلام الوالد في الجرومية وغيرها ومات
مطعوناً بدمشق سنة ثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
464 - عبد الرحمن بن علي الأماسي: عبد الرحمن بن علي العالم
العلامة المحقق الفهامة، المولى عبد الرحمن بن المؤيد الأماسي الرومي الحنفي، ولد
بأماسية في صفر سنة ستين وثمانمائة واشتغل في العلم ببلده ولما بلغ سن الشباب صحب
السلطان أبا يزيد، خان حين كان أميرا بأماسية فوشى به المفسدون إلى السلطان محمد
خان والد السلطان أبي يزيد فأمر بقتله فبلغ السلطان أبا يزيد ذلك قبل وصول أمر
والده فاعطاه عشرة آلاف درهم وخيلاً وسائر أهبة السفر وأخرجه ليلاً من أماسية
ووجهه إلى بلاد حلب وكانت إذ ذاك في أيد الجراكسة فدخلها سنة ثمان وثمانين
وثمانمائة فأقام هناك مدة واشتغل بها في النحو فقرأ على بعض أهلها في المفصل ثم
أشار عليه بعض تجار العجم أن يذهب إلى المولى جلال الدين الدواني ببلدة شيراز ووصف
له بعض فضائله فخرج مع تجار العجم في تلك السنة وقصد المنلا المذكور فقرأ عليه زماناً
كثيراًوحصل عنده من العلوم العقلية والعربية والتفسير والحديث وأجازه وشهد له
بالفضل التام بعد أن أقام عنده سبع سنين فلما بلغه جلوس السلطان أبي يزيد خان على
تخت السلطنة سافر من بلاد العجم إلى الروم فصحب موالي الروم وتكلم معهم فشهدوا
بفضله وعرضوه على السلطان فأعطاه مدرسة قلندر خانه بالقسطنطينية ثم إحدى الثماني
ثم قضاء القسطنطينية ثم أدرنة ثم قضاء العسكر بولاية أناطولي ثم بولاية روم إيلي
ثم عزل وجرت له محنة ثم لما تولى السلطان سليم خان أعاده إلى قضاء العسكر في سنة
تسع عشرة وتسعه وسافر معه إلى بلاد العجم وكان معه في محاربة الشاه إسماعيل ثم عزل
عن قضاء العسكر بسبب اختلال حصل له في عقله في شعبان سنة عشرين وتسعمائة وعين له
كل يوم مئتي درهم ورجع إلى القسطنطينية معزولاً وكان قبل اختلاله بالغاً الغاية
القصوى في العلوم العقلية والعربية ماهراً في التفسير مهيباً حسن الخط جداً ينظم
الشعر بالفارسية والعربية وله مؤلفات بقي أكثرها في المسودات منها رسالة لطيفة في
المواضع المشكلة من علم الكلام وكانت وفاته بالقسطنطينية ليلة الجمعة خامس عشر
شعبان سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة وقيل في تاريخ وفاته:
نفسي الفداء لحبر حل حين قضى ... في روضة وهو في الجنات
محبور
مقامه في علا الفردوس مسكنه ... أنيسه في الثرى الولدان
والحور
قل للذي يبتغي تاريخ رحلته ... نجل المؤيد مرحوم ومغفور
465 - عبد الرحمن بن موسى المغربي: عبد الرحمن بن موسى المغربي
التادلي المالكي نزيل دمشق كان رجلاً فاضلاً صالحاً اختص بصحبة شيخ الإسلام الوالد
وجعل نفسه كالنقيب لدرسه وحضر كثيراًمن دروسه وقرأ عليه في مختصر الشيخ خليل على
مذهب الإمام مالك وقرأ عليه في الجرومية وفي منظومته نظم الجرومية ثم سافر إلى
الحجاز فمات في الطريق سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
466 - عبد الرحمن البهنسي: عبد الرحمن البهنسي المصري الشيخ الصالح
المصطلم المستغرق المعتقد أحد صوفية الشيخونية المقيم بالبرقوقية بين القصرين
بمصر. توفي سنة سبع عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى.
467 - عبد الرحمن البابكي: عبد الرحمن الشيخ الصالح الخير زين
الدين البابكي المصري أحد أصحاب الشيخ كمال الدين ابن إمام الكاملية توفي سنة سبع
عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
468 - عبد الرحمن الصالحي: عبد الرحمن الشيخ العالم الصالح
المحدث زين الدين الصالحي الشافعي. توفي بالقاهرة سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، وصلي
عليه وعلى آخرين تقدم ذكرهم في ترجمة البرهان بن أبي شريف غائبة بالأموي بدمشق يوم
الجمعة رابع عشري ربيع الثاني منها رحمه الله تعالى.
469 - عبد الرحمن شيخ الصوابية: عبد الرحمن الشيخ الصالح المسلك
زين الدين شيخ الصوابية بصالحية دمشق. توفي بها يوم الخميس ثامن عشري رجب سنة تسع
- بتقديم المثناة - وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
470 - عبد الرحمن بن الأكرم: عبد الرحمن القاضي زين الدين بن
الأكرم ابن عم نائب القلعة الأمير إسماعيل بن الأكرم توفي بالعقبة بدرب الحجاز يوم
الجمعة ثاني عشر المحرم سنة ثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
471 - عبد الرحمن بن محمد الأوجاقي: عبد الرحمن بن محمد الشيخ
الإمام العالم العلامة المحدث المسند الحافظ الحجة الرحلة الناقد تقي الدين ابن
الشيخ محب الدين الأوجاقي المصري الشافعي. قرأ القرآن العظيم على والده وهو أول
شيخ قرأ عليه القرآن، وسمع منه وعليه الحديث، وأخذ عنه العلوم الشرعية وغيرها،
وقرأ أيضاً على الشيخ شمس الدين محمد الشهير بالسكندري، وعلى العلامة زين الدين
أبي بكر بن عياش، وهؤلاء كلهم قرأوا على الشيخ شمس الدين العسقلاني، وأخذ العلوم
الشرعية أيضاً عن شيخ الإسلام ابن حجر، والمولى ابن العراقي، والشمس القاياتي،
وصالح البلقيني، والفقه عن والده، وعن العلم صالح، والعلامة زين البوتيجي،
والقاياتي، ولازم الشرف المناوي في المنهاج والبهجة وغيرها تقسيماً، قال: وهو آخر
شيخ قرأت عليه العلوم الشرعية، وأخذ كتب النووي عن الشهاب الواسطي عن الصدر
الميمومي عن النووي، وقرأ في شرح التلخيص للتفتازاني على شيخ الإسلام سعد الدين
الديري الحنفي المقدسي، والعلامة عز الدين بن عبد السلام البغدادي، وسمع في الحديث
المسلسل بالأولية من والده، وابن حجر، والعلم صالح، والشرف مناوي، والشيخ العلامة
الشيخ أبي هريرة الأبوتيجي، والمسند العلامة أبي الطيب أحمد شهاب الدين الحجازي،
والمسند محيي الدين الطريفي، وسمعه بالمسجد الحرام من شيخ الإسلام الحافظ أبي
الفتح محمد شرف الدين ابن الحافظ أبي بكر المراغي. قال: وهو
أول حديث سمعته من لفظه أنا، وصاحبنا قاضي القضاة زكريا الأنصاري، وسمعته بمكة
أيضاً من العلامة تقي الدين بن فهد، وبالمدينة من قاضي القضاة أبي الفتح بن حاتم
المديحي، وبالقدس من قاضي قضاتها جمال الدين يوسف بن إبراهيم بن جماعة، والحافظ
أبي بكر عبد الله تقي الدين القرقشندي، وروى صحيح البخاري عن جمع كثير يزيد عددهم
على المائة وعشرين نفساً ما بين قراءة وسماع. ومناولة لجميعه مقرونة بالإجازة
وإجازه مجردة منهم والد المحب الأوجاقي سماعاً عليه مرات كثيرة في كل سنة بقراءة
الشيخ الفاضل شمس الدين محمد بن مخلوف القمني، ومنهم الشيخ ولي الدين أبو زرعة
العراقي بالإجازة، والحافظ شيخ الإسلام ابن حجر سماعاً منه وعليه، ولبس الخرقة
القادرية من والده، ومن السيد الشريف أبي الحسن علي، وابن عمه السيد الشريف أبي
المحاسن حسن نور الدين الكيلاني، ومن الشيخ أحمد أبي العباس شهاب الدين الزركشي الخطيب
الشافعي عن ابن الناصح وصحب من مشايخ عصره، جماعة أجلاء منهم سيدي أبو الفتح ابن
أبي الوفاء، وصاحبه الشيخ أبو سعيد، والشيخ مدين، والسيد أبو الصفا الوفائي،
والشيخ الكبير المعمر سيدي محمد بن سلطان، وسيدي محمد بن خضر، وسيدي الشيخ كمال
الدين الملقب بالمجذوب، وسيدي الشيخ ماهر صاحب سيدي إسماعيل الأنبائي، وسيدي أحمد
بن قرا الشامي، وسيدي محمد النابلسي أحد أصحاب سيدي الشيخ يوسف العجمي، وسيدي عمر
الكردي، وسيدي أحمد بن رياض وآخر من صحبهم منهم الشيخ - العارف بالله تعالى - سيدي
أبو العون الغزي وله رضي الله تعالى عنه شعر لطيف منه:
تقول نفسي: أتخشى ... من هول ذنب عظيم
لا تختشي من عقاب ... وأنت عبد الرحيم
وقال رحمه الله تعالى:
إذا كنت الرحيم فلست أخشى ... وإن قالوا: عذاب النار يحمى
وكم عبد كثير الذنب مثلي ... بفضلك من عذاب النار يحمى
وقال أيضاً:
ياراحمي ورحيمي ... ومانحي كل نعمه
ابن الوجاقي عبد ... مرداه منك رحمه
وقال في مرضه الذي مات فيه وأجاد فيه:
لما مرضت من الذنوب لثقلها ... وأيست من طب الطبيب النافع
علقت أطماعي برحمة سيدي ... وأتيته متوسلاً بالشافعي
وكانت وافته - رحمه الله تعالى - بالقاهرة يوم الاثنين
ثاني أو ثالث جمادى الآخرة سنة عشر وتسعمائة.
472 - عبد الرحيم بن صدقة المكي: عبد الرحيم بن صدقة، الشيخ الإمام
العلامة الورع الزاهد، زين الدين المكي الشافعي، قرأ عليه البرهان العمادي الحلبي،
أحاديث من الكتب الستة، وأجازه برباط المقياس تجاه المسجد الحرام، في العشر الأول
من الحجة سنة خمس عشرة وتسعمائة.
473 - عبد الرحيم بن علي الرومي: عبد الرحيم بن علي المولى
الفاضل عبد الرحيم ابن المولى علاء الدين العربي الرومي الحنفي، لقبه والده ببلك،
واشتهر به على علي المولى خطيب زاده، وكان فاضلاً في الفروع والأصول، ذكياً
فصيحاً، حسن المحاورة، ودرس ببعض المدارس، ثم بإحدى الثماني، ثم ولي قضاء القسطنطينية،
ثم أعيد إلى تدريس إحدى الثماني، ومات وهو مدرس بها سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة رحمه
الله تعالى.
474 - عبد الرحيم الأبناسي: عبد الرحيم الأبناسي، الشيخ المشهور
المصري، من مناقبه ما حكاه عنه الشيخ عبد الوهاب الشعراوي، أن السلطان قايتباي
أرسل إليه مرسوماً، بعشرة أنصاف مصرية من الجوالي في كل يوم، فانقبض خاطر الشيخ من
ذلك، فوضع المرسوم في عمامته، وركب حمارته، وخرج لحاجة فبينما هو تحت بيت إذ سمع
امرأة تقول لجارتها: هذا الشيخ هو الذي أخذ جوالي ولدي، فعرف البيت، وأرسل المرسوم
إلى قايتباي، وقال: إن كنت تريد البر لي فامسح اسمي، واكتب اسم ولد المتوفي، وما
زال يبرم على السلطان حتى كتب العشرة أنصاف لولد تلك المرأة، وهو ولد المتوفي، ثم
جاءها بالمرسوم وأعطاها إياه، وقال: ابرئي ذمة عبد الرحيم، وادعي له بالموت على
الإسلام، فإني خائف من سوء الخاتمة، فبكت المرأة وبكى الشيخ، ولعله أدرك أوائل هذه
الطبقة، رحمه الله تعالى.
475 - عبد الرزاق: عبد الرزاق...... الشيخ الصالح المربي المسلك
الشافعي الحموي القادري نسباً وخرقة، توفي بحماة في سنة إحدى وتسعمائة، وصلي عليه
غائبة بالأموي بدمشق يوم الجمعة تاسع ربيع الأول منها.
476 - عبد الرزاق بن أحمد الأريحي: عبد الرزاق بن أحمد بن محمد
الشيخ ولي الدين بن زين الدين الشيخ العلامة شمس الدين الأريحي، ولد سنة خمس
وأربعين وثمانمائة، وتوفي سنة اثنتين وتسعمائة، رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
477 - عبد الرزاق بن أحمد العجيمي: عبد الرزاق بن أحمد بن أحمد
بن محمود بن موسى، المعروف جده أحمد في القدس الشريف بالعجيمي، وجده الأعلى موسى
بالتركماني الشيخ الفاضل المقري المجود زين الدين ابن الشيخ الإمام المقرئ، كاتب
المصاحف شهاب الدين أحمد المقدسي الأصل، الدمشقي السافعي، ولد في سادس عشر جمادى
الآخرة سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، وأخذ القراءات وغيرها عن والده وغيره، وتوفي
في سنة تسع وتسعمائة، ودفن بمقبرة المزرعة المعروفة الآن بالجورة بالقرب من ميدان
الحصا عند أخيه الشيخ إبراهيم المقدسي.
478 - عبد السلام: عبد السلام، الشيخ الصالح، خادم الشيخ علي
أبي تراب، الكائن بالحرشف بالقاهرة، مات يوم الأحد ثاني شعبان، سنة اثنتي عشرة
وتسعمائة بالقاهرة، ودفن بها رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
479 - عبد العال إمام السلطان: عبد العال الشيخ الفاضل الناسك
المتقلل زين الدين المصري الحنفي إمام السلطان جان بلاط، وإمام مدرسته بباب النصر،
تيسرت له الرئاسة، وعرضت عليه فأبى إلا التقليل والتقنع، قال الشيخ عبد الوهاب
الشعراوي: كان الشيخ عبد العال رجلاً صالحاً كريماً عفيفاً لا يكاد يمكن أحد أن
يفارقه، حتى يقدم له شيئاً يكله قال: ودخلت عليه مرة فلم يجد عنلى طعاماً، فقمم
إلي الماء فقال: اشرب ولو يسيراً قال: وربما وجد اللقمة اليابسة فيضعها بين يدي
الأمير، ونحوه انتهى.
وكانت وفاته في أواخر سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة قال
العلائي: وأعقب ولداً فاضلاَ يسمى أمين الدين من أمة حبشية، نشأ على علم، وخير
انتهى، وستأتي ترجمة الشيخ أمين الدين بن عبد العال في الطبقة الثانية رحمه الله
تعالى.
480 - عبد العال المجذوب: عبد
العال المجذوب المصري، كان مكشوف الرأس لا يلبس القميص، وإنما يلبس الإزار صيفاً
وشتاءً، وسواكه مربوط في إزاره، وكان محافظاً على الطهارة خاشعاً في صلاته،
مطمئناً فيها متألهاً، وكان يحمل إبريقاً عظيماً يسقي به الناس في شوارع مصر، وكان
يطوف البلاد والقرى، ثم يرجع إلى مصر، وكان يمدح النبي صلى الله عليه وسلم، فيحصل
للناس من إنشاده عبرة ويبكون قال الشعراوي: ولما دنت وفاته دخل إلى الزاوية وقال
للفقراء: تدفنوني في أي بلد فقلت: الله أعلم فقال: في قليوب، وكان الأمر كما قال،
مات بعد ثلاثة أيام ودفن قريباً من القنطرة، التي في شط قليوب، وبنوا عليه قبة في
سنة نيف وثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
481 - عبد العزيز السبتسي: عبد العزيز بن عبد اللطيف بن أحمد بن
جار بن زائد بن يحيى بن مختار بن سالم ابن الشيخ الصالح المسند المعمر عز الدين
السبتسي المكلي الشافعي المعروف كسلفه بابن زائد، ولد في سنة ثمان وثلاثين
وثمانمائة بمكة، وحفظ القرآن العظيم، وسافر مع أبيه في التجارة، إلى الهند واليمن
وسواكن وغيرها، وسمع على الشيخ أبي الفتح المراغي جميع البخاري، خلا أبواب، وبعض
مسلم وكتباً كثيرة من السنن الأربعة، وسمع على الشيخ الحافظ تقي الدين بن فهد،
ومنه أشياء كثيرة، وعلى القاضي شهاب الدين الزفتاوي المسلسل بالأولية، وجزء أيوب السختياني،
والبردة للبوصيري، وغير ذلك وأجاز له جماعة منهم الحافظ بن حجر، وأحمد بن أبي بكر
الدماميني، والعز عبد الرحيم ابن الفرات، والسعد الميري، وسارة بنت... ابن جماعة
وغيرهم، وكان موجوداً في سنة عشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
482 - عبد العزيز بن محمد الحرناوي: عبد العزيز بن محمد الشيخ
الصالح عز الدين بن ناصر الدين الحرناوي، البغدادي نزيل دمشق، كان من أولياءه
تعالى سمع على المحدثين البغداديين، كابن النجار وغيره، وقطن بدمشق وبها توفي ليلة
الخميس خامس عشري جمادى الأولى سنة ثلاث وتسعمائة رحمه الله تعالى.
483 - عبد العزيز بن عمر بن فهد: عبد العزيز بن عمر بن محمد بن
محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن فهد بن حسن بن محمد بن عبد الله بن سعد بن
هاشم بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن القاسم بن عبد الله بن جعفر بن عبد الله بن
جعفر بن محمد الشهير بابن الحنفية، ابن علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنهما -
الشيخ الإمام الحافظ، المتقن الرحال المفيد القدوة، عز الدين أبو الخير وأبو فارس
ابن العمدة المؤرخ الرحال نجم الدين أبي القاسم، وأبي حفص ابن العلامة الرحلة
الحافظ تقي الدين أبي الفضل، ابن أبي النصر ابن أبي الخير المعروف كسلفه بابن فهد،
ولد في الثلث الأخير من ليلة السبت سادس عشري شوال سنة خمسين وثمانمائة بمكة المشرفة،
وحفظ القرآن العظيم والأربعين النووية، والإرشاد لابن المقري، والألفية لابن مالك،
والنخبة لابن حجر، والتحفة الوردية، والجرومية وعرضها جميعها على والده وجده،
والثلاثة الأولى على جماعة غيرهما، واستجاز له والده جماعة منهم ابن حجر، وأسمعه
على المراغي والزين الأسيوطي، والبرهان الزمزمي، وغيرهم ثم رحل بنفسه إلى المدينة
المنورة، ثم إلى الديار المصرية، وسمع بالقدس، وغزة ونابلس ولدمشق وصالحيتها،
وحماة وحلب، وغيرها من جماعة واجتهد، وتميز ثم عاد إلى بلده، ثم رجع إلى مصر، بعد
نحو أربع سنوات، وذلك في سنة خمس وسبعين وثمانمائة، وقرأ على شيخ الإسلام زكريا
والشرف عبد الحق السنباطي، في الإرشاد وعلى السخاوي ألفية الحديث وغيرها، ورجع إلى
بلده ثم سافر في موسم السنة التي تليها إلى دمشق، وقرأ بدمشق على الزين خطاب قطعة من
أول الإرشاد، وكذا على المحب البصروي، وكان قد أخذ عنه بمكة أيضاً، وحضر دروس
التقوي ابن قاضي عجلون، وسافر منها إلى حلب ثم رجع وسافر إلى القاهرة، ثم عاد إلى
بلده، ثم عاد إلى القاهرة أيضاً، ولازم السخاوي، وحضر درس إمام الكاملية والسراج
العبادي، ثم عاد إلى بلده، وأقام بها ملازماً للاشتغال، ولازم فيها عالم الحجاز
البرهان، ابن ظهيرة في الفقه، والتفسير وأخاه الفخر، والنور الفاكهي في الفقه
وأصوله، وأخذ النحو عن أبي الوقت المرشدي، والسيد السمهودي مؤرخ المدينة، والنحو
والمنطق على العلامة يحيى العلم المالكي، وبرع في علم الحديث، وتميز فيه بالحجاز
مع المشاركة في الفضائل، وعلو الهمة والتخلق بالأخلاق الجميلة، وصنف عدة كتب معجم
شيوخه نحو ألف شيخ، وفهرست مروياته، وجزء في المسلسل بالأولية، وكتاب فيه المسلسلات
التي وقعت له ورحلة في مجلد، وكتاب في الترغيب والاجتهاد، في الباعث لذوي الهمم
العلية على الجهاد، وترتيب طبقات القراء للذهبي، وتاريخ على السنين ابتدأ فيه من
سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة، وذكر ابن طولون عن والده المحدث جار الله بن فهد أن
أباه نظم الحديث المسلسل بالأولية في بيتين ذكر أنه لم ينظم غيرهما وهما:
الراحمون لمن في الأرض يرحمهم ... من في السماء كذا عن
سيد الرسل
فارحم بقلبك خلق الله وارعهم ... به تنال الرضى والعفو عن
زلل
وذكر ابن طولون أيضاً أنه أجازه مراراً، وسمع منه الحديث
المسلسل بالأولية، ثم المسلسل بالمحمدين، ثم المسلسل بحرف العين، وذلك يوم الاثنين
سادس في الحجة سنة عشرين وتسعمائة بزيارة دار الندوة رحمه الله تعالى.
484 - عبد العظيم الخانكي: عبد العظيم بن يحيى الخانكي العلامة
الشافعي، أخذ عن المسند شهاب الدين أحمد البرقوقي وغيره رحمه الله تعالى.
485 - عبد العزيز الرومي: عبد العزيز بن يوسف بن حسين السيد
الشريف الحسني، المولى الفاضل الشهير بعابد جلبي الرومي الحنفي، خال صاحب الشقائق،
قرأ على المولى محيي الدين محمد السامسوني، ثم على المولى قطب الدين حفيد قاضي
زاده الرومي، ثم المولى أخي جلبي، ثم المولى علي بن يوسف الفناري، ثم المولى معروف
زاده معلم السلطان بايزيد خان، ثم صار مدرساً بمدرسة كليبولي، ثم قاضياً ببعض
النواحي، ومات بمدينة كفه قاضياً بها في سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة رحمه الله
تعالى.
486 - عبد الغفار الضرير: عبد الغفار الشيخ الإمام العلامة
المفنن الشيخ زين الدين المصري الشافعي الضرير. قال الحمصي: مات
قتلاً في صلاة الجمعة ببلدة يقال لها: مطبوس، بالقرب من إسكندرية قال: وسبب ذلك
أن هذه كانت جارية في إقطاع الأمير طراباي رأس نوبة النوب، وبها رجل متدارك لمالها
اسمه أبو عمرو، فوقع بينه وبين أهل البلدة لفسقه وظلمه، فشكوا حالهم إلى للأمير
طراباي، فأرسل أخاه للبلد يحرر ذلك، فلما حضر شكا أهل البلدة إليه ظلم أبي عمرو
لهم، فضرب أخو طراباي واحداً من أهل البلدة بالدبوس، فرجمه أهل البلدة فأمر بضرب
السيف فيهم، فقتل منهم ما يزيد على ثلاثين نفراً فقال الشيخ عبد الغفار: هذا ما
يحل فضربت عنقه، وألقي في البحر فساقه البحر إلى قرية تسمى كوم الأفراح بها جمع من
الأولياء فدفن بها، كانت له جنازة لم تشهد، وكان قتله - رحمه الله تعالى - في يوم
الجمعة سادس عشر المحرم سنة ثلاث عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى.
487 - عبد الفتاح العجمي: عبد الفتاح بن أحمد بن عادل باشا
الحنفي العجمي الأصل، ثم أحد موالي الروم كان عالماً فاضلاً محققاً، وله خط حسن،
قرأ على جماعة منهم المولى محيي الدين الإسكليبي، والمولى عبد الرحمن بن المؤيد،
ثم صار مدرساً بمدرسة المولى يكان ببروسا، ثم بمدرسة أحمد باشا بن ولي الدين بها، ثم
بمدرسة إبراهيم باشا بالقسطنطينية، ومات وهو مدرس بها سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة
رحمه الله تعالى.
488 - عبد القادر بن محمد الحيسوب: عبد القادر بن محمد بن منصور
بن جماعة الشيخ العالم الفرضي الحيسوب زين الدين الصفدي، ثم الدمشقي الشافعي
المعروف في صفد بابن المصري، وفي دمشق ببواب الشامية البرانية لأنه نزلها حين دخل
دمشق، وكان بواباً بها سنين عديدة، ثم سكن السميصاتية مدة، ولد بصفد سنة أربع
وثلاثين وثمانمائة، وأخذ عن الشيخ شمس الدين بن حامد الصفحي، والشيخ شمس الدين
البلاطنسي، والشيخ بدر الدين ابن قاضي شهبة، والشيخ زين الدين خطاب، والشيخ نجم
الدين ابن قاضي عجلون، والشيخ شمس الدين الشرواني وغيرهم، وكان له يد طولى في علم
الحساب وقلم الغبار، بحيث لم يكن له بدمشق نظير في ذلك، وكان نحيف البدن ضعيف
البصر له شراسة في خلقه، وكان يتعاطى شراء الكتب الحسان، وانتفع به جماعة، ولما
توفي شيخه ابن حامد أخذ عنه نظر المدرسة الصارمية داخل بابي النصر والجابية، وتدريسها،
وسكن بها، وانقطع عن الناس وبها توفي سادس عشر ذي الحجة سنة ثلاث وتسعمائة، وصلي
عليه بالأموي، ودفن بمقبرة الفراديس رحم(ه الله تعالى.
489 - عبد القادر بن محمد الرجيحي الحنبلي: عبد القادر بن محمد
بن عمر بن عيسى بن سابق بن هلال بن يونس بن يوسف بن جابر بن إبراهيم بن مساعد
الشيخ الورع المسلك محيي الدين بن أبي المواهب الشيخ العارف بالله تعالى شمس الدين
الشيباني المزي، ثم الصالحي الحنبلي، عرف بابن الرجيحي، وجده الأعلى الشيخ يونس،
هو الشيخ العارف بالله تعالى شيخ الطائفة اليونسية ذكر ترجمته ابن خلكان وغيره،
ولد صاحب الترجمة في ثاني عشر ربيع الأول سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، وحفظ
القرآن العظيم، والخرقي واشتغل في العلم، ثم تصوف ولبس الخرقة من جماعة منهم والده
والعلامة أبو العزم المقدسي نزيل القاهرة والشيخ أبو الفتح الإسكندري، ولازمه
كثيراً، واتفع به، وأخذ عنه الحديث، وقرأ عليه الترغيب والترهيب للمنذري كاملاً،
وقرأ عليه غير ذلك، وسمع منه وعليه أشياء كثيرة وناب في الحكم عن قاضي القضاة نجم
الدين عمر بن مفلح، وكانت سيرته حسنة، وسكن آخراً بالصالحية بالسهم الأعلى، وبنى
بها زاوية وحماماً وسكناً، وتوفي في ليلة الخميس رابع عشر المحرم سنة عشر
وتسعمائة، ودفن بسفح قاسيون عند صفة الدعاء رحمه الله تعالى.
490 - عبد القادر بن محمد الأبار: عبد القادر بن محمد بن عثمان
بن علي، الشيخ العلامة محيي الدين ابن الشيخ الفقيه المفتي شمس الدين المارديني
الأصل، الحلبي المولد والمنشأ والدار، الشافعي، الشهير بالأبار، هو وأبوه لأنه كان
يصنع الإبر بحانوت كائنة له، ثم اشتغل في العلم، ورحل في طلبه، وكان ممن أخذ عنه الحديث
وغيره الشمس السخاوي، وكتب له إجازة حافلة مؤرخة في أوائل جمادى الآخرة سنة تسع
وثمانين وثمانمائة، وسمع منه المسلسل بالأولية وغيره، وممن أخذ عنه الفقه وغيره
الشيخ العلامة شمس الدين محمد بن عبد المنعم الجوجري المصري، سمع عليه معظم
التنبيه، وأجازه به وبغيره، وأذن له بالإفتاء والتدريس بعد أن أثنى عليه كثيراً،
وأنشده لنفسه ملمحاً مضمناً:
كانت مسائلة الركبان تخبرنا ... عن علمكم ثم عنكم أحسن
الخبر
ثم التقينا، وشاهدت العجائب من ... عزيزعلم حمته دقة
النظر
فقلت حينئذ: والله ما سمعت ... أذناي أحسن مما قد رأى
بصري
وبالجملة فقد اجتهد صاحب الترجمة - رحمه الله تعالى - على
طلب العلم، وأكب على خصيله حتى صار فقيه حلب ومفتيها، وأخذ عنه فضلاؤها كالبرهان
العمادي، والزين بن الشماع، وكان مع براعته في الفقه، حسن العبارة، شديد التحري في
الطهارة، طارح التكلف، ظاهر التقشف، حسن المحادثة، حلو المذاكرة، اتفق أكثر الخواص
والعوام على محبته والثناء عليه، وكانت علامة القبول والصدق ظاهرة في أقواله
وأفعاله وحكي عنه أنه حضر عقد مجلس صار بدار العدل بحلب، فجلس بعض الجهلة في مكان
أرفع من مكانه، فلامه بعض الأكابر على ذلك، وقال له: لم تركته يجلس فوقك؟ فقال:
والله يا أخي لو جلس فوقي لرضني رضا. قلت: واتفق نظير ذلك للشيخ الزاهد العلامة
شهاب الدين الطيبي الدمشقي، حضر مجلساً، فجلس من هو دونه مرتفعاً عليه في المجلس،
فقيل له: يا مولانا لم مكنته من الجلوس فوقك؟ قال: إنه لم يجلس فوقي، ولكن جلس إلى
جنبي. قال ابن الحنبلي: وكان
يعني الأبار. يقول: كما أخبرني عنه بعض أحفاده نحن من بيت بماردين مشهور ببيت
رسول. قال: وجدنا الشيخ أرسلان الدمشقي غير أني لا أحب بيان ذلك خوفاً من أن أنسب
إلى تحميل نسبي على الغير، وأن يقدح في بذلك. انتهى.
قلت: لكن
المشهور أن الشيخ أرسلان الدمشقي لم يعقب كما أجاب بذلك الشيخ الحافظ العلامة
برهان الدين الناجي حين سئل عن ذلك، وألف في ذلك مؤلفاً لطيفاً، وكانت وفاة صاحب
الترجمة في ذي القعدة سنة أربع عشرة وتسعمائة بحلب، وتحرير وفاته كما في تاريخ
الحمصي يوم الثلاثاء خامس عشر شهر ذي القعدة المذكورة رحمه الله تعالى رحمةً واسعة.
491 - عبد القادر بن محمد بن حبيب: عبد
القادر بن محمد بن عمر بن حبيب الشيخ العالم الزاهد العارف بالله تعالى الصفدي
الشافعي صاحب التائية المشهورة، أخذ العلم والطريق عن الشيخ العلامة الصالح شهاب
الدين بن أرسلان الرملي صاحب الصفوة وعن غيره، وكان خامل الذكر بمدينة صفد، مجهول
القدر عند أهلها لا يعرفون محله من العلم والمعرفة، وكان يقرىء الأطفال، ويباشر
وظيفة الأذان حتى لقيه سيدي علي بن ميمون، فسمع شيئاً من كلامه، فشهد له ذوقه بأنه
من أكابر العارفين، وأعيان المحبين، فهناك نشر ذكره وعرف الناس قدره، كما ذكر ذلك
الشيخ علوان الحموي في أول شرح تائية ابن حبيب. قلت: وحدثني بعض الصالحين الثقات
أن السيد علي بن ميمون كان سبب رحلته من الغرب طلب لقي جماعة أمره بعض رجال المغرب
بلقيهم، منهم ابن حبيب، وقال: إنه في بلدة من بلاد لشام بين جبال وآكام، فلما دخل
ابن ميمون البلدان الشامية تطلب ابن حبيب في قرايا البقاع، ووادي التيم، وما
والاهما حتى دخل قرية دربل، فوجدهما قريباً مما وصف له به بلدة بن حبيب، فلما دخل
ابن ميمون دربل أحس به ابن حبيب وهو بصفد، وهنا لا يبعد على أولياء الله تعالى،
فنظروا إلى ابن حبيب ذات يوم، وهو يحلق سبابة يده اليمنى في كف يده اليسرى، وهو
يقول عند كل تحليقة: در دربل در درربل حتى حلق أربعين تحليقة، فكان ابن ميمون إذا
أصبح كل يوم دار نواحي دربل يتصفح وجوه أهلها، ولا بغيته فيهم حتى دارها أربعين
يوماً بعدد تحليقات ابن حبيب، ثم خرج ابن ميمون من دربل، وسافر حتى دخل بلدة صفد،
فتنشق أنفاس ابن حبيب، فدخل عليه المكتب، فقعد ناحية، فأضافه الشيخ عبد القادر بن حبيب
وأكرمه، ثم لما أطلق الأولاد قال لابن ميمون: يا رجل إني أريد أن أغلق باب المكتب،
فنظر إليه سيدي علي بن ميمون أعبد القادر أما كفاك ما أتعبتني أربعين يوماً بقولك
در دربل در دربل حتى تطردني الآن؟ فقال له ابن حبيب: يا أخي إذا كان كذلك فاسترني.
قال: بل والله لأفضحنك وأشهرنك، فما زال سيدي علي بن ميمون - قدس
الله سره - بابن حبيب حتى أشهره، وعرف الناس بمقداره حتى رمقوه بالأبصار، وشدت
لزيارته الرحال من الأقطار، قال الشيخ علوان - رحمه الله تعالى - : هذا وهو متسبب
بأسباب الخمول، متلبس بأمور لا تسلمها علماء النقول، ولا تسعها منهم العقول، إذا
كان ممن أقيم في السماع، وكشف القناع، والضرب ببعض الآلات، والبسط والخلاعات، ثم
اعتذر - رضي الله تعالى عنه - عن ضربه بالآلات بما هو مذكور في شرح التائية.
وبالجملة، فكان ابن حبيب - رضي الله تعالى عنه - متستراً بالخلاعة والنفخ في
المواصيل، والضرب على الدف على الإيقاع حيثما كان في الأسواق والمحافل كل ذلك لأجل
التستر، ويأبى الله إلا أن يتم نوره، ويظهر أمره حتى رسخ في النفوس أنه من كمل
العارفين، وكان حيثما سمع الأذان وقف وأذن، وكان ربما مشى بدبوس إمام نائب صفد،
وكان لا يمكن أحداً من تقبيل يده، وإنما يبادي للمصافحة، ويطوف على أهل السوق فيصافحهم
في حوانيتهم واحداً واحداً، وكان يداعب الناس سمع قائلاً يقول الله تعالى: كريم.
فقال: ليس كريم، فتعجب منه، فقال: ليس كريم أي لا يشبه ريماً، وهو الظبي ولا غيره
لأنه ليس كمثله شيء. وقال مرة: عمري كذا كذا ألف سنة - بكسر السين - فأنكر عليه.
فقال: أردت بالسنة النعاس، وكل ذلك تستراً وتمويهاً. ولا يزداد الناس فيه إلا
اعتقاداً، وكان يقول: يأتوني فيقولون: سلكنا
وغزلهم معرقل، وكان يقول: لو جاءني صادق لطبخته في يومين، وكان في بداءته يثور به
الغرام، وتسري فيه المحبة والشوق حتى يفيض على رأسه الماء من إناء كبير، فلا يصل
إلى سرته من شدة الحرارة الكائنة في بدنه، وكان ينفرد الأيام والليالي في البراري
والصحاري حتى فجأته العناية، ووافته الهداية، وجاءته الفيوض العرفانية، والمواهب
الربانية، وكان لا يتكلم في رمضان إلا بإشارة خوفاً من النطق بما لا يعني، وكان لا
يقبل هدايا الأمراء، ولا يشير إلى مسلم بيده اليسرى وكان إذا جاءته رسالة من
إخوانه لا يأخذها إلا متوضئاً. وقال مرة لبعض أصحابه: تقدم فامش أمامي، ثم أخبره
عن سبب ذلك أنه كان معه كتاب فيه بسم الله الرحمن الرحيم، ففعل ذلك تعظيماً لاسم
الله تعالى، وكان مبتلي بأمراض وعلل خطيرة حتى عمت سائر جسده، وربما طرحته
في الفراش وهو على وظائفه ومجاهداته، وكان يعاقب نفسه إذا
اشتهت شيئاً بإحضار الشهوة، ومنعها إياها أياماً، وكان يعتقد ابن العربي اعتقاداً
زائداً، ويؤول كلامه تأويلاً حسناً، وبعث إليه سيدي علي بن ميمون مرة يستأذنه في الزيارة،
فبعث إليه يقول: إن مشكاح الأسواق لا يزار، ثم سافر ابن حبيب إلى دمشق، وكان سيدي
علي بالبترون، فحضر إلى دمشق، ونزل بمكانه بالصالحية، وكان ابن حبيب نازلاً عند
الشيخ عبد النبي المالكي بدمشق، ولم يجتمعا بالأشباح في هذه المرة، ولما بلغه أن
سيدي علي يذكره في مجلس التربية بين الفقراء أنشدها ضمناً لنفسه: الفراش وهو على
وظائفه ومجاهداته، وكان يعاقب نفسه إذا اشتهت شيئاً بإحضار الشهوة، ومنعها إياها
أياماً، وكان يعتقد ابن العربي اعتقاداً زائداً، ويؤول كلامه تأويلاً حسناً، وبعث
إليه سيدي علي بن ميمون مرة يستأذنه في الزيارة، فبعث إليه يقول: إن مشكاح الأسواق
لا يزار، ثم سافر ابن حبيب إلى دمشق، وكان سيدي علي بالبترون، فحضر إلى دمشق، ونزل
بمكانه بالصالحية، وكان ابن حبيب نازلاً عند الشيخ عبد النبي المالكي بدمشق، ولم
يجتمعا بالأشباح في هذه المرة، ولما بلغه أن سيدي علي يذكره في مجلس التربية بين
الفقراء أنشدها ضمناً لنفسه:
ولقد سما الكلب الحقير إلى السهى ... لما تلفظت الأسود
بذكره
وكان له شعر ضمنه من دقائق المعاني السنية، ما يشهد لأهل الأذواق
أنه كان من أهل الهمم العلية، والأسرار الربانية، وإن كان في بعض تراكيبه ما لا
يسلمه علماء العربية من التائية التي ذيل بها على أبيات الشافعي - رضي الله تعالى عنه
- الذي أولها:
لما عفوت، ولم أحقد على أحد ... أرحت نفسي من حمل المشقات
وقد تلقاها الناس بالقبول، وجرت أبياتها على الألسنة،
وانقادت لمعانيها العقول، حتى شرحها الشيخ العالم العارف بالله تعالى سيدي علوان
الحموي - رضي الله
تعالى عنه - شرحاً حافلاً، وحل ألفاظها حلاً باستقصاء مراداتها كافلاً، واعتذر عن
بعض ما وقع فيها من مخالفة الوزن أو ركاكة التركيب، وأتى فيها بكل معنى لطيف
وغريب، وقد اتفق لناظمها - رضي الله تعالى عنه - واقعة رأى فيها روحانية النبي صلى
الله عليه وسلم وهو يقظان، وعرضها فيها عليه، وأصلح له بعض أبياتها، وتلقاها
بالقبول والاستحسان، ووقوع رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في اليقظة قد تتفق لبعض
الأولياء من قبيل الكرامة، وخرق العادة، وقد تقدم نظير ذلك في ترجمة الشيخ جلال
الدين السيوطي - رحمه الله تعالى - وبلغه الحسنى وزيادة، ومن أحاسن تائية ابن حبيب
رضي الله تعالى عنه:
يا صاح كم ذا التواني والتلاهي وكم ... تسوف العمر ولى في
المحالات
الحق يدعوك في الإسحار، فاسع وقم ... وافتح فؤادك، وانشق
طيب نفحات
واستحل واستجل أبكار المعاني وطب ... وناج ربك في ترتيل
آيات
وأحسن الظن فيه، واستعن به ... فاستغن والجأ إليه في
الأمورات
واغرس بقلبك أشجار الوداد له ... واخليه من شوك سعدان
الخليقات
وصالح الله وأصلح ما تريد كما ... تطيع مولاك تلقى منه
طاعات
لم يعلم المدبرون الشوق منه لهم ... لفطروا كيف في أهل
المحبات
إن يمش قاصده يأتيه هرولة ... لبدك اللازم انهض كم إضاعات
دع الزمان وأهليه ونفسك لا ... تذهب عليهم أخا العرفان
حسرات
كالوقت من كان معه كيف حل ومن ... أضحى مع الله لا يلهو
بأوقات
طوبى لمن فاق كأساً من محبته ... ودام حتى حظي منه بكاسات
من قام بالنفس لم يثبت وقد ثبتا ... من قام في الله في
أهنى هنيئات
خوف المحب، وفسق العارفين كذا ... كذب المريد فساد في
الطريقات
حدثنا الشيخ العلامة عبد الحي الحمصي الحنفي مد الله ظله،
وكان قد استطال عليه بعض من لا يدانيه، وأفحش في تحريه عليه وتعديه، واستنصر في
أخذ حقه فلم يجد نصيراً، ونام تلك الليلة مقهوراً، قال: فبينما أنا نائم إذ رأيت
في فلاة من الأرض، واسعة الطول والعرض، شيخاً مهيباً عليه الوقار، وهو مرتد بأردية
الافتقار، قال: فسألت من هذا الرجل المهيب؟ فقيل لي: إنه الشيخ عبد القادر بن
حبيب، قال: فتقدمت إليه، وقبلت يحيه، فقال لي: كيف قلنا في التائية؟ فقلت له: يا
سيدي لا أدري ما تريد من أبياتها المرضية، فقال: أما قلت فيها:
إن لم تجد منصفاً للحق دعه إلى ... مولى الموالي ومساك
السموات
ومن شعر ابن حبيب - رضي الله تعالى عنه - من قصيدة ذكر
منها الشيخ علوان في شرح التائية أبياتاً عديدة:
أنا الضيغم الضرغام صمصام عزمها ... على كل صب في الغرام
مصمم
وما سدت حتى ذقت ما الموت دونه ... كذا حسن عشقي في
الأنام يترجم
وكانت وفاته - رضي الله تعالى عنه - بصفد يوم الأحد عاشر
جمادى الأولى سنة خمس عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى.
492 - عبد القادر بن محمد بن جبريل: عبد القادر بن محمد بن
جبريل بن موسى بن أبي الفرج، الشيخ الإمام العلامة محيي الدين المقرئ الشافعي،
الشهير بجده جبريل، وهو والد قاضي قضاة المالكية بدمشق خير الدين. ولد في سنة ثلاث
وثلاثين وثمانمائة، وكان مفتياً على مذهب الشافعي بغزة، وتوفي بها ليلة الجمعة
تاسع عشر شوال سنة سبع عشرة وتسعمائة، ودفن بمقبرة ساقية العواميد، وصلي عليه
غائبة بالجامع الأموي بدمشق عقب صلاة الجمعة سادس عشر شوال السنة المذكورة رحمه
الله تعالى.
493 - عبد القادر بن محمد الدشطوطي: عبد القادر بن محمد، الشيخ
الصالح المعمر المعتقد المجرد، العفيف العارف بالله تعالى، المقبول الشفاعة في
الدولتين الجراكسية والعثمانية الشيخ زين الدين ابن الشيخ بدر الدين المشطوطي كذا
ضبطه العلائي، وضبطه السخاوي في الضوء اللامع - بطاءات مهملة وشين معجمة - كما هو
جار على الألسنة قال: وربما جعلت الشين جيماً، ولكن صوابه الدشطوخي - بدال مهملة
مكسورة وشين معجمة ساكنة وبعدها طاء مهملة مفتوحة وبعد الواو خاء معجمة - نسبة إلى
دشطوخ، وهي قرية من قرى الصعيد. قال السخاوي: كان متقشفاً يحب سماع القرآن، وكلام الصوفية،
انتشر اعتقاده بين المصريين من سنة سبع وثمانين فما بعدها، وكانوا يشاهدون منه
كرامات وأحوالاً. قال الشيخ زين الدين الشماع الحلبي: وكان من أكابر أرباب
الأحوال. قلت: ذكره شيخ الإسلام الجد فيمن اصطحب معهم من أولياء الله تعالى، وجمع
به ولده شيخ الإسلام الوالد، وكان يأمره بالذهاب إليه والتبرك به حين كان بمصر من
سنة سبع عشرة إلى سنة إحدى وعشرين، وترجمه الشيخ الوالد بالقطبية في أماكن متعددة،
وترجمه الحافظ جلال الدين بالولاية، وألف بسببه تأليفاً في تطور الولي ذكر في أوله
أن سبب تأليفه أن رجلين من أصحاب الشيخ عبد القادر المذكور حلف كل واحد منهما أن
الشيخ عبد القادر بات عنده ليلة كذا، فرفع إليه سؤال في حكم المسألة قال: فأرسلت
إلى الشيخ عبد القادر، وذكرت له القصة، فقال: لو قال أربعة إني بت عندهم لصدقوا.
قال السيوطي: فأجبت بأنه لا يحنث واحد منهما، ثم حمل ذلك على تطور الولي، وهو جزء
لطيف حافل نقل فيه كلام فحول العلماء كابن السبكي، والقونوي، وابن أبي المنصور،
وعبد الغفار القوصي، واليافعي - رضي الله تعالى عنهم - وقال الشيخ عبد الوهاب
الشعراوي: دخلت مرة على سيدي عبد القادر، فقال: يا ولدي كل من قال سعادته بيده
كذب، وفي لفظ آخر، من قال: إن سعادته بغير يد الله فقد كذب، وأذكر لك بمداءة أمري
كنت في دشطوط لا أهجع من السعي في الدنيا، وأنا راكب على ظهر الفرس من الغيط إلى
السواقي إلى بلدة كذا، وكان يضرب بي في المثل في الجهد في الدنيا فبينا أنا راكب
فرسي يوماً، وأنا ذاهب إلى الغيط، فحصل لي جاذب إلهي، فصرت أغيب عن إحساسي اليومين
والثلاثة، ثم أفيق فأجد الناس حولي، وأنا في بلد آخر غير بلدي، ثم أغيب حتى صرت
أغيب من الجمعة إلى الجمعة، ثم من الشهر إلى الشهر لا آكل ولا أشرب، فأفقت يوماً،
فقلت: اللهم إن كان هذا وارد حق منك، فاقطع علائقي من الدنيا. قال: فرجعت إلى ولدي
بعد تسعة أشهر، فوجدت الأولاد وأمهاتهم والبهائم حتى كلاب الدار قد ماتوا، فقلت
للناس: هل وقع فصل في البلد؟ فقالوا: لا إنما وقع ذلك في دارك فقط. فقلت: إنه وارد
حق، فأخذت فى السياحة إلى يومي هذا ليس لي علاقة من الدنيا سوى هاتين الجبتين
اللتين علي هذه حكايته بلفظه، وكان الشيخ عبد القادر مشهور الولاية، ظاهر الأحوال
بين الناس، مقبولاً عند الخاص منهم والعام، مسموع الكلمة عند السلطان، فمن عونه مقبول
الشفاعة، وكان قال له: صاحب مصر، وكان السلطان قايتباي إذأ رآه يمرغ خديه على
قدميه، وعمر عدة جوامع بمصر وقراها، ووقف الناس عليها الأوقاف الكثيرة، وكان
المتولي لعمارة جامعه بمصر وزاويته بها الشيخ جلال الدين البكري، وهو والد الشيخ
أبي الحسن البكري، وكان الشيخ جلال الدين أولاً من قضاة مصر والمباشرين بها، فلما
تواضع لله تعالى وخدم الشيخ عبد القادر رفعه الله تعالى، وأقبل الشيخ عبد القادر
على ولده سيدي الشيخ أبي الحسن، وكان يومئذ يشتغل في علوم الظاهر فاضلاً فيها،
فأمره والده بخدمة عبد القادر واعتقاده، فبعثه الشيخ عبد القادر إلى الشيخ رضي
الدين جدي، وكان يومئذ نازلاً بمصر، فلا زال عند الشيخ رضي الدين ملازماً له في
منزله في غالب أوقاته ليلاً ونهاراً حتى فتح الله تعالى
عليه بحقائق المعرفة، ولطائف الإشارات، فقال له الشيخ رضي الدين: يا أبا الحسن ما
بقيت مصر تسع لنا ولك، وسافر الشيخ رضي الدين من مصر إلى دمشق في سنة إحدى وعشرين
وتسعمائة، ثم صارت الشهرة العظيمة لأولاد البكري من يومئذ إلى يومنا هنا، وكان ذلك
كله ببركة الشيخ عبد القادر الدشطوطي - رضي الله تعالى عنه - وكان - رضي الله
تعالى عنه - صاحياً، وهيئته هيئة المجاذيب، حافياً، مكشوف الرأس، عليه جبة حمراء
تارة وتارة جبتان، وكان بعد أن أضر بصره لبس واحدة، وتعمم بالأخرى، وكان له كلام
عال على لسان أهل المعرفة حتى استشهد بكلامه سيدي الشيخ علوان الحموي في رسالة
كتبها إلى صاحبه الزيني عمر بن الشماع محدث حلب، وضمنها موعظة أمره فيها بالخروج
من عطن الكون المقيد إلى الوجود المطلق، وأنشد فيها قول بعض العارفين:
وكل قبيح إن نسيت لحسنه ... إليك معاني الحسن فيه تدافع
وقول الآخر:
ويقبح من سواك الفعل عندي ... فتفعله ويحسن منك ذاكا
ثم قال الشيخ علوان: ولقد بلغني عن الدشطوطي المصري -
رحمه الله تعالى - أنه قال له شخص شاكياً من آخر: يا سيدي ذا وحش قوي، فأجابه
الشيخ يا ذا حط من حسنك على وحاشته يبقى مليحاً، وذكر الشعراوي أنه أول ما اجتمع
به في رمضان سنة اثنتي عشرة وتسعمائة، وهو دون البلوغ أوصاه بوصايا، وقال له: أنا
أعرف أن عقلك الآن ما يحمل هذا الكلام، ولكن هات الموأة والقلم واكتبها. قال: فأتيته
بالدواة، فكتبها، وقال: احفظ هذه الوصية حتى تكبر وتعرف معناها وتمكلو لمن علمك
إياها. أوصيك بعدم الإلتفات إلى غير الله عز وجل في شيء من أمورك في الدنيا
والآخرة، فإن جميع الأمور لا تبرز إلا بأمره، فارجع في الأمور إلى من قدرها يقول
الله عز وجل في بعض كتبه المنزلة: يا عبدي لو سقت إليك ذخائر الكونين، فنظرت إليها
بقلبك طرفة عين فأنت مشغول عنا لا بنا وذكر أن البحر توقف يوماً، ثم هبط أيام
الوفاء نحو ثلاثة أذرع، فجاء الناس إليه، فذهب إلى شاطي النيل، فخاض فيه، وقال
اطلع بأذن الله تعالى، فطلع البحر، وأوفى ذلك الوقت، وكاد الناس أن يتقاتلوا عليه
يتبركون به. قال: واتفق
الناس أنه ما رؤي قط في معدية في البحر لا في الجيزة، ولا في ينبوبة إنما كانوا
يرونه في هذا البر. وهذا البر، وحج مرة ماشياً حافياً طاوياً، فلما وصل إلى باب
السلام بحرم مكة انطرح بخده على العتبة ثلاثة أيام حتى أفاق، ثم دخل للطواف
والسعي، ولما زار النبي صلى الله عليه وسلم وضع خده على باب السلام بحرم المدينة
مستغرقاً إلى أن رجع الحجاج، ولم يدخل المسجد. قال
الشعراوي: وأخبرني الأمير يوسف بن أبي إصبع أن السلطان قايتباي لما سافر لنواحي بحر
الفرات استأذن سيدي عبد القادر، فأذن له قال: فلما سافر مع السلطان كنا نجده
ماشياً قدام السلطان في البرية، وبيننا وبينه نحو عشرة أذرع، فإذا نزلنا نسلم عليه
اختفى. قال: فلما نزلنا حلب وجدنا زحمة على باب زاوية: فقلنا: ما هذا فقالوا سيدي
عبد القادر الدشطوطي له هنا خمسة أشهر ضعيف في هذه الزاوية فقلنا نحن فارقناه في
مصر من نحو خمسة وعشرين يوماً. قال:
وكنا نراه أمامنا في الطريق، فدخلنا فوجدناه ضعيفاً كما قالوا: فتحيرنا في
أمره.وذكر ابن الحنبلي في تاريخه أن سيدي عبد القادر دخل حلب سنة تسعين وثمانمائة،
وقد كان عسكر قايتباي ببلاد الروم نازلاً على أدنة، فأقام الشيخ عبد القادر بحلب
أياماً، ثم لم يوجد، فلما عاد عسكر قايتباي منصوراً اخبرا أنهم وجدوه يوم انتصروا،
وكان يوم نصرهم قريباً من يوم فقده بحلب، ومن وقائعه أنه يبيت كثيراًعند رجل
نصراني في باب البحر، فيلومه الناس على ذلك، فيقول لهم الشيخ عبد القادر: هذا مسلم
فأسلم ببركة الشيخ، وحسن إسلامه، وكراماته ومناقبه كثيرة مشهورة غير محصورة - رضي
الله تعالى عنه - ووقع في طبقات الشعراوي الكبرى والصغرى أن سيدي عبد القادر قد
مات في نيف وثلاثين وتسعمائة، وهذا تقريب منه على عادته في طبقاته - رضي الله تعالى
عنه - ولكنه أبعد هنا، فإني حررت وفاة الشيخ عبد القادر من تاريخ العلائي،
والحمصي، وابن طولون أنها كانت في سنة أربع وعشرين وتسعمائة، وحرر العلائي وفاته
يوم الاثنين تاسع شعبان منها قال: ولما بلغ وفاته الأمراء - يعني
خاير بك المظفري - اغتم لذلك، ونزل من القلعة هو، والأمراء، وقضاة القضاة،
والمباشرون. وأركان الدولة، وأرباب الولايات، ومن لا يحصى، فحضروا جنازته ولما دنت
وفاته، رضي الله تعالى عنه - أكثر من البكاء والتضرع، وكان يقول للشيخ جلال الدين
البكري وهو يعمر في زاويته التي دفن فيها خارج باب الشعرية بمصر: عجلوا بعمارة
القبة، فإن الوقت قد قرب، فلما مات كان بقي عليهم في بنائها يوم، وكملت، وصلي عليه
غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة ثاني عشر رمضان سنة أربع وعشرين المذكورة. كما ذكره
الحمصي. وقال ابن طولون: صلي عليه غائبة في اليوم المذكور، وعلى شيخ الصالحية عبد
الرحمن بن جماعة المقدسي رحمهما الله تعالى.
===========================
ج3. كتاب : الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة
المؤلف : النجم الغزي
494 - عبد القادر بن محمد النعيمي: عبد القادر بن محمد بن عمر
بن محمد بن يوسف بن عبد الله بن نعيم - بضم النون - الشيخ العلامة الرحلة مؤرخ
دمشق، وأحد محدثيها الأعلام أبو المفاخر محيي الدين النعيمي الدمشقي الشافعي. أحد
نواب القضاة الشافعية بدمشق المحمية، ولد يوم الجمعة ثاني عشر شوال سنة خمس وأربعين
وثمانمائة، ولازم الشيخ إبراهيم الناجي، والشيخ العلامة زين الدين عبد الرحمن ابن
الشيخ الصالح العابد خليل، وبه اشتهر ابن سلامة بن أحمد القابوني، والشيخ العلامة
مفتي المسلمين شمس الدين محمد بن عبد الرزاق الأريحي الأشعري الشافعي، والشيخ
العلامة زين الدين خطاب الغزاوي، والشيخ الفقيه العلامة مفلح بن عبد الله الحبشي
المصري، ثم الدمشقي. ولبس منه خرقة التصوف، وأخذ عن الشيخ العلامة شيخ الإسلام،
ومن أشياخه بدر الدين ابن قاضي شبهة الأسدي، وأخذ عن الشيخ العلامة شهاب الدين
أحمد بن قرا، وقرأ على البرهان البقاعي مصنفه المسمى " بالأيذان " وأجاز
له به وبما يجوز له، وعنه روايته، وشيوخه كثيرة ذكرهم في تواريخه، وألف كتباً
كثيرة منها الدارس، في تواريخ المدارس، ومنها " تذكرة الأخوان، في حوادث
الزمان " ، ومنها
" القول البين المحكم، في بيان إهداء القرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم
" ، ومنها كتاب " تحفة البررة، في الأحاديث المعتبرة " ، ومنها " إفادة
النقل، في الكلام على العقل " ، وله غير ذلك من المؤلفات، وكانت وفاته كما
رأيته بخط ولده المحيوي يحيى وقت الغداء يوم الخميس رابع شهر جمادى الأولى سنة سبع
وعشرين وتسعمائة، ودفن بالحمرية رحمه الله تعالى.
495 - عبد القادر بن محمد الكيلاني: عبد القادربن محمدبن عبد
القادر بن محمد بن يحيى بن محمد بن نصر بن عبد الرزاق ابن سيدي الشيخ عبد القادر
الكيلاني، السيد الشريف، الحسيب النسيب محيي الدين ابن الشيخ شمس الدين الحموي القادري
الشافعي. كان له حشمة ونورانية. قال ابن طولون: وذكر لي الشيخ تقي الدين البلاطنسي
أنه لا بأس به في باب الديانة والخير، ونقل بن الحنبلي عن ابن عمه القاضي جلال
الدين التادفي: أنه ترجمه في كتابه قلائد الجواهر فقال: كان صالحاً مهيباً،
وقوراً، حسن الخلق، كريم النفس، جميل الهيئة، مع كيس وتواضع وبشر، وحلم، وحسن
ملتقى، لطيف الطبع، حسن المحاضرة، مزاحاً لا يزال متبسماً، معظماً عند الخاص
والعام، له حرمة وافرة، وكلمة نافذة، وهيبة عند الحكام وغيرهم. انتهى.
وله واقعة ملخصاً أنه نوزع من بعض بني عمه في تولية،
فتعصب عليه رجل من مباشري ديوان الجيش بالقاهرة. يقال له: ابن الإنبايي منسوب إلى
ولي الله الشيخ إسماعيل الإنباني، فتوجه الشيخ عبد القادر إلى القاهرة، وأبرم على
ابن الإنبابي في قضاء حاجته، فاغلظ له القول، فتوجه وهو منكسر القلب إلى منزله،
وكان قد نزل بالزاوية المعروفة يومئذ بالقادرية بالقاهرة، فتوجه تلك الليلة إلى
جده وسميه الشيخ عبد القادر الكيلاني، واستنهضه في قصته فإذا ابن الإنبائي يطرق
عليه الباب، فلم يفتح له إلا بعد مراجعة، فلما فتح له بادر إلى تقبيل قدميه، ووعده
بقضاء حاجته، وأخبره أنه رأى في منامه جديهما الشيخ عبد القادر الجيلي والشيخ إسماعيل
الإنبائي، فاغلظ الشيخ عبد القادر عليه وأوعده بالقتل لولا ما شفع جده الشيخ
إسماعيل، وإن جده الشيخ إسماعيل قال له: قدم واقتل هذه الحية التي تحت وسادتك.
وأنه استيقظ مرعوباً مذعوراً، ورفع الوسادة فإذا الحية تحتها. قال: فقتلتها وجئت
من ساعتي، ثم إن ابن الإنبائي قضى حاجته، واهتم بشأنه، وأخرج له ولبعض أحبائه من
الحمويين في يوم واحد أربعة وعشرين مربعاً، ولم يتفق اجتماع مثل ذلك في الدولة
الغورية لأحد في يوم واحد مع وجود داء كان في عين الغوري يمنعه من الكتابة على مثل
هذا القدر من المربعات، ولم يكن ملوك الجراكسة يوقعون إلا بأيديهم، وتوفي صاحب
الترجمة بحماة سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بدمشق بالأموي يوم الجمعة
بعد صلاتها ثاني عش جمادى الآخرة من السنة المذكورة، وكان أكبر من يوجد من ذرية
الشيخ عبد القادر الكيلاني - رضي الله تعالى عنه - كما قال ابن طولون رحمه الله
تعالى.
496 - عبد القادر بن أحمد بن يونس: عبد القادر بن أحمد بن عمر
بن محمد بن إبراهيم قاضي القضاة الحنفية بدمشق أبو المفاخر محيي الدين النابلسي،
ثم الدمشقي الحنفي، المعروف بابن يونس. ولد في الحجة سنة خمس وخمسين وثمانمائة،
وقرأ القرآن العظيم، ومجمع. البحرين لابن الساعاتي وغير ذلك، واشتغل وحصل وأفتى
ودرس بالقصاعية، وتولى القضاء بحلب ثم بدمشق سنين إلى أن عزل عنه في سنة اثنتين
وعشرين وتسعمائة، وتوفي في يوم الخميس ثالث عشر ذي القعدة سنة ثلاثين وتسعمائة،
ودفن بباب الصغير عند ضريح سيدنا بلال - رضي الله تعالى عنه - رحمه الله تعالى.
497 - عبد القادر الصاني: عبد القادر أبو عبيد بن حسن ابن الشيخ
الإمام العلامة الفقيه الثبت النبيه أبو عبد الله جمال الدين الصاني - بصاد مهملة
ونون - نسبة إلى
صانية قرية من الصونة داخل الشرقية من أعمال مصر القاهرة الشافعي. قال
العلائي: سمع على الملتوتي وابن حصن وغيرهما، وأخذ عن القاضي زكريا، وكان رجلاً
معتبراً وجيهاً وثاباً في المهمات، حتى أن قيام دولة القاضي زكريا وصمدته كانت
منه، وكان قوي البدن ملازماً للتدريس والإقراء والإفتاء. انتهى.
وقرأت بخط بعضهم أن من مشايخه الشهاب الحجازي الأديب
المحدث قال الشعراوي: وكان قوالاً بالمعروف، ناهياً عن المنكر يواجه بذلك الملوك
فمن دونهم حتى أداه ذلك إلى الحبس الضيق، وهو مصمم على الحق. انتهى.
وقد نقلنا عنه فائدة في ترجمة القاضي زكريا في ابن العربي
وابن الفارض نقلها عن الشمس السفيري حين كان بحلب في صحبة الغوري في سنة اثنتين
وعشرين وتسعمائة، وممن أخذ عنه الشيخ نجم الدين الغيطي، وسمع عليه رسالة الشافعي - رضي الله
تعالى عنه - وقطعة من مسند الطيالسي نجم الدين الغيطي، وسمع عليه رسالة الشافعي -
رضي الله تعالى عنه - وقطعة مسند الطيالسى مجتمعاً مع البدر المشهدي، وكانت وفاته
ليلة الأحد تاسع شوال سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
498 - عبد القادر بن علي بن النوار: عبد القادر بن علي بن محمد
بن أبي بكر، الشيخ الفاضل، الشهير بابن النوار الفيومي الشافعي المقيم بمشهد زين العابدين
بالجامع الأموي بدمشق. ذكره شيخ الإسلام فيمن أخذوا عنه. وقال: كان صافياً صالحاً
ملازماً للمشهد يقرئ الأطفال أحياناً، وقرأ علي غالب الغاية، وكثيراً من الرحبية،
وجانباً من المنهاج، وجميع العنقود في النحو وغير ذلك، وحضر كثيراًمن دروسي،
وأجيز، ومات بالمكان المعروف بالسحر من المشهد سنة تسع وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
499 - عبد القادر بن عبد العزيز بن جماعة: عبد القادر بن عبد العزيز
الشيخ الإمام العارف بالله تعالى محيي الدين بن جماعة المقدسي، الشافعي، القادري
خطيب الأقصى. أخذ عن والده، وعن العماد بن أبي شريف، وعن العارف بالله تعالى سيدي
أبي العون الغزي، وأخذ عنه الشيخ نجم الدين الغيطي حين ورد القاهرة سنة ثلاثين
وتسعمائة، وهو والد الشيخ عبد النبي بن جماعة.
500 - عبد القادر الطوخي: عبد القادر الشيخ محيي الدين الطوخي
أحد العدول بالقاهرة. مات يوم الأحد تاسع جمادى الأولى سنة اثتتي عشرة وتسعمائة.
501 - عبد القادر بن الفيومي: عبد القادر بن الفيومي، الشيخ
الفاضل الكاتب المنفرد الفيومي الأصل، ثم الخانكي. كان دمث الأخلاق، توفي في تاسع
ربيع الثاني سنة سبع عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى.
503 - عبد القادر الطرابلسي: عبد القادر قاضي القضاة محيي الدين
الطرابلسي قاضيها. توفي بها يوم السبت ثالث المحرم سنة إحدى وعشرين وتسعمائة.
503 - عبد القادر بن النقيب: عبد القادر، الشيخ الإمام العلامة
قاضي القضاة محيي الدين المصري القاهري الشافعي، المعروف بابن النقيب. قرأ العلم
على جماعة من الأعلام منهم شيخ الإسلام الكمال بن أبي شريف، وشيخ الإسلام زكريا الأنصاري،
وتولى قضاء مصر مرات، وكان لا يصلي الصبح صيفاً ولا شتاءً إلا في الجامع الأزهر
يمشي كل يوم من المدرسة الناصرية إليه، وكان متواضعاً، سريع الدمعة، وكان بيده
مشيخة الخانقاه الصلاحية وتدريس الظاهرية الجديدة برقوق بين القصرين. كان ماراً
بالقصبة ليلة الاثنين حادي عشر ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة فرفسه بغل،
فانكسر ضلعه أو فخذه، ومات في اليوم الثاني، ودفن في صبيحة الثلاثاء ثاني عشر
الشهر المذكور رحمه الله تعالى.
504 - عبد القادر النبراوي الحنبلي: عبد القادر القاضي محيي
الدين النبراوي الحنبلي. كان أقدم الحنابلة بمصر، وأعرفهم بصناعة التوريق والقضاء
والفقاهة مع سماع له ورواية، وكان أسود اللون، وله مع ذلك تمتع بحسان النساء للطف عشرته
ودماثة أخلاقه، وكان يصبغ بالسواد مع كبر سنة، ومات ليلة الأربعاء خامس عشر
جمادىالآخرة سنة ثمان وعشرين وتسعمائة عن نيف وتسعين سنة - بتقديم المثناة - رحمه
الله تعالى.
505 - عبد القادر المنهاجي: عبد القادر، الشيخ الإمام العلامة
المقريء زين الدين المصري الشافعي، المعروف بالمنهاجي نزيل مكة المشرفة. قرأ عليه
البرهان العمادي أحاديث من الكتب الستة، وأجازه في العشر الأول من في الحجة سنة
خمس عشرة وتسعمائة برباط العباس رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
506 - عبد القادر الشيباني: عبد القادر الشيخ زين الدين
الشيباني المكي الحنفي. دخل مصر متوجهاً إلى بلاد الروم لطلب قضاء الحنفية بمكة،
ثم رحل من القاهرة في قافلة صحبة الأمير جانم الحمزاوي ليلة الاثنين سادس
جمادىالآخرة سنة ثمان وعشرين وتسعمائة فتوفي بأم الحسن.
507 - عبد الكريم بن محمد المباهي: عبد الكريم بن محمد بن يوسف
المباهي الأموي الأصل، الدمشقي الشافعي المقريء. كان فاضلاً صالحاً، وهو ممن قرأ
على الشيخ الإسلام الوالد، وحضر دروسه كثيراً. توفي في سنة ثمان وعشرين وتسعمائة
رحمه الله تعالى.
508 - عبد الكريم بن عبد الله الرومي: عبد الكريم بن عبد الله،
العالم الفاضل المولى المشهور الرومي الحنفي. كان هو والوزير محمود باشا، والمولى
إياس من مماليك أمير من أمراء السلطان مراد خان الغازي بن عثمان. كان اسمه محمد
آغا، وكان عبد الكريم ومحمود عدلاً لإياس على الدابة حين أتى بهم محمد آغا لما
طلبوا العلم. كان المولى يقول لهما: تلطفا كما كنت عدلاً لكما على الدابة. فانا
الآن عدل لكما في الفضيلة، سيدهم محمد آغا قد نصب لهما معلماً أقرأهم وعلمهم، ثم أرسل
محمود إلى السلطا مراد خان الغازي، فوهبه لابنه محمد خان، فلما ولي محمد خان
السلطنة جعله وزيراً، ثم إن عبد الكريم جد في طلب العلم، وحصل فنوناً عدةً، وفضائل
جملة، وقرأ على المولى الطوسي والمولى سنان العجمي تلميذ المولى محمد باشا
الفناري، ثم صار مدرساً ببعض المدارس ثم بإحدى الثماني التي بناها السلطان محمد
خان عند فتح القسطنطينية، ثم ولاه قضاء العسكر ثم جعله مفتياً، وبقي إلى أن مات في
دولة السلطان أبي يزيد، ولعل وفاته في حدود التسعمائة أو بعدها بقليل، وله حواش
على أوائل التلويح. قال في الشقائق: حكى لي بعض من مجلس محمود باشا أن المولى
الشهير بولدان قال يوماً للوزير محمود باشا: إني أحبك محبة شديدة. قال: ومن العجب
أنك تحب عبد الكريم أكثر مني. قال: صدقت. قال: أيأخذ عبد الكريم بيدك، ويدخلك
الجنة. قال: أرجو
ذلك منه قال: كيف؟ قال: كنت رئيس البوابين عند السلطان محمد خان، وكنت مبتلي بشرب
الخمر وأفرطت منه ليلة، فجاء عبد الكريم وقت الصبح، فطهرت بيتي، وأزلت منه آلات
الخمر وبخرته حتى لا يطلع عليه، فتكلمت معه ساعة، ثم قام، فلما وصل إلى الباب وقف
وقال: أكلمك شيئاً. قلت: تكلم. قال: إنك بحمد الله من أهل العلم، ولك منزلة عند
السلطان، وعن قريب من الزمان تصير وزيراً له، فلا يليق بك أن تصب في باطنك هذا
الخبيث. قال: فعرقت استحياء منه حتى ترشح العرق من ثويي، وكان يوماً بارعاً، وكنت
ألبس الثوب المحشو. قال:
وكان المولى عبد الكريم سبباً لتوبتي. فهل أحبه أم لا؟ قال المولى: ولدان وجب
عليك محبته من صميم القلب. انتهى.
509 - عبد الكريم بن الأكرم: عبد الكريم، الشيخ العلامة القاضي
كريم الدين بن الأكرم الدمشقي الحنفي. توفي بمنزله بالعناية خارج دمشق يوم الخميس
سادس عشر صفر سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، ودفن بمقبرة الشيخ أرسلان رحمه الله تعالى.
510 - عبد الكريم الجعبري: عبد الكريم بن عبد القادر بن عمر بن
محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم الجعبري صاحب الشرح، والمصنفات المشهورة، الشيخ
كريم الدين قدم دمشق سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة.
511 - عبد اللطيف الآمدي: عبد اللطيف بن حسن ، الشيخ الصالح
الصوفي عبد اللطيف جلبي الآمدي الروشني الخرقة، كان خليفة عن أبيه حسن جلبي، وأبوه
عن دده عمر، ودده عمر عن السيد يحيى الروشني الخلواتي. ذكره ابن الحنبلي لأنه قطب
حلب، وأقام حلقة الذكر بجامعها، وذكر عن ولده فتحي جلبي أن والده توفي بأمد سنة
اثنتين وثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
512 - عبد اللطيف الدنجيهي: عبد اللطيف، الشيخ العلامة زين
الدين الدنجيهي.توفي بالقاهرة يوم الأحد سابع المحرم سنة تسع - بتقديم المثناة -
وتسعمائة.
513 - عبد اللطيف ابن المجندي: عبد اللطيف، الشيخ الفاضل الشاعر
زين الدين بن المجندي. توفي بدمشق يوم الخميس عاشر صفر سنة تسع المذكورة آنفاً
وتسعمائة - رحمه الله تعالى واسعة.
415 - عبد المعطي المكي: عبد المعطي، الشيخ الجليل المكي أحد من
اصطحب معهم شيخ الإسلام الجد من الأولياء والعلماء. توفي بمكة المشرفة سنة أربع وتسعمائة،
وصلي عليه غائبة بجامع بني أمية بدمشق المحمية يوم الجمعة ثامن ربيع الأول سنة خمس
وتسعمائة رحمه الله تعالى.
515 - عبد النبي المغري: عبد النبي المغربي المالكي، الشيخ
الإمام العلامة، الحجة القدوة اللهامة، مفتي السادة المالكية بدمشق، أحد إخوان
سيدي علي بن ميمون، وشيخ الإسلام الجد، وترجمه - رحمه الله تعالى - بالعلم
والولاية، وذكره الشيخ علوان في " شرح تائية ابن حبيب " وذكر ابن
الحنبلي في تاريخه أنه قدم حلب في سنة اثنتين وتسعمائة، أو قبلها، فباحثه البدر
السيوفي في تنافس حتى انتهى معه إلى إظهار قبح تسميته بعبد النبي لكونه من الأسماء
المعبدة لغير الله تعالى. انتهى.
وذكر ابن طولون في تاريخه، " مفاكهة الأخوان "
أنه توضأ يوم الجمعة عشرين شوال سنة ثلاث وثلاثين لصلاة الجمعة من الظاهرية الجوانية.
قال: فرأيت ناظرها منلا بني الرومي قد عمل على إيوان الحنفية القبلي درابزين
لصيانته. قال: وأخبرت أن بها نازلاً منلا رسول بلاد بيروت، ومنلا أحد أحد المدرسين
بجامع الأموي المطالبي الحنفي عوضاً عن الشمس الكفرسوسي المتوفي إلى رحمة الله
تعالى - قال: وقد كان ينكر - يعني الكفرسوسي - على شيخنا الشيخ عبد النبي هذه
التسمية، فكيف بهذه الأسماء الثلاثة؟ قال: ومن رأيت ينكرها مدرس هذه المدرسة
صاحبنا القطب ابن سلطان الحنفي انتهى. قلت: وهذه عادة الأعاجم يختصرون هذه الأسماء
المعبدة بحذف عبد، وهو خطأ ظاهر، وأقبح ما يقع من ذلك قولهم في منلا عبد الأحد:
منلا أحد، وتبعهم الأروام في هذا الاختصار لكنهم زادوا ياء النسبة، فزال الإشكال،
ولكن فاتهم فضيلة التعبيد في التسمية فقالوا في عبد الكريم: كريمي،
وفي عبد الحليم، حليمي، وكانت وفاة الشيخ عبد النبي صاحب الترجمة في يوم الجمعة
ثالث عشري رمضان سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، ووافق حضور جنازته بالجامع الأموي حضور
الى سليم خان ابن عثمان، فصلي عليه مع الجماعة رحمه الله تعالى.
516 - عبد الهادي: عبد الهادي بن شرف الدين عيسى العمري الصفوري
ثم الدمشقي الشافعي، الشيخ الصالح الصوفي السالك المربي ولي الله تعالى. توفي
بمنزلة بمحلة قبر عاتكة يوم الأحد سادس عشر شوال سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة، وحضر
جنازته السيد كمال الدين ابن حمزة، وخلائق من الصوفية، وأهل العلم، ودفن بتربة
بالقرب من مسجد الطالع بالمحلة المذكورة، وتعرف الآن بالدقاقين، وقبره الآن ظاهر
بها يزار رحمه الله.
517 - عبد الودود: عبد الودود، الشيخ الصالح، العابد، الزاهد،
المقيم بنواحي قلعة الجبل بالقاهرة، كان ينسج الصوف، ويتقوت منه، وكانت عمامته
خرقاً خرقاً من الصوف الأحمر، وكان سيدي محمد بن عنان يقصده بالزيارة، وكان له
مكاشفات، وعليه أنس عظيم وتوفي في سنة خمس عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى.
518 - عبد الوهاب بن أحمد الطرابلسي الحنبلي: عبد الوهاب بن
أحمد بن الوهاب القاضي تاج الدين الطرابلسي، ثم الدمشقي الحنبلي. ولد في ثاني ذي
القعدة اثنتين وأربعين وثمانمائة، وفوض إليه نيابة القضاء قاضي الحنابلة بدمشق نجم
الدين بن مفلح وكان مقيماً بدار الحديث لابن عروة بالمشهد الشرقي بالجامع الأموي،
وفوض إليه القضاء أيضاً بمكة وبالقاهرة وبطرابلس، ومات بدمشق بالبيمارستان النوري
عاشر جمادى الأولى إحدى وعشرين وتسعمائة رحمه الله.
519 - عبد الوهاب بن نقيب الأشراف: عبد الوهاب بن أحمد السيد
الشريف تاج الدين ابن السيد شهاب الدين بن نقيب الأشراف، وأخذ الفقه عن الشيخ
برهان الدين الطرابلسي، ثم المصري بها، وقرأ عليه مصنفه في الفقه على طريقة
المجمع، وتردد إلى سيدي محمد بن عراق إلى أن توفي ليلة السبت ربيع الأول سنة خمس وعشرين
وتسعمائة عن نحو ثلاثين سنة، وأمه الفاضلة البارعة زينب بنت الباعوني، وصلى عليه
الشيخ شهاب الدين الشويكي بمدرسة أبي عمر، ودفن بأعلى الروضة من سفح قاسيون رحمه
الله تعالى.
520 - عبد الوهاب بن عبد الكريم الرومي: عبد الوهاب بن عبد
الكريم الفاضل ابن الفاضل، المولى بن المولى الرومي الحنفي. قرأ على جماعة منهم
المولى عذاري، والمولى لطفي التوقاتي، والمولى خطيب زاده، والمولى القسطلاني، وكان
ذكياً عارفاً بالعلوم الشرعية والعقلية مهيباً مطارحاً للتكلف مع أصحابه. ودرس
بالقسطنطينية، ثم صار حافظاً لدفتر الديوان السلطاني، ثم ولي القضاء ببعض البلاد.
توفي في أوائل سلطنة السلطان سليمان خان رحمه الله تعالى.
521 - عبد الوهاب بن أحمد بن عرب شاه: عبد الوهاب بن أحمد بن
محمد قاضي قضاة الحنفية بدمشق المحمية، الشيخ العلامة تاج الدين ابن الشيخ العلامة
شهاب الدين، الشهير بابن عرب شاه. ولد سنة ثلاث عشرة وثمانمائة، وكان في ابتداء
أمره شاهداً، وبلغ في صناعة الشهادة غاية الدهاء، وكان فقيراً، فحصلت له ثروة وجاه
ونظم في مذهب الحنفية كتاباً كبيراً ثم ولي القضاء في رجب سنة أربع وثمانين وثمانمائة،
ثم عزل عنه في شوال سنة خمس وثمانين، ثم سافر إلى مصر، فولي مشيخة الضر غمشية بها
إلى أن توفي في خامس عشر رجب سنة إحدى وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم
الجمعة ثامن شعبان منها رحمه الله تعالى.
522 - عبد الوهاب المصري: عبد الوهاب، الشيخ الصالح المسلك
المجد، القائم برتبة المشيخة، الداعي إلى الله تعالى، العارف به سيدي الشيخ تاج
الدين الذاكر المصري ربي يتيماً بمكتب مدرسة الحسامي، فلما ترعرع تعلق على صنعة البناء،
ثم وفقه الله تعالى للإجتماع على الشيخ نور الدين بن خليل، عرف بابن عين الغزال
الحسني، فلازمه وصار يحضر المحافل، ويتردد إلى الشيخ تقي الدين عبد الرحيم
الأوجاقي وأوقاته ومجالسه حتى اشتهر، فجمع الناس، ولازم الذكر والخير، وأقرأ
البخاري والشفا والعوارف بروايته لها عن العز بن الفرات، وعن التقي الأوجاقي،
ونازع العلائي أن يكون سمع من العز بن الفرات، وقال: إن الذي أوهم الشيخ تاج الدين
ذلك هو الزين عبد القادر بن مغيزل السقا. أوهمه أنه قرأ عليه بمكتب الحسام حين كان
يتيماً به قال: وكأنه إن صح فقراءته على الشيخ الصالح عبد الرحيم، الشهير بابن
الفرات النازل بالقرا سنقرية. قال: ولم يدع قط سماعاً، ولا إجازة. انتهى.
وفيما قاله وقفة فإن الشيخ تاج الدين أجل أن يدخل عليه
هذا الوهم، وسنه يقبل ذلك، فإن العلائي نفسه قال: إنه قارب الثمانين، وكان - رحمه
الله تعالى - نير الوجه، حسن السمت، كثير الشفاعات، شديد الإهتمام بقضاء حوائجهم،
مجداً في العبادة، دائم الطهارة، لا يتوضأ عن حدث إلا كل سبعة أيام، وسائر طهاراته
تحديد، وانتهى أمره آخراً إلى أنه كان يمكث اثني عشر يوماً لا يتوضأ عن حدث، ولم
يعرف ذلك لأحد في عصره إلا للشيخ أبي السعود الجارحي، وامتحنه قوم دعوه، وجعلوا
يطعمونه، ويؤكدون عليه سبعة أيام، ولم يحدث، ثم علم أنهم امتحنوه، فدعا عليهم،
فانقلبت بهم المركب، فقيل له في ذلك، فقال: لا غرق وإنما هو تأديب، وينجون، وكان
كذلك، ثم ندم على الدعاء عليهم، وقال: لا بد لي من المؤاخذة، فمرض أكثر من أربعين
يوماً، ومكث خمساً وعشرين سنة لم يضع جنبه على الأرض إنما ينام جاثياً على حصير،
وقال عند موته: لي أربعون سنة أصلي الصبح بوضوء العشاء، وقد طويت سجادتي من بعدي،
ولما سافر الغوري لقتال بن عثمان طلب الشيخ تاج الدين الذاكر ليسافر معه، وجميع
أشياخ البلد، فتوعدهم. فقال الشيخ: ما بقي بيننا اجتماع هو لا يرجع، ونحن نموت،
وكان الأمر كما قال، ومات الشيخ تاج الدين في يوم الخميس عشري جمادىالآخرة سنة اثنتين
وعشرين وتسعمائة، ودفن بزاويته قريباً من حمام الدوحين رحمه الله تعالى.
523 - عبد الوهاب الدنجيهي: عبد الوهاب، الشيخ الإمام، الفقيه السالك
الصالح المجرد القانع تاج الدين الدنجيهي المصري الشافعي، الكاتب النحوي. حفظ
القرآن العظيم، وصحب الشيخ العارف بالله تعالى سيدي إبراهيم المتبولي، وجود حتى
حسن خطه، وكتب كتباً نفيسة، واشتغل في الصرف، والنحو، والمعاني، والبيان، والمنطق،
والأصلين، والفقه على العلامة علاء الدين ابن القاضي حسن الحصن كيفي، وسمع عليه
المطول، وشرح العقائد، وشرح الطوالع، وغاية القصد، والمتوسط، وشرح الشمسية، وحضر
غالب دروس شيخ الإسلام زكريا الأنصاري. وتصانيفه، وقرأ شرح قاضي زاده في علم
الهيئة على العلامة عبد الله الشرواني، وقرأ أيضاً على منلا علي الكيلاني في
العبري وغيره. تمرض في البيمارستان شهراً، وأقعد ومات به يوم الجمعة حادي عشر
جمادى الأولى سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة - رحمه الله تعالى واسعة - امين.
524 - عثمان بن محمد الأزهري: عثمان بن محمد بن عثمان، الشيخ
الإمام، العلامة، المحدث المسند الحافظ شيخ السنة أبو عمرو فخر الدين الديمي،
الأزهري، المصري، الشافعي. مولده في سنة تسع عشرة - بتقديم التاء - وثمانمائة،
وكان من مشافه تلامذة ابن حجر - رحمه الله تعالى - قال السخاوي: قرأ عليه مسند الشهاب،
وغالب النسائي. انتهى.
وقرأت بخطة أنه قرأ جميع البخاري على الشيخ الإمام المسند
المعمر الحبر برهان الدين أبي إسحاق إبراهيم ابن الشيخ فتح الدين صدقة بن إبراهيم
بن إسماعيل الحنبلي الصالحي، وجميع مسلم على الشيخ المسند المعمر شمس الدين أبي
عبد الله محمد ابن الشيخ الإمام المحدث جمال الدين أبي محمد عبد الله بن محمد ابن
شيخ الإسلام أبي إسحاق برهان الدين إبراهيم الحبر الخطيب الرشيدي، وقال جلال الدين
السيوطي: كان الشيخ عثمان الديمي يحفظ عشرين ألف حديث، وهو الذي عناه السيوطي
أيضاً بقوله:
قل للسخاوي إن تعروك نائبة ... علمي كبحر من الأمواج
ملتطم
والحافظ الديمي غيث السحاب فخد ... " غرفاً من البحر
أو رشفاً من الديم "
وأخذ عنه جماعة كثيرة منهم البرهان ابن عون، وأبو الفرج
فخر الحلبي، والشيخ شمس الدين الداوودي، والمقريء الكريم السيد عبد الرحيم العباسي
الإسلام بولي وغيرهم. ذكر ابن طولون أنه صلي عليه غائبة بدمشق بالجامع الأموي بعد
صلاة الجمعة ثاني رجب سنة ثمان وتسعمائة.
525 - عثمان بن يوسف الحموي: عثمان بن يوسف القاضي فخر الدين
الحموي الدمشقي الشافعي. ولد سنة أربع وأربعين وثمانمائة، واشتغل بحل الحاوي
الصغير على العلامة مفلح الحبشي، وكان يحوك، ثم صار بواباً بالبدرائية، ثم تعانى
صنعة الشهادة بخدمة قاضي القضاة شرف الدين بن عيد الحنفي، ثم فوض إليه نيابة الحكم
القاضي شهاب الدين بن الفرفور، وتوفي يوم الاثنين ثامن عشر القعدة سنة ثمان
وتسعمائة، ودفن بمقبرة باب الفراديس رحمه الله تعالى.
526 - عرفة بن محمد الحيسوب: عرفة بن محمد الشيخ العلامة المحقق
الفرضي الحيسوب زين الدين الأرموي الدمشقي الشافعي. كان خبيراً بعلم الفرائض
والحساب وكان يعرف ذلك معرفة تامة، وله فيه شهرة كلية، وهو الذي رتب مجموع
الكلائي، وممن أخذ عنهم الفرائض الشيخ شمس الدين محمد بن محمد الرملي الشهير بابن
الفقيرة الشيخ العلامة الزاهد شهاب الدين بن رسلان الرملي عن الشيخ شهاب الدين بن
الهائم، وممن أخد عنه والد شيخنا وغيرهما، وكانت وفاته يوم الأحد حادي عشري شوال
سنة ثلاثين وتسعمائة.
527 - عفيف الدين بن شعيب: عفيف الدين بن شعيب أحد نواب القضاة
الشافعية بدمشق. توفي بها يوم الخميس حادي عشر ربيع الآخر سنة عشرة وتسعمائة -
رحمه تعالى - رحمة واسعة.
528 - عز الدين الصابوني: عز الدين الصابوني الحلبي الحنفي،
المعروف بابن عبد الغني، وهو ابن عم أبي بكر بن الموازيني. كان خطيباً جيد
الخطابة، ولي خطابة جامع الأطروش بحلب، فلما دخل السلطان سليم بن عثمان حلب في سنة
اثنتين وعشرين وتسعمائة صلى الجمعة مرة بالجامع المذكور خلف المذكور، فخطي بسبب
ذلك، ولم يلبث أن توفي تلك السنة، وكان في قدميه أعوجاج بحيث كان لا يتردد في
الشوارع إلا راكباً رحمه الله تعالى.
529 - علي بن محمد الشرابي: علي بن محمد، الشيخ العلامة علاء الدين
الكردي الشرابي الشافعي. قطن حلب، وأخذ بها عن الحافظ أبي ذر المصابيح وغيره،
وأجاز له وكان عالماً عاملاً ينفق على طلبة العلم من ماله، ولم يتزوج قط، وكان
يختار من المأكل ما لا تميل إليه نفسه، ويؤثر غيره بالطيبات، ووقف كتبه على الشيخ
العرضي، ثم على ذريته، وتوفي في سنة خمس وتسعمائة رحمه الله تعالى.
530 - علي بن محمد بن مليك: علي بن محمد بن علي بن عبد الله،
الشيخ الفاضل الشاعر علاي الدين بن مليك الحموي، ثم الدمشقي الفقاعي الحنفي. ولد
بحماة سنة أربعين وثمانمائة، وأخذ الأدب عن الفخر عثمان بن العبد التنوخي وغيره،
وأخذ النحو والعروض عن الشيخ بهاء الدين بن سالم، قدم دمشق، فتسبب ببيع الفقاع عند
قناة العوني خارج باب الفراديس، ثم تركه، وصار يتردد إلى دروس الشيخ برهان الدين
بن عون، وأخذ عنه فقه الحنفية، وصارت له فيه يد طولى، وشارك في اللغة والنحو
والصرف، وكان له معرفة بكلام العرب، وبرع في الشعر حتى لم يكن له نظير في فنونه، وجمع
لنفسه ديواناً في نحو خمس عشرة كراسة، وخمس المنفرجة، ومدح النبي صلى الله عليه
وسلم بعدة قصائد، ومن لطائفة قوله:
لم أجعل الفقاع لي حرفة ... إلا لمعنى حسنك الشاهد
أقابل الواشي بالحد والعا ... ذل أسقيه من البارد
ومن مشاهير قصده النبوية عفا الله عنه:
هل لصب قد غير السقم حاله ... زورة منكم على كل حاله
يا لقومي من للفتى من فتاة ... مزجت كأس صدها بالملاله
قلت: إذ مد شعرها لي ظلالاً ... أسبغ الله لي عليها ظلاله
ليت شعري مع الهوى كيف مالت ... ولها القد شاهد بالعداله
لست أنسى، وقولها أنت سال ... قلت: روحي ومهجتي لا محاله
كم محب بدمعه قد أتاها ... سائلاً، وهي لا تجيب سؤاله
حين أضحى لخدها المسك خالاً ... قلت: رفقاً بمهجة الصب
خاله
رشقتني من لحظها بسهام ... بعد ما جردت علي نصاله
سالم القلب في الهوى مقلتيها ... فانثنى قدها يروم قتاله
آه من قدها أما لفؤادي ... شافع من حديث واش أما له
يا لقومي ما للعذول ومضنى ... بذل الروح في هواها وماله
إن أنا أحسنت وإن هي أساءت ... ليس دمعي يرقى على من
أساله
عاذل الصب خل عنك ودمعي ... فعلى الخذ قد كفى ما جرى له
فهي شمس تطلعت من خباها ... وعليها من البراقع هاله
رأت البدر في الكمال، فأبدت ... واضحاً بالسنا تريه كماله
حاولت زورتي، فنم عليها ... قرطها في الدجى ومسك الغلاله
ثم لما أن سلمت اذكرتني ... عهد من سلمت عليه الغزاله
خاتم الأنبياء والرسل حقاً ... من أتى بالهدى وأدى
الرسالة
لا تقسه بالبحر يوم نوال ... يعجز البحر أن يضاهي نواله
وإذا ما شكا له الفقر راج ... قال: لا فقر يختشى وأنا له
يا إمام الهدى، ويا من عليه ... من طراز الوقار أبهى
جلاله
كن شفيعي مما جنيت قديماً ... زمن اللهو والصبا والجهاله
فعليك الصلاة في كل وقت ... وزمان مضى، وفي كل حاله
وعلى آلك الكرام وصحب ... قد سموا بالوفا وصدق المقاله
ما حدا في العراق بالركب حاد ... ولنحو الحجاز شد رحاله
وله:
رب بدر بات يجلو جهرة ... نشر راح من لماه معتصر
وعجيب تحت أذيال الدجى ... اجتماع الشمس عندي والقمر
ومن لطائفه:
يا من به رق شعري ... وزاد بالنعت وصفه
قد مزق الشعر شاشي ... والقصد شيء الفه
وكان له صوف عتيق، فقلبه وقال:
قد كان لي صوف عتيق طالما ... قد كنت ألبسه بغير تكلف
والآن لي قد قال حين قلبته ... قلبي يحدثني بأنك متلفي
وحكي أنه مر بالمرجة على قوم شرب، وكانوا يعرفونه، فدعوه
إلى الزاد، فقعد عندهم يذاكرهم، فبينما هم كذلك إذ جاءهم جماعة الوالي، فأخذوهم
وأخذوه معهم، فلما وصلوا إلى القاضي للتسجيل عليهم عرفه القاضي فلامه فقال:
والله ما كنت رفيقاً لهم ... ولا دعتني للهوى داعيه
وإنما بالشعر نادمتهم ... لأجل ذا ضمتني القافيه
فخلوا عنه وله:
الطرف يقول: قد رماني القلب ... والقلب لناظري يقول الذنب
والله لقد عجبت من حالهما ... هذا دنف ودمع هذا صب
وشعره كله جيد، وكانت وفاته في شوال سنة سبع عشرة
وتسعمائة، ودفن بمقبرة باب الفراديس رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
531 - علي بن محمد الشيرازي: علي بن محمد المولى مظفر الدين
الشيرازي العمري الشافعي. فطن حلب سنة ست عشرة وتسعمائة، وأخذ بها عن جماعة منهم
الشمس بن بلال، وكتب حواشي على الكافية، وكان يقول: إن جده الشيخ نجيب الدين علي
ابن دغشن الشيرازي أحد خلفاء الشيخ شهاب الدين عمر السهروردي. قال السيد قطب الدين
الإيجي: وكان منلا مظفر الدين صهر المنلا جلال الدين الدواني، وكانت له مهارة في
المنطق حتى كان يقول عنه منلا جلال الدين: لو كان جسماً لكان هو منلا مظفر الدين،
وذكر في الشقائق أنه دخل بلاد الروم، وكان المولى بن المؤيد قاضياً بالعسكر، وكان
المولى مظفر الدين مقدماً عليه حال قراءتهما على المنلا المواني، فأكرمه ابن
المؤيد إكراماً عظيماً، وعرضه على السلطان أبي يزيد خان، فأعطاه مدرسة مصطفى باشا
بالقسطنطينية، فدرس بها، ثم أعطاه إحدى المدارس الثماني، فدرس بها مدة، ثم أضرت
عيناه، فعجز عن إقامة التدريس، فعين له السلطان سليم خان في كل يوم ستين درهما
بطريق التقاعد، وتوطن مدينة بروسا قال في الشقائق: وكانت له يد طولى في علم الحساب
والهيئة والهندسة، وكان له زيادة معرفة بعلم الكلام والمنطق خاصة في حاشية التجريد،
وحواشي شرح المطالع. قال: ورأيت على كتاب إقليدس في فن الهيئة أنه قرأه من أوله
إلى آخره على الفاضل أمير صدر الدين الشيرازي قال: وكتب عليه حواشي لحل مشكلاته.
قال: وكان سليم النفس، حسن العقيدة، صالحاً مشتغلاً بنفسه، راضياً من العيش
بالقليل، واختار الفقر على الغنى، وكان يبذل ماله للفقراء والمحاويج. وذكر ابن
الحنبلي نقلاً عن يحيى جلبي قاضي بغداد أنه توفي مطعوناً سنة ثماني عشرة وتسعمائة،
وقال في الشقائق: إنه مات بمدينة بروسا بعد أن توطن بها، وقد كف بصره في سنة
اثنتين وعشرين وتسعمائة. قال ابن الحنبلي: ورآه الشمس ابن بلال في المنام موته
بالبلاد الرومية. فسأله كيف وجدت الصبر. فقال: كما هو مقيد في شرح العقائد بعينه
رحمه الله تعالى.
532 - علي بن محمد الحصكفي الشافعي: علي بن محمد بن عبد الرحيم
محمد بن علي بن إبراهيم بن مسعود بن محمد الشيخ العلامة، المفنن، المتقن، والمفيد
علاء الدين أبو الحسن، والحصكفي الموصلي الشافعي قطن دمشق أولاً مع أبيه وقرأ بها
على الشيخ عماد الدين المعروف بخطيب السقيفة، والبرهان ابن المعتمد وغيرهما، وحج
ماشياً، ثم قطن حلب، وقرأ بها على الفخر عثمان الكردي، والبدر السيوفي، والشمس
البازلي وغيرهم ودرس بها وأفاد وربما أفتى وجلس بمكتب الشهادة بحلب تحت قلعتها،
وتردد الطلبة إليه، وتلقى منه جمع جم من الأفاضل حتى ترقى بعضهم إلى الإفادة، ثم
لما أبطلت الدولة العثمانية مكاتب الشهود ترك ذلك، وأقبل على الاشتغال، وكان له يد
طولى في النحو، والصرف والمنطق، والعروض، والقوافي، وكان له تقرير حسن في الفقه،
ومشاركة كلية في الأدب، وشعره لطيف منه:
تمر الليالي والحوادث تنقضي ... كأضغاث أحلام ونحن رقود
وأعجب من ذا أنها كل ساعة ... تجد بنا سيراً ونحن قعود
وقال يمدح النووي رحمه الله تعالى:
إلى الشيخ محيي الدين علامة الورى ... وروضته تعزى
الدراية في الفتوى
دقائقه كنز وأذكاره هدى ... ومنهاجه السامي هو الغاية
القصوى
وقال يمدح البهحة لابن الوردي رحمه الله تعالى في الفقه:
لقد أحسن الوردي في البهجة التي ... تنظم فيها الفقه
كالدر في العقد
لها أصبح المنثور يومي بإصبع ... حنانيك كل الحسن في بهجة
الورد
وقال يمدح المنطق والنحو ملمحاً بكتاب المفتاح:
إذا ما رمت تحقيقاً لعلم ... فلذ بالمنطق العمل القويم
ولا تدخل إليه بغير نحو ... فإن النحو مفتاح العلوم
وقال ملغزاً:
يا إماماً في النحو شرقاً وغرباً ... من له بان سره
المكنون
أي ما اسم قد جاء ممنوع صرف ... وأتى الجر فيه والتنوين
وأجاب عنه:
علم كان للمؤنث جمعاً ... سالماً جمع ذين فيه يكون
وأجاب عن قول فضلاء النحو:
سلم على شيخ النحاة وقل له ... عندي سؤال من يجبه يعظم
أنا إن شككت وجدتموني جازماً ... وإذا جزمت فإنني لم أجزم
بقوله:
قل في الجواب بأن " إن " في شرطها ... جزمت
ومعناها التردد فاعلم
وإذا بجزم الحكم إن شرطيه ... وقعت ولكن شرطها لم يجزم
وقال ملمحاً بما ذكره ابن هشام في شرح القطر قال: روي أنه
قيل لابن عباس: إن ابن مسعود قرأ، وقالوا: يا مال. فقال: ما اشغل أهل النار عن
الترخيم. ذكره الزمخشري وغيره، وعن بعضهم أن الذي حسن الترخيم هذا أن فيه إشارة
إلى أنهم يقطعون الاسم لضعفهم عن إتمامه. انتهى. فقال صاحب الترجمة:
ما كان أغنى أهل نار جهنم؟! ... إذ رخموا يا مال وسط
الجحيم
عجزوا عن استعمال كلمة مالك ... فلأجل ذا نادوه بالترخيم
وقال ملغزاً في الثلج وأجاد:
اسم الذي ألغزته ... يطفي شرار اللهب
مقلوبه مصحفاً ... وجدته في حلب
وقال محاجياً في عين تاب:
يا صاح ما اسم بلدتي ... كم قد حوت بدراً طلع
قريبة من حلب ... رادفها طرف رجع
وقال في مليح عروضي:
هويت عروضياً مديد صبابتي ... ببحر هواه كامل الحسن وافره
على خده البدرالمكمل دارة ... وفي وجهه الشمس المنيرة
دائره
وقال مضمناً:
لئن فتن المرد الملاح أولي النهى ... وأودت عيون منهم
وحواجب
فحب النساء الخرد البيض مذهبي ... وللناس فيما يعشقون
مذاهب
وذكر ابن الحنبلي أن الشمس السفيري أخبره أن صاحب الترجمة
اتخذه سفيراً بينه وبين بعض المخاديم في قضاء حاجة مهمة قال فقضيتها له كما أراد
فانشدني:
قصدت لحاجتي خلاً وفياً ... فما ألفيت كالبحر السفيري
به نلت الذي قد كنت أرجو ... وأحسنت السفارة بالسفير
توفي يوم الثلاثاء سابع شوال سنة خمس وعشرين وتسعمائة،
ورثاه تلميذه ابن الحنبلي بقصيدة نونبة ذكرها في تاريخه تركتها خشية الإطالة رحمه
الله تعالى.
533 - علي بن محمد الشبلي: علي بن محمد، الشيخ علاء الدين بن الشيخ
الصالح شمس الدين الشبلي، الدمشقي الشافعي كان لا بأس به، وتوفي في جمادى الآخرة
سنة ست وعشرين رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
534 - علي بن أبي بكر نقيب الأشراف بدمشق: علي ابن أبي بكر،
الشيخ العلامة السيد الشريف علاء الدين ابن السيد ناصر الدين، الشهير بابن نقيب
الأشراف بدمشق الدمشقي الحنفي. ولد في نصف شوال سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة، وهو
اليوم الذي ولد فيه قاض القضاة شهاب الدين بن الفرفور، وتوفي ليلة الاثنين رابع
عشر الحجة سنة عشر وتسعمائة ودفن بتربتهم لصيق مسجد الذبان بدمشق، وهي السنة التي توفي
في أوائلها قاضي القضاة المذكور رحمه الله تعالى.
535 - علي بن أبي القسم الإخميمي: علي بن أبي القسم، القاضي
العدل، العفيف السخي علاء الدين الإخميمي، القاهري قاضي القضاة الشافعية. قال
العلائي: كان له انقطاع عن الناس، وانجماع بالكلية، وكان له معرفة في الصناعة،
وتصميم في المهمات وإن كان قليل العلم.
توفي سادس عشر القعدة سنة تسع - بتقديم المثناة فوق -
وعشرين وتسعمائة - وصلي عليه بالأزهر.
536 - علي بن أحمد بن عربي شاه: علي بن أحمد، العالم الفاضل
علاء الدين بن عرب شاه، وهو أخو قاضي القضاة بدمشق تاج الدين عبد الوهاب بن عربشه،
وأخو بدر الدين حسن بن عربشاه أحد الشهود المعتبرين بدمشق. ولد سنة ثمان وأربعين وثمانمائة،
وتوفي يوم الثلاثاء حادي عشر شوال سنة عشر وتسعمائة، ودفن بالروضة بسفح قاسيون.
537 - علي بن أحمد الإربلي: علي بن أحمد، الشيخ نور الدين
الإربلي. أحد العدول. مات بمكة مجاوراً سنة ثلاث وتسعمائة رحمه الله تعالى.
538 - علي بن أحمد نقيب الأشراف: علي بن أحمد، الشيخ العلامة
الإمام السيد علاء الدين ابن السيد شهاب الدين نقيب الأشرأف الدمشقي، الحنفي، كان عالماً،
فاضلاً. مفنناً، ذكياً، بارعاً في العلوم العقلية والنقلية. توفي يوم الاثنين سادس
عشري القعدة سنة إحدى عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى.
539 - علي بن أحمد الرومي: علي بن أحمد، العالم العلامة،
العامل، الفاضل، المولى علاء الدين الجمالي، الرومي، الحنفي. قرأ على المولى علاء
الدين بن حمزة القراماني، وحفظ عنده القدوري، ومنظومة النسفي، ثم دخل إلى
قسطنطينية، وقرأ على المولى خسرو، ثم بعثه المذكور إلى مصلح الدين بن حسام، وتعلل بأنه
مشتغل بالفتوى، وبأن المولى مصلح الدين يهتم بتعليله أكثر منه، فذهب إليه، وهو
مدرس سلطانية بروسا، فأخذ عنه العلوم العقلية والشرعية، وأعاد له المدرسة
المذكورة، وزوجة ابنته، وولدت منه، ثم أعطي مدرسة بثلاثين، ثم تقلبت به الأحوال،
على وجه يطول شرحه، فترك التدريس، واتصل بخدمة العارف بالله تعالى مصلح الدين بن
أبي الوفاء ثم لما تولى السلطان أبو يزيد السلطنة رأه في المنام، فأرسل إليه
الوزراء، ودعاه إليه، فامتنع، فأعطاه تدريساً بثلاثين جبراً، ثم رقاه في التدريس
حتى أعطاه إحدى الثماني، فدرس بها مدة طويلة ثم توجه بنية الحج إلى مصر، فلم يتيسر
الحج في تلك السنة لفتنة حدثت بمكة المشرفة، فأقام بمصر سنة، ثم حج وعاد إلى الروم،
وكان توفي المولى أفضل الدين مفتي التخت السلطاني في غيبته، فأعطاه السلطان أبو
يزيد منصب الفتوى، وعين له مئة درهم، ثم لما بنى مدرسة القسطنطينية ضمها له إلى الفتوى،
وعين له خمسين درهما زائدة على المائة، وكان يصرف جميع أوقاته في التلاوة،
والعبادة، والتدريس، والفتوى، ويصلي الخمس في الجماعة، وكان كريم الأخلاق لا يذكر
أحداً بسوء، وكان يغلق باب داره، ويقعد في غرفة له، فتلقى إليه رقاع الفتاوي،
فيأخذها ويكتب، ثم يدليها، ففعل ذلك لئلا يرى الناس، فيميز بينهم في الفتوى، وكان
يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويصدع بالحق، ويواجه بذلك السلطان، فمن دونه حتى
أن السلطان سليم خان أمر بقتل مائة وخمسين رجلاً من حفاظ الخزينة، فتنبه لذلك
المولى علاء الدين المذكور، فذهب إلى الديوان، ولم يكن من عادتهم أن يذهب المفتي
إلى الديوان إلا لحادثة عظيمة، فلما دخل على أهل الديوان تحيروا في الأمر، وقالوا:
لأي شيء دعا المولى إلى المجيء. فقال: أريد أن ألاقي السلطان، ولي معه كلام،
فعرضوا أمره على السلطان، فأمر بدخوله وحده، فدخل وسلم وجلس، وقال: وظيفة أرباب الفتوى
أن يحافظوا على آخرة السلطان، وقد سمعت بأنك أمرت بقتل مائة وخمسين رجلاً من أرباب
الديوان لا يجوز قتلهم شرعاً فغضب السلطان سليم، وكان صاحب حدة، وقال: لا تتعرض
لأمر السلطنة، وليس ذلك من وظيفتك. فقال: بل أتعرض لأمر آخرتك، وهو من وظيفتي، فإن
عفوت، فلك النجاة وإلا فعليك عقاب عظيم، فانكسرت سورة غضبه وعفا عن الكل، ثم تحدث
معه ساعة، ثم سأله في إعادة مناصبهم، فأعادها لهم.
وحكي أن السلطان سليم أرسل مرة إليه أمراً بأن يكون قاضي
العسكر، وقال له جمعت لك بين الطرفين لأني تحققت أنك تتكلم بالحق، فكتب المولى
المذكور في جوابه وصل إلي كتابك - سلمك الله تعالى. وأبقاك
- وأمرتني بالقضاء، وإنني أمتثل أمرك إلا أن لي مع الله تعالى عهداً أن لا تصدر
عني لفظة: حكمت، فأحبه السلطان محبة عظيمة لإعراضه عن المال والجاه والمنصب صيانة
لدينه، ثم زاد في وظيفته خمسين عثمانياً، وصارت مئتي عثماني، وكانت وفاته - رحمه
الله تعالى - في سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة. رحمه
الله تعالى.
540 - علي بن حسن السرميني: علي بن حسن، الشيخ علاء الدين
السرميني، ثم الحلبي على عادة الحلبيين في الألقاب. أخذ الفرائض والحساب على
الجمال الأسعردي، ومهر فيهما، واشتهر بهما.
وكان له في الدولة الجركسية مكتب على باب دار العدل بحلب
بطلب منه لكتابة الوثائق، ثم لما أبطلت الدولة العثمانية مكاتب الشهود أخذ في
كتابة المصاحف والانتفاع بثمنها، وتأديب الأطفال بمكتب داخل باب أنطاكية بحلب، وبه
قرأ على ابن الحنبلي القرآن العظيم سنة سبع - بتقديم السين - وعشرين وتسعمائة ثم
توفي في رمضان سنة تسع - بتقديم المثناة - وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
541 - علي بن خليل المرصفي: علي بن خليل، الشيخ، العالم،
الصالح، المربي، المسلك الرباني ولي الله تعالى العارف به سيدي نور الدين المرصفي،
ويقال: المرصفاوي
الشافعي الصوفي، تلميذ الشيخ محمد ابن أخت الشيخ محين المصري. اختصر
كتاب الرسالة لأبي القاسم القشيري، وكان يقريء فيه المريدين، وسماه " الورد
العذب " قال العلائي: وكان منجمعاً. ملازماً للذكر والعبادة والتواضع والخير،
وذكر الشعراوي أنه سمع منه أنه اجتمع بسيدي مدين، وهو ابن ثماني سنين، ولم يأخذ
عنه، ثم لما كبر اجتمع بابن أخته سيدي محمد، وأخذ عنه الطريق، واجتمع عليه الفقراء
بمصر، وصار هو المشار إليه فيها لانقراض جميع أقرانه، وكأنه من شأنه إذا تكلم في
دقائق الطريق، وحضر أحد من القضاة والفقهاء ينقل الكلام إلى مسائل الفقه إلى أن
يقوم ذلك القاضي أو الفقيه. ويقول:
ذكر الكلام بين غير أهله عورة، فإذا خرج عاد إلى الكلام الأول، وقيل له مرة: لم لم
تجعل لك درساً في الطريق بجامع الأزهر؟ فقال: ليس ذلك من أخلاق القوم إنما كان
الجنيد، ومن بعده يدرسون علم القوم في قعر بيوتهم خوفاً أن يسمع أحد من القوم
كلاماً لا يفهمه، فيقع فيهم، فيهلك وذلك لدقة مداركهم. قال الشعراوي - رحمه الله
تعالى - : ودخل سيدي أبو العباس الحريثي يوماً، فجلس عندي بعد المغرب إلى أن دخل
وقت العشاء، فقرأ خمس ختمات، وأنا أسمع، فذكرت ذلك لسيدي علي المرصفي فقال: يا
ولدي أنا قرأت ألف ختمة، وله كلام عال في الطريق. ذكر منه الشعراوي - رضي الله
تعالى عنه في طبقاته نبذة، وكانت وفاته كما حررته من تاريخ العلائي يوم الأحد حادي
عشر جمادى الأولى سنة ثلاثين وتسعمائة، وكانت سنه يومئذ....
542 - علي بن خير الدين الحلبي: علي بن خير الدين، الشيخ
الفقيه، شيخ الشيخونية بمصر الشيخ علاء الدين الحلبي الحنفي نزيل القاهرة. قال
العلائي: كان لين العريكة أخذ عن ابن أمير حاج الحلبي، وتوفي ليلة الثلاثاء رابع
عشري ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة.
543 - علي بن سلطان المصري: علي بن سلطان، الشيخ، الصالح،
الفاضل الناسك السالك نور الدين بن سلطان المصري الحنفي. كان
متجرداً منقطعاً، وله أخلاق حسنة دمثة توعك مدة، ومات يوم الثلاثاء حادي عشر
القعدة سنة ثلاثين وتسعمائة عن غير وارث.
544 - علي بن سلطان الحوراني: علي بن سلطان، الشيخ، الصالح،
الزاهد علاء الدين الحوراني الشافعي نزيل الصالحية بدمشق. كان من أصحاب الشيخ محمد
العمري - بالمهملة - والشيخ
أبي الصفا الميداني صاحب الزاوية المشهورة به بميدان الحصا، وكان قد قطن بالصالحية
مدة يتعبد بها، وكان لشيخ الإسلام السيد كمال الدين بن حمزة فيه اعتقاد زائد،
وأوصى بشيء عند موته، وكانت وفاة صاحب الترجمة فجأة في يوم الخميس مستهل ذي الحجة
سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة رحمه الله.
545 - علي بن عبد الله الخطيب الحنبلي: علي بن عبد الله بن أبي
عمرو، الشيخ علاء الدين الخطيب الحنبلي المؤذن بالجامع الأموي بدمشق الشهير بعليق
- بضم المهملة وتشديد اللام المفتوحة - ولد سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة، قال النعميمي:
وهو آخر من سمع صحيح مسلم كاملاً على الشيخ الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين في سنة
ست وثلاثين وثمانمائة، وكانت وفاته في سنة ست وتسعمائة رحمه الله.
546 - علي بن عبد الله العشاري: علي بن عبد الله القاضي علاء الدين
العشاري نسبة إلى عشار - بضم المهملة - بلدة قريبة من الدير الحلبي الشافعي،
المعروف بابن القطان. كان اشتغاله في العلم على الجلال النصيبي، وحرص على اقتناء
الكتب النفيسه، وكان في ابتداء أمره شاهداً بمكتب الزردكاشية، وولي قضاء إعزاز
وسرمين، وتوفي في العشر الآخر من رجب سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
547 - علي بن عبد الباسط بن الحمال: علي بن عبد الباسط المصري،
المعروف بابن الحمال أحد المباشرين بديوان القاهرة. مات راجعاً من إسلام بول في
الطريق سنة تسع - بتقديم المثناة - وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
548 - علي بن عبد الرحمن الهبراري: علي بن عبد الرحمن الهبراري
الجبرتي الرجل الصالح، الخير، الدين، المبارك، الشافعي نزيل دمشق. حضر دروس شيخ
الإسلام الوالد كثيراً، وقرأ عليه في المنهاج وفي غيره. توفي شهيداً بالطاعون يوم
الأحد سابع عشري جمادىالآخرة سنة ثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
549 - علي بن علي النووي: علي بن علي بن يوسف بن خليل، الشيخ
الإمام، العلامة المدرس المحرر الفهامة علاء الدين النووي ثم الدمشقي. ولد في حادي
عشر شوال سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة، واشتغل في العلم، وبرع فيه وأفتى، وكان
يتكسب بالشهادة في مركز باب الشامية البرانية خارج دمشق، وتوفي في ليلة الخميس عاشر
صفر الخير سنة إحدى وتسعمائة، ودفن بمقبرة النخلة غربي سوق صاروجا غربي المدرسة
الشامية المذكورة رحمه الله تعالى.
550 - علي بن مقرر: علي بن مقرر - بالقاف الساكنة وكسر الراء
الأولى - الشيخ الصالح أحد أصحاب سيدي علي بن ميمون. توفي في سنة اثنتين وثلاثين
وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة عشري رييع الثاني منها رحمه الله
تعالى.
551 - علي بن ميمون المغربي: علي بن ميمون بن أبي بكر بن علي بن
ميمون بن أبي بكر بن يوسف بن إسماعيل بن أبي بكر بن عطا الله بن حيون بن سليمان بن
يحيى بن نصر، الشيخ المرشد المربي القدوة الحجة ولي الله تعالى العارف به السيد الشريف
الحسيب النسيب أبو الحسن بن ميمون الهاشمي القرشي المغربي الغماري الفاسي أصله.
كما قال ابن طولون من جبل غارا - بالغين المعجمة - من معاملة فاس، وقال الشيخ موسى
الكناوي: أصله من غمارة، وسكن مدينة فاس، واشتغل بالعلم، ودرس، ثم تولى القضاء، ثم
ترك ذلك ولازم الغزو على السواحل، وكان رأس العسكر، ثم ترك ذلك أيضاً، وصحب مشايخ
الصوفية، ومنهم الشيخ عرفة القيرواني، فأرسل الشيخ عرفة إلى أبي العباس أحمد
التوزي الدباسي، ويقال: التباسي
- بالتاء - ومن عنده توجه إلى المشرق. قال الشيخ موسى: فدخل بيروت في أول القرن
العاشر، وكان اجتماع سيدي محمد بن عراق به أولاً هناك، ولما دخل بيروت مكث ثلاث
أيام لم يأكل شيئاً، فاتفق أن ابن عراق كان هناك، وأتى بطعام، فقال لبعض جماعته:
ادع لي ذلك الفقير فقام السيد علي بن ميمون، وأكل، وقال ابن عراق لأصحابه: قوموا
بنا نزور الإمام الأوزاعي فصحبهم ابن ميمون لزيارته، ففي أثناء الطريق لعب ابن
عراق على جواده كعادة الفرسان، فعاب عليه السيد علي بن ميمون. فقال له: أتحسن لعب
الخيل أكثر مني؟ قال: نعم،
فنزل ابن عراق عن فرسه، فتقدم إليه سيدي علي، فحل الحزام وشده كما يعرف، وركب ولعب
على الجواد، فعرفوا مقداره في ذلك، ثم انفتح الأمر بينهما إلى أن أشهر الله تعالى
الشيخ علي بن ميمون، وصار من أمره ما صار. قال الشيخ موسى: كذا أخبرني علي
الغرياني المغربي شيخه علي الكيزواني، عن سيدي محمد بن عراق، وقال في الشقائق: إنه
دخل القاهرة، وحج منها، ثم دخل البلاد الشامية، وربي كثيراًمن الناس، ثم توطن
بمدينة بروسا، ثم رجع البلاد الشامية، وتوفي بها.
قال: وكان لا يخالف السنة حتى نقل عنه أنه قال: لو أتاني
السلطان أبو يزيد بن عثمان لا أعامله إلا بالسنة، وكان لا يقوم للزائرين، ولا
يقومون، وإذا جاءه أحد من أهل العلم يفرش له جلدة شاة تعظيماً له، وكان قوالاً
بالحق لا يخاف في الله تعالى لومة لائم، وكان له غضب شديد إذا رأى في المريدين
منكراً يضربهم بالعصا. قال: وكان لا يقبل وظيفة ولا هدايا الأمراء والسلاطين، وكان
مع ذلك يطعم كل يوم عشرين نفساً من المريدين، وله أحوال كثيرة، ومناقب عظيمة.
انتهى.
وكان من طريقته ما حكاه عنه سيدي محمد بن عراق في كتاب
السفينة أنه لا يرى لبس الخرقة ولا ألباسها وذكر الشيخ علوان رضي الله تعالى عنه
أنه كان لا يرى الخلوة، ولا يقول بها، وكان إذا بلغه أن أحداً سبه، أو ذمه، أو
نسبه إلى جهل، أو فسق، أو بدعة يتأول ما يتأول عنه، وكان يقال عنه: كناز وكيماوي
ومطالبي فيقول: نعم
أنا كناز، وعندي كنز عظيم، ولكن لا يطلبونه ولا يسألوني عنه، وأنا كيماوي ولكن لا
يطلبون ما عندي من الكيمياء، وأنا مطالبي وعندي مطلب نفيس مزهود فيه، ويشير إلى
كنز العلم، ومطلب المعرفة، وكيمياء الحقيقة، وكان كثيراً ما يقول: جواب الزفوت
السكوت، ومن وصاياه: إجعل تسعة أعشارك صمتاً، وعشرك كلاماً، وكان يقول: الشيطان له
وحي وفيض، فلا تغتروا بما يجري في نفوسكم وعلى ألسنتكم من الكلام في التوحيد
والحقائق حتى تشهدوه من قلوبكم، وكان إذا أتاه متظلم من الحكام يقول له: أصلح حالك
مع الله، فمن أصلح ما بينه وبين الله أصلح الله ما بينه، وبين خلقه، وكان ينهى
أصحابه عن الدخول بين العوام، وبين الحكام، ويقول: ما رأيت لهم مثلاً إلا الفأر
والحيات فإن كلاً منهما مفسد فى الأرض، فالحيات مسلطة على الفار، والفار مسلطة على
الناس، وكذلك العوام سلط بعضهم على بحض، فسلط الله تعالى الحكام عليهم، وكما أنه
لا بد أن يسقط على الحية قاتلاً يقتلها أو يأتيها أجلها سلط على الظالم ظالماً آخر،
وكان شديد الإنكار على علماء عصره، وكان يسمي القضاة القصاة والمشايخ المسايخ،
والفقيه الفقيع من فقع اللبن إذ فسد، وكان من كلامه لا ينفع الدار إلا ما فيها،
وكان يقول أيضاً: لا تشتغل بعد أموال التجار وأنت مفلس، وكان يقول: أسلك ما سلكوا
تدرك ما أدركوا، وكان يقول: لا تخلطوا الحقائق ويستدل بقوله تعالى: " ولا
تلبسوا الحق بالباطل " " سورة البقرة: الآية 42 " وكان يقول: عجبت
لمن يقع عليه نظر المفلح. كيف لا يفلح قلت: وهو منقول عن سيدي أحمد بن الرفاعي - رضي
الله تعالى عنه - وكان يقول: يبصر
أحدكم القذاة في عين أخيه، ولا يبصر الجذع في عينه. قلت: هو حديث رواه الإمام أحمد
من طريق أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - ولفظه يبصر أحدكم القذى في عين أخيه،
وينسى الجذع في عينه، وكان يقول: كنزك تحت جمارك، وأنت تطلبه من عند جارك، وله
كلام غير هذا، وله من المؤلفات شرح الجرومية على طريقة الصوفية، وكتاب " غربة
الإسلام، في مصر والشام " ، وما والاهما من بلاد الروم والأعجام، ورسائل عدة
منها " بيان فضل خيار الناس، والكشف عن مكر الوسواس " ، " ورسالة
الإخوان، من أهل الفقه وحملة القرآن " ، و " كشف الإفادة، في حق السيادة
" ، و " مواهب الرحمن، وكشف عورات الشيطان " ، و " تذكرة
السالكين " ، و " تذكرة المريد المنيب، بأخلاق أصحاب الحبيب " ،
كنا في ترجمته لابن طولون ورسالة لطيفة سماها " تنزيه الصديق، عن وصف الزنديق " ، ترجم فيها
الشيخ محيي الدين بن العربي، وذكر في أولها أن سبب تأليفها أنه دخل دمشق في سنة
أربع وتسعين وثمانمائة، فسمع عن بعض أهلها استنقاص الشيخ محيي الدين بعد أن زار
الشيخ عبد القادر ابن حبيب الصفدي بها في شعبان من هذه السنة، وهو الذي عرفه بابن
العربي، وبمقامه في الصالحية. قال: وكنت
أسمع به في المغرب، ولا أدري من حاله سوى أنه من أهل العلم والخير، فقصدت زيارته،
فانتهيت إلى حمام يقال له: حمام الجورة، فسألت من الحمامي أن يفتح لي باب مقامه،
فصعد من بعض الجدران، وفتح في باب مقامه، فوجدته ليس فيه أثر العواد، وفيه عشب
يابس يدل على أن أحداً لا يأتيه إلى أن قال: ثم قعدت عند قدميه الكريمتين كما
ينبغي. بل أقول قعدت على سوء الأدب إذ هو أن أقف خارج المقام بالكلية في مقام
السائل المقتر لكن أخطأت. وأسأل الله تعالى بلطفه أن يتوب علي من ذلك. قال: ثم
رأيت في مشهد قبره عند رأسه حجراً مكتوباً فيه قوله تعالى: " ادع إلى سبيل
ربك " " سورة النحل: الآية 125 " الآية،
فعند ذلك قوي نور اعتقادي في الشيخ، وتزايد نوراً على نور حتى ملأ ظاهري وباطني،
وكنت قصدت بلاد ابن عثمان رجاء الجواز من هناك إلى المغرب، فدخلت برصة غرة المحرم
سنة خمس وتسعين، فلما كان تسع وتسعمائة خطر بنا إلى تقييد بعض كلمات في إظهار شيء
من محمود صفاته، ثم ذكر - رحمه الله تعالى - ترجمة
الشيخ ابن العربي - رضي الله تعالى
عنه - ودل هذا الكلام منه على أنه كان له اعتقاد زائد في
ابن العربي، وهو ما عليه أعيان المتآخرين، ومن العلماء المحققين، والصوفية المتعمقين،
رضي الله تعالى عنهم أجمعين - ، ودل هذا الكلام منه أيضاً أنه - رضي الله تعالى عنه - دخل دمشق
قبل القرن العاشر وذكر سيدي محمد بن عراق رضي الله تعالى عنه - في كتاب السفينة أن
سيدي علي بن ميمون دخل دمشق سنة أربع وتسعمائة. - ودل هذا الكلام منه على أنه كان
له اعتقاد زائد في ابن العربي، وهو ما عليه أعيان المتآخرين، ومن العلماء
المحققين، والصوفية المتعمقين، رضي الله تعالى عنهم أجمعين - ، ودل هذا الكلام منه
أيضاً أنه - رضي الله تعالى عنه - دخل دمشق قبل القرن العاشر وذكر سيدي محمد بن
عراق رضي الله تعالى عنه - في كتاب السفينة أن سيدي علي بن ميمون دخل دمشق سنة
أربع وتسعمائة.
وذكر ابن طولون في تاريخه مفاكهة الإخوان أن سيدي علي بن
ميمون أول ما دخل دمشق دخل في أواخر سنة اثنتي عشرة وتسعمائة، فهرع الناس إليه
للتبرك به، ونزل بحارة السكة بالصالحية، وصار يعمل بها ميعاداً، ويرشد الناس، وممن
صعد إليه للأخذ عنه الشيخ عبد النبي شيخ المالكية، والشيخ شمس الدين بن رمضان شيخ
الحنفية، وسلكا على يديه، وخلق من الفضلاء انتهى.
ولا تنافي بين هذا وبين ما تقدم لأن ما ذكره ابن طولون هو
مبلغ علمه إذا لم يعلم بقدمة ابن ميمون الأولى، والثانية حين ذكر هذا الكلام،
وأيضا فإن سيدي علي بن ميمون لم يشتهر في بلاد العرب بالعلم والمشيخة والإرشاد إلا
بعد رجوعه من الروم إلى حماة سنة إحدى عشرة، ومكث بها مدة طويلة، ثم قدم منها إلى
دمشق في سابع عشري رجب سنة ثلاث عشرة وتسعمائة كما ذكره سيدي محمد بن عراق في
سفينته، وتقدم في ترجمة ابن عراق من هذا الكتاب. قال ابن عراق: وأقام - يعني شيخه
ابن ميمون - في قدمته هذه ثلاث سنوات، وخمسة أشهر، وأربعة عشر يوماً يربي ويرشد
ويسلك ويدعو إلى الله تعالى على بصيرة. قال: واجتمع عليه الجم الغفير. قال: وكنت حينئذ
متجرداً معي جماعة ممن أصلحهم عشرة سيدي الشيخ عبد النبي مفتي المالكية وسيدي محمد
بن رمضان مفتي الحنفية، وسيدي أحمد بن سلطان كذلك، وسيدي عبد الرحمن الحموري مفتي
الشافعية، وسيدي إسماعيل الدنابي خطيب جامع الحنابلة، وأبو عبد الرحمن قيم الجامع،
وسيدي عيسى القباقبي المصري، وسيدي أحمد ابن الشيخ حسن، وجاره حسن الصواف، وسيدي
الشيخ داود العجمي. انتهى.
قلت: وكان
ممن اصطحب به شيخ الإسلام الجد - رضي الله تعالى عنه - وكان يحضر سيدي علي بن
ميمون دروسه ومجالسه، فكان الجد - رضي الله تعالى عنه - يقول لابن ميمون حين يحضر
عنده: يا سيدي علي أمسك لي قلبي. أمسك لي قلبي، وممن اجتمع به شيخ الإسلام الوالد،
وكان يومئذ في سن الثماني أو التسع لكنني لم أتحقق عنه أنه أخذ عنه شيئاً، أو لم
يأخذ عنه، وكان شيخنا الشيخ حسن الصلتي المقري يذكر أنه رأى سيدي علي بن ميمون،
وحضر مجالسه، فعلى هذا يكون بحمد الله تعالى قد صحبنا في طريق الله تعالى من صحبه،
ومن كراماته أنه حصلت بين رجلين من الفقراء المتجردين عنده منافرة، فخرج أحدهما
على وجهه، فسمع الشيخ بذلك، فقال: لمن كان السبب في ذلك: إما أن تأتي به، وإما أن
تذهب عني، فلم يلبث يسيراً إلا والذي خرج على وجهه قد دخل على الشيخ، وهو يبكي، وذكر
أن الشيخ تشكل له في صورة أسد، وكان كلما توجه إلى طريق منعه من سلوكها، ومن
كراماته أن المطر حبس بدمشق في سنة ثلاث عشرة وتسعمائة، فكتب سيدي علي بخطه درجاً
إلى نائب دمشق سيبائي، فحضر النائب بالدرج إلى الجامع الأموي في يوم الجمعة رابع
رمضان، فقرأه على مفتي دار العمل السيد كمال الدين بن حمزة، وقضاة القضاة الثلاثة
الشافعي ابن الفرفور، والمالكي خير الدين، والحنبلي نجم الدين بن مفلح، فإذا فيه
آيات من القرآن العظيم، وأحاديث من السنة في التحذير للترك ونحوهم من الظلم، ثم
انتقل إلى الفقهاء والقضاة فحذرهم من أكل مال الأوقاف، ثم حث على الاستغفار، وذكر
ما يتعلق بذلك، ومن نقل ذلك من السلف بحيث أن سيبائي ذرف دمعه فهم في أثناء قراءة الدرج
وقع المطر، وجاء الله تعالى بالغيث كذلك ذكر هذه الواقعة ابن طولون، وأنا لا أشك
في أنها كرامة ظاهرة، وانتقد ابن طولون على الدرج المذكور أن صاحب الترجمة تعرض
فيه لذكر الشيخ تقي الدين ابن قاضي عجلون وبذكر غيره، ولامهم فيه على ترك الأمر
بالمعروف، والنهي عن المنكر، وأنا أقول: لا انتقاد عليه في ذلك أصلاً، فإنه أراد
النصيحة، وأظن أن الفتنة التي وقعت بين التقوي ابن قاضي عجلون، وابن أخته السيد
كمال الدين، وبقية أعيان دمشق بسبب دم التربة كما تقدم شرحها في ترجمة السيد
وغيرها أيضاً. إنما كانت بسبب توجه سيدي علي بن ميمون بقلبه عليهم، وتكدر خاطره،
ويؤيد ذلك أن هدم التربة المذكورة كان في ثاني رمضان المذكور، ثم استفتي الشيخ تقي
الدين في هذه الأيام في هذه الواقعة، وأفتى بعدم الهدم، ثم هاجت الفتنة بعد ذلك، وانتشر
شرها، وتطاير شررها حتى طلب الشيخ تقي الدين وابن أخته وآخرون إلى السلطان الغوري
بمصر، وصودروا بأموال كثيرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم رأيت ابن طولون ترجم
سيدي علي بن ميمون في التمتع بالأقران، وذكر من مصنفاته " بيان فضل خيار
الناس، والكشف عن مكر الوسواس " ، و " الرسالة الميمونية، في توحيد
الجرومية " ، و " بيان غربة الإسلام، ورسالة الإخوان، من أهل الفقه
وحملة القران " ، و " كشف الإفادة، في حسن السيادة " ، و " مواهب
الرحمن، في كشف عورات الشيطان " ، وغير ذلك، وقال: قدم دمشق فتلقاه الشيخ عبد
النبي، وأنزله بحارة السكة بالصالحية، وهرع للسلام عليه طلبة العلم والفضلاء
والعلماء والقضاة والأمراء، وصار يسأل كلاً عن اسمه، وينهاه عن ذكره اللقب إن
ذكره، ثم عن حرفته ويوصيه بتقوى الله تعالى، ثم يوجه نفسه إلى القبلة، ويرفع يديه
إلى وجهه ويقرأ له الفاتحة، ويدعو له ويصرفه، وإن رأى في ملبسه شيئاً منكراً ذكره.
قال: ثم عقد للتسليك مجلساً في منزله، فتلمذ له خلق من المذاهب الأربعة كالشيخ عبد
النبي من المالكية، والشمس ابن رمضان من الحنفية، والشهاب بن مفلح من الحنابلة،
والزين الحموري من الشافعية، وآخر من تسلك على يديه منهم القاضي أبو عبد الله محمد
بن عراق، وشاع ذكره وبعد صيته، وصار كلامه مسموعاً عند الأمراء خصوصاً نائب الشام سيبائي،
ولهم فيه اعتقاد زائد، ثم قال ابن طولون: اجتمعت به وسلمت عليه، ثم ترددت إلى
مجلسه، فما رأت عيني أعظم شأناً منه لكنه كان يستنقص الناس، وقال أحياناً: ما رأيت
في هذه المملكة أعلم من ابن حبيب الصفدي. قال: وكان ابن حبيب مشهوراً بمحبة ابن
العربي، ويتبجح بها انتهى.
قلت: وما ذكره عن أنه كان يستنقص الناس هذا إنما كان من
سيدي علي بن ميمون على سبيل التنهيض لمن يستنقصه، وينكر عليه لا على سبيل احتقار
الناس واستصغارهم، وتأييد نفسه عليهم، ومن كرامات ابن ميمون - رضي الله تعالى عنه
- أيضاً ما ذكره الشيخ علوان في شرح تائية ابن حبيب أن رجلاً من أعيان دمشق
وفضلائها في العلم والتدريس. قال: فبلغني أنه تفرس فيه أنه لا يكون منه نتيجة،
وكان ذلك بعد أن تجرد ذلك الرجل وارتكب أنواعاً من الرياضة والمجاهدات، وحكى سيدي
محمد ابن سيدي علوان في تحفته. قال: أخبرني شفاهاً جمع ممن سكن قرية مجدل معوش
التي هي قرية الشيخ، وقبره فيها أنه كان في جوارهم، وفي قريتهم كروم قد يبست
أغصانها، وفسدت عروقها، وتعطلت بالكلية، فمذ حل الشيخ المذكور بتلك الأراضي عادت
الأراضي المجدبة مخصبة، وعادت أشجار العنب المذكورة أيضاً إلى أحسن ما يكون،
وأينعت ثمارها. قال: وهي مستمرة من ذلك الآن إلى هذا الزمان، ولم يعرف ذلك إلا من
بركته، وذكر أيضاً أن بعض أهل العلم حكى له، وقد توجه لزيارة قبر سيدي علي بن
ميمون - رضي الله تعالى عنه - في سنة سبع وثلاثين وتسعمئة فقال: إن من غريب كرامات
من أنتم متوجهون لزيارته، ما شاهدته بعيني ذلك أن رجلاً من الأجناد أرسل كلباً
قال: أو صقراً على غزال، فركضت الغزال حتى جاءت إلى الأرض التي هو مدفون فيها،
فدخلتها واجتمعت في ظل الشيخ، فقيل للجندي: دعها فإنها قد فعلت فعل العائذ بقبر
الشيخ، فلم يلتفت إلى مقالتهم، وجاء إليها وهي قائمة، فلم تبرح مكانها، حتى أمسكها
الجندي بيده وذبحها وأكل من لحمها، فلما فرغ من أكله أخذه وجع في بطنه، واستمر حتى
مات من ليلته، فلما غسل كان لحمه على المغتسل متقطعاً قطعاً حتى كأنه أكل شيئاً
مسموماً قال: فعلمت أنا وغيري أن ذلك كله من بركة الشيخ انتهى.
وكان سبب انتقال سيدي علي بن ميمون من دمشق إلى مجدل
معوش، وهي قرية من معاملة بيروت أنه دخل عليه، وهو بصالحية دمشق قبض، واستمر
ملازماً له حتى ترك مجلس التأديب، وأخذ يستفسر عن الأماكن التي في بطون الأودية، ورؤوس
الجبال حتى ذكر له سيدي محمد بن عراق مجدل المعوش، فهاجر إليها في ثاني عشر المحرم
سنة سبع عشرة وتسعمائة. قال سيدي محمد بن عراق: ولم يصحب غيري، والولد علي، وكان
سنه عشر سنين، وشخصاً آخر عملاً بالسنة، وأقمت معه خمسة أشهر، وتسعة عشر يوماً،
وتوفي ليلة الاثنين حادي عشر جمادى الآخرة، ودفن بها في أرض موات بشاهق جبل حسبما
أوصى به. قال: ودفن بعده خارج حضرته المشرفة رجلان وصبيان وامرأتان، وأيضاً
امرأتان وبنتان الرجلان محمد المكناسي، وعمر الأندلسي والصبيان عبد الله، وكان
عمره ثلاث سنين، وموسى بن عبد الله التركماني، والامرأتان أم إبراهيم وبنتها عائشة
زوجة الذعري، والامرأتان الأخريان مريم القدسية، وفاطمة الحموية، وسألته عند وفاته
عن أمور منها: أين أجعل دار هجرتي؟ فقال: مكان يسلم فيه دينك ودنياك، ثم تلا قوله
تعالى: " إن الذين توفاهم الملائكة " " سورة النساء: الآية 97
" وقال ابن طولون في حوادث سنة سبع عشرة وتسعمائة من تاريخه: ويوم الجمعة
تاسع عشرته - يعني جمادى الآخرة - بعد صلاتها بالجامع الأموي نودي بالسدة بالصلاة
غائبة على الشيخ العالم السيد علاء الدين علي بن ميمون المغربي. قال: وقد
صح أنه توفي ليلة الخميس حادي عشرة بتل القرب من مجدل معوش، وبه دفن انتهى. ولم
يختلف قول سيدي محمد بن عراق في السفينة، وقول ابن طولون، والشيخ موسى الكناوي أن
سيدي علي بن ميمون توفي في ليلة الحادي عشر من جمادى الآخرة غير أن في كلام ابن
طولون أنه كان يوم الخميس، وتقدم أنه كان يوم الاثنين، وقول ابن طولون أصح لأنه
أرخ هو والحمصي وغيرهما مستهل جمادى المذكورة أنه كان يوم الاثنين، فيكون حادي
عشرة يوم الخميس بلا شك رحمه الله تعالى.
552 - علي بن ناصر المكي: علي بن ناصر، الشيخ، الإمام، العالم،
العلامة علاء الدين ابن ناصر المكي. أخذ صحيح البخاري عن المسند زين الدين عبد
الرحيم المكي الأسيوطي، وعن غيره عن الحجار، وتفقه بالشرف المناوي عن الولوي ابن
العراقي عن أبيه عن أبي النعمان عن النووي، ومن مؤلفاته " مختصر المنهاج
وشرحه " وله تأليف في الحديث والتفسير والأصول أجاز البرهان العمادي الحلبي
في ذي القعدة سنة خمس عشرة وتسعمائة.
553 - علي بن يوسف الفناري: علي بن يوسف بن أحمد ، العالم،
العلامة، المولى علاء الدين سبط المولى شمس الدين الفناري الرومي الحنفي. رحل في
شبابه إلى بلاد العجم، فدخل هراة، وقرأ على علمائها، ثم إلى سمرقند وبخارى، وقرأ
على علمائها أيضاً، وبرع في كل علم حتى جعلوه مدرساً، ثم غلب عليه حب الوطن، فعاد
إلى بلاد الروم في أوائل سلطنة محمد خان بن عثمان، وكان المولى الكوراني يقول له:
لا تتم سلطتك إلا أن يكون عندك واحد من أولاد الفناري، فلما دخل بلاد الروم أعطاه
السلطان محمد مدرسة مناستر بمدينة بروسا بخمسين درهماً، ثم مدرسة والده مراد خان
بالغازي بها بستين درهماً، ثم ولاه قضاء بروسا، ثم قضاء العسكر، ومكث فيه عشر
سنين، وارتفع قدر العلماء في زمان ولايته إلى أوج الشرف، وكان أيامه تواريخ، ثم
عزله ورتب له ولأولاده مرتبات سنية، ثم لما تولى ولده أبو يزيد خان السلطنة من
بعده جعل المولى علاء الدين قاضياً بالعسكر في ولاية روم إيلي، ومكث فيه ثماني
سنوات، ثم عزله ورتب له ما يكفيه، وكان شديد الاهتمام بالعلم، وكان لا ينام على
فراش وإذا غلبه النوم استند إلى الجدار والكتب بين يديه، فإذا استيقظ ينظر في
الكتب، ولم يعتن بالتصنيف كثراً، ولكنه شرح الكافية في النحو، وشرح قسم التجنيس كذا
من الحساب، وكان ماهراً في سائر العلوم، ثم خدم الشيخ العارف بالله تعالى حاج
خليفة، ودخل الخلوة عنده، وحصل له من علوم الصوفية فوق لكنه كان مغري بصحبة
السلاطين بحيث كان يغلب عليه الصمت إلا إذا ذكر له صحبته مع السلاطين، فعند ذلك
يورد الحكايات اللطيفة والنوادر، ومن لطائفة أنه كان يوماً وجماعة ينتظرون الإفطار
في رمضان، وكان يوماً شديد الحر فاستبطأوا المغرب. فقال: الشمس أيضاً لا تقدر على
الحركة من شدة الحر، وحكى عنه تلميذه المولى الخيالي أنه قال يوماً: ما بقي من
حوائجي إلا ثلاث الأولى أن أكون أول من يموت في داري، والثانية أن لا يمتد بي مرض،
والثالثة أن يختم لي بالإيمان. قال الخيالي: فكان أول من مات في الدار، وتوضأ
يوماً للطهر، ثم مرض وحم ومات مع أذان العصر. قال: فاستجيبت دعواته في الأوليين،
وظني أنه أجيبت في الثالثة، وتوفي في سنة ثلاث وتسعمائة تقريباً رحمه الله تعالى.
554 - علي بن يوسف البصروي: علي بن يوسف بن أحمد الشيخ الإمام العلامة
علي الدين الدمشقي العاتكي الشافعي، الشهير بالبصروي. قالى النعيمي: ولد كما
أخبرني به سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، ثم رأيت بخطه أنه ولد في سنة ثلاث
وأربعين. انتهى.
واشتغل في العلم، وبرع في الفقه وغيره، ولازم شيخ الإسلام
رضي الدين الغزي جد والدي، وولده العلامة القاضي شهاب الدين وهو عم والدي، ثم
اصطحب مع جدي الشيخ رضي الدين على المشايخ، وكتب أشياء من مؤلفات بيننا ومن غيرها
- رحمه الله تعالى - وكانت وفاته في منتصف نهار الأربعاء سادس عشر رمضان سنة خمس
وتسعمائة، وهو والد الخطيب جلال الدين البصروي الآتي في الطبقة الثانية إن شاء
الله تعالى.
555 - علي بن يوسف النواوي: علي بن يوسف بن خليل، الشيخ العالم
الصالح المدرس علاء الدين النواوي، ثم الدمشقي الشافعي قال النعميمي: ميلاده كما
أخبر به في حادي عشر شوال سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة، وكان يتكسب بالشهادة، وكان
مصاباً بإحدى عينيه. توفي ليلة الخميس عاشر صفر سنة إحدى وتسعمائة، ودفن بالمقبرة
غربي جامع برسباي بمحلة سوق ساروجا بوصية منه رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
556 - علي ابن يونس الخطيب: علي بن يونس، السيد الشريف الخطيب
علاء الدين بن شيخ الشيوخ بحلب شرف الدين الحسيني، الشافعي، كان كأبيه خطيباً
بجامع المهمندار بحلب قال ابن الحنبلي: ذهب إلى زبيد من بلاد اليمن، لما بلغه وصول
أخيه الرشيد الشريف زين العابدين إليها، فمات بها قبل أن يراه سنة تسع - بتقديم
المثناة - وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
557 - علي الدقاق: علي، الشيخ الصالح المعتقد علاء الدين الدقاق
الدمشقي. كان كثير العبادة والخير. وكان للناس فيه مزيد اعتقاد، وله شهرة في ذلك.
توفي يوم الخميس سابع شوال سنة اثنتين وتسعمائة وقد قارب المائة رحمه الله تعالى.
558 - علي الصابون: علي الرئيس نور الدين الصابوني ناظر الجيوش
الشريفة بمصر. توفي أوائل رمضان سنة ست وتسعمائة رحمه الله تعالى.
559 - علي الحنفي: علي الشيخ علاء الدين الدمشقي الحنفي. نزيل
جامع المهمندار بحلب، كان ديناً خيراً تردد إلى الشيخ شمس الدين بن الشماع الأيوي،
وصحب الشيخ شهاب الدين المرعشي، ومن مناقبه أنه أطلع على ليلة القدر، وكان له شعر
ولطافة وذوق فمن شعره:
إذا لم تكن لي ملجأ عند فاقتي ... ولا لي في إفناء فضلك
مرتع
فلا أنت تحييني إذا كنت ميتاً ... ولا أنت لي يوم القيامة
تشفع
وقال مضمناً:
إذا أسمعتني يوماً مقالاً ... ذميماً إذ تبالغ في ذما
صبرت على الأذى منك احتساباً ... ولي أذن عن الفحشاء صما
وحكي أنه خرج في صحبة الشيخ شهاب الدين المرعشي إلى جانب
نهر حلب، فأنشد الشيخ شهاب الدين المرعشي:
جلسناعلى روض من الخز لين ... وللصحب من نسج السحاب سدير
وللقوم قول مطرب لبقاعه ... وللماء من فوق الصخور خرير
وأنشد صاحب الترجمة على أثره:
جلسنا على مرج نضير مزخرف ... بأنوار أزهار، وماء مطرد
وقد نظم الأنواء ليلاً بجيدها ... عقود لآل من سقيط الندى
يدي
وكانت وفاته في حدود التسعمائة رحمه الله تعالى، 560 -
علي البكائي: علي العالم الفاضل المولى علاء الدين البكائي، الرومي، الحنفي. قرأ
على علماء عصره، وصار مدرساً ببعض مدارس الروم، ثم درس في سلطانية بروسا، ثم بإحدى
الثماني، ثم عين له كل يوم ثمانون درهماً، ونصب مفتياً في بروسا وكان سليم الطبع، شديد
الذكاء، وانتفع به كثيرون، ولم يصنف شيئاً، وتوفي في سنة تسع - بتقديم المثناة -
وتسعمائة وقيل في تاريخه: وحيد مات مرحوم سعيداً.
561 - علي النبتيتي: علي النبتيتي، الشافعي، الشيخ الإمام
العالم العلامة ولي الله تعالى العارف به، البصير بقلبه، المقيم ببلدته نبتيت من
أعمال مصر. كان
رفيقاً للقاضي زكريا في الطلب والاشتغال، وبينهما إخوة أكيدة، وكان قد أخذ العلم
عن جماعة، منهم الشيخ كمال الدين ابن إمام الكاملية، والمشهور بالعلم والولاية،
وكان النبتيتي من جبال العلم، متضلعاً من العلوم الظاهرة والباطنة، وله مكاشفات
لطيفة، وأخلاق شريفة، وأحوال منيفة، وكان يغلب عليه الخوف والخشية حتى كأن النار
لم تخلق إلا له وحده، وكان الناس يقصدونه إلى موضع إقامته بناحية نبتيت للعلم،
والإفتاء، والإفادة، والتبرك، والزيارة من سائر الآفاق، وكان ترفع إليه المسائل
المشكلة من مصر والشام والحجاز، فيجيب عنها نثراً ونظماً، وكانت نصوص الشافعي
وأصحابه نصب عينيه، وكان مخصوصاً في عسكره بكثرة اجتماعه بالخضر عليه السلام، وقد
تقدم في ترجمة القاضي زكريا سؤاله عنه، وعن غيره من العلماء، وقول الخضر عليه
السلام عن الشيخ زكريا: له نفيسة. قال الشعراوي: وسألته عن شروط الاجتماع بالخضر
عليه السلام، فقال لي: هي ثلاثة شروط: الأول: أن يكون على سنة في جميع أحواله، الثاني:
أن لا يكون حريصاً على الدنيا، ولا يبيت على دينار ولا درهم إلا للدين الثالث: أن
يكون سليم الصدر لأهل الإسلام ليس في قلبه غل ولا حقد ولا حسد لأحد منهم، ثم قال:
فمن لم تجتمع فيه هذه الشروط لا يجتمع به الخضر، ولو كان على عبادة الثقلين، وكان
إذا نزل ببلده أو أقليمه بلاء يقول: هذا سبب ذنب علي، وكان إذا نزل بالمسلمين بلاء
لا يأكل ولا ينام ولا يضحك، ويقول: هذا من شرط المؤمن، وكان وقته كله معموراً
بالعلم والعبادة ليلاً ونهاراً، وكان يقول: لا يكمل الرجل في العقل إلا إن كان
كاتب الشمال لا يجد شيئاً من أعماله يكتبه، وله مناقب كثيرة، ومن شعره رضي الله
تعالى عنه.
ومالي لا أنوح على خطائي ... وقد بارزت جبار السماء
قرأت كتابه وعصيت سراً ... لعظم بليتي ولشؤم رائي
بلائي لا يقاس به بلاء ... وأعمالي تدل على شقائي
فيا ذلي إذا ما قال ربي: ... إلى النيران سوقوا ذا
المرائي
فهذا كان يعصيني جهاراً ... ويزعم أنه من أوليائي
تصنع للعباد، ولم يردني ... وكان يريد بالمعنى سوائي
في أبيان آخر، وكانت وفاته يوم عرفة سنة سبع عشرة وتسعمائة،
ودفن ببلده وقبره بها ظاهر يزار رحمه الله تعالى.
562 - علي بن الخباز: علي الشيخ الصالح نور الدين بن الخباز
البغدادي العاتكي. كان
يأكل من كسب يمينه، ويتسبب بنسج القطن بالقرب من مقابر الحمرية، وكان يجتمع عليه
في كل جمعة جماعة، فيذكرون الله تعالى بالقرب من ضريح سيدي يحيى بالجامع الأموي
برفع الصوت. توفي يوم الأربعاء حادي عشر رمضان سنة إحدى عشرة وتسعمائة. رحمه الله
تعالى.
563 - علي الرملي: علي، الشيخ الفاضل القاضي علاء الدين الرملي
الشافعي خليفة الحكم العزيز بدمشق. توفي مقتولاً بين المغرب والعشاء ليلة السبت جمادى
الآخرة سنة ثماني عشرة وتسعمائة بسوق الرصيف بالقرب من الجامع الأموي، وهو السوق
المعروف الآن بدرويش باشا بسوق عند باب البريد. خرج عليه جماعة فقتلوه، ولم يعلم
قاتله، واتهم بقتله القاضي شهاب الدين الرملي إمام الجامع الأموي لما كان بينهما
من المخاصمات الشديدة رحمه الله تعالى.
564 - علي بن المذاقف: علي، الشيخ نور الدين، المصري، الشافعي
نزيل حلب الشهير بابن المذاقف. كان يؤدب الأطفال بمسجد قاقان كذا بحلب، ويصرف جميع
ما يحصل من قبلهم في جميع الخير، قانعاً بالقميص وبالعباءة، كان حسن الصوت في
التلاوة، سليم الصدر، معتقداً في القلوب، وكان خير بك حين كان كافل حلب يعتقده
كثيراً له نوع اشتغال على البدر بن السيوفي، وكان يطنب في مدح الجرومية في النحو
توفي سنة عشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
565 - علي البليلي: علي البليلي، المغربي، الشيخ الزاهد الصالح
نزيل القاهرة، كان أصله من قبيلة من عرب المغرب. يقال لها: بائلة، وكان على قدم
عظيم في العبادة، وكان يقيم مرة بمصر مجاوراً بالأزهر، ومرة بمكة، ومرة بالقدس،
ودخل إلى مصر في أيام الغوري، وعلى بطنه سبعة دنانير على اسم الحج، وكان يسأل
الناس، وكل، فدخل يوماً إلى سوق الجملون، فوقف على أول دكان. فقال له صاحبها: يفتح
الله، فوقف على الثاني. فقال له كذلك، فوقف على الثالث فقال له: أصرف لك ديناراً من
السبعة التي على بطنك، ورزق الحج على الله تعالى، فأخذ الدنانير من بطنه، ورمى بها
في الشارع، ثم لم يربط على دينار بعدها، وكان له خلق حسن، وعلم وافر. توفي بعد
العشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
566 - علي الدميري: علي الدميري، الشيخ الصالح المجذوب. كان
مكشوف الرأس منلفاً في بزة بحيث كان من يراه يعتقده أنه أنه أعجمي، وكان لا يتكلم
إلا قليلاً جداً كلمات خفيات في كل ثلاث أيام، وكان لا يدخل بيت الحاجة إلا في كل
ثلائة أشهر مرة واحدة، وكانت وفاته سنة أربع وعشرين وتسعمائة، ودفن في المسجد المقابل
لباب ابن خاص بك بين القصرين بالقاهرة، وقبره ظاهر يزار رحمه الله تعالى.
567 - علي دولات: علي دولات. قتله السلطان سليم بن عثمان في
حدود إحدى وعشرين وتسعمائة.
568 - علي الكردي: علي الكردي، الشيخ الصالح، الورع. الزاهد،
العارف بالله تعالى الشافعي. المذهب، القاطن بدمشق. كان من مشاهير الأولياء بدمشق،
وعمه شيخ الإسلام الجد ممن اصطحب بهم من أولياء الله تعالى وكان من أهل السنة كثير
الإنكار على المبتدعة يحب الحديث وأهله، ويسأل من أمور دينه من العلماء الشافعية،
وسافر إلى مجدل معوش، وأخذ عن سيدي محمد بن عراق حين كان به بعد موت سيدي علي بن
ميمون، وكان يتستر بالتجاذب في بداءة أمره، وكان يركب قصبة، ويحمل أخرى، ويجعل في
رأسها ذنب ثعلب، وكان يتطور في لباسه، فتارة يلبس لباس الترك، وتارة زي مشايخ
العرب، وتارة لباس أولاد العرب، وتارة يحمل معه طيراً من خشب، وتارة من حديد،
وتارة يحمل رمحاً، وربما كان يركب فرساً، ويلبس درعاً وخوذة، ويطوف في نواحي
البلد، وكان للناس فيه اعتقاد زائد، وكان في آخر أمره يلازم صلاة الجمعة على الدكة
التي كانت موضوعة تجاه محراب الحنفية بالأموي، وهو المعروف الآن بمحراب الأولي، وإمامه
شافعي، وكان يضع جميع أمتعته فوق الدكة، فإن وجد أحداً فوق الدكة أزعجه، ومن مشهور
وقائعه أنه دخل على جان بردي الغزالي حين كان نائباً في دمشق، وعليه. أي على الشيخ
علي لباس الحرب، وبيده رمح، فعسر ذلك على الغزالي، وأمر أن يقبض عليه، فقبضوا عليه
ووضعوه في الحديد، واستودعوه بالبيمارستان، وضيقوا عليه، وتركوه وذهبوا، فما كان
إلا لحظة واحدة، وإذا به مفلت من غير أن يطلقه أحد.
وحدثني من أثق به، عن الشيخ علي بن عبد الرحيم الصالحي،
عن الشيخ الصالح البرهان إبراهيم التبيلي أنه قال: كان الشيخ علي الكردي ذات يوم
جالساً بالمقصورة من الجامع الأموي، فمر عليه إنسان، فسلم عليه فقال الشيخ علي:
وعليك السلام سليمان سليمان، ثم التفت الشيخ علي إلى من عنده. فقال: هذا السلطان
سليمان، فنظروا فلم يجدوا لذلك الإنسان علماً، ولا خبراً، ولا عيناً، ولا أثراً،
ثم توفي الشيخ علي، وكانت تولية السلطان سليمان السلطنة بعد موته بمدة قليلة،
وكانت وفاته بالكلاسة يوم الجمعة رابع القعدة سنة خمس وعشرين وتسعمائة، وصلوا عليه
بالجامع الأموي، ورجعت جنازته على الرؤوس: ودفن بالروضة بالسفح القاسيوني بوصية
منه - رحمه الله
تعالى رحمة - واسعة.
569 - علي الجارحي: علي الشيخ الفاضل، العلامة نور الدين
الجارحي المصري شيخ مدرسة الغوري، وكان مبجلاً عند الجراكسة، وكان من قدماء فقهاء
طباقهم يكتب الخط المنسوب، وظفر منهم بعز وافر. قاله العلائي. وقال الشعراوي: كان
قد انفرد في مصر بعلم القراءات هو والشيخ نور الدين السمنهودي، وكان يقريء الأطفال
تجاه الجامع الغمري، وكان إذ نظر إلى الطفل رعد من هيبته، وكان مذهب الإمام
الشافعي نصب عينيه، وما دخل عليه وقت وهو على غير طهارة، وقال: إنه كان ليله
ونهاره في طاعة ريه وكان يتهجد كل ليلة بثلث القرآن انتهى.
وكان وفاته في شعبان سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة. رحمه
الله تعالى.
570 - علي الأشموني: علي، الشيخ الإمام العالم العامل، الصدر
الكامل أبو الحسن نور الدين الأشموني، الشافعي، الفقيه المقريء، الأصولي. كما
ترجمه بذلك تلميذه شيخ الإسلام الوالد بخطه، وذكر أنه أخذ القراءات عن ابن الجزري،
وقال الشعراوي: إنه نظم المنهاج في الفقه وشرحه، ونظم جمع الجوامع في الأصول،
وشرحه، وشرح ألفية ابن مالك شرحاً عظيماً، وكان متقشفاً في مأكله وملبسه وفرشه،
وكانت وفاته في حدود هذه الطبقة لعلها بين العشرين إلى الثلاثين وتسعمائة رحمه
الله تعالى رحمة واسعة.
571 - علي الشربوني: علي الشربوني المصري، الشيخ الصالح القدوة
أحد أصحاب سيدي الشيخ شعبان القطوري الشاذلي. كان يغلب عليه الاستغراق، يلبس
الثياب الفاخرة حتى يحسبه من رآه قاضياً، وكان له خوارق وكرامات، وربما تحدث بها
شكراً، وكان ينظم الموشحات الغريبة في معالم الطريق. توفي سنة ثلاث وثلاثين
وتسعمائة.
572 - عمر بن إبراهيم بن مفلح الحنبلي: عمربن إبراهيم بن محمد
بن مفلح قاضي قضاة الحنابلة نجم الدين ابن قاضي قضاتها برهان الدين بن مفلح
الراميني الأصل الصالحي الدمشقي الحنبلي. ولد في سنة ثمان وأربعين وثمانمائة، وكان
من أعيان دمشق وأصلائها. أخذ عن والده وعن غيره، وولي قضاء الحنابلة بدمشق مراراً
آخرها في سنة عشر وتسعمائة، واستمر فيه إلى أن توفي ليلة الجمعة ثاني شوال سنة تسع
- بتقديم المثناة - عشرة وتسعمائة، وصلي عليه نهار الجمعة بعد صلاتها بالأموي،
وحضر للصلاة عليه نائب الشام سيبائي والقضاة الثلاثة، وخلائق لا تحصى، ودفن
بالصالحية على والده رحمه الله تعالى 573 - عمر
ابن جانبك: عمر بن جانبك الشيخ زين الدين الدمشقي أحد العدول مولده سنة ثلاث
وأربعين وثمانمائة بها، وقرأ على الزين بن العيني، وأجاز له الشهاب بن زيد، وكان
فاضلاً، وكان يجلس هو والشيخ بدر الدين الياسوفي للشهادة بدكات باب البريد بالجامع
الأموي، توفي يوم الثلاثاء سادس عشري ربيع الأول سنة ست وتسعمائة رحمه الله تعالى.
574 - عمر بن سليمان المقريء: عمر بن سليمان، الشيخ العالم
الفاضل زين الدين ابن الشيخ سليمان المقرئ. توفي بدمشق يوم السبت ثالث عشري ربيع
الأول سنة سبع - بتقديم السين. وتسعمائة رحمه الله تعالى.
575 - عمر بن عبد الباسط: عمر بن عبد الباسط المقر الأشرف. ركن
الدين ابن المقر الأشرف ناظر الجيوش بالديار المصرية زين الدين أبي الهبات عبد
الباسط، كان مقيماً بالقاهرة، فتوجه إلى دمشق للتحرير على جهاتهم بدمشق، فمات بها
يوم الجمعة ثاني رجب سنة تسع - بتقديم المثناة - وتسعمائة.
قال الحمصي: وكان أخوه الزيني عبد الرحمن سافر إلى دمشق للتحرير على جهاتهم، فتوفي
أيضاً بدمشق رحمهما الله تعالى.
576 - عمر بن عبد الرحمن الأسدي: عمر بن عبد الرحمن، الشيخ
العلامة زين الدين الأسدي هو من أهل هذه الطبقة ومن شعره قوله ملمحاً بالحديث:
من كان يرجو رحمة الله في ... يوم به خطب الورى يعظم
يكن لمن في الأرض ذا رحمة ... فإنما يرحم من يرحم
577 - عمر بن عبد العزيز الفيومي: عمر بن عبد العزيز، الشيخ
الفاضل سراج الدين أبو حفص الفيومي الأصل، الدمشقي. كان له مشاركة جيدة. وقال
الشعر الحسن، وله ديوان شعر في مجلد ضخم، ومدح الأكابر والأعيان، وخمس البردة
تخميساً حسناً رزق فيه السعادة التامة، واشتهر في حال حياته، وكتبه الناس لحسنه وعذوبة
ألفاظه، ومن شعره:
إن كان هجري لذنب حدثوك به ... عاتب به ليبين العبد
أعذاره
وإن يكن حظ نفس ما له سبب ... فلا تطعها فإن النفس أماره
وتوفي بدمشق سنة سبع - بتقديم السين - وتسعمائة، ودفن
بمقبرة باب السريجة على والده رحمه الله تعالى.
578 - عمر بن علي بن الصيرفي: عمر بن علي بن عثمان بن عمر بن
صالح، الشيخ الإمام العالم العلامة أقضى القضاة، الخطيب المصقع، المسند المحدث
سراج الدين ابن الشيخ الحافظ العلامة شيخ الإسلام علاء الدين بن الصيرفي الشافعي.
ولد في سنة أربع وعشرين وثمانمائة. قاله الحمصي، وقال النعميمي: سنة خمس
وعشرين، وقيل: سنة ثلاثين وثمانمائة، وكان له أسانيد عالية بالحديث النبوي، ولي
نيابة القضاء بدمشق مدة طويلة، والعرض، والتقرير، وباشر خطابة الجامع الأموي نحو
أربعين سنة، وكان وفاته ليلة الأحد سابع شوال سنة سبع - بتقديم
السين - عشرة وتسعمائة، وصلى عليه السيد كمال الدين بن حمزة بالأموي، ودفن بمقبرة
باب الصغير على والده الحافظ علاء الدين الصيرفي غربي باب الصغير في آخرها جوار
مسجد النارنج رحمهما الله تعالى.
579 - عمر ابن التراب: عمر القاضي زين الدين بن التراب الحنفي.
توفي بدمشق في رمضان سنة تسع وتسعمائة - بتقديم السين.
580 - عمر الأبشيمي: عمر الشيخ العلامة زين الدين الأبشيمي،
الشافعي قاضي قلعة الجبل بالقاهرة، كان له فضيلة تامة، وتوفي يوم السبت ثاني عشر
شعبان سنة عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى.
581 - عمر البجائي: عمر البجائي المغربي الإمام العلامة، القدوة
الحجة الفهامة ولي الله تعالى العارف به قدم إلى مصر في زمان السلطان الغوري، وصار
له عند الأكابر وغيرهم القول التام، وكان له كشف ظاهر، وكان يخبر بالوقائع الآتية
في مستقبل الزمان، فتقع كما أخبر وهو ممن أخبر بزوال مملكة الجراكسة وقتالهم لابن
عثمان، وقال: إن الدولة تكون للسلطان سليم، ومر على المعمار وهو يعمر القبة
الزرقاء للغوري تجاه مدرسته، فقال: ليس هذا قبر الغوري، فقالوا له: وأين قبره.
فقال: يقتل في المعركة، فلا يعرف له قبر، وكان الأمر كما قال، كان شاباً طويلاً،
جميل الصورة، طيب الرائحة على الدوام، حفظ المدونة الكبرى للإمام مالك، وسمع الحديث
الكثير، وكان يصوم الدهر وقوته في الغالب الزبيب، ولم يكن على رأسه عمامة إنما كان
يطرح ملاءة عريضة على رأسه وظهره، ويلبس جبة سوداء واسعة الأكمام، وسكن جامع الملك
بالحسينية، ثم انتقل إلى جامع محمود، ثم عاد إلى قبة المارستان بخط بين القصرين،
وبقي بها إلى أن مات، ولما أقام بجامع أنشد فيه الشيخ شمس الدين الدمياطي أبياتاً
منها:
سألتني أيها المولى مديح أبي ... حفص وما جمعت أوصافه
الغرر
مكمل في معانيه وصورته ... كمال من لا به نقص ولا قصر
مطهرالقلب لا غل يدنسه ... ولا له قط في غير التقى نظر
فهن جامع محمود بساكنه ... فإنه الآن محمود ومفتخر
وقل له: فيك بحر العلم ليس له ... حد فيا لك بحراً كله
درر
إلى آخر قوله. مات سنة تسع عشرة أو عشرين، ودفن بالقرافة
في حوش عبد الله بن وهب بالقرب من قبر القاضي بكار، وصلى عليه الملأ من الناس رضي
الله تعالى عنه.
582 - عوض الغزي: عوض الغزي المجذوب. اجتمع به الشيخ موسى
الكناوي، وهو راجع من مصر في سنة أربع أو خمس وعشرين وتسعمائة في قرية يبنى، وكان الناس
منصرفين من سوق الرملة، فسلموا عليه كثيراً قال فقلت لواحد منهم: من هذا الرجل.
فقال: هذا الشيخ عوض خفير هذه البلاد.
583 - عويدات المجذوب: عويدات
المجذوب أحد المولهين بدمشق، كان غالب جلوسه بمحلة ميدان الحصا، وتوفي يوم الخميس
ثاني عشر رمضان سنة إحدى عشر وتسعمائة رحمه الله تعالى.
584 - عائشة الباعونية: عائشة بنت يوسف بن أحمد بن ناصر الدين،
الشيخ الأريبة، العالمة، العاملة أم عبد الوهاب الصوفية، الدمشقية بنت الباعوني.
أحد أفراد الدهر، ونوادر الزمان فضلاً، وعلماً، وأدباً، وشعراً، وديانةً، وصيانةً.
تنسكت على يد السيد الجليل إسماعيل الخوارزمي، ثم على خليفة المحيوي يحيى الأرموي،
ثم حملت إلى القاهرة، ونالت من العلوم حظاً وافراً، وأجيزت بالإفتاء والتدريس،
وألفت عدة كتب منها " الفتح الحنفي " يشتمل على كلمات لدنية، ومعان
سنية، وكتاب " الملامح الشريفة، والأثار المنيفة " ، يشتمل على إنشادات صوفية، ومعارف ذوقية، وكتاب " در الغائص،
في بحر المعجزات والخصائص " ، وهو قصيدة رائية، وكتاب " الإشارات
الخفية، في المنازل العلية " ، وهي أرجوزة اختصرت فيها منازل السائرين
للهروي، وأرجوزة أخرى لخصت فيها " القول البديع، في الصلاة على الحبيب الشفيع " ، وللسخاوي،
ومن كلامها: وكان مما أنعم الله تعالى به علي أنني بحمده لم أزل أتقلب في أطوار
الإيجاد، في رفاهية لطائف البر الجواد، إلى أن خرجت إلى هذا العالم المشحون بمظاهر
تجلياته، الطافح بعجائب قدرته وبدائع آياته، المشوب موارده بالأقذار والأكدار،
الموضوع بكمال القدرة والحكمة للابتلاء والاختبار، دار ممر لا بقاء لها إلى دار
القرار، فرباني اللطف الرباني في مشهد النعمة والسلامة، وغذاني بلبان مدد التوفيق
لسلوك سبيل الاستقامة، في بلوغ درجة التمييز، أهلني الحق لقراءة كتابه العزيز، ومن
علي بحفظه على التمام، ولي من العمر ثمانية أعوام، ثم لم أزل في كنف ملاطفات
اللطيف، حتى بلغت درجة التكليف، في كلام آخر ذكرته في ترجمتها ودخلت إلى القاهرة
في سنة تسع عشرة وتسعمائة، فأصيبت في الطريق بشيء كان معها من مؤلفاتها ومنظوماتها،
ولما دخلت إلى القاهرة ندبت لقضاء مآرب لها تتعلق بولدها وكان في صحبتها المقر أبو
الثنا محمود بن آجا الحلبي صاحب دواوين الإنشاء بالديار المصرية، فأكرمها وولدها،
وأنزلها في حريمه، وكانت قد مدحته بقصيدة أولها:
روى البحر أصباب العطا عن نداكم ... ونشر الصبا عن مستطاب
ثناكم
فعرضها على شيخ الأدباء السيد الشريف عبد الرحيم العباسي
القاهري، فأعجب بها، فبعث إليها بقصيدة من بديع نظمه، فأجابت عنها بقصيدة مطلعها:
وافت تترجم عن حبر هو البحر ... بديعة زانها مع حسنها
الخفر
ثم كتب إليها السيد المشار إليه ملغزاً:
قل لمن بالقريض بز الفحولا ... فانثني عن قصورهم مستطيلا
وأرانا عرائس الثغر تجلي ... بمعان أضحى علاها جليلا
رافيات من زاهيات المعاني ... في مروط تجر فيها الذيولا
مسفرات عن حسن معنى بديع ... من سناه تبغي البذور الأفولا
وتود الرياض أن لو اعيرت ... من أفانين وشيها أكليلا
كل طرف إذا ترجع منها ... عاد من حسنه حسيراً كليلا
وإذا ما ظبا اللواحظ غاز ... لن ظباها أولت شباها فلولا
وما اسم شيء حروفه عاطلات ... وهو في الدهر لا يرى تعطيلا
ولع القلب دائماً بثلاث ... فيه لم تستطع إليه وصولا
ولنا فيه في الخواطر ود ... لم نجد للسلو عنه سبيلا
وإذا الحذف حل في طرفيه ... رادف اسماً يحبوك منه خليلا
وإذا ما استقل منه ثان ... بتاليه حباه منه ثواباً جزيلا
وإذا ما قلبته دون ترت ... يب ترى سؤدداً وقدراً نبيلا
وإذا ما اعتبرته دون قلب ... لن تداني مقامه تبجيلا
وإذا ما عكست منه أخيراً ... لثلاث وجدت روحاً ظليلا
وهو صف يخص من قد تعالى ... عن زوال وأن يلاقي مثيلا
وإذا ما نقصته واحداً صار لر ... بع الظليم سوطا طويلا
مثل ما في العلا تصورت فرداً ... من غدا بابه لعاف مقيلا
كاتب السر رقية الدهر ... تاريخ المعالي من قد سما تفضيلا
ذو السجايا التي تريك المزايا ... قد تعالت عن أن تعد
عديلا
دام في ظل نعمة وبقاء ... لا يرى الدهر عنهما تحويلا
فأجابته بقولها:
يا حسيبا قد حاز مجداً أثيلا ... وفخاراً بالمصطفى لن
يحولا
وإماماً فيما حوى لا يجارى ... في علوم حوت له التفضيلا
جئتنا بالعجاب نظماً تحلا ... من لآلي البديع عقداً جميلا
سافراً عن وجوه معجز لغز ... كل فكر أضحى لديه كليلا
قد سمعنا وما سمعنا لمعنى ... لغزك الفائق البديع مثيلا
وعلى كل حالة فهو ... محود صفات مكمل تكميلا
رائقاً واسم كاتب السر فيه ... زاده رونقاً فأضحى جميلا
سيداً كاملاً وجيهاً نبيهاً ... عالماً عاملاً عطوفاً
وصولاً
زاده الله رفعة وحباه ... من جميل الهناء حظا جزيلاً
وحمى ذاته وأبقى بقاه ... في سرور ونعمة لن تزولا
ما سرت نسمة وفاح أريج ... وزها الروض بكرةً وأصيلاً
ومدحها السيد المشار إليه بقصيدة:
ليهنك مجد طارف وتليد ... يخصك آباء به وجدود
وقدر له أعلا السماكين منزل ... وفوق متون الفرقدين قعود
وأصل زكا والفرع يتبع أصله ... وليس له عما انتحاه محيد
فيا روضة العلم التي بان فضلها ... وليس من الفيض السري
مديد
فمنثور ما تبديه قد ضاع نشره ... ومنظومه فوق النحور عقود
وورق المعاني فوق دوح بيانها ... له ببديع السجع فيه نشيد
إذا ما تغنى مطرباً عندليبها ... تميل قلوب لذةً وتميد
فأجابته بقصيدة منها:
تساميت مرمىً فاللحاق بعيد ... وحسبك ما أبدعت فهو شهيد
حصلت على الغايات مجداً وسؤدداً ... وفضلاً مبيناً ليس
فيه جحود
وأصحبت في روض العلوم مفكها ... تجول وتجني ما تشا وتفيد
وكم بوجيز اللفظ أصدرت منهلاً ... يطيب به للطالبين ورود
موارد آداب صفا سلسبيلها ... وحام عليها مهتد ورشيد
ومن كلامها على لسان القوم رضي الله تعالى عنهم:
حبيبي أنت من قلبي قريب ... وعن سري جمالك لا يغيب
خلعت الحسن في خلع التجلي ... فشاهدت الجمال ولا رقيب
وأبدت الوصال فلا صدود ... ولا وهم ولا شيء يريب
وطفت علي في حان التصابي ... بكأس عيش شاربه يطيب
براح نلت أقصى الري منه ... وفي زي تراءت لي الغيوب
وزالت باستوا شمسي ظلالي ... تجل ليس يعقبه غروب
وصرت إلى مقام ليس فيه ... سواك حبيب قلبي له نصيب
تنادمني، وتسقيني مدامي ... ويحضرني لديك فلا أغيب
وتذكرني، وتشهدني جمالاً ... تقدس أن يكون له ضريب
فلا خوف وأنت أمان قلبي ... ولا سقم وأنت لي الطبيب
ولا حزن وأنت سرور سري ... ولا سؤل وأنت لي الحبيب
وقالت رحمها الله تعالى:
يا من أفنى في معناه ... بمن معنى في هواه
جد لي جد لي ومتعني ... وجلدني بالعيان في اتصالي
يا محبوبي يا مطلوبي ... يا مقصودي ياموجودي
كن لي كن واجبر كسري ... واغن فقري بالتداني والوصال
حبك تيم فيك المغرم ... ولي هيم لا بل أعدم
عقلي عقلي وأحيرني ... وأسهرني وأضناني بالدلال
مجلى المظهر فيما أظهر ... أفنى مني لما نور
ظلي ظلي وأجردني ... وأفردني وأفناني بالجلال
غبت عني رحت مني ... زالت حجبي وافى قربي
وصلي وصلي قد أدهشني ... وأنعشني وأحياني بالجمال
في مجلاه لما حيا ... من وافاه بالحميا
خلي خلي قم وتردى ... وتملى بالإحسان من نوالي
هذي الخمرة فيض المنان ... عند العرفان لها ندمان
أهلي أهلي وسادتي ... وأحبابي وإخواني في أحوالي
وقال الشيخ شمس الدين بن طولون الحنفي: أنشدتنا عائشة بنت
القاضي يوسف الباعوني:
نزه الطرف في دمشق ففيها ... كلما تشتهي وما تختار
هي في الأرض جنة فتأمل ... كيف تجري من تحتها الأنهار
كم سما في ربوعها كل قصر ... أشرقت من وجوهها الأقمار
وتناغيك بينها صادحات ... خرست عند نطقها الأوتار
كلها روضة وماء زلال ... وقصور مشيدة وديار
ذكر ابن الحنبلي أن صاحبة الترجمة دخلت حلب في سنة اثنتين
وعشرين وتسعمائة والسلطان الغوري بها لمصلحة لها كانت عنده، فاجتمع بها من وراء
حجاب البحر السيوفي، وتلميذه الشمس السفيري وغيرها، ثم عادت إلى دمشق، وتوفيت بها
في السنة المذكورة رحمهما الله تعالى.
حرف الغين المعجمةمن الطبقة الأولى: 585 - غياث
الدين الشهير بباشا جلبي: غياث الدين، المولى العالم الفاضل ابن أخي الشيخ العارف
بالله تعالى آق شمس الدين الرومي الحنفي، الشهير بباشا جلبي. قرأ على المولى
الخيالي، والمولى خواجه زاده وغيرهما، وصحب الصوفية، ثم أعطي مدرسة المولى
الكوراني بالقسطنطينية، ثم ترقى في التدريس حتى أعطي إحدى الثماني، ثم تركها
واختار مدرسة أبي أيوب الأنصاري - رضي الله تعالى عنه - ثم أعطي سلطانية أماسية مع
منصب الفتوى، ثم تركها وأعطي تقاعداً بسبعين عثمانياً في كل يوم، ثم طلب مدرسة
القدس الشريف، فمات قبل السفر إليها سنة سبع أو ثمان وعشرين وتسعمائة، وله رسائل
كثيرة لكنه لم يدون كتاباً رحمه الله تعالى.
حرف الفاءمن الطبقة الأولى: 586 - فاطمة بنت التادفي
الحنبلي: فاطمة بنت يوسف القاضي جمال الدين التادفي الحنبلي، الحليي. قال ابن
الحنبلي: وهو ابن أخيها كانت من الصالحات الخيرات، وكان لها سماع من الشيخ المحدث
برهان الدين، وكانت قد حجت مرتين، ثم عادت إلى حلب، وأقلعت عن ملابس نساء الدنيا
بل عن الدنيا بالكلية، ولبست العباءة وزارت بيت المقدس، ثم حجت ثالثة، وتوفيت بمكة
المشرفة سنة خمس وعشرين وتسعمائة رحمها الله تعالى.
587 - فرح بنت الدوادار: فرح بنت يشبك المصونة بنت الأمير الخير
الفقيه يشبك الدوادار الكبير بمصر، كانت أمها خوند بدرية بنت الملك المؤيد شيخ،
وكانت هي من العابدات التاليات للقرآن العظيم بارة بالأرامل واليتامي والمنقطعين.
ماتت بالقاهرة يوم الأربعاء عشري صفر سنة سبع وعشرين وتسعمائة بعد أن أوصت بشيء
كثير من أثاثها، وأعتقت رقيقها رحمها الله تعالى.
حرف القافمن الطبقة الأولى: 588 - قاسم بن أحمد الرومي:
قاسم بن أحمد بن محمد، الفاضل الكامل المولى قوام الدين الجمالي الرومي الحنفي،
اشتغل بالعلم، واتصل بخدمة المولى علي بن محمد القوشجي، ودرس بإحدى الثماني، ثم
أعطي قضاء القسطنطينية، ومات قاضياً بها في دولة السلطان أبي يزيد وكان شديد
الاشتغال يحفظ كثيراًمن الكتب، وله شأن إلا أنه لم يصنف شيئاً رحمه الله تعالى.
589 - قاسم بن عمر المغربي: قاسم
بن عمر الشيخ الفاضل المتعبد الصالح المبارك المعتقد شرف الدين الزواوي المغربي
القيرواني المالكي. كان أولاً مقيماً في صحبة رفيقه الشيخ الصالح العابد الزاهد
محمد الزواوي بمقام الشيخ تاج الدين ابن عطا الله الإسكندري، ثم أقام بمقام الإمام
الشافعي خادماً لضريحه، وصحب الشيخ جلال الدين السيوطي، وارتبط به، وقلده في
ملازمة لبس الطيلسان صيفاً وشتاءً، وكان يتردد إلى الشيخ تقي الدين الأوجاقي وغيره
من أهل العلم، وأخذ عنه شيخ الإسلام الوالد ديوان سيدي علي وفا بحق أخذه له عن
السيدة حسناء بنت الناظم عن الناظم - رضي الله تعالى عنهم - وتوفي يوم الثلاثاء
رابع عشري شعبان سنة سبع وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
590 - قاسم البغدادي: قاسم، العالم الفاضل المولى البغدادي
الكرماني، ثم القسطنطيني ابن أخت المولى شيخي الشاعر الحنفي أحد موالي الروم،
اشتغل في العلم، واتصل بخدمة المولى عبد الكريم، ثم صار مدرساً ببلدة أماسية، ثم
بمدرسة أبي أيوب الأنصاري - رضي الله تعالى عنهم - ثم بمدرسة قلندرخانة
بالقسطنطينية، ثم بإحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنة، ثم بإحدى الثماني، وكان
ذكياً، سليم الصدر، وافر العقل، وكان يدرس كل يوم سطرين أو ثلاثة، ويتكلم عليها
بجميع ما يمكن إيراده من الفوائد من نحو، وصرف، ومعان: وبيان ومنطق، وأصول مع رفع جميع
ما أشكل على الطلبة على أحسن الوجوه وألطفها، وكان يتعيب على الطلبة فيما يفوتهم
من الإشكالات إذا لم يتنبهوا له، وله حواش على شرح المواقف وأجوبة عن السبع الشداد
التي علقها المولى لطفي، وله أشعار لطيفة تركية وفارسية، وكانت وفاته في سنة إحدى
وتسعمائة رحمه الله تعالى.
591 - قاسم الأحمدي: قاسم، الشيخ الصالح المعتقد الأحمدي
الدمشقي. كان لا يزال مستور الوجه متطيلساً بمئزر أحمر، وكان للأتراك فيه اعتقاد
عظيم، وكانت وفاته يوم، الخميس ثامن عشري ربيع الآخر سنة سبع عشرة وتسعمائة رحمه
الله تعالى.
592 - قاسم بن العيني: قاسم الشيخ شرف الدين بن العيني أحد
العدول بدمشق، توفي يوم الجمعة خامس عشر المحرم سنة ثماني عشرة وتسعمائة، ودفن
بالصالحية رحمه الله تعالى رحمة واسعة. آمين.
593 - قانصوه الغوري : قانصوه بن عبد الله الجركسي السلطان
الملك الأشرف، المشهور بالغوري، وسماه ابن طولون جندب، وجعل قانصوه لقباً له قال:
والغوري نسبة إلى طبقة الغور قال ابن الحنبلي: إحدى الطبقات التي كانت بمصر مدة
تعليم المؤدبين. قال ابن طولون: كان
يذكر أن مولده في حدود الخمسين وثمانمائة ترقى في المناصب حتى صار نائب طرسوس،
فانتزعها منه جماعة السلطان أبي يزيد بن عثمان، فهرب منها، وعاد إلى حلب، فلما
انتصر عسكر مصر على الأروام عاد إلى طرسوس مرة ثانية، ثم أخذها الأروام مع ما
والاها، فهرب منها أيضاً إلى حلب، ثم نصر عسكر مصر ثانياً، فعاد إليها مرة ثالثة،
ثم أعطي نيابة مطلبه، فلما مات الملك الأشرف قايتباي رجع إلى مصر، ووقعت له أمور
في دولة الملك الناصر ابن قايتاي، ثم أعطاه تقدمة ألف، ثم في دولة جان بلاط أعطاه
رأس نوبة النوب، ثم توجه صاحب الترجمة صحبة العسكر المصري إلى الشام بسبب عصيان
قصروه نائبها، فخامر أمير العسكر طومان باي، واتفق مع قصروه على أن يكون سلطاناً،
وأمسكوا جماعة من الأمراء، وجعل من الأمراء، وجعل صاحب الترجمة دواداراً كبيراً،
ثم توجهوا إلى الديار المصرية، وحاصروا الأشرف جان بلاط، ثم أمسكوه، وتولى السلطنة
طومان باي واستمر صاحب الترجمة دواداراً إلى أن وقع بينه وبين طومان باي، فاتفق مع
العسكر على أن يركبوا عليه، واختفى هو في حيلة، فهرب السلطان طومان باي ليلة
الجمعة مستهل شوال سنة ست وتسعمائة، فتولى السلطنة بعده صاحب الترجمة في يوم عيد
الفطر، ولما تسلطن أخذ يتتبع رؤوس الأمراء، وذوي الشوكة، فيقتلهم شيئاً شيئاً، ثم
فشا ظلمه ومصادرته للناس في أموالهم حتى صار شيخ الإسلام زكريا يعرض بظلمه في
الخطبة، وهو تحت منبره يسمع، ولم يتعظ حتى حصل منه أذية بالغة للبرهان بن أبي شريف
عالم مصر يومئذ، ومفيدها بسبب الرجل الذي رمي بالزنا، فأقر بالتهديد والضرب، ثم
أنكر، فأفتى ابن أبي شريف بعصمة دمه، وعدم رجمه، فغضب عليه الغوري بسبب ذلك، وعزله
من مدرسته التي جددها بالقاهرة وصلب الرجل على باب شيخ الإسلام ابن أبي شريف حتى
جزع الناس له، واستعظموا هذا الأمر الشنيع مع مثله، واستمر في منزله لا يخرج منه،
والناس يقصدونه في أنواع العلوم إلى أن أزعج الله تعالى الغوري، فأمر العسكر
بالتجهيز لحلب، وأشاع أنه يريد الإصلاح بين ملك الروم، وملك شاه إسماعيل الصوفي
الخارجي، ثم سافر من تخت ملكه في عاشر ربيع الثاني سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة،
وصحبته الخليفة المتوكل على الله أبو عبد الله محمد العباسي، وقضاة الشرع الأربعة
وغيرهم من العلماء، ومشايخ، وستة عشر أميراً مقدماً، فلما دخل غزة شكا إليه أهل
القدس ظلم نائبه وغيره، فأهانهم بالطرد والضرب، ثم دخل دمشق في موكب عظيم، ونائب
الشام حامل القبة والطير على رأسه على عادة الملوك المتقدمين، ونزل بالمصطبة بوطأة
برزة، وشكا إليه أهل حمص وغيرهم ظلم نوابهم، فلم يشكهم، وأقام سبعة أيام، ولم يحضر
جمعة ولا جماعة، وتوجه إلى حلب ومعه نواب الشام، وحمص، وحماة، وطرابلس وغيرهم من الأمراء،
ولم يقر بحمص ولا زار بها سيدي خالد بن الوليد - رضي الله تعالى عنه - مع أن
الطاغية تيمورلنك دخلها لزيارته، وجعل أهلها في غفارته، وعند وصوله إلى حلب جاءه
قاصدان من ملك الروم أحدهما قاضي العساكر الروم إيلية ركن الدين بن زيرك، والثاني
الأمير قراجا باشا، وأخبراه بوصول ملكهم إلى القيسارية متوجهاً لقتال الصوفي، فخلع
عليهما وأكرمهما، وذكر لهما ما يريد من الإصلاح بين السلطان سليم وشاه إسماعيل،
وأرسل بذلك إلى السلطان سليم قاصداً يقال له: الأمير مغلباي الدوادار، فلما وصل
إليه قبض عليه حتى وصل إليه قاصداه، فحلق لحيته، وأخذ جميع ما كان معه من متاع،
وقال له: قل لأستاذك هذا خارجي وأنت مثله، وأنا أقاتلك قبله، والميعاد بيننا وبينك
في مرج دابق، ثم سافر خلفه، وصار يأخذ كل بلد يدخله من أعمال ملك الغوري، فلما بلغ
الغوري ذلك من قاصده ومن غيره خرج من حلب في نحو ثلاثين ألفاً، وترك ولده في
قلعتها، وكان خروجه منها يوم الثلاثاء عشري رجب بعد إقامته بها شهرين، وقد كان
الغوري في أول الأمر مصمماً على مباينة شاه إسماعيل حتى وقع في قلبه رعبه بسبب أن
شاه إسماعيل كان قد قتل صاحب هراة، وولده قبرخان، فبعث
برأس الأب إلى ملك الروم السلطان سليم، وبرأس الابن إلى الغوري،
وكتب إلى الأول رسالة مطلعها:برأس الأب إلى ملك الروم السلطان سليم، وبرأس الابن
إلى الغوري، وكتب إلى الأول رسالة مطلعها:
نحن أناس قدغدا شأننا ... حب علي أبي طالب
يعيبنا الناس على حبه ... فلعنة الله على العائب
وكتب إلى الثاني رسالة مطلعها:
السيف والخنجر ريحاننا ... أف على النرجس والآس
وشربنا من دم أعدائنا ... وكأسنا جمجمة الرأس
فرد عليه الأول بهذين البيتين:
ما عيبكم هذا، ولكنه ... بغض الذي لقب بالصاحب
وكذبكم عنه وعن بنته ... فلعنة الله على الكاذب
ورد عليه الثاني بمقاطيع منها قول شيخ الإسلام البرهان بن
أبي شريف:
السيف والخنجر قد قصرا ... عن عزمنا في شدة الباس
لو لم ينازع حلمنا بأسنا ... أفنيت سلطاً سائر الناس
فكانت هذه القصة محركة للسلطان سليم خان - رحمه الله
تعالى - إلى السفر إلى قتال شاه إسماعيل، وشجعته السنة عليه، وأنهضه حب الشيخين
إليه، وأما الغوري فوقع رعبها في قلبه حتى قرب رجلاً أعجمياً بسبب ذلك، وكان
الأعجمي ينسج المودة في الباطن بينه وبين شاه إسماعيل حتى أخرجه من مصر قاصداً
للإصلاح بينه وبين السلطان سليم، فلما كان مبطناً مودته لأهل البدعة رد الله تعالى
كيده في نحره، وسلط عليه ملك الروم، فتوجه إليه السلطان سليم خلفه قاصده، وخرج
الغوري إليه من حلب في التاريخ المذكور، فوصل إلى مرج دابق ليلة الخميس ثاني عشري
رجب سنة أثنتين وعشرين وتسعمائة، ونزل عند القبر المنسوب لنبي الله عواد عليه
الصلاة والسلام، ومكث عنده ثلاثة أيام، ثم في ظهر يوم السبت رابع عشري رجب صاح
عسكره في الوطاق، وصل عسكر الروم، فركبوا جميعهم إلى آخر الوطاق، فلم يجدوا أحداً،
ثم عادوا إلى مخيمهم، فأمرهم الغوري بالرحيل صلتاً، ويأخذون طعامين، وعليقة،
فخرجوا من وطاقهم، وباتوا خارجين عنه إلى صباح يوم الأحد، ثم عادوا إلى وطاقهم،
فمكثوا فيه إلى قريب الظهر، ثم جاءتهم العساكر الرومية، فركبوا على خيولهم، فوقع
الحرب بينهم، فدفع عليهم العسكر الرومي بالعرادات ، ورموا بها عليهم، فأظلم الأفق،
وصار له دوي، وجفلت الخيل فقاتلوهم ساعة، ثم هرب الغلمان وبعض العسكر، وقتل جماعة من
أمراء الجراكسة، ثم غشي على الغوري، وكان بطيناً سميناً، فطاح عن فرسه، ثم طاح
عنها ثانياً، فأقعدوه وقالوا له: أثبت لنا فقال لهم: ما بقي شيء فرغت وأسكت من
وقته، ثم زحف عليهم عسكر الروم، فتفرق عنه عسكره وتركوه ملقى على الأرض، فمات ولم
يعلم به أحد، وصار عبرة لمن اعتبر، وصارت حاله كما قيل:
جاءته من قبل المنون إشارة ... فهوى صريعاً لليدين وللفم
ورمى بمحكم درعه وبرمحه ... وامتد ملقى كالفنيق الأعظم
لايستجيب لصارخ إن يدعه ... أبداً ولا يرجى لخطب معظم
ثم ملك السلطان سليم بلاد حلب وما والاها من بلاد الشام،
ودخل إلى دمشق كما تقدم في ترجمته، وإلى مصر، ثم عاد إلى تخت ملكه، وصارت البلاد
لأولاد عثمان إلى الآن - وفقهم الله تعالى - والغوري آخر ملوك الجراكسة.
594 - قايتباي سلطان مكة: قايتباي بن محمد بن بركات الشريف
سلطان مكة. توفي في سنة ثماني عشرة وتسعمائة، وفيها توفي سلطان الروم أبو يزيد خان
بن عثمان، وسلطان اليمن عامر بن محمد رحمهم الله تعالى.
595 - قايتباي الجركسي: قايتباي أبو النصر بن عبد الله السلطان
الملك الأشرف الجركسي الظاهري نسبة إلى الملك الظاهر جقمق، ميلاده في سنة ست
وعشرين وثمانمائة في سلطنة الملك، ثم انتقل إلى الملك الظاهر جقمق، فأعتقه ونسب
إليه، ثم رفعه الله تعالى ورقاه حتى ملكه الله تعالى بلاد العرب. حكى أنه مر في
حلبة المماليك على دمشق فتفرس فيه بعض أوليائها أن أمره يؤول إلى السلطنة، فكان يعرفها
له، ولعل هذا هو السبب في اعتقاله لأهل العلم والصلاح. بويع له بالسلطنة في يوم
الاثنين سادس شهر رجب سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة بحضرة الخليفة المستنجد بالله
أبي المظفر يوسف بن محمد العباسي، وقضاة القضاة الأربعة الولوي الأسيوطي الشافعي،
والمحب أبو الفضل ابن الشحنة الحنفي والحسام بن محمد بن حرير الحسيني المالكي،
والعز أحمد الكناني العسقلاني الحنبلي وأركان الدولة، وكان المتولى لتألف الناس
عليه القاضي زين الدين أبو بكر بن مزهر صاحب ديوان الإنشاء بعد خلع الملك الظاهر
تمريغا، والقبض عليه، ثم سلك الملك الأشرف قايتباي أحسن المسالك، وسار أحسن السير
فى تدبير الممالك، وكان يتألف قلوب العلماء، ويتواضع لعامة الصلحاء، وكان له في سيدي
عبد القادر الدشطوطي غاية الاعتقاد، وكان سيدي عبد القادر يتولى تربيته وإرشاده
كلما مر عليه، وكان يمتثل أمره، وينقاد بلغني أنه كان يمر، وهو راكب في موكبه على
سيدي عبد القادر، فيحبس فرسه عنده، ويطلب منه المدد والدستور وربما نزل إليه، فقبل
يديه، فقال سيدي عبد القادر له يوماً، والذباب منعكف عليه وعلى ثيابه يا قايتباي
قل لهذا الذباب يذهب عني، فحار تايتباي. فقال: يا سيدي كيف يسمع الذباب مني؟ قال:
وكيف تكون سلطاناً ولا يسمع الذباب منك؟ ثم قال سيدي عبد القادر: يا ذباب إذهب
عني، فلم يبق عليه ذبابة، وكان بين السلطان قايتباي، وبين الجد غاية الاتحاد ولكل
منهما في الآخرة مزيد الاعتقاد، وكان الجد يقطع له بالولاية حتى قال من أبيات:
إمام الناس في العصر ... ولي الله في السر
وكناه أبا النصر ... وقايتباي قد سماه
آدم يا رب سلطانه ... وثبت فيه أركانه
ومكن فيه عرفانه ... وظفره بمن عاداه
وكتب الشيخ الجد ديواناً لطيفاً من نظمه وإنشائه في
مناقبه ومآثره سماه " بالدرة
المضية، في المآثر الأشرفية " ، وذكر فيه أن بعض أولياء الله تعالى أظهره على
مقام الملك الأشرف قايتباي في الولاية لما اجتمع الجد بالولي المذكور في حجر
إسماعيل عليه الصلاة والسلام في وقت السحر، فعرفه بمقامه، وأمره باعتقاده، ونظم في
مآثره وعمائره قصيدة رائية ضمنها الديوان المذكور، فمنها أنه عمر حصناً
بالإسكندرية، ومدرسة بالقرب منه، وحصن صغر دمياط، وبنى حصوناً، وبنى مدرسة معظمة
بمكة لصيق الحرم الشريف مما يلي المقام، وأعطى تدريسها لشيخ الإسلام البرهان بن
ظهيرة، وعمر مسجد الخيف، وساق الماء من عرفات إلى منى، والمحصب، ولما ذكر الجد ذلك
في قصيدة قال:
وسقته لمنى، ثم المحصب بل ... وعن قريب على باب السلام يرى
فاتفق للجد في هذا البيت كرامة عجيبة، وهو أنه أخبر أن
ماء عرفات سينساق إلى مكة حتى يرى جارياً على باب السلام، وكان الأمر كما ذكر، فإن
السلطان سليم ساق الماء إلى مكة، وهو الآن يجري بالمسعى بالقرب من باب السلام،
وعمر قايتباي الحجرة الشريفة، والقبة المبتناة عليها، وعمر مسجد رسول الله صلى
الله عليه وسلم، وعمر بالمدينة مدرسة ورباطاً، وساق ماء العين الزرقاء إليها، وهذا
كما قال الشيخ - رضي الله تعالى عنه.
هذا وحقك شيء ما سبقت له ... وكم مليك تمناه وما قدرا
أليس يكفيك هذا سيدي شرفاً ... على الملوك وفخراً زين
السيرا
وعمر بالقدس الشريف مدرسة عظيمة، ورم الجامع الأموي، وعمر
مدرسة بغزة، وجامعاً بالصالحية المصرية، وجامع الروضة، وجامع الكبير، وتربة بصحراء
مصر، وعمر قبة الإمام الشافعي في مآثر آخرى، ولقد كان من محاسن الدهر، ورؤوس ملوك الأرض،
ولم ينتقد عليه أحد عظيم أمر سوى ما كان من أمره بإعادة كنيسة اليهود بالقدس
الشريف بعد هدمها، وعقوبته لعالم القدس البرهان الأنصاري، وقاضيها الشهاب بن عبية
وغيرهم بسبب هدم الكنيسة حتى حملوا إليه، وضرب بعضهم بين يديه، وقد شنع بن عبية
على قايتباي في ذلك، وبالغ في حقه حتى زعم أنه لم يفعل ذلك إلا لمودة بينه وبين
اليهود، وتعصب منه على الدين، وهنا تحامل من ابن عبية تعزير قايتباي له، وفي نفس
الأمر، فإن قايتباي لم يقصد الأمر باعادة الكنيسة نصرة لليهود، وإنما أمر بذلك أن
عقد مجلساً جمع فيه العلماء، وأفتى بعضهم بأن هدم الكنيسة لم يصادف محلاً، وقد
استوفى القصة صاحب الأنس الجليل فيه، وكان كثيراً ما يقع بين الملك الأشرف
قايتباي، وشيخ الإسلام الجد مطارحات، فمنها ما أنشد السلطان مستجيزاً من الجد رضي
الله تعالى عنه.
عشق، وتجلد، وصبر، وسكوت ... ما أصنع ما أفعل، والوقت
يفوت
فأجابه شيخ الإسلام الجد بقوله بديهاً:
ألفاظكم كالدر أو كالياقوت ... يا من للروح قوتهم أشهر
قوت
أقسمت بحق جبركم لا أنسى ... يوماً لجميلكم وإن كنت أموت
وقال الملك الأشرف مستجيزاً من الشيخ الجد أيضاً:
يقولون لي العذال: توب عن الهوى ... ومن لا جنى ذنباً
عليش يتوب
فقال الشيخ رضي الله تعالى عنه:
يقول لي العواذل تب سريعاً ... ولا تهوى الملاح فلا أجيب
أتوب عن السلو بكل حين ... وعن حب الملاح فلا أتوب
وكانت وفاة السلطان قايتباي - رحمه الله تعالى - في ليلة
الاثنين ثامن عشري ذي القعدة سنة إحدى وتسعمائة، ولذلك قيل: إنه المجدد من الملوك
على رأس القرن العاشر. قال النعيمي: ومدة ولايته ست وعشرون سنة، وثلالة أشهر،
وثلاثة عشر يوماً، وقيل: إنه توفي ليلة الجمعة خامس عشري القعدة.
حرف الكافمن الطبقة الأولى: 596 - كرتباي الجركسي: كرتباي
بن عبد الله الأمير الجركسي نائب دمشق. كان حسن السيرة بالنسبة إلى غيره من
الأمراء، وكان يكره المناحيس والمفسدين، وله عليهم سطوة زائدة، وحرمة وافرة أغار
على عرب هتيم بأرض الزرقا، ثم رجع متوعكاً إلى دمشق، وأمر في توعكه بتفرقة ألفي
دينار على الفقراء والمساكين بالجامع الأموي، ثم مات عاشر ربيع الأول سنة أربع وتسعمائة
رحمه الله تعالى.
597 - كسباي السلحدار: كسباي بن عبد الله السلحدار. قيل: هو
السائل للشيخ جلال الدين عن النساء هل يرين الله تعالى في الآخرة؟ فأجابه: نعم،
وألف بسبب سؤاله كتاباً سماه " تحفة الجلساء، في رؤية الله للنساء " ،
مات مطعوناً سنة ثلاث وتسعمائة في سابع عشر رمضان بالقاهرة قال ابن طولون: وقد ضبط
من توفي بها من أول رجب إلى موت هذا ثمانمائة ألف، وستة عشر نفساً رحمهم الله
تعالى.
598 - كمال الرومي: كمال
ابن الحاج الياس الرومي الحنفي أحد الموالي الرومية، أول قاض بحلب من العثمانية
بعد الدولة الجركسية، تولى قضاء حلب استقلالاً في سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة،
وكان شهماً متمولاً مقدماً على الأحكام الشرعية، مهيباً، كثير الخدم والحشم، يلبس
الحسن، ويهوى الوجه الحسن. كما قال ابن الحنبلي، وهذه الأخيرة ليست من الكمال في
شيء.
حرف اللاممن الطبقة الأولى:
599 - لطف الله التوقاتي : لطف الله المولى العالم الفاضل
الشهير بمولانا لطفي التوقاتي الرومي الحنفي. تخرج بالمولى سنان باشا، ولما دخل
المولى علي القوشجي بلاد الروم قرأ عليه العلوم الرياضية بإشارة المولى سنان، ولما
كان سنان وزيراً عند السلطان محمد خان بن عثمان رباه عنده، فجعله السلطان محمد أميناً
على خزانة الكتب، فاطلع على الغرائب منها، ثم لما ولي السلطنة أبو يزيد خان أعطاه
مدرسة السلطان مراد خان الغازي بمدينة بروسا، ثم رقاه حتى أعطاه، إحدى الثماني، ثم
ولاه مراد خان ثانياً، وأقام ببروسا، وكان ذكياً، فطناً، خاشعاً، يقرأ عليه في
صحيح البخاري: فيبكي حتى تسقط دموعه على الكتاب حتى ختم القراءة، وكان فاضلاً
عالماً غير أنه كان يطيل لسانه على أقرانه حتى أبغضه علماء الروم، ونسبوه إلى
الإلحاد والزندقة، وفتش عليه واستحكم في قتله المولى أفضل الدين، فلم يحكم، وتوقف
في أمره فحكم المولى خطيب زاده بإباحة دمه، فقتلوه قال في الشقائق: ولقد سمعنا من
حضر يحكي أنه كان يكرر كلمتي الشهادة، وينزه عقيدته مما نسبوه إليه من الإلحاد حتى
قيل: أنه تكلم
بالشهادة بعدما سقط رأسه على الأرض. قال: وروي أن الشيخ العارف بالله تعالى الشيخ
محيي الدين القوجوي لما سمع بقتله. قال: أشهد أنه بريء من الإلحاد والزندقة، ومن
نوادره العجيبة أنه كان مع أصحابه على جبل بروسا حين كان مدرساً بها، فجاءه رجل من
أهل القرى، وبيده خطام دابة، وعلى عنقه مخلاة، فشرب من عين جارية هناك، ثم استلقى
على ظهره، فقال المولى لطفي لأصحابه بعدما تأمل ساعة: إن هذا الرجل من قصبة إينه
كول، وقد أخذت دابته، وهو في طلبها، ثم تأمل ساعة، وقال: اسم الرجل سوندك، ثم تأمل
ساعة. فقال: إن
في مخلاته نصف خبزة، وقطعة جبن، وثلاث بصلات، فتعجب أصحابه من ذلك، ثم طلبوا
الرجل، فقالوا له: من أين أنت؟ قال: من
إينه كول. قالوا له:. ما اسمك؟ قال: سوندك. قالوا: أي شيء في مخلاتك. قال: طعام
الفقراء، فاستخرجوه، فإذا فيه نصف خبزة وقطعة جبن وثلاث بصلات كما أخبر المولى
المذكور، وله من المؤلفات حواشي شرح المطالع، وحواش على شرح المفتاح لسيد الشريف،
ورسالة سماها بالسبع الشداد مشتملة على سبعة أسئلة على السيد الشريف في بحث الموضوع،
ولو لم يؤلف إلا هذه الرسالة لكفته فضلاً، ورسالة ذكر فيها أقسام العلوم الشرعية
والعربية بلغ فيها مقدار مائة علم أورد فيها غرائب وعجائب، وكان قتله في سنة أربع
وتسعمائة - رحمه الله تعالى - وقيل في تاريخه: ولقد مات شهيداً.
حرف الميممن الطبقة الأولى: 660 - مبارك الأوغاني: مبارك
بن إسماعيل، وسماه ابن طولون أحمد بن محمد المدعو الشيخ مبارك، ثم الشيخ إسماعيل
الأوغاني، ثم الدمشقي الحنفي، الشيخ الصالح، قدم دمشق وهو طفل، فحفظ القرآن
بالجامع الأموي، وولي خدمة المصاحف، ثم عمل بواباً عند الأمير عبد القادر بن منجك،
ثم لما قدم السلطان سليم إلى دمشق خدم قاضي عسكره ابن زيرك، فقرره في بعض الوظائف،
ثم أعطي نظارة التكية بصالحية لدمشق، ومات ليلة الثلاثاء تاسع عشري صفر سنة ثلانين
وتسعمائة، ودفن بحوش تربة ابن العربي رحمه الله تعالى.
661 - محمود بن محمد الحمصي: محمود بن محمد بن إبراهيم بن محمد
بن أيوب بن محمد، الشيخ الإمام العلامة نور الدين الحمصي، ثم الدمشقي الشافعي،
الشهير بابن العصباتي. ولد في ذي الحجة سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة. أخذ عن والده،
وعن الشيخ تقي الدين بن الصدر الطرابلسي، وقدم دمشق سنة تسعمائة، واستوطن بها،
ووعظ بالجامع وغيره. وتوفي راجعاً من الحج في منزلة رابغ على ثلاث مراحل من مكة
يوم الجمعة مستهل المحرم سنة خمس وتسعمائة رحمه الله.
662 - محمود بن محمد الرومي: محمود بن محمد، العالم الفاضل،
المولى بدر الدين الرومي. كان إماماً للسلطان أيي يزيد خان، ثم ولاه قضاء بروسا
عشر سنين أو أكثر، ثم أعطاه قضاء العسكر بولاية أناظولي في سنة إحدى عشرة
وتسعمائة، ثم أعطي التقاعد عنه، وعين له كل يوم مائة عثماني، ومات بعد زمان يسير
قال في الشقائق: كان كريم النفس حميد الأخلاق محباً للعلماء والصلحاء رحمه الله
تعالى.
663 - محمود بن محمد بن أجا التدمري: محمود بن محمد بن محمود بن
خليل بن أجا المقر الأشرف محب الدين أبو الثناء التدمري الأصل، الحلبي، ثم القاهري
الحنفي، كاتب الأسرار الشريفة بالممالك الإسلامية المعروف بابن أجا. ولد كما قال السخاوي:
في سنة أربع وخمسين وثمانمائة بحلب، واشتغل بالعلم في القاهرة إلى سنة ثمان
وثمانين، ثم زار بيت المقدس، ورجع إلى حلب، وتميز بالذكاء، ولطف العشرة، وولي قضاء
حلب في شهر رمضان سنة تسعين، وحج سنة تسعمائة، ثم رجع إلى حلب، وطلبه سلطان مصر
الغوري من حلب، وولاه كتابة السر بالقاهرة عوضاً عن القاضي صلاح الدين بن الجيعان
في أول ولايته سنة ست وتسعمائة، واستمر فيها إلى آخر الدولة الجركسية، وهو آخر من
ولي كتابة السر، ثم حج في دولته ثانياً في سنة عشرين وتسعمائة، فقرأ عليه المسند
جار الله بن فهد عشرين حديثاً عن عشرين شيخاً، وخرجها له في جزء سماه " تحقيق
الرجا، لعلو المقر ابن أجا " ، ثم عاد إلى القاهرة فشكا مدة، فركب إليه
السلطان، وزاره لمحبته له وجلالته عنده، ثم سافر صحبة الغوري إلى حلب سنة اثنتين
وعشرين، وأقام بها حتى قتل الغوري، فرجع القاهرة، فولاه السلطان طومان باي الأشرف
كتابة السر بها، ثم لما دخل السلطان سليم إليها أكرمه، وعرض عليه وظيفته، فاستعفى منها،
واعتذر بكبر سنه وضعف يديه، ثم سأل السلطان سليم في الإقامة بحلب، فأجابه وعاد معه
إلى حلب، واستقر في منزله إلى أن توفي بها، وكان ذا هيبة وشكالة وشيبة نيرة،
ظريفاً، كيساً يحب التواريخ، ويرغب في خلطة الأكابر، وأنشد ابن الحنبلي لوالده
يمدح الذكور:
مدحي وحمدي فيك قد زادني ... فخراً وأوليت به جولدا
فدم مدى الدهر لنا سالماً ... لازلت ممدوحاً ومحمودا
ومن مدائح البارعة عائشة بنت الباعوني - رحمها الله تعالى
- في المذكور حين قدمت عليه القاهرة قصيدتها الرائية التي أولها:
حنيني لسفح الصالحية والجسر ... أهاج الهوى بين الجوانح
والصدر
ومنها:
ألا ليت شعري والأماني كثيرة ... أأبلغ ما أرجوه قبل انضا
عمري
وهل أردن صافي يزيد واجتلي ... محاسن ذاك السفح والمرج
والقصر
بلى إن ربي قادر وعطاؤه ... بغير حساب والهبات بلا حصر
ولي أمل فيه جميل وجودهكفيل بما أرجوه من منن الجبر
وحسبي بشيراً بالأماني وبالمنى ... معاملتي باللطف في
العسر واليسر
ولا بد من جود يوافي رفاؤه ... بتبليغ آمالي، وفكي من
الأسر
ويبدو صباح الوصل أبيض ساطعاً ... سطوع ضياء البشر من
كاتب السر
سليل أجا كهف اللجا، وافر الحجى ... منيل الرجا ركن
السيادة والفخر
إمام حوى من كل علم لبابه ... فحج لعالي بابه كل ذي قدر
وأصبح في بحر الحقائق غائصاً ... ومستخرجاً ما شاء من ذلك
البحر
تلوذ به الأعيان فيما يهمهم ... فيلفون عطف البر أو فائض
البر
كريم تجاري السحب راحته ولا ... يريد بما يجزي سوى الفوز
بالأجر
يمن ولا من يشوب عطاءه ... ويمنح من لفظ سبى العقل بالسحر
عرائس فكر أرخص الدر لفظها ... وأنشت معانيها لنا دهشة
الفكر
معجزة إن أنشدت صدر مجلس ... ترى كل من فيها نشاوى بلا
خمر
مفيد بحل المشكلات بموجز ... حلا وعلا عن وهدة العي
والحصر
ملي بتدبير الممالك مرتضى الم ... لوك ملاذ الناس في سائر
المصر
هو الشمس في العليا هو النجم في الهدىهو الغوث في الجدوى
هو الصبح في البشر وكانت وفاته بحلب في العشر الأول من شهر رمضان سنة خمس وعشرين
وتسعمائة رحمه الله تعالى.
604 - محمود بن محمد الأنصاري: محمود بن محمد بن عبد الواحد
أقضى القضاة نور الدين الأنصاري، السعدي، العبادي، الأنصاري جلس بمركز العدل بسوق
التجار بحلب، وناب في القضاء عن المحب بن أجا، وهو قاضيها، وكان فقيهاً، سليم
الصدر، ديناً، خيراً لكن كان عنده سذاجة، وكان يركب ما يظنه شعراً، ولا يراعي
وزناً ولا قافيةً، وتوفي اثنتين وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
605 - محمود بن ألرو بكر المعري : محمود بن أبي بكر بن محمود
قاضي القضاة نور الدين المعري الأصل الحموي، ثم الحلبي الشافعي سبط الشيخ أبي ذر
ابن الحافظ الدين الحلبي، ولي قضاء حماة إلى آخر دولة الجراكسة، فلما مر السلطان
سليم على حماة ولاه قضاءها أيضاً، ثم لما رجع السلطان سليم بدا لصاحب الترجمة أن
يترك القضاء في الدولة تورعاً عما أحدثوه من المحصول والرسم، فتركه وترك غيره عن
المناصب الحموية، فأخرجت له براءة واحدة بنحو ثلاثين منصباً ما بين تدريس وتولية،
ثم إنه قطن حلب هو، وأخوه المقر أحمد، وسكن بالمدرسة الشمسية بمحلة سويقة حاتم،
فلم يلبثوا إلا قليلاً ماتوا، وكانت وفاة القاضي نور الدين في سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة
رحمه الله تعالى.
606 - محمود بن عبد البزبن الشحنة: محمودبن عبد البر بن محمد
ابن قاضي القضاة حسام الدين ابن قاضي القضاة سري الدين بن الشحنة الحنفي. ولد
بالقاهرة ولي قضاء حلب، ثم كان آخر القضاء الحنفية بالقاهرة المعزية في الدولة
الجركسية، ولما دخل السلطان سليم القاهرة، وهرب السلطان طومان باي إلى الصعيد
بعدما وقع الحرب بينه وبين السلطان، وطلب طومان باي منه الأمان، فأجابه وبعث إليه
بالأمان مع قاضي القضاة المذكور، وبعض رفقائه في القضاء، فبغى طومان باي عليهم
وقتلهم إلا من سلم، وكان صاحب الترجمة ممن قتله، وذلك في أوائل سنة ست وعشرين
وتسعمائة رحمه الله تعالى.
607 - محمود بن كمال الطبيب: محمود بن كمال الطبيب بن الطبيب
المولى الملقب باخرجان المشتهر جاخي جلبي. كان أبوه كمال الدين من تبريز، ثم دخل
الروم، وفتح حانوتاً في سوق الوزير محمود باشا بالقسطنطينية، واشتهرت حذاقته بالطب
حتى رجعوا إليه في ذلك، فأثرى وحصل له مال عظيم، وطلبه السلطان محمد خان ليكون
طبيباً في دار سلطنته، فأبى واشترى لنفسه داراً بالقسطنطينية، وسكن بها إلى أن
مات، وبعد وفاته خدم ولده المذكور الحكيمين قطب الدين، وابن المذهب، فمهر في الطب،
وأظهر في العلاج تصرفات كثيرة حتى نصبوه رئيساً في بيمارستان السلطان محمد خان،
وتقدم عند السلطان أبي يزيد خان حتى صار من أطباء دار سلطنته، ثم جعله أمينا لمطبخ
السلطنة، ومال إليه كثيراً، وأهله لمصاحبته، ثم حسده الوزراء واخترعوا أمراً يوجب
عزله فعزله، ثم تبين له عدم صحة ذلك فأعاده إلى مكانه، وجعله رئيس الأطباء في دار
سلطنته، ثم لما تولى السلطان سليم خان عزله مدة ثم أعاده وقربه وتصاحب معه ومال
إليه كل الميل، فحصل له جاه عظيم، ثم لما تولى السلطان سليمان عزله أيضاً، ثم
أعاده، ثم سافر إلى الحج الشريف في سنة ثلاثين وتسعمائة، فلما رجع من الحج توفي
بمصر، ودفن عند الإمام الشافعي - رضي الله تعالى عنه - عن ست وتسعين سنة، ولم ينقص
من قواه شيء إلى أن مات رحمه الله تعالى رحمه واسعة.
608 - محب الدين المقدسي: محب الدين المقدسي إمام المسجد
الأقصى. الشيخ العلامة. توفي سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
609 - مصطفى القسطلاتي: مصطفى العالم العامل، الفاضل، المولى
مصلح الدين القسطلاني الرومي الحنفي أحد الموالي الرومية. قرأ على علماء الروم،
وخدم المولى خضر بيك، ودرس في بعض المدارس، ثم لما بنى السلطان محمد خان بن عثمان
المدارس الثماني بالقسطنطينية أعطاه واحدة منها، وكان لا يفتر من الاشتغال والدرس،
وكان يدعى أنه لو أعطى المدارس الثماني كلها لقدر ان يدرس في كل واحدة منها كل يوم
ثلاثة دروس، ثم ولي قضاء بروسا ثلاث مرات، ثم قضاء أدرنة كذلك، ثم القسطنطينية
كذلك، ثم ولاه السلطان محمد خان قضاء العسكر، وكان لا يداري الناس، ويتكلم بالحق
على كل حال، فضاق الأمر على الوزير محمد باشا القراماني، فقال للسلطان: إن الوزراء
أربعة، فلو كان للعسكر قاضيان أحدهما في ولاية روم إيلي، والآخر في ولاية أناظولي
كان أسهل في إتمام مصالح المسلمين ويكون زينة لديوانك فمال السلطان إلى ذلك، وعين المولى
المعروف بالحاجي حسن لقضاء أناظولي، فأبى السلطان ذلك، فلما مات السلطان محمد،
وتولى بعده ولده السلطان أبو يزيد خان عزل القسطلاني، وعين له كل يوم مائة درهم،
ثم صار قضاء العسكر ولايتين بعد ذلك، وكان القسطلاني، يداوم أكل الحشيش والكيف،
وكان مع ذلك ذكياً في أكثر العلوم، حسن المحاضرة، وأخبر عن نفسه في قصة طويلة
ذكرها صاحب الشقائق أنه طالع لابن سينا سبع مرات، والسابعة مثل مطالعة التلميذ أول
درسه عند مدرس جديد، وكان المولى خواجه صاحب كتاب " التهافت " إذا ذكر
القسطلاني يصرح بلفظ المولى، ولا يصرح بذلك لأحد سواه من أقرانه، وكان يقول: إنه
قادر على حل المشكلات، وإحاطة العلوم الكثيرة في مدة يسيرة إلا أنه إذا أخطأ بحكم
البشرية لا يرجع عن ذلك، ولا يهتم بأمر التصنيف لاشتغاله بالدرس والقضاء لكنه كتب
حواشي على شرح العقائد، ورسالة ذكر فيها سبعة أشكال، وشرحها، وحواشي على المقدمات الأربع
التي ابتدعها صدر الشريعة رد فيها على حواشي الموالى علي العربي، وتوفي سنة إحدى
وتسعمائة، ودفن في جوار أبي أيوب الأنصاري رحمهما الله تعالى رحمة واسعة.
610 - مصطفى بن البركي: مصطفى العالم الفاضل المولى مصلح الدين
الرومي الحنفي الشهير بابن البركي، كان أبوه قاضياً، وطلب العلم، وخدم المولى قاسم
الشهير بقاضي زاده، ثم صار معيد المدرسة، ثم درس في بعض المدارس، ثم جعله السلطان
أبو يزيد خان معلماً لولده السلطان أحمد، وهو أمير بأماسية، ثم أعطاه إحدى
الثماني، ثم قضاء وكان في قضائه حسن السيرة، مرضي الطريقة، واستمر قاضياً بها مدة
طويلة إلى أن عزله السلطان سليم خان في أوائل سلطنته، وعين له كل يوم مائة وثلاثين
عثمانياً، وكان مفنناً، فصيح اللسان، طلق الجنان، توفي سنة تسع عشرة أو سنة عشرين
وتسعمائة رحمه الله تعالى.
611 - معين الدين الإيجي: معين الدين بن صفي الدين، الشيخ،
الإمام، العلامة، المحقق المدقق، الفهامة، العارف بالله تعالى، السيد الشريف
الإيجي، الشيرازي، الشافعي صاحب التفسير، وهو جد السيد قطب الدين عيسى الصفوي
لأمه. كان من العلماء الراسخين والمرتاضين. قدم مكة فأري سيدتنا فاطمة بنت رسول
الله صلى الله عليه وسلم في منامه، فلما استيقظ فسر منام نفسه بأنه سينقطع إلى
الله تعالى فوق ما كان عليه، فاتفق أن سرق جميع ما كان عنده من مال ومتاع إلا
الكتب، فبقي بمكة على خدمة العلم والعباعة إلى آخر أجله. قال ابن الحبنلي: وهو
القائل:
خليلي حل الشيب رأسي ولم يدع ... فؤادي طلا باب الشباب،
وما انتحى
فقولا له: يا قلب عن فشرك ارتدع ... فليس سواء آية الليل
والضحى
وذكر ابن الحنبلي في ترجمة الشيخ محمد الأدهمي المعروف
بابن السني أن السيد معين الدين المذكور كان إذا كتب اسمه، وصف نفسه بالسني لتصلبه
في التسنن حتى كان يأتي الحجرة النبوية، ويقف بحذاء قبر أبي بكر الصديق - رضي الله
تعالى عنه - ويقول: إني وإن كنت منتسباً إلى علي - رضي الله تعالى عنه - ولكني
أعتقد أنك أفضل منه الآن أتوسل بك في الآخرة، وقال سبطه السيد قطب الدين: وكان
يقول أنا لا أقلد أحداً في تفضيل الشيخين ومن أراد الدليل عليه، فليجيء إلي،
وليسمع مني، وكانت وفاته رحمه الله تعالى بمكة المشرفة سنة ست وتسعمائة.
612 - منجد المجذوب: منجد المجذوب الدمشقي، قال الشيخ موسى
الكناوي: كان رجلاً أسمر اللون، طويل القامة، مكشوف الرأس حافياً دائماً. يراه
الناس يأكل الطين، ولا يتناول من أحد شيئاً، وكان دائماً في الصيف والشتاء عليه
قميص واحد، ويغسله كل يوم ويلبسه من غير نشوفة، ومات في سنة أربع عشرة وتسعمائة
تقريباً رحمه الله تعالى.
613 - موسى بن أحمد الأريحاوي : موسى بن أحمد، الشيخ العلامة،
الفقيه شرف الدين النحلاوي الأصل. الحلبي الدار، الأردبيلي الخرقة، الشافعي
المذهب، الشهير بالشيخ موسى الأريحاوي لسكناه بأريحا. أخذ في تعلم القرآن العظيم،
وكتب له المعلم حروف الهجاء، فوافق ذلك قدوم الشيخ باكير، والشيخ داود الصوفيين الإردبيليين
إلى أرض الشام، وكان قدوم الأول لتربية الشيخ الكواكبي، والثاني لتربية الشيخ موسى
المذكور، وكان الشيخ داود يقف وهو ببعض القرى متوجهاً إلى قرية الشيخ موسى، فيقول:
إني لأجد ريح يوسف فلما اجتمع الشيخ داود بالشيخ موسى وجده أخذ في تعليم القرآن،
فنهاه عن ذلك وأدخله الخلوة، ثم استفسره عما رآه فيها، فأخبره أنه رأى نفسه لابس
درع من الورق لا كتابة عليها فأمره بالمقام في الخلوة إلى أن كان اليوم السابع
والثلاثون من خلوته، فسأله عما رأى فأخبره أنه رأى نفسه لابس درع مكتوبة، وأنه قرأ
جميع ما فيها، فأمره حينئذ بقراءة القرآن العظيم فقرأه بأذن الله تعالى، ثم أمره أن
يطالع كتاب " قمع النفوس " للشيخ تقي الدين الحصني، ولم يزل يزوره بنية التربية
إلى أن أعتقده أهل قريته، وكثير من أهل القرى، وصار له سماط وبساط ثم أقام بحلب
يدرس الفقه، وكان راسخ القدم فيه، وممن انتفع به قاضي القضاة الكمال التادفي ذكر
ابن الحنبلي أن الشيخ محمد الخراساني النجمي عزم يوماً على زيارة الشيخ موسى
المذكور، فبينما هو في الطريق إذ سأله سائل عن محل توجهه، فأخبره أنه بصدد زيارة
الشيخ موسى لقرب انتقاله إلى عالم البرزخ، فلما راه حصل بينهما بسط زائد بعد أن
كان الشيخ موسى منكراً على الشيخ محمد قبل اجتماعه به، ثم مرض الشيخ موسى عقب ذلك،
وتوفي أواخر الحجة سنة خمس عشرة وتسعمائة، فحضر الشيخ محمد دفنه، ووقف عند قبره،،
ودعا له، ودفن بتربة الخشابين داخل باب قنسرين بحلب رحمه الله تعالى.
614 - موسى أبن الحسن اللألآني: موسى بن الحسن، الشيخ العالم،
العامل المعروف بالمنلا موسى الأول الكردي اللألآني - بالنون - الشافعي نزيل حلب.
اشتغل ببلاده على جماعة منهم المنلا محمد الخبيصي، وأخذ عن الشمس البازلي نزيل
حماة، وعن منلا إسماعيل الشرواني أحد مريدي خوجه عبيد النقشبندي. اخذ عنه بمكة
تفسير البيضاوي، وأخذ عن الشهاب أحمد بن كلز بأنطاكية شرح التجريد مع حاشيته، ومتن
الجغميني في الهيئة، ثم قدم حلب، وأكب على المطالعة، ونسخ الكتب العلمية لنفسه،
ولازم التدريس بزاوية الشيخ عبد الكريم الخافي بها مع كثرة الصيام، والقيام،
والزهد، والسخاء، والصبر على الطلبة، وممن أخذ عنه علم البلاغة أ ابن الحنبلي،
وتوفي مطعوناً بحلب في شعبان سنة ثلاثين وتسعمائة، وفي الليلة التي أسفر صباحها عن
يوم دفنه رأى شخص في المنام من يكنس داخل باب قنسرين، فسأله لم ذلك؟ فقال: لأجل
جنازة الشيخ موسى، ودفن بتربة أولاد ملوك.
615 - موسى بن عبد الله جماعة : موسى بن عبد الله بن محمد،
الشيخ، الإمام، العلامة شرف الدين ابن قاضي القضاة جمال الدين ابن شيخ الإسلام نجم
الدين، الشهير بابن جماعة المقدسي الشافعي، خطيب المسجد الأقصى الشريف. ولد في
حادي عشري رجب سنة خمس وأربعين وثمانمائة، وأجازه الشيخ زين الدين ابن الشيخ خليل
وغيره، وقال في الأنس الجليل: اشتغل في العلم في والده، وخطب المسجد الأقصى، وله
نحو خمس عشر سنة، واستقر في الخطابة مشاركاً لبقية الخطباء هو وأخوه الخطيب بدر
الدين محمد. قال: وأعاد الخطيب شرف الدين بالمدرسة الصلاحية، وفضل، وتميز، وصار من
أعيان بيت المقدس، وهو رجل خير من أهل العلم والدين لا يختلط بأحد، ولا يتكلم بين
الناس بأمور الدنيا، وعنده فصاحة في الخطبة، وعلى صوته الأنس والخشوع والناس
سالمون من يده ولسانه انتهى.
قلت: ودخل دمشق مع والده حين أسمع والده بها غالب مسموعاته،
وكان والده من الأكابر يرحل للأخذ عنه، وكان صاحب الترجمة رجلاً مهيباً، وكانت
وفاته في بيت المقدس سنة ست عشرة وتسعمائة، وفي ختام شعبان منها صلي عليه بجامع
دمشق الأموي غائبة رحمه الله تعالى.
616 - موسى بن عبد الحق العنبري المؤذن: موسى بن عبد الحق،
الشيخ شرف الدين المؤذن بالجامع الأموي، الشهير بالعنبري نقيب الفقهاء بدمشق. ولد
في ذي الحجة سنة سبع وعشرين وثمانمائة، وتوفي سنة خمس وتسعمائة رحمه الله تعالى.
617 - موسى بن عبد الغفار المالكي: موسى بن عبد الغفار، الشيخ
الإمام، العالم العلامة شرف الدين المالكي خليفة الحكم العزيز بالقاهرة، وكاتب
مستندات السلطان الغوري. مات
يوم الجمعة خامس عشري رجب سنة اثنتي عشرة وتسعمائة.
618 - موسى بن علي الحوارني: موسى بن علي، الشيخ العالم الصالح
شرف الدين الشهير بالحوارني الشافعي. كان يحفظ القرآن العظيم، والمنهاج، وكان يدرس
فيه وفي القرارات بمدرسة شيخ الإسلام أبي عمر، وكان رئيس سبع تاج الدين بمحراب الحنفية
من الجامع الأموي. تفقه على شيخ الإسلام نجم الدين ابن قاضي عجلون، وكان يحفظ
التصحيح الأكبر له، وسمع على البرهان الباعوني وغيره، ولي نظر الشبلية والإمامة
بها، وكان يقريء بها سيرة ابن هشام كل يوم بعد العصر، ودرس بمدرسة أبي عمر سنين،
وانتفع الناس به. قال ابن طولون: وحضرت عنده مراراً. توفي بمنزله بمحلة الشبلية،
ودفن بالصالحية ليلة الخميس حادي عشرة الجمادين سنة إحدى وتسعمائة رحمه الله تعالى.
619 - موسى بن العجمية: موسى،
الشيخ شرف الدين بن العجمية، الدمشقي الشافعي أحد رؤساء المؤذنين بالجامع الأموي،
وكان رجلاً صالحاً، محباً للصوفية، وامتحن في آخر عمره بذهاب ماله قيل: وكان نحو
ألف دينار من خلوته بمدرسة الصادرية. توفي يوم السبت سادس ذي الحجة سنة ست وعشرين
وتسعمائة، ودفن بتربة باب الفراديس رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
حرف النونمن الطبقة الأولى: 620 - نبهان بن عبد الهادي
الصفوري: نبهان بن عبد الهادي، الشيخ، العالم الفاضل الصالح، العارف بالله تعالى
الصفورفي الشافعي. ذكره شيخ الإسلام الوالد - رضي الله تعالى عنه - في معجم
تلامذته. قال: وكان من عباد الله الصالحين، سريع الدمعة، خاشع القلب، ساكن الحواس.
قرأ على الوالد ألفيته في التصوف كاملة، وحضر دروسي كثيراً، واستجازني فأجزته. مات
- رحمه الله تعالى - في سنة ست وعشرين وتسعمائة. انتهى.
قلت: ذكر الحمصي في تاريخه أنه مات بصفورية، وصلي عليه
بالجامع الأموي يوم الجمعة مستهل ربيع الآخر سنة خمس وعشرين وتسعمائة، وترجمه
الشيخ الإمام العالم الزاهد العابد، وفي تاريخ ابن طولون أنه صلي عليه يوم الجمعة
حادي عشري ربيع الآخر، وأنه مات بصفورية بعد توجهه من الشام من نحو شهرين وإن الذي
صلي عليه في مستهل ربيع الآخر هو شيخ الإسلام بدر الدين السيوفي مفتي حلب مات بها
رحمها الله تعالى.
621 - نسيم الدين الحنفي قاضي مكة: نسيم الدين قاضي مكة الحنفي.
قال العلائي: كان فاضلاً، ذكياً، مستحضراً لكثير من المسائل، حافظاً لمتن المجمع،
ديناً، فصيحاً، لطيفاً، عفيفاً لا يتناول على القضاء شيئاً البتة، وأخذ الفقه عن الشمس
بن الضياء، وعن جماعة من المصريين وغيرهم، وتوفي بمكة سنة سبع وعشرين وتسعمائة
رحمه الله تعالى.
622 - نصر المجنوب: نصر الشيخ الصالح المجذوب. الصاحي الذي كان
يركب الفيل بمصر أيام الغوري. كان ملامتياً عرياناً دائماً ليس عليه إلا سراويل من
جلد، وطرطور من جلد، محلوق اللحية يشتم السلطان، فمن دونه، ويحتمل الناس، وكان
يعطب على من ينكر ذلك ذكره الشعراوي وقال: صحبته سنة، ثم مات سنة اثنتين وعشرين
وتسعمائة رحمه الله تعالى.
623 - نصوح الطوسي: نصوح، الشيخ العارف بالله تعالى الطوسي. كان
عالماً، صالحاً يحفظ القرآن العظيم، ويكتب الخط الحسن، ثم نسب إلى الطريقة الزينية،
وخدم الشيخ تاج الدين القراماني، وبلغ عنده رتبة الإرشاد، وقعد على سجادة التربية
بعد وفاة الشيخ صفي الدين في زاوية شيخه المذكور، ومات في وطنه سنة أربع أو ثلاث وعشرين
وتسعمائة رحمه الله تعالى.
624 - نعمة الصفدي: نعمة الصفدي، المجذوب الغارق في الجذب، قال
الشيخ الكناوي: أصله
من عرب بني صخر من غور بيسان، فمن الله تعالى عليه وجذبه، فسكن مدينة صفد قال:
وكان رجلاً أسمر اللون، طويلاً، غليظ القطعة، له كرامات كثيرة، ومكاشفات زائدة
يعرف بعضها أهل بلاده: منها أن نائباً كان بصفد في عصر الشيخ نعمة. قال له: بنيت
لك تربة. فقال له الشيخ. نعمة: لذقنك، فعن قليل مات النائب، ودفن بها، ومنها أن
النائب المذكور كان جائراً جباراً، فقبض على جماعة ظلماً، وأودعهم الحبس، فمر
عليهم الشيخ نعمة يوماً، فاستغاثوا، به. قيل: كان بيده خيارة، وقيل: عقب خيارة،
فرمى بها إلى باب الحبس، وكان عليه قفل كبير، فانكسر وانفتح باب السجن، فخرج
المحبوسون، وفروا منهزمين إلى بلدانهم، فضج الناس لذلك، واعترى النائب خوف وذلة،
وهاب الشيخ نعمة، وتأدب معه. مات بصفد سنة إحدى أو اثنتين وتسعمائة فيما ذكره
الشيخ موسى، وفي تاريخ ابن طولون أنه مات قبل ذلك بنحو سنتين، وهو الأصح رحمه الله
تعالى رحمة واسعة.
625 - نهالي بن عبد الله: نهالي بن عبد الله المولى الفاضل،
الشهير بهذا اللقب. قال في الشقائق: ولم نعرف اسمه. كان عتيقاً لبعض الأكابر. وقرأ
في صغره مبادئ العلوم، ثم خدم العلماء، وفاق على أقرانه، ومهر في العربية والأصول
والتفسير، وكان له نظم بالعربية والتركية والفارسية، ووصل إلى خدمة المولى محمد بن
الحاج حسن، ودرس بالمدرسة التي بناها المولى المذكور بالقسطنطينية، ثم بأسحلقيه
أسكوب، ثم بمدرسة مصطفى باشا بالقسطنطينية، ثم فرغ عن التدريس، وسافر إلى الحج،
فلما أتم الحج مرض فعاهد الله تعالى إن صح من مرضه لم يعاود التدريس، وندم على ما
مضى من عمره في الاشتغال بغير الله تعالى، فأدركته المنية في مرضه ذلك، فتوفي بمكة
المشرفة، ودفن بها في سنة خمس أو ست وتسعمائة رحمه الله تعالى.
حرف الواومن الطبقة الأولى: 626 - الوزيري: الوزيري
القاضي المالكي بمصر. توفي بمصر سنة ثلاث وتسعمائة وصلي عليه غائبة بدمشق يوم
الجمعة تاسع عشر ذي الحجة منها رحمه الله تعالى.
حرف الهاء خال
حرف الياء التحتانيةمن الطبقة الأولى: 627 - ياسين
الشافعي: ياسمين الشيخ الإمام، العلامة، الشافعي، شيخ المدرسة البيرية توفي في
سادس عشري ذي الحجة سنة تسع وتسعمائة. استقر عوضه في المشيخة الشيخ العلامة كمال
الدين الطويل الشافعي رحمه الله تعالى.
628 - يحيى بن محمد بن سلطان: يحيى بن محمد الشيخ. العالم،
الفاضل محيي الدين بن كمال الدين بن سلطان الحنفي. توفي بمكة المشرفة رابع عشر
الحجة سنة خمس عشرة وتسعمائة. قال ابن طولون: ولم يكن ببيت ابن سلطان أولى منه
رحمه الله تعالى.
629 - يحيى بن إبراهيم الدميري: يحيى بن إبراهيم قاضي القضاة
شرف الدين قاضي القضاة برهان الدين الدميري، القاهري آخر قضاة القضاة المالكية
بالقاهرة المحمية الدولة الجركسية. كانت له شهامة ورئاسة ورفاهية في العيش. قدم مع
الأشرف الغوري دمشق، ودخل معه حلب، وذلك في سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، وأخذ عنه
ابن الحنبلي والده، وأجاز لهما - رحمه الله تعالى رحمة واسعة - آمين.
630 - يحيى بن أحمد الأخنائي : يحيى بن أحمد بن حسن بن عثمان
العلامة أقضى القضاة محيي الدين ابن الشيخ شهاب الدين الزرعي: الشهير بالأخنائي
الشافعي. خليفة الحكم العزيز بدمشق. ولد في خامس عشر رمضان سنة ثلاث وأربعين
وثمانمائة، وخطب مرة بالجامع الأموي عن قريبه قاضي القضاة نجم الدين ابن شيخ
الإسلام تقي الدين ابن قاضي عجلون لضعف حصل للخطيب سراج الدين الصيرفي، فحصل له ارتعاد
في الخطبة، وكان ذلك يوم الجمعة تاسع عشر شوال سنة أربع عشرة وتسعمائة، وكانت
وفاته بعد ذلك بمدة يسيرة يوم الاثنين سابع القعدة من السنة المذكورة، وصلي عليه
بالأموي، وحضر جنازته قضاة القضاة، وأعيان الناس وخلائق كثيرة، ودفن بباب الصغير
عند والده وأخيه غربي القلندرية رحمه الله تعالى.
631 - يحيى بن علي المعروف بابن الشاطر: يحيي بن علي الشيخ المعمر،
المنور، شرف الدين الحصكفي، ثم الحلبي الشافعي، المعروف بابن الشاطر، وبابن معلم
سلطان بحصن كيفا. قال ابن الحنبلي: باشر صنعته في أول عمره بتقوى وديانة، ويلغ
فيها ما لم يبلغه غيره من الكمال، ثم تركها، واشتغل بالطاعة والعبادة، وفعل الخير
حتى كان هو السبب في إيصال الماء إلى محلة سويقة الحجارين بحلب، وذلك أنه سعى فيه
عند يشبك الدوادار لما نزل على حلب متوجهاً إلى أخذ الرها من السلطان يعقوب بك ابن
حسن بك، سمح له بخمسة عشر ألفاً، فصرفها في عمل الحوض الكائن بها الآن مع ما ضمه
إليه أهل الخير من المال، وحج وجاور بالقدس الشريف قريباً من اثنتي عشرة سنة،
وأكرمه بها كل الإكرام بالإنفاق عليه شيخ الإسلام الشمس محمد بن أبي اللطف الحصكفي
الشافعي إلى أن قال: ولم يزل الشيخ شرف الدين على الخير والديانة والمبادرة إلى
الطاعة، ومطالعة كتب القوم، والاحتفال بالنظر إلى أحياء علوم الدين إلى أن توفي
بحلب سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة، ودفن خارج باب الفرج قبلي تربة الخرساني في قبر
حفره لنفسه بيده شيئاً فشيئاً رحمه الله تعالى.
632 - يحيى بن عبد الله الإربدي: يحيى بن عبد الله، الشيخ،
الصالح، العالم بن الشيخ الصالح محيي الدين ابن الإربدي. ثم الدمشقي الصالحي
المقري. ولد بإربد في العشر الأول من رمضان سنة سبع وأربعين وثمانمائة، وتوفي سابع
عشر جمادى الأولى سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، ودفن بتربة ابن سلطان تحت المعظمية
بسفح قاسيون عند قبر والده الشيخ صالح رحمه الله تعالى.
533 - يحيى الشيخ شرف الدين بن العداس: يحيى الشيخ شرف الدين
العداس إمام جامع شيخون بالقاهرة، وخطيبه وناظره. كان ذا نشاط، وبساط، وسماط، وبر
لأصحابه. وقضاء
لحوائجهم بحيث أدى به ذلك آخراً إلى تحمل شيء من الدين، وتوفي سنة إحدى وثلاثين
وتسعمائة رحمه الله تعالى.
634 - يعقوب الحميدي الشهير بآجه: يعقوب الحميدي المولى العلامة
الشهير بآجه خليفة أحد الموالي الرومية. خدم المولى علاء الدين الفناري، ودرس في
عدة مدارس آخرها مدرسة مغنيسا، وهو أول مدرس بها، ومات عنها، وكان فاضلا صالحاً
متصوفاً. له مهارة في الفقه ومشاركة في غيره ذو سمت حسن صحيح العقيدة. توفي سنة
ثمان أو تسع وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
635 - يعقوب ابن سيدي علي الرومي: يعقوب ابن سيدي علي أحد
الموالي الرومية وشارح كتاب شرعة الإسلام رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
636 - يوسف بن المبيض: يوسف بن محمد، وقال ابن طولون: يوسف بن
أحمد الشيخ العلامة، المحدث، الواعظ أبو المحاسن جمال الدين الشهير بابن المبيض
الحمصي الأصل. قال ابن النعميمي: ثم المقدسي، ثم الدمشقي الشافعي أحد الوعاظ بدمشق،
ومن شعره ما كتبه عنه ابن طولون من إملائه عاقداً للحديث المسلسل الأولية:
جاءنا فيما روينا أننا ... يرحم الرحمن منا الرحما
فارحموا جملة من في الأرض من ... خلقه يرحمكم من في السما
توفي بدمشق في يوم الاثنين ثاني عشر شوال سنة تسع وعشرين
وتسعمائة، ودفن بتربة باب الصغير رحمه الله تعالى.
637 - يوسف بن أي بكر بن الخشاب: يوسف بن أبي بكر بن علي بن
محمد بن عبد الله بن أحمد بن يوسف قاضي القضاة جمال الدين أبو المحاسن، الحلبي،
الشافعي، المعروف بابن الخشاب سبط ابن الوردي. ولد في خامس عشر شوال سنة سبع وستين
وثمانمائة، وأخذ الفقه عن الفخر عثمان الكردي، والعربية عن العلامة قل دوريش،
والعروض للتبريزي عن العلاء الموصلي، ولي قضاء طرابلس. قال الحمصي: ثم عزل
منها، ثم ولي نيابة القضاء بالقاهرة، ثم وولي قضاء طرابلس. قال الحمصي: ثم عزل
منها، ثم ولي نيابة القضاء بالقاهرة، ثم ولي نظر البيمارستان المنصور بها، ثم عزل
منه، وسافر إلى مدينة إسكندرية، فتوفي بها يوم الاثنين ثامن عشري المحرم سنة إحدى
عشرة وتسعمائة. قال ابن الحنبلي: سم
دسه عليه بعض أعدائه، ثم نقل إلى تربته التي أعدها لنفسه بالقاهرة رحمه الله تعالى.
638 - يوسف بن إسكندر بن البجق: يوسف بن إسكندر بن محمد بن محمد
بن قاضي القضاة جمال الدين أبو المحاسن، الحلبي، الحنفي المشهور والده بالخواجا
ابن الحق وهو ابن أخت المحب ابن أجا كاتب السر. اشتغل بالفقه وغيره على الزيني عبد
الرحمن بن فخر النساء وغيره، وسمع على الجمال إبراهيم القلقشندي أربعين حديثاً
خرجها بعض الفضلاء عن أربعين شيخاً من مشايخه، وعلى المحب أبي القاسم محمد بن
جوباش بن عبد الله الحنفي جميع سيرة ابن هشام، وأجاز له كل منهما ما يجوز له، وعنه
روايته، وتولى القضاء بحلب بعناية خاله، ثم ولي في الدولة الرومية تدريس الحلاوية،
ووظائف أخرى، ثم رحل إلى القاهرة وتولى مدرسة المؤيدة بها، وسار فيها السيرة
المرضية، وكان له شكل حسن، وشهامة، ورئاسة، وفخامة، وألف رسالة في تقوية مذهب
الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه - في عدم رفع اليدين قبل الركوع وبعده
وامتدحه العلاء الموصلي بقصيدة طولى مطلعها:
الورد من وجنات خدك يقطف ... والشهد من جنبات ثغرك يرشف
وقوامك المياس أزهى إن ثنى ... عطفيه من غصن الخلاف وأهيف
إلى أن قال:
فعل المدام بمقلتيه ولونها ... في خده، والثغر فيه القرقف
لقوامه الخطي ينتسب القنا ... وللحظه الهندي يعزى المرهف
هجر المحب، وقد بدا في صدغه ... واوات صدغ للمحبة تعطف
قالوا: فصفه وزد لنا في وصفه ... فأحببت والشمس المنيرة
توصف
قمر منير بدر، تم طالع ... حلو الشمائل، والكلام مهفهف
رشأ غزال ذو ألتفات أكحل ... ريم الفلاة غزير طرف أوطف
لا أنثني لا أنتهي عن حبه ... يوماً وإن نام الوشاة
وعنفوا
لكن براعة مخلص من حبه ... قاض القضاة أبو المحاسن يوسف
ثم قال:
أهدت له أخلاقه طيب الثنا ... فثناؤه كالمسك بل هو أعرف
وبجوده ووجوده حلب سمت ... وبخاله عز المليك الأشرف
حج صاحب الترجمة من القاهرة، ثم قدمها موعوكاً، فمات بها
ليلة الأربعاء ثامن عشر صفر سنة تسع وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
639 - يوسف بن حسن بن المبرد الحنبلي: يوسف بن حسن بن أحمد بن
عبد الهادي، الشيخ الإمام العلامة، المصنف، المحدث جمال الدين الشهير بابن المبرد
الصالحي، الحنبلي، ولد سنة أربعين وثمانمائة قرأ القرآن على الشيخ أحمد الصفدي الحنبلي
وجماعة ثم على الشيخ محمد، والشيخ عمر العسكريين، والشيخ زين الحبال، وصلى بالقرآن
ثلاث مرات، وقرأ المقنع على الشيخ تقي الدين الجراعي، والشيخ تقي الدين بن قندس،
والقاضي علاء الدين المرداوي، وحضر دروس خلائق منهم القاضي برهان الدين بن مفلح،
والشيخ برهان الدين الزرعي، وأخذ الحديث عن خلائق من أصحاب ابن حجر، وابن العراقي،
وابن البالسي، والجمال بن الحرستاني، والصلاح بن أبي عمر، وابن ناصر الدين وغيرهم،
وكان الغالب عليه علم الحديث والفقه، وشارك في النحو والتصريف والتصوف والتفسير،
وله مؤلفات كثيرة وغالبها أجزاء ودرس وأفتى، وله نظم ليس بذاك، وقد ألف تلميذه
الشيخ شمس الدين بن طولون في ترجمته مؤلفاً ضخماً وقفت عليه في تعاليقه، وكانت وفاة
صاحب الترجمة يوم الاثنين سادس عشر المحرم سنة تسع وتسعمائة، ودفن بسفح قاسيون،
وكانت جنازته حافلة رحمه الله تعالى.
640 - يوسف بن حمدان الدوبائي الرحبي: يوسف بن حمدان بن حسن
القاضي جمال الدين الدوبائي، الرحيب، الدمشقي، الشافعي. ولد عشية الأحد تاسع عشر
جمادى الأولى سنة أربع وسبعين وثمانمائة بالتربة المنجكية بمحلة مسجد الذبان. قال
النعيمي: اشتغل قليلاً، ثم فوض إليه القاضي ولي الدين ابن الفرفور نيابة الحكم يوم
الخميس عاشر صفر سنة سبع عشرة وتسعمائة انتهى.
قلت: وكان خطه حسناً إلى الغاية. كتب
شرح الروض للقاضي زكريا، وعندي النصف الأولى منه جزئين، وكانت وفاته ليلة الأربعاء
ثاني عشر ربيع الثاني سنة سبع وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
641 - يوسف بن مزهر: يوسف ابن القاضي جمال الدين ابن القاضي زين
الدين بن مزهر كاتب الأسرار الشريفة بمصر. شنق نفسه يوم الثلائاء سابع ربيع الثاني
سنة ست عشرة وتسعمائة. ذكره الحمصي.
642 - يوسف الحمامي المصري: يوسف، الشيخ الإمام العالم القاضي
جمال الدين الحمامي المصري، المالكي، قال الحمصي: كان صالحاً مباركاً، وباشر نيابة
الحكم العزيز بمصر القاهرة، وتوفي بها سابع عشر شعبان سنة إحدى عشرة وتسعمائة رحمه
الله تعالى.
643 - يوسف الشهير بشيخ بستان: يوسف العالم الفاضل المولى الحميدي،
المشهور بشيخ بستان الرومي الحنفي اشتغل بالعلم أشد الاشتغال، ولم يكن ذكياً لكن
كان طبعه خالصاً من الأوهام، وصار معيداً عند قاضي زاده، ثم وصل إلى خدمة خوجه
زاده، ثم صار مدرساً ببعض المدارس، ثم بمدرسة أحمد باشا بن ولي الدين ببروسا، ثم
عزل عنها، وكان ساكناً بروسا في بعض رباطاتها متجرداً عن العلائق، راضياً بالقليل
من العيش، ولم يتزوج، وله حواش على شرح المفتاح للسيد مقبولة، توفي سنة إحدى عشرة
أو اثنتي عشرة رحمه الله تعالى.
644 - بوصف بن الصرخدي: يوسف بن الصرخدي، التاجر، الدمشقي. كان
حافظاً لكتاب الله تعالى ملازماً للجامع الأموي، وانقطع إلى الله تعالى، ولازم
العبادة، وكانت وفاته بدمشق ثالث عشر شعبان سنة سبع عشرة وتسعمائة، ودفن بباب
الصغير رحمه الله تعالى.
645 - يوسف الخشاب الحلبي: يوسف الخشاب، الحلبي، المعروف
بالمجاور لمجاورته بمكة سنين. كان ديناً بنى مسجداً بحلب بالقرب من ساحة ابن بزا
يعرف بمسجد المجاور دعي إلى وليمة، فغص بلقمة، فمات من ساعته وذلك في سنة ثمان
وعشرين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
646 - يوسف السلموني: يوسف، الشيخ الفاضل جمال الدين السلموني
شاعر مصر وأديبها. كان هجاء بالغ الهجاء، ووقع له واقعة بسبب ذلك في سنة إحدى عشرة
وتسعمائة، وهي أنه هجا القاضي معين الدين بن شمس وكيل بيت المال بمصر هجواً فاحشاً
منه هذا البيت:
وحرفته فاقت على كل حرفة ... يركب ياقوتاً على فص خاتمه
فلما بلغ معين الدين ذلك شكا السلموني إلى السلطان
الغوري، فقال: إن وجب عليه شيء في الشرع أدبه، فنزل من عند السلطان، ومسك السلموني
في الحديد، وأتى به إلى بيت القاضي سري الدين عبد البر بن الشحنة، وادعى عليه،
فضربه عبد البر وعزره وأشهره على حمار، وهو مكشوف الرأس، وقد ورد أن سيدنا عمر ابن
الخطاب - رضي الله
تعالى عنه - أول من عاقب على الهجاء، وقال بعض فضلاء مصر في واقعة السلموني:
وشاعر قد هجا شخصاً فحل به ... من حاكم الشرع توبيخ
وتعزير
فأشهروه وجازوه بفعلته ... تباً له شاعر بالهجو مشهور
فلما بلغ السلطان ما فعله ابن شمس بالسلموني شق عليه ذلك،
وأمر بقطع لسانه، فإنه قال: رسم السلطان لي بأني أشهر السلموني، ولم يكن السلطان
رسم بذلك، واستمر ابن شمس في الترسيم مدة طويلة حتى أرضى السلطان بمال له صورة،
فرضي عنه، وألبس خلعة، ثم أن السلموني هجا القاضي عبد البر بقصيدة طويلة أفحش فيها
مطلعها:
فشا الزور في مصر، وفي جنباتها ... ولم لا وعبد البر قاضي
قضاتها؟!
وذكر الحمصي في تاريخه في شوال سنة عشر وتسعمائة أن
الجمال السلموني جاء إلى بيت القاضي شهاب الدين بن الفوفور ليسلم عليه، فمنعه عز
الدين القسلتي من الدخول، فغضب وكتب رقعة وجهزها للقاضي، وفيها هذه الأبيات:
ببابكم كلب عقور مسلط ... عديم الحيا والعقل في البعد
والقرب
أقمتوه صداً للفقير ملالة ... ولم تذكروا بين الورى نعم
الرب
يظن بجهل منه أن مجيئنا ... إليكم لأجل النيل والأكل
والشرب
ولم يعلم المفتون أن نفوسنا ... لها شرف يسمو على السبعة
الشهب
وليس الغنى بالمال قال نبينا ... ولكن غناء النفس مع عدم
الكسب
وما جئتكم والله إلا مهنئاً ... لأني من بعض المحبين والصحب
تذكرت لما أن أتيت وصدني ... مقالة بعض الناس في معرض
العتب
ومن يربط الكلب العقور ببابه ... فإن بلاء الناس من رابط
الكلب
فلما وصلت الرقعة إلى القاضي عرف أنها من السلموني وأن عز
الدين منعه من الدخول، فتف عليه، ووضع في ورقة عشرة دنانير، ودفعها إلى السلموني،
وأوصى البواب أن لا يمنعه من الدخول، وإن أراده كل يوم عشر مرات، والظاهر تأخر وفاة
السلموني عن سنة ثلاثين، فإني تتبعت الجزء الذي وقفت عليه من تاريخ الحمصي إلى
السنة المذكورة، ولم يؤرخ وفاته فيه مع تقيده بمثل ذلك غاية التقييد.
647 - يوسف ابن سويد كين: يوسف، الشيخ جمال الدين المعروف بابن سويد
كين القدسي، ثم الدمشقي أحد العدول بدمشق. تربى وتخرج بزوج خالته، الشيخ العلامة
شهاب الدين بن رسلان، وروى عنه قال النعيمي: وهو آخر من روى عن الزين القباني عن
ابن الخباز عن النووي. توفي في آخر رمضان سنة أربع وتسعمائة رحمه الله تعالى.
648 - يوسف الشهير بقاضي بغداد: يوسف العالم الفاضل المولى قوام
الدين الشهير بقاضي بغداد كان من بلاد العجم من مدينة شيراز وولي قضاء بغداد مدة
فلما حدثت فيه فتنة ابن أردبيل ارتحل إلى ماردين، وسكن بها، ثم رحل إلى بلاد
الروم، فأعطاه السلطان أبو يزيد خان سلطانية بروسا، ثم إحدى الثماني، وكان عالماً،
متشرعاً، زاهداً، وقوراً. صنف
شرحاً على التجريد جامعاً لفوائد، وشرحاً على نهج البلاغة، وكتاباً جامعاً لمقدمات
التفسير وغير ذلك. وتوفي في أوائل دولة السلطان سليم خان رحمه الله تعالى.
649 - يونس بن محمد التركماني: يونس بن محمد الأمير يونس بن
المبارك التركماني الصالحي. مات عشية ليلة الخميس خامس جمادى الأولى سنة عشر
وتسعمائة رحمه الله تعالى.
650 - يونس بن محمد العجلوني: يونس
بن محمد الشيخ شرف الدين الجابى، الشهير بالعجلوني الدمشقي الشافعي أحد المباشرين
بالجامع الأموي. ولد في خامس عشر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثمانمائة، وطلبه
السلطان الغوري في جملة مباشري الجامع للتفتيش عليهم، ثم رجعوا وقد عمل عليهم
أربعة آلاف دينار، ووصلوا إلى دمشق في خامس عشر شعبان سنة ست عشرة وتسعمائة، فمات
الشيخ شرف الدين يوم الجمعة سابع عشري شعبان السنة المذكورة، ودفن بباب الفراديس
رحمه الله تعالى.
651 - يونس الحرافيش: يونس بن محمد بن شعبان، الشيخ العلامة شرف
الدين بن سلطان الحرافيش بدمشق، قال ابن طولون: كان من المتغفلين في المجالس، ولكن
حصل به النفع في آخر عمره بملازمة المشهد الشرقي بالجامع الأموي لإقراء الطلبة، وكان
في ابتداء أمره شاهداً تجاه باب المؤيدية، وكانت وفاته يوم الأربعاء حادي عشري
جمادى الآخرة سنة تسع - بتقديم المثناة - وعشرين وتسعمائة. قال ابن طولون: وصلى
عليه التقوى بالبلاطسي ضحوة النهار بالجامع الأموي، ودفن بباب الصغير رحمه الله
تعالى.
652 - يونس الهمداني: يونس بن إدريس بن يوسف، الشيخ الصالح،
المسلك شرف الدين الحلبي، ثم الدمشقي الشافعي الصوفي الهمداني الخرقة. ولد بمدينة
حلب في سنة سبع وستين وثمانمائة، واشتغل على جماعة في عدة فنون، وتوجه إلى مكة
ثلاث مرات، وجاور في حدود الثمانين، وسمع بها الحديث على الحافظ شمس الدين
السخاوي، والإمام محب الدين الطبري، وقرأ على ولده الإمام أبي السعادات في النحو،
ولبس الخرقة الهمدانية، وتلقن الذكر من السيد عبيد الله التستري الصوفي الهمذاني،
وصار له أتباع كثيرون يتداولون الأوراد الفتحية بالمدرسة الرواحية بحلب. قال ابن
الحنبلي: وكان السبب في كثرة مريدة مزيد ظلم بحلب أفضى إلى أن كثيراًمن المتهمين
والزعار اتبعه، وصار إذا صدر منه فساد، وقبض عليه كافل حلب استشفع به، فساء ذلك كافل
حلب، فبلغه فلم يسعه المكث بها، فهاجر إلى دمشق قال الحمصي: كانت إقامته بدار
الحديث بقرب قلعة دمشق. انتهى.
وهي دار الحديث الأشرفية، وقد ولي النووي - رحمه الله
تعالى - تدريسها ومن شعر صاحب الترجمة مشيراً إلى ذلك ولا يخفى ما فيه:
إن دار الحديث طابت بمولى ... كان قطب الوجود حين تولى
رحمة الله سابغة عليه ... أس شرع النبي قولاً وفعلاً
ولو قال رحمه الله: لا تزال عليه حاز شرع النبي قولاً
وفعلاً. سلم له وزن البيت الثاني، وكان معناه صحيحاً، ولعله قال كذلك، ولكن أوردته
كما رأيته، وكانت وفاته بدمشق يوم الاثنين عشري شعبان سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة
رحمه الله تعالى.
/الطبقة الثانية
من الكواكب السائرة، في مناقب أعيان المائة العاشرة فيمن
وقعت وفاتهم من أعيان البارعين من مفتتح سنة أربع وثلاثين إلى مختتم سنة ست وستين
المحمدون
محمد بن محمد الغزيمحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن
بدر بن مفرج بن بدري بن عثمان بن جابر بن ثعلب بن ضوي بن شداد بن عاد بن مفرج بن
لقيط بن جابر بن وهب بن ضباب بن علي بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب الشيخ الإمام،
شيخ الإسلام، المحقق المدقق العلامة، العمدة الحجة الفهامة، القاضي رضي الدين أبو
الفضل بن رضي الدين الغزي الأصل، الدمشقي المولد والمنشأ والوفاة، العامري القرشي
الشافعي جدي لأبي ولد صبيحة اليوم العاشر من ذي القعدة الحرام سنة اثنتين وستين وثمانمائة،
وتوفي والده شيخ الإسلام رضي الدين أبو البركات وسنه إذ ذاك دون السنتين، وأسند
وصايته عليه إلى شيخ الإسلام زين الدين خطاب بن عمر بن مهنا الغزاوي الشافعي شيخ
الشافعية بدمشق، فرباه أحسن تربية، وكفله أجمل كفالة إلى أن ترعرع وطلب العلم
بنفسه مشمراً عن ساق الاجتهاد، وسالكاً أقوم مسالك الرشاد، مؤثراً لطريقة التصوف
على سبيل التجرد منعزلاً عن الناس في زاوية جده لأمه ولي الله القطب الرباني
العارف بالله والداعي إليه سيدي الشيخ أحمد الأقباعي بعين اللؤلؤة خارج دمشق. إلى
أن برع في علمي الشريعة والحقيقة، وسلك في كل منهما أكمل طريقة، ولازم الشيخ خطاب
مدة حياته وانتفع به وتفقه عليه، ثم تزوج بابنة الشيخ خطاب أخراً بالتماس من
أبيها، ولزم أيضاً الشيخ محب الدين بن محمد بن خليل البصروي شيخ الشافعية في
زمانه، وأخذ عنه الفقه والحديث والأصول والعروض، ثم لزم الشيخ برهان الدين الزرعي،
وأخذ عنه الحديث وغيره وولده العلامة المحقق شهاب الحين أحمد، وأخذ عنه المعقولات
والمعاني والبيان والعربية. وممن تفقه بهم أيضاً شيخ الشافعية وابن شيخهم البدر
ابن قاضي شهبة، والشيخ الأوحد ولي الله شمس الدين محمد بن حامد الصفدي، والشيخ
الأكمل شيخ الإسلام النجم ابن قاضي عجلون، وأخوه شيخ الإسلام تقي الدين أبو بكر،
والشيخ الإمام خليل اللدي إمام الجامع، وكذلك الشيخ الصالح المقريء إبراهيم بن
أحمد القدسي. قرأ عليه وهو صغير القرآن العظيم والمنهاج حفظاً وحلاً، وأخذ الحديث
وعلومه أيضاً عن الشيخ الإمام المعمر الأوحد برهان الدين الناجي، والشيخ الصالح
العالم زين الدين عبد الرحيم ابن الشيخ خليل القابوني إمام الجامع الشريف الأموي،
والشيخ المسند بدر الدين حسن بن شهاب، والشيخ الإمام الحافظ الناقد الحجة برهان
الدين البقاعي، وأخذ عنه العربية أيضاً، وقرأ عليه الكتب الستة، وشرح ألفية الحديث
للعراقي للمصنف، ونخبة الفكر وشرحها لابن حجر، وغالب مؤلفاته كالمناسبات وغيرها،
وكذلك الشيخ الإمام العلامة حسن بن حسن بن حسين الفتحي الشوازي رفيق بن الجزري،
وصاحب الحافظ ابن حجر قرأ عليه الحديث المسلسل بالأولية، وسورة الصف وغير ذلك،
وسمع منه كثيراً من مروياته، والعلامة برهان الدين الباعوني، وقرأ على العلامة
المحقق منلا زاده الخطابي صاحب المؤلفات الشهيرة شرح الشمسية والمتوسط وغيرهما،
واجتمع بالشيخ عبد المعطي المكي، وسيدي الشيخ أحمد بن عقبة اليمني، والشيخ العارف
بالله تعالى محمد المذكور اليمني وغيرهم، واصطحب مع سيدي الشيخ أبي العون الغزي،
وسيدي علي بن ميمون المغربي وغيرهما.
وممن أخذ عن الشيخ رضي الدين رضي الله تعالى عنه ولده شيخ
الإسلام بدر الدين والدي، وسيدي الشيخ أبو الحسن البكري، وشيخ الإسلام أمين الدين
بن النجار إمام جامع الغمري بمصر، وشيخ المسلمين العلامة السيد عبد الرحيم العباسي
المصري، ثم الإسلام بولي، والعلامة بدر الدين العلائي، وقد كان - رحمه الله تعالى
- ممن قطع عمره في العلم طلباً
وإفادةً وجمعاً وتصنيفاً. أفتى ودرس، وولي القضاء نيابة
عن قريبه قاضي القضاة القطب الخيضري، وسنه إذ ذاك دون العشرين سنة، ثم عن قاضي
القضاة شهاب الدين الفرفوري، ثم عن ولده القاضي ولي الدين بعد أن تنزه عن الحكم،
ثم ألزم به من قبل السلطان سليم خان على لسان نائبه بالمملكة الشامية وغيرها فرهات
باشا وإياس باشا، وكان لهما فيه مزيد الاعتقاد، وباشر مدة ولايته القضاء بعفة
ونزاهة وطهارة يد ولسان وقيام في الحق. يقضي على من عساه يكون لا يحابي أحداً ولا
يماريه لا تأخذه في الله لومة لائم، وهو آخر قضاة العدل وله من المؤلفات الدرر
اللوامع، نظم جمع الجوامع، في الأصول، وألفية في التصوف سماها الجوهر الفريد، في
أدب الصوفي والمريد وألفية في اللغة نظم فيها فصيح ثعلب وألفية في علم الهيئة،
وألفية في الطب، ومنظومة في علم الخط، ونظم رسالة السيد الشريف في علمي المنطق
والجدل، ووضع على نظمه شرحاً نفيساً، وألف مختصراً في علمي المعاني والبيان سماه
بالإفصاح، عن لب الفوائد والتلخيص والمصباح، ووضع عليه شرحاً حافلاً، وشرح أرجوزة
البارزي في المعاني والبيان أيضاً، وشرح عقيدة جمع الجوامع، ونظم عقائد الغزالي، وعقائد
لبعض الحنفية، ونخبة الفكر لابن حجر في علم الحديث، وقلائد العقيان في مورثات
الفقر والنسيان للشيخ إبراهيم الناجي، وألف كتاب الملاحة، في علم الفلاحة، وغير
ذلك، وله شعر رائق، ونظم فائق، وأكثر في تقبسه النصائح والحكم والحقائق، أوردت منه
نبذة في كتابي المسمى بلغة الواجد واستوفيت غالبه في شرحي على الفتية في التصوف،
ومنه قوله نظماً مضمناً:
ما كان بكر علومي قط يخطبها ... إلا ذوو جدة بالفضل أكفاء
وغض منه ذوو جهل معاندة ... والجاهلون لأهل العلم أعداء
وقوله أيضاً:
يا جاهلا وهو لأهل العلم لا يسلم
ارجع إلى الحق وإن سئلت قل: لا أعلم
وقوله رضي الله تعالى عنه:
يا طالب الله حقاً ... اخرج إلى الله عنكا
وإن خرجت فناد ... استغفر الله منكا
وأجاب عن اللغز المشهور في الفرائض وهو:
ثلاثة أخوة لأب وأم ... وكلهم إلى خير فقير
أصابهم صروف الدهر يوماً ... وكان لميتهم مال كثير
فحاز الأكبران الثلث منه ... وباقي المال أحرزه الصغير
بقوله:
ثلاثة أخوة لأب وأم ... تزوج بنت عمهم الصغير
له من إرثها نصف بفرض ... وسدس بالعصوبة يا خبير
قال شيخ الإسلام الوالد - رحمه الله تعالى: - وقد رأيت
قبل موته بأيام قليلة رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام، ومعه جماعة من
الصحابة، وهو يقول: جئنا
لنحضر تجهيز والدك. قال: فكاشفني على ذلك، قلت: وله كرامات ومكاشفات كثيرة بينا
جملة منها في بلغة الواجد.
وكانت وفاته رضي الله تعالى عنه في شوال سنة خمس وثلاثين
وتسعمائة عن ثلاث وسبعين سنة وصلى عليه ولده الوالد بالجامع الأموي، ودفن بمقبرة
الشيخ أرسلان رضي الله تعالى عنه، وكانت جنازته حافلة. سئل شيخ الإسلام الوالد -
رحمه الله تعالى - هل يبقى تصرف الولي بعد موته. فقال: نعم يتفق ذلك لكثير من
أولياء الله تعالى، واشتهر ذلك عن جماعة منهم الشيخ عبد القادر الكيلاني، والشيخ
أرسلان وغيرهما. قال: وأنا اتفق لي أني كنت إذا زرت والدي أتصدق عند قبره بشيء، فكان
يجتمع علي الفقراء متى زرته لما علموا أن ذلك من عادتي، فزرته يوماً، فاجتمع
الفقراء للصدقة، فتفقدت الكيس، فإذا قد نسيته في البيت، فتوجهت إلى روحانية الشيخ
الوالد فإذا على قبره شيء من الدراهم، فتناولته ودفعته إلى الفقراء.
محمد بن محمد الدلجي
محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الشيخ الإمام العلامة شمس
الدين الدلجي العثماني الشافعي. ولد سنة ستين وثمانمائة تقريباً بدلجة ، وحفظ
القرآن العظيم بها، ثم دخل القاهرة، فقرأ التنبيه وغيره، ثم رحل إلى دمشق أقام بها
نحو ثلاثين سنة، وأخذ عن البرهان البقاعي، والحافظ برهان الدين الناجي، وقاضي
القضاة قطب الدين الخيضري، والقاضي ناصر الدين بن زريق الحنبلي، والإمام المحدث
شمس الدين السخاوي، وسافر إلى بلاد الروم، واجتمع بسلطانها أبي يزيد خان، وحج من
بلاد الشام، وعاد إلى مصر القاهرة، وكتب شرحاً على الخزرجية ، وشرحاً على الأربعين
النواوية، وشرحاً على الشفاء للقاضي عياض، وشرحاً على المنفرجة، واختصر المنهاج
والمقاصد وسمي الثاني مقاصد المقاصد، وشرحه وأخذ عنه جماعة. قال الشيخ المحدث نجم
الدين الغيطي سمعت عليه كثيراً، وأجاز لنا القرآن العظيم عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم مناماً عن جبريل عن رب العزة جل وعلا، فإنه رأى رسول الله صلى الله عليه
وسلم في المنام بمكة، وقرأ عليه أوائل سورة النحل. توفي بالقاهرة سنة سبع وأربعين
وتسعمائة.
محمد بن محمد بن بلالمحمد بن محمد بن محمد، الشيخ الإمام
العلامة شمس الدين أبو عبد الله عرف بابن بلال، العيني الأصل، الحلبي الحنفي. ولد
بحلب سنة خمس أو ست وسبعين وثمانمائة، ولزم المنلا قل درويش أربع سنوات في علو
شتى، وقرأ أيضاً على منلا مظفر الدين الشيرازي، والبرهان الفرضي، والمنلا دران،
والبدر السيوفي وغيرهم، ثم لازم الإفتاء والتدريس والتأليف بجامع حلب. حتى أسن، فانقطع
في منزله، وأكب على التصنيف في علوم متنوعة إلا أنه كان لا يسمح بتآليفه، ولم تظهر
بعده وكان كثير الصيام والقيام لا يمسك بيده درهماً ولا ديناراً، وكان وقوراً مهيباً،
نير الشيبة، كثير التواضع، وكان يلازم لبس الطيلسان، وكان له قوة ذكاء، ومزيد حفظ،
ورسوخ قدم في العربية والمعقولات، وأصابه مرة فالج وعوفي منه، وحج وجاور ودخل
القاهرة، ثم كانت وفاته بحلب سنة سبع وخمسين وتسعمائة، ودفن بمقابر الحجاج، وأوصى
أن يغسله شافعي وأن يلقن في قبره - رحمه الله تعالى - .
محمد بن محمد الذهبيمحمد بن محمد بن علي، الشيخ الإمام
العلامة المسند سعد الدين الذهبي المصري الشافعي، مولده سنة خمسين وثمانمائة، وكان
عالماً صالحاً زاهداً يختم القرآن كل يوم ختمة مع اشتغال الطلبة، وكان له خلق واسع
إذا تجادل الطلبة في شيء اشتغل بالتلاوة حتى يفرغ جدالهم، وكان يقضي حوائجه بنفسه،
ولا يدع أحداً يحمل له متاعاً، وكان كثير الصدقة، وأوصى بمال كثير للفقراء
والمساكين، وممن أخذ عنه القاضي أبو البقاء بن جيلان، والشيخ شمس الدين الفلوجي،
ثم الدمشقي قرأ عليه في الأصول والفقه وغيرهما، وأجاز لسيدي محمد، وأبيالوفاء ولدي
الشيخ علوان الحموي. وكانت وفاته في سنة تسع - بتقديم المثناة - وثلاثين وتسعمائة بالقاهرة،
ودفن خارج باب النصر، وصلي عليه غائبة بجامع دمشق، يوم الجمعة سادس عشري ذي القعدة
من السنة المذكورة.
محمد بن محمد بن قاضي عجلونمحمد بن محمد بن عبد الله بن
عبد الرحمن بن محمد ابن الشيخ الإمام العالم الصالح، أقضى القضاة، أبو اليمن ابن
القاضي محب الدين ابن قاضي عجلون، كان من العلماء الكمل، والصلحاء الكبار له في
اليوم والليلة ختمات لكتاب الله تعالى، لا يفتر عن القراءة في ممشاه، وقعوده، نير
الوجه، حسن الشكل ، ولي القضاء مدة سنين، نيابة عن ابن عمه قاضي القضاة، نجم الدين
شيخ الإسلام تقي الدين بن قاضي عجلون، وكان يباشر عنه الخطابة بالجامع الأموي قال
والد شيخنا وكان الشيخ أبو اليمن يلبس الثياب الحسنة، وفي آخر عمره طرح التكلف، ولبس
الخشنة، واستوى عنده كلاهما، وتخرج به الناس كثيراً مع ما هو عليه من تلاوة القرآن
العظيم، توفي بعد العشاء ليلة الخميس سابع عشري جمادى الآخرة سنة خمس وخمسين
وتسعمائة، وصلي عليه في الجامع لأموي، ودفن بمقبرة باب الصغير بتربة أهله قريباً
من قبر عمه شيخ الإسلام تقي الدين.
محمد بن محمد بن البيلوني
محمد بن محمد بن حسن الشيخ الفاضل شمس الدين أبو البركات
ابن الشيخ العلامة شمس الدين أبي عبد الله البابي الأصل، الحلبي لشهير كأبيه بابن
البيلوني إمام السفاحية، سمع بقراءة أبيه على الكمال بن الناسخ، من أول صحيح
البخاري إلى تفسير سورة مريم، وسمع على الزين الشماع الشمائل للترمذي، وأجاز له،
وقرأ على العلاء الموصلي شرح الألفية لابن عقيل، وكان يدرس أحيانا بالحجازية، وكان
له حظوة عند قاضي حلب عبيد الله سبط ابن الفناري، وكان له حركة، وسعي في تحصيل
الدنيا، فعرض له شيخه ابن الشماع في ذلك، فذكر أنه إنما يطلب الدنيا للاكتفاء عن
الحاجة إلى الناس، والاستعانة على الاشتغال بالعلم، والتوسعة على المحتاجين في
وجوه البركات، وكانت وفاته بمنبج سنة خمس وثلاثين وتسعمائة، وهو دون الأربعين،
ودفن وراء ضريح سيدي الشيخ عقيل المنبجي رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
محمد بن محمد البيلونيمحمد بن محمد بن حسن الشيخ المقريء
الخير شمس الدين أبو اليسر ابن البيلوني أخو المتقدم، سمع على ابن الناسخ بقراءة
أبيه ما تقدم وأجاز له، ولازم شيخ القراء المحيوي عبد القادر الحموي، ثم الشيخ زين
الدين الأرمنازي وكان له معرفة بالطب جيدة، وكان صالحاً متواضعاً أثوابه إلى أنصاف
ساقيه كأبيه، وربما حمل طبق العجين على عاتقه، مع جلالة قدره مات مطعوناً في سنة
اثنتين وستين وتسعمائة، ودفن عند والده، وكانت جنازته حافلة.
محمد بن محمد بن حلفا الغزيمحمد بن محمد بن محمد بن
إبراهيم بن فضل بن عميرة الشيخ عفيف الدين أبو اليمن ابن حلفا الغزي الأصل، الحلبي
المولد، والدار الحنفي كان يدرس، ويفتي، وكف بصره، وكان يأمر بالكتابة على صورة
الفتوى، وأمر آخراً أن يكتب في نسبه الأنصاري لما بلغه أنه من ذرية حباب بن المنذر
بن الجموح الخزرجي، أخذ بحلب عن الشمسين بن هلال، وابن بلال، وله شيوخ آخرون بها، وبغيرها
واجتمع بالشيخ أبي العون الغزي قال ابن الحنبلي أخبرني أنه لما حل بمنزله رأى
طائفة من الفقراء الصلاح، وآخرين من المفسدين هربوا إليه من جوائح حصلت عليهم إحتماء
به، فحصل، عنده إنكار بسبب إبقاء هذه الطائفة بمنزله قال: فخرج إلينا الشيخ، وأخذ
يقول: قال الشيخ، عبد القادر الكيلاني وقد قيل في مريديه الجيد والرديء، أما الجيد
فهو لنا، وأما الرديء فنحن له، فكان ذلك كشفاً منه انتهى.
توفي الشيخ عفيف الدين سنة ست وخمسين وتسعمائة رحمه الله
تعالى.
محمد بن محمد بن المغرايةمحمد بن محمد بن عبد الله الشيخ
كمال الدين ابن الشيخ تاج الدين ابن الشيخ جلال الدين الحراني الأصل، الحلبي
المولد، والمنشأ الشافعي عرف بابن المغراية كان يكتب بالشهادة بحلب، وكذلك والده،
ثم ناب في الحكم. توفي بدمشق الشام سنة ثمان أو تسع وأربعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن محمد الخيضريمحمد بن محمد بن محمد القاضي كمال
الدين بن أبي اليمن ابن قاضي القضاة قطب الدين الخيضري، الدمشقي، الشافعي، ولي القضاء
بميدان الحصى وغيره في أيام قاضي دمشق ابن إسرافيل، وكان عنده حشمة، وفضيلة، وكان
أحد المدرسين بالجامع الأموي إلا أنه كان يستعمل الأفيون، وكان في الغالب
مستغرقاً، وربما حدث له ذلك، وهو مار في الطريق، فدخل يوم السبت مستهل ربيع الأول
سنة ثمان وأربعين وتسعمائة إلى ميضأة العنبرانية بالقرب من جامع الأموي لقضاء
الحاجة، وأغلق عليه الباب فكأنه شرد على عادته، فسقط على رأسه في الخلاء، فلما
أحسوا به أخرجوه، فخرجت روحه في الحال، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فحمل إلى بيته،
فغسل، وكفن، وحمل إلى لأموي، وصلي عليه، ودفن بمقبرة باب الصغير، وكانت جنازته
حافلة رحمه الله تعالى.
محمد بن محمد الأزهري
محمد بن محمد بن علي الشيخ شمس الدين، أبو الطيب الحساني
الغماري الأصل المدني المولد، والمنشأ المالكي، عرف بابن الأزهري، كان كثير
الفضائل، حسن المحاضرة، صوفي المشرب، له ميل إلى كتب ابن العربي من غير غلو، له
نظم، ونثر، نظم أرجوزة سماها لوامع تنوير المقام في جوامع تعبير المنام، دخل بلاد
الشام قاصداً الروم، فدخل دمشق، وحلب، واجتمع به فيها ابن الحنبلي، فأخذ كل منهما
من الآخر، وأجاز كل منهما الآخر، وكانت وفاته بالمدينة الشريفة سنة اثنتين وستين
وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن محمد بن حسنمحمد بن محمد بن حسن الشيخ الفاضل، شمس
الدين الدمشقي، المعروف بابن الشيخ حسن، كان من أهل الفضل، والحلم، والصلاح، وكان
خطيباً بجامع الأفرم، وأخذ عن جماعة منهم الشيخ الوالد قرأ عليه شرح عقيدة
الشيباني، وحضر دروسه بالشامية، وغيرها كثيراً، وتوفي في حدود الستين وتسعمائة
رحمه الله تعالى.
محمد بن محمد بن علي كوجكمحمد بن محمد بن إبراهيم بن علي
كوجك القاضي نظام الدين الحموي المولد، الحنفي عرف بابن الكوكاجي، وهو تحريف
الكوجكي، ولد في ربيع الأول سنة سبعين وثمانمائة قرأ الكنز في فقه الحنفية، على
ابن رمضان الدمشقي، وغيره ثم قلد الإمام أحمد - رضي الله تعالى عنه - وولي قضاء
الحنابلة بمدينة طرابلس الشام، وناب عن القاضي نظام الدين التادفي الحنبلي بحلب،
وتوفي سنة سبع وخمسين وتسعمائة.
محمد بن محمد البقاعيمحمد بن محمد بن يحيى البقاعي الشيخ
شمس الدين البقاعي القرعوني، ثم الدمشقي، حضر دروس شيخ الإسلام الوالد في سنة ست
وثلاثين وتسعمائة.
محمد بن محمد الفصي البعليمحمد بن محمد بن علي الشيخ
الإمام العلامة، المحقق المدقق الفهامة، بهاء الدين الفصي البعلي الشافعي مفتي
بعلبك، مولده بها في ربيع الأول سنة سبع وخمسين وثمانمائة، وعرض المنهاج على الشيخ
بدر الدين ابن قاضي شهبة الأسدي، ثم جد في طلب العلم، والاشتغال به في سنة إحدى
وسبعين على جماعة منهم شيخ الإسلام زين الدين خطاب، وشيخي الإسلام نجم الدين وأخيه
تقي الدين ابني قاضي عجلون، وأذن له الشيخ تقي الدين بالإفتاء، ثم سافر إلى مصر،
وقرأ على قاضي القضاة زكريا، وأذن له أيضاً بالإفتاء، والتدريس في سنة خمس
وثمانين، وكان عنده ذكاء، وقد شاب سريعاً، وكان ألثغ، كما ذكر ذلك كله النعيمي
قلت: وكان من إخوان شيخ الإسلام الجد، وشيخ الإسلام الوالد، وشاركهما في الشيوخ،
وإن كان الشيخ الوالد دونه، في السن، ولما رحل الوالد إلى الروم في رمضان سنة ست وثلاثين
مر على بعلبك، فتلقاه الشيخ بهاء الدين، ووالداه في جماعة من أكابر البلدة إلى رأس
العين، وسلموا عليه، وعظموه غير أنهم صدقوا ما هو مشهور من سذاجة البعليين
بالاعتذار، إلى الشيخ في تكرم شهر الصوم، حتى نظم الشيخ الوالد فيهم مقاطيع ضمنها
رحلته منها قوله:
شهر الصيام كريم ... لكنكم بخلاء
هبنا نصوم نهاراً ... أليس يأتي العشاء
وكانت وفاة الشيخ بهاء الدين يوم الأربعاء، رابع عشري
المحرم سنة إحدى وأربعين وتسعمائة، وصلي عليه غائبة بدمشق، يوم الجمعة قال ابن
طولون: ولم يخلف بعده مثله، ولا في دمشق في فقه الشافعية رحمه الله تعالى.
محمد بن محمد بن العجيميمحمد بن محمد بن أحمد الشيخ
العلامة المحدث الواعظ، شمس الدين المقدسي الشافعي، الصوفي الشهير، بابن العجيمي،
أخذ عن شيخي الإسلام الكمال البرهان، وابن أبي شريف، والحافظ جلال الدين السيوطي،
وشيخ الإسلام القاضي زكريا، والمسند شمس الدين السخاوي، وقال ابن طولون: كان عنده
فضيلة، وأخذ الحديث عن شيخنا ناصر الدين بن زريق، وتوجه إلى الروم، وحصل له به
الإقبال، وعاد وتردد إلى دمشق مراراً عديدة، ووعظ تجاه محراب الحنفية، ودرس مدة بالفصوص
ثمة. انتهى.
قلت: ومحراب الحنفية هو المحراب الذي تصلي به الشافعية
الآن الأولى خارج مقصورة الأموي، وذكر ابن الحنبلي أنه دخل إلى حلب، ودخل إلى
دمشق، وحلب مرتين، ووعظ بهما، وكان يعتم بعمامة سوداء، واجتمع بحلب في سنة تسع
وعشرين وتسعمائة بمحدثها الشيخ زين الدين بن الشماع، وقرئت عليهما ثلاثيات
البخاري، ثم أجاز كل منهما للآخر قال ابن الشماع: وقد أخبر بعض من أثق به من
الأخيار ممن حضر وعظه بما شاهده من غزارة حفظه، وعذوبة لفظه، ثم قال: لا غرو فهو
خادم التفسير، والسنن المنتصب لنصح المسلمين، والمرغب، وأهدى سنن بل هو العلم
الفرد. الذي رفع خير الأولياء، والعلماء، ونصب حالهم، ليقتدي بهم، وخفض شأن أهل
البطالة من الصوفية الجهلة وحذر من بدعهم، واتباع طريقهم. انتهى.
وذكر ابن الحنبلي أنه كان يعظ بصحن الجامع بحلب شرقيته
تارة، وبغربيته أخرى، وإذا حضر مجلس وعظه يأتي بين علمين يوضعان له آخراً على جنب
كرسيه، وكان للناس إقبال عليه، وميل زائد إليه، وكان الشيخ أبو يزيد الحيشي يعظ
على أسلوبه غير أن الناس كانوا لا يقبلون عليك كإقبالهم على المقدسي، فاستنهض
جماعة لمنعه من الوعظ، وذكر عنه أنه يلحن فحضروا لسماعه، فبلغ الشيخ شمس الدين
المقدسي أمرهم، فلم يحضر ذلك اليوم، ثم تلاشى أمره قال ابن الحنبلي: وقد بلغني أنه
توجه في آخر أمره إلى الباب العالي السليماني، فأعطي نظر بيت المقدس، ومات به سنة
ثمان أو تسع وثلاثين وتسعمائة، وفي تاريخ ابن طولون أنه صلي عليه غائبة بجامع دمشق
يوم الجمعة تاسع عشر شوال سنة ثمان وثلاثين، وأنه توفي ببيت المقدس يوم السبت قبله.
محمد بن محمد بن سلطان
محمد بن محمد بن عمر بن سلطان الشيخ الإمام العلامة،
المحقق المدقق الفهامة، شيخ الإسلام، مفتي الأنام، ببلاد الشام، أبو عبد الله قطب
الدين، ابن القاضي كمال الدين، المعروف بابن سلطان الدمشقي، الصالحي الحنفي،
ميلاده في الليلة الثانية عشرة من ربيع الأول سنة سبعين وثمانمائة، أخذ عن قاضي
القضاة، عبد البر بن الشحنة، وغيره، وله مؤلف في الفقه، ورسالة في تحريم الأفيون،
وغير ذلك، وذكر ابن طولون في تاريخه مفاكهة الأخوان أن الشيخ قطب الدين ابن سلطان
صاحب الترجمة، اجتمع هو والشيخ تقي الدين القاري، يوم الجمعة خامس عشر ربيع
الثاني، سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة، عند النائب بالشباك.... وعرفه بأن البركة،
التي عزم على بنائها، وسط الجامع الأموي، لا يجوز، وقد كان رمى آلتها، وجاء
بالحجارة من عمارة جامع بيت لهيا، فقام النائب مغتاظاً، فاجتمعوا ثاني يوم، ومعهم
الجلال البصروي، وخطيب الجامع، وجاء النائب، والقاضي الكبير، فعضدهم في المنع،
فكتب النائب إلى مفتي إسلام بول، يسأل عن جواز ذلك، وصنف القطب، فيها مؤلفاً سماه
البرق الجامع في المنع من البركة في الجامع، وذكر صاحب الترجمة قال والد شيخنا:
الشيخ يونس العيثاوي، وقال: كان
من أهل العلم الكبار، جليل المقدار، مهيباً عظيماً، نافذ الكلمة، عند الدولة يردون
الأمر، إليه في الفتوى، ماسك زمام الفقهاء في التجمل بأحسن الثياب، يعرف مقام
الشافعية، وما هو لهم من القدم على غيرهم، ويرفع مقامهم، كان بيده تدريس القصاعية
المختصة بالحنفية، وتدريس الظاهرية، التي هي سكنه، والنظر عليها، وكان له تدريس في
الجامع الأموي، وغير ذلك من المناصب العلية، وولي القضاء بمصر في زمن الغوري نيابة
عن شيخه ابن الشحنة، وكف بصره من بعد مع بقاء جمال عينيه، بحيث يظن أنهما بصيرتان،
وكان حسن الوجه، والذات، وكان يملي من الكتب الجواب على الأسئلة التي ترفع إليه،
واتخذ خاتماً منقوشاً يختم به على الفتوى، خوفاً من التلبيس عليه، قال: بتحريم القهوة
التي حدثت بدمشق، وقال إنها من جملة المصائب التي حدثت بهذا الزمان. قال:
وحدثني عن شيخنا السيد كمال الدين يعني ابن حمزة أنه كان يسمي بيت القهوة،
الخمارة، وأنه لما سلم عليه حال رجوعه من مصر سأله عن رجل كيف حاله فقال إنه ملازم
الخمارة فقال له: كيف جرى؟ قال: حدثت بمصر شرب القهوة، يجتمعون عليها كاجتماعهم
على شرب الخمر، وهو معهم قال: وحدثني أن من جملة أشياخه الشب برهان الدين الناجي،
أخذ عنه الحديث، وامتنع آخراً من الكتابة على الفتيا، في الطلاق في مسألة
الاستثناء، وأصاب لجهل الحالف بشرطه، وداوم على قراءة القرآن مع جماعة يختلفون
إليه في آخر أمره، ووقف وقفاً على جماعة يجتمعون كل ليلة جمعة في الجامع الأموي
يذكرون الله عز وجل، ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم توفي ليلة الثلاثاء سبع
عشري ذي القعدة الحرام سنة خمسين وتسعمائة، وصلي عليه في الجامع الأموي، ودفن داخل
تربة القلندرية، من باب الصغير ببيت مسقف قديم معد للعلماء، والصلحاء من الموتى، وأوصى
أن يلقن بعد دفنه فلقنه أحد السادة الشافعية، وكان يتعبد بمذهب الشافعية رحمه الله
تعالى.
محمد بن محمد الخناجري
محمد بن محمد الشيخ الإمام العلامة، العمدة الحجة
الفهامة، شمس الدين الخناجري والده ديري الأصل الحلبي الشافعي، المعروف والده بابن
عجل، كان له يد طولى في الفقه، والفرائض، والحساب، مع المشاركة في فنون أخر، قرأ
في النزهة على العلامة جمال الدين ابن النجار المقدسي الشافعي الوفائي ، صاحب
المنظومة المسماة، بغية الرامض، في علم الفرائض، بحق قراءته لها على مؤلفها ابن الهايم،
وقرأها على ابن الحنبلي على ابن الخناجري، وكان صاحب الترجمة، لطيف المحاضرة، حسن
المعاشرة، كثير المعاطفة، والممازحة، وخفة الروح، وانشراح الصدر، وكان مع ذلك
معتقداً في الصوفية سراً، وذكر ابن الحنبلي أنه كان يسمع الآلات ويقول أنا ظاهري،
أعمل بقول ابن حزم الظاهري، وقال: ذلك مرة في حضور الموفق ابن أبي ذر، على لسان
المباسطة فقال له: إن من الحزم ترك قول ابن حزم، وذكره شيخ الإسلام الوالد في
رحلته فقال: الشيخ الإمام، والحبر البحر الهمام، شيخ المسلمين أبو محمد والد محمد
شمس الدين الخناجري الشافعي شيخ الفواضل والفضائل، وإمام الأكابر والأفاضل، بدر
الإنارة المشرق لسرى القوافل، وشمس الحقائق التي مع ظهورها النجوم أوافل، له
المناقب الثواقب، والفوائد الفرائد، والمناهج المباهج، وله بالعلم عناية تكشف
العماية، ونباهة تكسب النزاهة، ودراية تقصد الرواية، ومباحثة تشوق، ومناقبه تروق،
مع طلاقة وجه، وتمام بشر، وكمال خلق، وحسن سمت، وخير هدي، وأعظم وقار، وكثرة صمت،
ثم أنشد:
ملح كالرياض غازلت الشمس ... رباها وأفتر عنها الربيع
فهو للعين منظر مونق الحسن ... وللنفس سؤدد مجموع
ثم قال: وقد كان اجتمع بي، وبوالدي شيخ الإسلام في مصر،
ثم في الشام، ووقع بيني وبينه مفاوضة، ومذاكرة، ومباحثة، ومحاورة مع اذعانه لما
أذكر، وقبوله لما أقول، وهو يدعو لي ويشكر، وعلى الله تعالى القبول، انتهى ومن
لطائف القاضي جابر متغزلاً مورياً باسم صاحب الترجمة والبدر السيوفي شيخي حلب:
سللن سيوفاً من جفون لقتلتي ... وأردفنها من هدبها بخناجر
فقلت أيفتى في دمي قلن لي أجل ... أجاز السيوفي ذاك وابن
الخناجر
وكانت وفاته في يوم عرفة سنة أربعين وتسعمائة، بعد وفاة
الشيخ شهاب الدين الهندي، بأشهر فقال ابن الحنبلي يرثيهما:
توفي شيخنا الهندي في رحب رمسه ... ففاضت دموعي من نواحي
حناجري
ومن بعده مات الإمام الخناجري ... وبان فكم من غصة في
الحناجر
وصلي عليه غائبة في الجامع الأموي بدمشق يوم الجمعة خامس
المحرم سنة إحدى وأربعين وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة.
محمد بن محمد الحنفيمحمد بن محمد المولى العلامة محيي
الدين ابن بير محمد باشا الحنفي، أحد موالي الرومخ، قرأ على والده، ثم خدم المولى
ابن كمال باشا علاء الدين الجمالي، وصار معيداً لدرسه، ثم درس بمدرسة مصطفى باشا بالقسطنطينية،
ثم بإحدى المدارس الثمان، ثم صار قاضي أدرنة، ومات قاضياً بها، وكان عالي الهمة،
رفيع القدر، له أدب، ووقار، وحظ وافر، من العلوم المتداولة توفي رحمه الله تعالى
في سنة إحدى وأربعين وتسعمائة.
محمد بن محمد بن مغوش
محمد بن محمد الشيخ الإمام، المحقق المدقق، العلامة
الملقب، بمغوش - بمعجمتين - التونسي
المالكي، اشتغل على علماء المغرب، وسمع الصحيحين، والموطأ، والترمذي، والشفاء وقرأ
البعض من ذلك على الشيخ العلامة الصدر الكبير المعمر، أبي العباس أحمد الأندلسي
المعروف، بالمشاط ، وسمع صحيح البخاري، وصدر مسلم على ولي الله الشيخ أبي عبد الله
أحمد البكي المغربي، بحق روايته لذلك عن شيخ الإسلام، ابن حجر المصري، وفضل في
بلاده، وبرع، وتميز، وولي قضاء عسكر تونس، في دولة سلطانها مولاي حسن بن محمد بن
عثمان بن المنصور بن عبد العزيز الحفصي، ثم قدم من طريق البحر، إلى القسطنطينية،
في دولة السلطان سليمان خان بن عثمان خان، فعظمه، وأكرم مثواه، ورتب له علوفة
حسنة، وشاع فضله بين أكابرها، وأخذ عنه جماعة من أعيانها حتى صار قاضياً للعسكر إذ
ذاك، ولم يزل بها معظماً مبجلاً، نشر الفوائد، وحرر الفرائد، وأملى بها أمالي على
شرح الشاطبية للجعبري، إلى أثنائه، وكان مسكنه بها في عمارة الوزير محمود باشا، ثم
استأذن من السلطان، في الرحلة إلى مصر واعتذر بعدم صبره على شتاء الروم، وشدة
بردها فأذن له في الرحلة إليها، وأمر أن يستوفي ما عين له، من العلوفة من خزنتها،
فتوجه إلى البلاد المصرية، من طريق البر في سنة أربع وأربعين وتسعمائة، فدخل حلب
وانتدب للقراءة عليه، والأخذ عنه جماعة، من أهلها منهم ابن الحنبلي، وقرأ عليه في
العضد دروساً، ثم توعك بها، وعوفي، ثم سافر من حلب في صحبته الشمس الطبلي ودخلا
طرابلس، وأقام بها مدة وانتفع به، أهلها في النحو وغيره، ثم رحلا منها إلى دمشق
فدخلاها يوم الثلاثاء رابع جمادى الأولى من السنة المذكورة، ونزل بجامع تنكز، ثم
انتقل إلى بيت القاضي زين الدين معروف الصهيوني الشافعي، داخل دمشق فاجتمع به أفاضلها،
وشهدوا له بالعلم، والتحقيق خصوصاً في التفسر، والعربية، والمنطق، والكلام،
والعروض، والقراءات، والمعاني، والبيان وقالوا: لو يرد إلى دمشق من مستحضر كلام
السعد التفتازاني، والسيد الشريف، ويقرره، وما يرد عليه، وقرأ عليه الشيخ علاء
الدين بن عماد الدين الشافعي، في أوائل تفسير القاضي البيضاوي، فأفاد وأجاد إلى
الغاية، حتى أذهل العقول، وقرأ عليه القاضي معروف رسالة الوجود للسيد الشريف، وبعض
شرح آداب البحث للمسعودي، وقرأ عليه الشيخ شهاب الدين الطيبي في القراءات، وأجازه
إجازة حافلة، ثم سافر من دمشق في يوم الاثنين سادس عشر جمادى الآخرة من السنة
المذكوره، وودعه جماعة من الطلبة إلى داريا وألف تلميذه الشيخ شهاب الدين الطيبي
مؤلفاً في تاريخ سفره، بالكسور العددية، وسماه السكر المرشوش في تاريخ سفر الشيخ
مغوش، وقال ابن الحنبلي في ترجمته، كان عالماً علامة متفننا مفننا، ذا ادراك عجيب،
واستحضار غريب، حتى أنه كان في قوته أن يقريء مثل العضد المرة بعد المرة، من غير
مطالعة، قال ولده محمد: وكان من عادته الاستلقاء على القفا، ولو حالة التدريس،
وعدم النهوض لمن ورد عليه، من الأكابر إلا لبعض الأفراد، وقليل ما هم كل ذلك لما
كان عنده من حب الرفاهية، والراحة، والانبساط، والشهامة، انتهى.
وقال صاحب الشقائق: بعد أن ذكر أنه أخذ عن الشيخ مغوش،
وقرأ عليه، وبحث معه، كان رحمه الله تعالى آية كبرى، من آيات الله في الفضل
والتدقيق، والحفظ، والتحقيق، وكان يقريء القرآن العظيم للسبعة، بل للعشرة، من حفظه
بلا مطالعة كتاب، وكان يعرف علم النحو، والصرف، في غاية ما يمكن، وكان شرح
التلخيص، مع حواشيه، للسيد في حفظه، من أوله إلى آخره، مع تحقيقات، وتدقيقات
زائدة، من عنده وكذا شرح الطوالع للأصفهاني، وشرح المواقف للسيد الشريف، كانا
محفوظين له مع اتقان، وتدقيق، وكذا شرح المطالع للعلامة قطب الدين الرازي، كان في
حفظه من أوله إلى آخره، وكانت قواعد المنطق محفوظة، له بحيث لا يغيب منها شيء عن
خاطره، وكذا التلويح في شرح التوضيح، وشرح مختصر ابن الحاجب للقاضي عضد الدين
الأيجي، مع حواشيه في حفظه، ولم نجد شيئاً من قواعد علم الأصول إلا وهي محفوظة،
وكذا الكشاف، مع حواشي الطيبي، كان محفوظاً من أوله إلى آخره، وبالجملة كان من
مفردات الدنيا، إلى أن قال: ومع ذلك كان لين الجانب، طارحاً للتكليف، متصفاً بالأخلاق
الحميدة، وكان مشتغلاً بتلاوة القرآن في أعم أوقاته، وكان يطالع في حفظه، كلما
أراد من العلوم، ولم يكن عنده كتاب، ولا ورقة، أصلاً انتهى.
وكانت وفاته - رحمه الله تعالى - كما ذكره ابن الحنبلي،
في تاريخه نقلاً عن تلميذ الشيخ مغوش البرهمتوسي الحنفي، وفي العشر الأواخر من
شعبان سنة سبع وأربعين، وقيل ثمان وأربعين وتسعمائة، كذا قال ابن الحنبلي: قلت:
والظاهر الأول لأن ابن طولون ذكر في تاريخه، أنه صلي عليه غائبة بجامع دمشق، يوم الجمعة
سابع شوال، سنة سبع بتقديم السين وأربعين وتسعمائة، قيل: ومطر الناس يوم دفنه، وعمر
عليه داود باشا نائب مصر، عمارة بجوار الإمام الشافعي وحدثنا شيخنا شيخ الإسلام،
أقضى القضاة، المحب الحنفي، فسح الله في مدته، أنه قرأ على قبره ما نصه:
أيا ملك العلماء يا من ... به في الأرض أثمر كل مغرس
لئن أوحشت تونس بعد بعد ... فأنت لمصر ملك الحسن تونس
قلت: ولقد أحسن الشيخ محمد الفارضي المصري في قوله يرثيه:
تقضى التونسي فقلت بينا ... يروح كل ذي شجن ويونس
أتوحشنا وتونس بطن لحد ... ولكن مثل ما أوحشت تونس
ورثاه ابن الحنبلي، لما بلغه وفاته بقصيدة قال فيها:
أدخل في ظل عفوه الأحد ... من لا يداني مثله أحد
عالم إقليم تونس حرست ... من فرقة للضلال تعتقد
ومن تولى قضاء عسكرها ... فما تولى عن معدم مدد
وانتشرت للورى فواضله ... فما لها مثل فضله عدد
وكان بحراً بجوفه درر ... روية لا تزال تتقد
ومن علوم غدت لفرقته ... ذات أمس ليس دونها جلد
فاللغة اختل نظم مجملها ... كأنما خان روحها الجسد
والنحو ما زال باب ندبته ... يبكى عليه لفرط ما يجد
والشعر لولا رثاؤه انقطعت ... أسبابه بل ولم يكن وتد
ذو دقة في البيان منشاها ... فرط ذكاء وفطنة تقد
ومنهل في البديع باذله ... حلو، وأين النبات والبرد
ذو قدم في الأصول راسخة ... بكى لفقدان مثلها العضدخ
وذو كلام عدت طوالعه ... عوادياً حين عاد يفتقد
من مغرب الشمس شمسه بزغت ... ثم اضمحلت بعكس ما نجد
توزن بالساعة التي، قربت ... وأن أهل الكمال قد بعدوا
مضى مغوش لروض تربته ... تاريخه من كان حوضه يرد
وأعطش الواردين حين مضى ... فاحترقت من فراقه الكبد
إلى أن قال:
أدخله الله ظل رحمته ... فهو الرحيم المهمين الصمد
محمد بن محمد أحد موالي الروم
محمد بن محمد، المولى العلامة، محيي الدين الحنفي، أحد
موالي الروم، المعروف بابن قطب الدين، قرأ على الشيخ مصطفى العجمي، ثم على المولى
سيدي جلبي القوجوي، ثم على المولى يعقوب ابن سيدي، ثم على الفاضل بن المؤيد، ثم
صار مدرساً بمدرسة أحمد باشا بمدينة بروسا، ثم ترقى في التداريس، وولي قضاء حلب،
ثم بروسا، ثم إسلام بول، ثم ولي قضاء العساكر الأناظولية، ثم عزل عنه، وأعطي تدريس
إحدى الثماني، وعين له كل يوم مائة وخمسون عثمانياً، وما مكث إلا يسيراً حتى ترك
التدريس، والمناصب، وذهب إلى الحج الشريف، ثم رجع إلى الروم، وتقاعد
بالقسطنطينينة، وعين له كل يوم مائة وخمسون عثمانياً، وكان كما قال صاحب الشقائق،
عالماً فاضلاً صالحاً، ورعاً محباً للصوفية، سالكاً لطريقهم، واعتزل الناس، واشتغل
بخويصة نفسه، وكان لا يذكر أحداً إلا بخير، وكان له معاملة مع الله تعالى، وقال
ابن الحنبلي كان أصيلاً عريقاً ينسب أباه إلى قاضي زاده الرومي، والعلاء القوشجي،
ذا حشمة وسكينة، ووقار، واعتقاد في أهل الصلاح، وشغف بكلام الصوفية، وتبجيل
العلماء، وذكر أيضاً أنه كان في ولايته بحلب عفيفاً عن الرشى صابراً على تلاحي
الخصام مسامحاً لمن ربما يسمعه غليظ الكلام وكان لا يفصل بين الحكومات المشكلة إلا
بعد التروي الكلي، في مدة مديدة، لم يقضي بالحق، وكان يكره أهل التزوير، ويعزرهم،
وتعفف في آخر عمره عن أخذ سجلات الحسبة، ومن شعر ابن الحنبلي، مؤرخاً لتولية
المشار إليه قضاء العسكر:
تولى ابن قطب الدين قاضي عسكر ... على وفق ما ترجو
الأعاجم والعرب
فأبديت تاريخ الولاية قائلاً: ... يطاع يقيناً في ولايته
القطب
وكانت وفاته في سنة سبع - بتقديم السين - وخمسين وتسعمائة.
محمد بن محمد إمام الباشورةمحمد بن محمد بن عبيد، الشيخ
الفاضل الصالح الواعظ، نجم الدين، ابن الشيخ العالم الصالح المقرىء المجيد، شمس
الدين محمد الضرير، إمام مسجد الباشورة، توفي نهار الجمعة، بعد العصر سادس عشري ذي
القعدة سنة ستين وتسعمائة، ودفن يوم السبت على والده في تربة باب الصغير رحمه الله
تعالى.
محمد بن محمد القرمشيمحمد بن محمد الأمير نجم الدين القرشي،
الدمشقي، كان فاضلا يقرأ القرآن، ويبكي عند التلاوة، وكان بينه وبين الشيخ علاء
الدين بن عماد الدين الشافعي، مودة ومحبة، مات في سنة ستين أو إحدى وستين،
وتسعمائة، ومات بعده ولده الأمير محمد، كنز الدين بتسعة أشهر، وهو والد محمد جلبي
ابن القرمشي.
محمد بن إبراهيم البلبيسيمحمد بن إبراهيم بن محمد بن
مقبل، الشيخ العلامة شمس الدين البلبيسي، ثم المقدسي، ثم الدمشقي الشافعي الوفائي،
واعظ دمشق، أخذ عن الشيخ أبي الفتح السكندري، المزي، وغيره وكان أسن من الإمام
الوالد، ومع ذلك أخذ عنه، فذكره الشيخ الوالد، في فهرست تلاميذه، وقال: أجزته بعض
مؤلفاتي، وأشعاري وحضر دروساً من دروسي، وسألني في تأليفي منظومتي، المكما المسماة
بنظم الدرر، في موافقات عمر، وفي شرحها قال: وقد تعرضت لذلك إشارة فيها، وتصريحاً
في شرحها انتهى.
وكان الوفائي مجاوراً في خلوة بالخانقاه الشميصاتية، لصيق
الجامع الأموي، وانقطع بها خمس سنوات، وقد تعطل شقه الأيسر، وفي يوم السبت حادي
عشر رجب سنة خمس وثلاثين، دخل عليه اثنان من المناحيس، وهو على هذه الحالة، فأخذا
منه منديل النفقة بما فيه، وعدة من كتبه، وذهباً، كان عنده، وكان ذلك قبل صلاة
الصبح فأقام الصوت عليهما، فلم يدركا كما ذكره ابن طولون في تاريخه، وكان ذلك
زيادة في ابتلائه رحمه الله تعالى فإنه كان من عباد الله الصالحين، وكانت وفاته في
رجب سنة سبع وثلاثين وتسعمائة.
محمد بن إبراهيم الشنائيمحمد بن إبراهيم الشيخ الإمام
العلامة، شمس الدين أبو عبد الله بن البرهان الشنائي المالكي، قاضي القضاة بالديار
المصرية، كان ممن جمع بين العلم، والعمل قواماً صواماً، له شرح على الرسالة، عظيم
وعدة تصانيف مشهورة، وكان ممن أجمع الناس على جلالته، وتحريره لنقول مذهبه، أخذه عنه
السيد عبد الرحيم العباسي الإسلابولي وغيره، وكان موجوداً في سنة سبع بتقديم السين
وثلاثين وتسعمائة.
محمد بن إبراهيم بن بلبان البعلي
محمد بن إبراهيم بن بلبان، الشيخ الصالح شمس الدين
البعلي، المعروف بجده مولده، كما قرأته بخطه في إجازته لشيخنا العلامة نور الدين
محمد البيلوني الحلبي، تاسع عشر المحرم سنة إحدى وسبعين وثمانمائة، أخذ ورد ابن
داود عن الشيخ عبد القادر ابن أبي الحسن البعلي، الحنبلي، بحق روايته، عن ولد
المصنف للورد المذكور، سيدي عبد الرحمن بن أبي بكر، ابن داود عن أبيه، وكانت إجازته
لشيخنا المذكور بالجامع الجديد بدمشق، سنة ثلاث وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى
رحمة واسعة.
محمد بن أبي بكر ابن قاضي عجلونمحمد بن أبي بكر، بن عبد
الله، بن عبد الرحمن، بن محمد بن شرف، الشيخ العلامة، قاضي قضاة الشافعية، بدمشق
نجم الدين ابن شيخ مشايخ الإسلام، تقي الدين ابن قاضي عجلون الشافعي، مولده بدمشق
سابع عشر شوال سنة أربع وسبعين وثمانمائة، وقرأ القرآن العظيم، واشتغل على والده
في المنهاج، وغيره، ودرس نيابة عن والده بمدرسة شيخ الإسلام، أبي عمر، وولي خطابة
جامع يلبغا، وفوض إليه قاضي القضاة شهاب الدين بن الفرفور، نيابة الحكم يوم الخميس
حادي عشر جمادى الأولى سنة أربع وتسعمائة، ولما دخل مع أبيه إلى القاهرة، في حادثة
محب الدين ناظر الجيوش المتقدمة، في ترجمة السيد كمال الدين بن حمزة، ولاه السلطان
الغوري قضاء القضاة بالشام، استقلالاً في ثامن عشر جمادى الأولى سنة أربع عشرة
وتسعمائة، ودخل دمشق، هو وأبوه ثامن عشري شعبان، منها واعتقل بقلعة دمشق، في
جامعها في عشية الخميس تاسع عشري جمادى الآخرة، من سنة خمس عشرة وتسعمائة ثم عزل
في ثاني ذي القعدة منها، وأعيد القاضي ولي الدين بن الفرفور، وتوفي القاضي نجم
الدين ليلة الثلاثاء عاشر ربيع الثاني سنة خمس وثلاثين وتسعمائة، ودفن عند والده
بتربة باب الصغير.
محمد بن أبي الطيب البكري الحلبيمحمد بن أبي الطيب، بن
محمود الشيخ شمس الدين البكري الحلبي القلعي الشافعي، ولي خطابة الجامع وإمامة
المقام بحلب وتوفي سنة إحدى وخمسين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن أحمد الكفتيمحمد بن أحمد الشيخ شمس الدين،
الدمشقي الكفتي، أحد العدول بدمشق، توفي يوم الثلاثاء خامس عشر رجب سنة خمس
وثلاثين وتسعمائة، ودفن بباب الصغير رحمه الله تعالى.
محمد بن أحمد بن الفرفورمحمد بن أحمد، بن محمود، بن عبد
الله، بن محمود قاضي القضاة، ولي الدين، ابن قاضي القضاة، شهاب الدين، بن الفرفور
الدمشقي، الشافعي، مولده في ثامن عشر جمادى الأولى، سنة خمس وتسعين، بتقديم -
التاء - وثمانمائة
- وحفظ القرآن العظيم، والمنهج في الفقه لشيخه شيخ الإسلام، زكريا، وجمع الجوامع
لابن السبكي، وألفية ابن مالك، وأخذ الفقه بدمشق عن شيخ الإسلام تقي الدين ابن
قاضي عجلون، وبالقاهرة عن قاضي القضاة زكريا، المذكور، والبرهان ابن أبي شريف،
وأخذ الحديث بدمشق عن الحافظ برهان الدين الناجي، والشيخ أبي الفتح المزي، والشيخ
أبي الفضل ابن الإمام، والشيخ جمال الدين بن عبد الهادي، وبمصر عن الشيخ المحدث
تقي الدين ابن الشيخ محب الدين، الأوجاقي، وغيره، وأجاز له جماعات في عدة
استدعاآت، وولي قضاء قضاة الشافعية، بدمشق بعد وفاة أبيه وعزل عنه وأعيد إليه
مراراً آخرها في سنة ثلاثين وتسعمائة، وولي قضاء حلب سنة ست وعشرين وتسعمائة، وعزل
عنه في أثناء صفر سنة سبع وعشرين، وعاد إلى دمشق، وكان آخر قاض تولى حلب من قضاة
أولاد العرب، ومع توليته بدمشق، وحلب في الدولة العثمانية لم ينتقل عن مذهبه، وصار
لنائب الشام عيسى باشا عليه حقد آخراً، فسافر من دمشق يوم الاثنين ثامن عشر رمضان
سنة ست وثلاثين، وسافر في صحبته شيخ الإسلام الوالد، قاصدين بلاد الروم، ودخل حلب
يوم الأربعاء سابع عشري رمضان المذكور، وعيدوا بها، فلما كان يوم الاثنين ثالث شهر
شوال حضر أولاقان ، من جهة عيسى باشا نائب الشام، ومعهما مكاتبات يخبر فيها بحضور
مرسوم سلطاني بعود القاضي الفرفور محتفظاً للتفتيش عليه، وتحرير ما نسب من المظالم
إليه، وأن المتولي عيسى باشا، وقاضي الشام ابن إسرافيل مكانه، فرجع ابن الفرفور
إلى دمشق، وسافر شيخ الإسلام الوالد إلى بلاد الروم كما بينه الشيخ الوالد في
رحلته:
سارت مشرقة وسرت مغرباً ... شتان بين مشرق ومغرب
ووصل ابن الفرفور إلى دمشق يوم الثلاثاء تاسع عشر شوال،
ووضع في قلعتها ثم نودي من الغد بالتفتيش عليه، وشرع في ذلك من يوم السبت ثاني
عشري شوال واستمر التفتيش عليه أياماً في نحو خمسة عشر مجلساً قال الشيخ الوالد:
رحمه الله تعالى: وخرج عليه من كان داخلاً فيه، وراكناً إليه، وشدد عليه في
الحساب، من كان يعده من الأحباب، فأتاه الخوف من جانب الأمن، ومن حيث أمل الربح
جاء الغبن، ثم أنشد:
رب من ترجو به دفع الأذى ... عنك يأتيك الأذى من قبله
ريما يرجو الفتى نفع فتى ... خوفه أولى به من أمله
وبقي مسجونا بالقلعة، إلى أن توفي بها في يوم الثلاثاء،
سلخ جمادى الآخرة سنة سبع وثلاثين وتسعمائة، ودفن بتربته التي أنشأها شمالي ضريح
الشيخ أرسلان، رضي الله تعالى عنه، ورثاه جماعة منهم، الشيخ علاء الدين بن عماد
الدين فقال:
إلى الله أشكو ما لقيت من البعد ... وما حل بي يوم الفراق
من الوجد
نأى راحلاً عن منزلي من أحبه ... وأصبحت ولهاناً من البعد
والصد
وأهون شيء ما أقاسي من الجوى ... إذا ما صفا عيش الأحبة
من بعد
خليلي نوحا وانعيا في الورى فتى ... لقد كان بين الناس
كالعلم الفرد
غريق الذرى قاضي القضاة الذي رقى ... إلى الغاية القصوي
بالحلم والرشد
أذاب فؤادي بالفراق وهجره ... سقاني أخير العصر من أول
الرعد
لقد كان أعلى الناس في المجد مطلقاً ... وأوفاهم بالقول
والفعل والعهد
وكان إمام الناس شامة جلق ... جزيل العطا مبدي الندى حاتم
المجد
لقد أظلم الأكوان فيه فراقه ... وصار ضياء الشمس كالفاحم
الجعد
وقد كان قطب الكون والناس حوله ... نجوم وهم في طالع العز
والسعد
ألا يا بروحي هل لك اليوم عودة ... فتقري سلامي جيرة
العلم الفرد
إذا زمزم الحادي بذكراه في الورى ... يسابقه ركب من الدمع
في خد
وصفت بمحمر من الدمع بعده ... من الرمل مبيضاً لأرعى به
عهدي
وقد كان ذا عزم وحزم وهيبة ... وأولى الندى للناس من كان
في المجد
فيا رب بالمختار طه محمد ... تجازي ابن فرفور بجنتك الخلد
تعامله بالغفران والعفو والرضى ... إذا ما أضا برق يجيء
بني سعد
محمد بن أحمد الغمري المصري
محمد بن أحمد الشيخ الصالح الورع، سيدي أبو الحسن ابن
الشيخ العارف بالله تعالى، سيدي أبي العباس الغمري المصري الشافعي الصوفي، رأى
الشيخ محمد الشناوي في منامه، أن نخلة في جامع الغمري قطع رأسها، فطلع لها رأس في الحال،
فأول ذلك أن سيدي أبا الحسن يخلف أباه، فكان كذلك قال الشعراوي: جاورت عنده
ثلاثين سنة ما رأيت أحداً من أهل العصر على طريقته في التواضع والزهد وخفض الجناح،
وكان يقول: إذا سمع أحداً يعد ذهباً يضيق صدري، وكان لا يبيت وعنده دينار ولا
درهم، ويعطي السائل ما وجد حتى قميصه الذي عليه، وكان يخدم في بيته ما دام فيه،
ويساعد الخدام يقطع العجين، ويغسل الأواني، ويقد تحت القدر، ويغرف للفقراء بنفسه،
وكان شديد الحياء لا ينام بحضرة أحد أبداً ويقول: أخاف أن يخرج مني ريح وأنا نائم،
وكان حمل المعاشرة خصوصاً في السفر لا يتخصص بشيء عن الفقراء، وكان كثير التحمل
للبلاء لا يشكو من شيء أصلاً، وكان حلساً من أحلاس بيته لا يخرج منه إلا للصلاة وقراءة
الجزء أو حاجة ضرورة، وإذا خرج ترك الأكل والشرب لئلا يحتاج إلى قضاء الحاجة في
غير منزله، مات - رضي الله تعالى عنه - في سنة تسع - بتقديم التاء - وثلاثين وتسعمائة،
ودفن عند والده في المقصورة أخريات الجامع التي من إنشاء أبيه سيدي أبي العباس
الغمري رضي الله تعالى عنه. محمد بن أحمد الرملي: محمد بن أحمد بن أحمد بن محمد بن
عبد الله بن نصر الشيخ أبو الفضل الرملي، أحد العدول بدمشق، والإمام بالجامع
الأموي شريكا للشيخ تقي الدين القاري، ذكر ابن طولون أنه كان حسن السياسة، وكان
يرجع إليه الناس في المحكمة الكبرى، توفي يوم الاثنين ثاني عشر ربيع الأول سنة
إحدى وأربعين وتسعمائة عن دنيا واسعة، ومتاجرات، ووظائف قال ابن طولون، وكثر
الثناء عليه، واستقر الإمامة عليه بإشارة الأفندي ثم في يوم الجمعة، وصل مكتوب
الأمير علي باك الدفتر دار بحلب لشيخ الإسلام الوالد البدر الغزي، وفيه أنه
الإمامة عن الشيخ أبي الفضل الرملي، فباشرها شريكه العلامة الشيخ تقي الدين القاري.
محمد بن أحمد البكائيمحمد بن أحمد المولى محمد شاه ابن
المولى شمس الدين البكائي الحنفي، أحد الموالي الرومية، كان فاضلاً محققاً مشتغلاً
بنفسه لا يذكر أحداً بسوء، قرأ على جماعة ثم صار معيداً لدرس المولى علي الجمال
المفتي، ثم صار مدرساً بمدرسة مراد باشا بالقسطنطينية، ثم ترقى إلى إحدى المدارس الثماني،
ومات على ذلك في سنة إحدى وأربعين وتسعمائة.
محمد بن أحمد الخالديمحمد بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح
ابن مولانا جلال الدين الخالدي البكشي ، ثم السمرقندي الحنفي، المشهور بمنلا محمد
شاه كشهرة الذي قبله، غير أن ذاك رومي، وهذا عجمي، والأول مات بالروم، وهذا بحلب،
كان شيخاً معمراً نحيف البدن محققاً مدققاً متواضعاً سخياً، قرأ على أكابر علماء العجم
كالمنلا عبد الغفور اللاري أحد تلامذة منلا عبد الرحمن الجامي، قدم حلب في سنة خمس
وأربعين وتسعمائة متوجها إلى مكة هو وولده عبد الرحيم، وكان اشتغاله إذ ذاك
بمطالعة شرح الفصوص للجامي، وبكتابة حاشية على شرح الجامي على الكافية قال ابن
الحنبلي: اجتمعت به مراراً، واستفدت منه قال: وكانت وفاته في السنة المذكورة يعني
سنة خمس وأربعين، ودفن بمقبرة الصالحين بحلب.
محمد بن أحمد بن نقيب الأشراف بحلبمحمد بن أحمد بن يوسف،
السيد الشريف الحسني الإسحاقي، ابن نقيب الأشراف بحلب، كان له حشمة، وحسن ملتقى،
وانطلاق لسان، واقتدار على لطف العبارة. توفي في ذي الحجة سنة تسع وخمسين وتسعمائة
- رحمه الله تعالى - رحمة واسعة.
محمد بن أحمد البابيمحمد بن أحمد بن عمر الشيخ نجم الدين
ابن الفقيه الأصولي، شهاب الدين ابن الشيخ الصالح زين الدين البابي، ثم الحلبي
الشافعي الخطيب ابن الخطيب ابن الخطيب الشهير في مدينة الباب بابن صليلة، وفي حلب
بالنجم الإمام لأنه كان إماماً بخيربك الأشرفي كافل حلب، وربما كان يخطب في
الأعياد بجامع حلب، وكان له قراءة حسنة، وصوت جهوري مطرب، توفي في أواخر ذي الحجة
سنة خمسين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن أحمد الشويكي الحنبلي
محمد بن أحمد الشيخ العلامة شمس الدين الشويكي الصالحي
الحنبلي، كان فقيهاً وأفتى مدة، ثم امتنع من الإفتاء في الدولة الرومية، وكان
إماماً في الحاجبية، وكان أستاذاً في الفرائض والحساب، وله يد في غير ذلك توفي يوم
الاثنين يوم عاشوراء سنة تسع وأربعين وتسعمائة بغتة، عن نحو إحدى وأربعين سنة،
وصلي عليه بجامع الحنابلة في سفح قاسيون، ودفن إلى جانب قبر العلامة علاء الدين المرداوي
الحنبلي، مؤلف التنقيح عند ظهره شرقي صفة الدعاء بالسفح.
محمد بن أحمد الشهير بالمولى حافظمحمد بن أحمد بن عادل
باشا المولى الفاضل حافظ الدين الحنفي، أحد الموالي الرومية الشهير بالمولى حافظ،
أصله من ولاية بردعة في حدود العجم، قرأ في صباه على مولانا يزيد بتبريز، وحصل
عنده وبرع عليه واشتهرت فضائله وبعد صيته، ولما وقعت في العجم فتنة إسماعيل بن
أردبيل ارتحل إلى الروم، وخدم المولى الفاضل عبد الرحمن بن المؤيد، وبحث معه وعظم اعتقاده
فيه وزكاه عند السلطان أبي يزيد خان فأعطاه تدريساً بأنقره، فأكب هناك على
الاشتغال، وكان حسن الخط، سريع الكتابة، كتب شرح الوقاية لصدر الشريعة في شهر
واحد، ودرس هناك بشرح المفتاح للسيد، وكتب حواشي على بعض من شرح المواقف، وكتب
القسم الثاني من المفتاح في خمسة عشر يوماً بخط حسن، وكتب على حواشيه ما استحسنه
من شرح الفاضل الشريف، وأتم تلك الحواشي، والانتخاب في خمسة أشهر، ثم رحل إلى
القسطنطينية، وعرض الحاشية على ابن المؤيد، فوقعت منه الموقع وابتهج بها، ثم صار
المولى حافظ مدرساً بمدرسة الوزير علي باشا بالقسطنطينية، وكتب حواشي على شرح
المفتاح للسيد، ثم صار مدرساً بمدرسة إزينق، وكتب هناك رسالة في الهيولى عظيمة
الشأن، ثم أعطي تدريس إحدى المدارس الثماني، وكتب بها شرحاً على التجريد، ثم درس
باياصوفية وألف كتابا سماه مدينة العلم، ثم تقاعد عن التدريس، وعين له كل يوم سبعون
عثمانياً وأكب على الاشتغال بالعلم ليلاً ونهاراً لا يفتر عن مطالعة العلم بحيث
أتقن العلوم العقلية، ومهر في العلوم الأدبية، ورسخ في التفسير، وألف رسائل أخرى
كثيرة منها رسالة سماها نقطة العلم ورسالة سماها السبعة السيارة، وكان له أدب
ووقار. توفي في سنة سبع وخمسين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن أحمد بن الحمزاويمحمد بن أحمد بن أحمد بن يوسف بن
أبي بكر الشيخ شمس الدين ابن الحمزاوي، مولده سنة تسع بتقديم التاء وتسعمائة، وقرأ
على شيخ الإسلام الوالد في الفقه، وهو أخو القاضي كمال الدين الحمزاوي.
محمد بن إسماعيل بن الأكرممحمد بن إسماعيل بن الأكرم،
الشيخ الصالح شمس الدين، توفي هو والشيخ أحمد بن سعد الدين، والمحيوي، ولد صالح في
يوم واحد قال والد شيخنا ولعله يوم الجمعة من شهر شعبان سنة ثلاث وستين وتسعمائه،
ودفن بباب الفرادس، وصلى عليه قاضي القضاة أبو عبد الكريم في جم غفير.
محمد بن إدريس الحنفيمحمد بن إدريس المولى الفاضل السيد
الشريف محيي الدين الحنفي، أحد موالي الروم الشهير بمعلول أفندي، دخل إلى دمشق ثالث
عشر شعبان سنة أربع وأربعين وتسعمائة ذاهباً إلى مصر متولياً قضاءها.
محمد بن إسماعيل العجلونيمحمد بن إسماعيل بن محمد بن علي
بن إدريس الشيخ الإمام العلامة، شمس الدين العجلوني، ابن الشيخ الصالح الإمام
العالم الورع، عماد الدين الميموني الشافعي، قاضي عجلون كان من أخص جماعة شيخ
الإسلام الوالد، وتلاميذه، قسم عليه المنهاج والمنهج والتنبيه، وغير ذلك، وسمع
عليه جانباً من صحيح البخاري، بقراءة الشيخ برهان الدين البقاعي، وقرأ عليه شرح المنفرجة
الكبير للقاضي زكريا، وقسم عليه شرح جمع الجوامع هو والشيخ أبو بكر، والشيخ عمر
ولدا شيخ الإسلام شمس الدين ابن أبي اللطف المقدسيان، وكتب له الشيخ إجازة مطولة
أذن له فيها بالإفتاء والتدريس، وأثنى عليه كثيراً وقال في حقه: إنه من الفضلاء
المتمكنين ذو يد طولى في القراءات والفقه، ومشاركة حسنة في الحديث والأصول والنحو
وغير ذلك، قلت: وكانت وفاته في سنة خمس أو ست وخمسين وتسعمائة رحمه الله.
محمد بن الياس الرومي جوي زاده
محمد بن الياس، المولى الفاضل العلامة الكامل، محيي الدين
الحنفي، أحد الموالي الرومية، الشهير بجوي زاده، قرأ على علماء عصره ووصل إلى خدمة
سعدي جلبي ابن الناجي، ثم خدم المولى بالي الأسود، وصار معيداً لدرسه، ثم أعطي
تدريس مدرسة أمير الأمراء بمدينة بروسا، ثم ترقى في التدريس حتى أعطي إحدى الثماني،
ثم صار قاضياً بمصر، ثم عاد من مصر وقد أعطي قضاء العساكر الأناظولية عوضاً عن
قادري جلبي، فدخل دمشق يوم الثلاثاء ثامن رجب سنة أربع وأربعين وتسعمائة، ثم صار
مفتياً بالقسطنطينية، ثم تقاعد عن الفتوى، وعين له كل يوم مائتا عثماني، وكان
تقاعده عن الفتوى في خامس عشري صفر سنة ثمان وأربعين وتسعمائة، ويومئذ توجه
السلطان سليمان خان إلى بلاد قزوين وصدوين، وكان سبب عزله عن الفتوى انحراف
السلطان عليه بسبب إنكاره على الشيخ محيي الدين بن العربي، وغالب الأروام على
اعتقاده فخالفهم في ذلك، ووافقه على ذلك العلامة الشيخ إبراهيم الحلبي، ثم
القسطنطيني خطيب عمارة المرحوم السلطان محمد خان بن عثمان، ولكن خالفه في المسح
على جوارخ الجوخ غير المجلد والنعل، فقال صاحب الترجمة: بالمنع وقال الشيخ
إبراهيم: بالجواز. ذكر
ذلك الشيخ شمس الدين ابن طولون في تاريخه مفاكهة الخلان قال: والصواب إن كان خف
الجوخ مما يستمسك بنفسه، ويمكن تتابع المشي فيه لغلظه وقوته، صح وإلا فلا، وولى
السلطان عن صاحب الترجمة في الفتوى قاضي العساكر قادر جلبي، ثم صار صاحب الترجمة
بعد التقاعد مدرساً بإحدى الثماني، ثم قاضياً بالعساكر الرومتلية، وكان مرضي
السيرة، محمود الطريقة، طارحاً للتكليف، متواضعاً مقبلاً على الاشتغال بالعلم،
مواظباً على الطاعات، مثابراً على العبادات، قوالاً بالحق لا يخاف في الله لومة
لائم، وكان يحفظ القرآن العظيم، وكان له يد طولى في الفقه والتفسير والأصول،
ومشاركة في سائر العلوم، وبالجملة كما قال صاحب الشقائق: كان سيفاً من سيوف الحق،
قاطعاً فاصلاً بين الحق والباطل، حسنة من حسنات الأيام، وله تعليقات لكنها لم تشتهر
مرض - رحمه الله تعالى - بعد صلاة العشاء، فلم يمض إلا نصف الليل حتى مات، وقيل
مرض بعد صلاة العصر، ومات قبل صلاة المغرب، وذلك في سنة أربع وخمسين وتسعمائة.
محمد بن بركات بن الكيالمحمد بن بركات، الشيخ الواعظ الفاضل،
شمس الدين ابن الشيخ الواعظ الفاضل زين الدين، بن بركات بن الكيال الشافعي، أسمعه
جماعة منهم والده على الشيخ برهان الدين الناجي وزوجه ابنته، واشتغل ووعظ بالجامع
الأموي، وغيره وكان خطيب الصابونية، وكان عنده تودد للناس توفي يوم السبت عشري
شوال سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة.
محمد بن بهاء الدين
محمد بن بهاء الدين، بن لطف الله الشيخ الإمام العلامة
المحقق الصوفي، المعمر المنور محيي الدين الحنفي، أحد الموالي الرومية الشهير
ببهاء الدين زاده، قرأ على المولى الفاضل مصلح الدين القسطلاني، ثم على معلم
السلطان أبي مزيد خان المولى المعروف بابن المعترف، ثم مال إلى التصوف، فخدم الشيخ
العارف بالله تعالى محيي الدين الأسكليبي، وبقي عنده حتى أجازه بالإرشاد، وجلس مدة
في وطنه بالي كسرى، ثم جاء إلى القسطنطينية، وجلس في زاوية شيخه المذكور بعد وفاة
المولى عبد الرحيم بن المؤيد، وربي كثيراً من المريدين، وكان عالماً فاضلاً في
العلوم الشرعية والفرعية ماهراً في العلوم العقلية، عارفاً بالتفسير والحديث،
والعربية، زاهداً ورعاً ملازماً لحدود الشريعة، مراعياً لآداب الطريقة، جامعاً بين
علوم الشرع ومعارف الحقيقة، ولما مرض مفتي التخت السلطاني علاء الدين الجمالي،
وطالت مرضته وعجز عن الكتابة قيل له اختر من العلماء من يكون مقامك، فاختار المولى
المذكور لوثوقه بفقهه وورعه وتقواه، وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، لا تأخذه
في الله لومة لائم، ووقع منه كلام في حق إبراهيم باشا الوزير بسبب الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر، فحنق عليه الوزير، فخافوا على الشيخ منه، وأشاروا إليه أن يسكت عنه
فقال: غاية ما يقدر عليه القتل وهو شهادة، والحبس وهو عزلة وخلوة، والنفي وهو هجر،
وله تآليف حسنة منها شرح الأسماء الحسنى وتفسير القرآن العظيم، وشرح الفقه الأكبر
للإمام الأعظم أبي حنيفة، جمع فيه بين طريق الكلام وطريق التصوف، وله في التصوف
رسائل كثيرة، ومن مكاشفاته ما حكاه صاحب الشقائق عن نفسه أنه لما كان مدرساً في
إحدى الثماني رأى في المنام في ثلث الليل الأخير أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى
إليه تاجاً من المدينة المنورة، فلما صلى الصبح دخل عليه رجل من قبل صاحب الترجمة
لم يكن دخل عليه قبل ذلك فقال له الشيخ: أن الواقعة التي رأيتها معبرة بأنك ستصير قاضياً،
ثم اجتمع به صاحب الشقائق بعد مدة فذكر له الواقعة، وتعبيره إياها مما تقدم فقال
له: نعم هو كذلك فقال له: إنما أطلب القضاء فقال له: لا تطلب، ولكن إذا أعطيته بلا
طلب، فلا تزده قال صاحب الشقائق: وكان هذا أحد أسبابه لقبول منصب القضاء، وحج صاحب
الترجمة في سنة إحدى وخمسين، فدخل بلاد الشام، ولما رجع في السنة القابلة مات ببلده
قيصرية ، ودفن بها عند قبر الشيخ إبراهيم القيصري، وهو شيخ شيخه.
محمد بن حسام قراجلبيمحمد بن حسام المولى محيي الدين أحد
الموالي الرومية المعروف بقراجلبي: ترقى في التداريس، حتى صار قاضياً بدمشق،
ودخلها في ربيع الأول سنة خمس وخمسين وتسعمائة ولم تطل مدة ولايته بها.
محمد بن حسن بن الحاج حسنمحمد بن حسن المولى الفاضل، محمد
شاه ابن المولى الحاج حسن، قرأ والده وغيره، ثم درس بمدرسة داود باشا
بالقسطنطينية، ثم بإحدى الثماني، وتوفي وهو مدرس بها، وله شرح على القدوري، وشرح
على ثلاثيات البخاري، وكان مكباً على الاشتغال بالعلم في كل أوقاته، وله مهارة في
النظم والنثر مات رحمه الله تعالى في سنة تسع - بتقديم التاء - وثلاثين وتسعمائة.
محمد بن حسان الدمشقيمحمد بن حسان الشيخ الصالح، شمس
الدين حسان الدمشقي الشافعي، أحد الفضلاء والبارعين قال ابن طولون: وكان غالباً
عليه التنزه توفي يوم الاثنين ثالث ذي القعدة سنة خمس وأربعين وتسعمائة، وصلي عليه
بمسجد الأقصاب، ودفن بمقبرة باب الفراديس - رحمه الله تعالى.
محمد بن الحسن بن عبادة الحلبيمحمد بن الحسن بن محمد بن
عبد الواحد بن علي بن محمد بن يوسف بن محمد ابن الشيخ الإمام شهاب الدين أحمد بن يوسف
بن عبد الواحد، الشيخ شمس الدين الأنصاري، المنسوب إلى سعد بن عبادة الحلبي
الحنفي، أحد عدول حلب في الدولتين. كان فقيهاً شروطياً حلو الخط نظيف العرض، له
استحضار لتواريخ الناس، وميل إلى مطالعة كتب التواريخ، وكان له حظوة عند قضاة حلب،
وقبول عند أهلها، وكان يتعاطى شهادة الجريدة بسوق حلب أيضاً، توفي بماء الأسد، ثم
بالإسهال، ليلة الاثنين تاسع عشري ربيع الثاني سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة، وأوصى
أنه لا يملك من المال سوى دينار واحد أعطاه إياه الشيخ محمد الحانوتي فهو يتبرك به.
محمد بن حمدان الدمشقيمحمد بن حمدان، القاضي عز الدين الصالحي،
ثم الدمشقي الحنفي، كان ناظراً على كهف جبريل بسفح قاسيون، وكان أحد رؤساء
المؤذنين بالجامع الأموي، وناب في الحكم لعدة من القضاة منهم قاضي القضاة ابن
يونس، وكان له حشمة وتأدب مع الناس تضعف سنين إلى أن توفي في أوائل ربيع الأول سنة
تسع وثلاثين وتسعمائة، ودفن بتربة باب الفراديس رحمه الله تعالى.
محمد بن خليل الصماديمحمد بن خليل بن علي بن عيسى بن أحمد
بن صالح بن عيسى بن محمد بن عيسى بن داود بن مسلم، الشيخ الصالح المعتقد المربي
المسلك، ولي الله العارف له شمس الدين الصمادي، ثم الدمشقي، الشافعي القادري شيخ
الطائفة الصمادية بالشام، كان - رضي الله تعالى عنه - من
أولياء الله تعالى، وكان في حال الذكر يظهر منه أمور خارقة للعادة، وكانت عمامته
وشدة من صوف أحمر، فيما ذكره ابن طولون والمعروف عنه من حال الصمادية، وضع الشدود
الحمر، والتعمم بالصوف الأبيض، ثم هم الآن يتعممون بالعمائم الخضر لثبوت نسبهم،
وكان الشيخ محمد المذكور مجالسه حسنة، وكان للناس فيه اعتقاد خصوصاً أعيان
الأروام، وسافر إلى الروم، واجتمع بالسلطان سليم خان ابن أبي يزيد خان ابن عثمان،
فاعتقده اعتقاداً زائداً، وأعطاه قرية كتيبة رأس الماء، ثم استقر الأمر على أن عين
له قرية كناكر تابع وادي العجم، وغلاها إلى الآن يستوفيه الصمادية بعضه لزاوية
الشيخ محمد المذكور بمحلة الشاغور، وبعضه لذريته، وكان يقرأ في كل سنة مولداً يدعو
إليه أعيان دمشق، وطلبتها وصلحاءها، ويمد لهم سماطاً، ويكرمهم ويحسن قراهم، واشتهر
أمره وأمر آبائه من قبل في دق الطبول، عند هيمان الذاكرين واشتداد الذكر، وأنكر
عليهم جماعة، واستفتي شيخ الإسلام شمس الدين بن حامد الصفدي، وشيخ الإسلام تقي
الدين ابن قاضي عجلون فأفتيا بإباحته قياساً على طبل الحجيج، وطبل الحرب، ثم استفتي
فيه شيخ الإسلام الوالد فأفتى بإباحته، كذلك، وكتب على السؤال مؤلفاً بسط القبول
فيه على ذلك، مع التحرز والإتقان، واشتهرت عن بعض آباء صاحب الترجمة قصة عجيبة، هي
أن جماعة الصمادية كانوا يضربون الطبول قديماً بين يدي الشيخ، في حلقتهم يوم
الجمعة بعد الصلاة، فأمر بعض الحكام بمنعهم من ذلك، في بعض الأيام وإخراج الطبل
إلى خارج الجامع، فدخل الطبل محمولاً يضرب عليه، ولا يرون له حاملاً، ولا عليه
ضارباً، واستمر الطبل في هواء الجامع من باب البريد حتى انصدم ببعض عواميد الجامع،
مما يلي باب جيرون، وكان شيخ الإسلام الجد، والوالد يحضران مجالس الصمادية، وذكرهم
وبالجملة أن مجالسهم مهيبة عليها الوقار، والأنس تخشع القلوب لسماع طبولهم،
وإنشادهم لأنهم خالون عن التصنع، وكان بين صاحب الترجمة، وبين شيخ الإسلام الوالد
تردد ومحبة. كما كان بين الجد وبين أبيه الشيخ خليل وجده الشيخ علي المحبة
الزائدة، والمودة الأكيدة، تمرض الشيخ محمد مدة وأوصى في مرضه، وجعل الشيخ بدر
الدين ابن المزلق وصياً على أولاده، والشيخ الوالد ناظراً عليه، ثم كانت وفاته يوم
الجمعة خامس عشر جمادى الأولى سنة ثمان وأربعين وتسعمائة وصلي عليه عقيب صلاة
العصر بالجامع الأموي، ثم حمل إلى زاويته ودفن في إيوانها، ولم يدفن في نفس
الزاوية لأنه قد وقفها قديماً، وخلف ثمانية عشر ولداً ما بين ذكور وإناث، أمثلهم
الشيخ محمد أبو سلم، وترك دنيا عريضة.
محمد بن الخليل الحلبيمحمد بن الخليل ابن الحاج علي بن أحمد
بن ناصر الدين بن محمد بن قصير العجمي، جده قنبر، واشتهر به الحلبي الشيخ الإمام
الفاضل العالم العلامة العامل البارع الأوحد الكامل شمس الدين. مولده سنة إحدى
وتسعمائة قال شيخ الإسلام الوالد: حضر بعض مجالس في قراءة الحاوي، ومغني اللبيب في
سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة بدمشق، ثم رحل إلى بلد حلب قلت، ثم اجتمع به في رحلته
إلى الروم سنة ست وثلاثين وتسعمائة.
محمد بن سالم الطبلاوي
محمد بن سالم بن علي الشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام،
بقية السلف الكرام الشيخ ناصر الدين الطبلاوي الشافعي، أحد العلماء الأفراد بمصر
أجاز شيخنا العلامة الشيخ محمود البيلوني الحلبي كتابة في مستهل جمادى الأولى سنة اثنتين
وتسعين وثمانمائة قال: تلقيت العلم عن أجلة من المشايخ منهم قاضي القضاة زكريا،
وحافظ عصرهم الفخر بن عثمان الديلمي ، والسيوطي، والبرهان القلقشندي بسندهم
المعروف، وبالإجازة العالية مشافهة عن الشيخ شهاب الدين البيجوري، شارح جامع
المختصرات، نزيل الثغر المحروس بدمياط بالإجازة العالية، عن شيخ القراء والمحدثين،
محمد بن الجزري وقال الشعراوي: صحبته نحو خمسين سنة ما رأيت في أقرانه أكثر عبادة
لدينه لا تكاد تراه إلا في عبادة، إما يقرأ القران، وإما يصلي، وإما يعلم الناس
العلم، وانتهت إليه الرئاسة في سائر العلوم بعد موت أقرانه قال: ولما دخلت مصر في
سنة إحدى عشرة وتسعمائة، وكان - رضي الله تعالى عنه - مشهوراً في مصر برؤية رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأقبل عليه الخلائق إقبالاً كثيراً بسبب ذلك، فأشار عليه بعض
الأولياء بإخفاء ذلك، فأخفاه قال وليس في مصر أحد الآن يقرر في بيان العلوم
الشرعية، وآلاتها إلا هو حفظاً، وقد عدوا ذلك من جملة كراماته، فإنه من المتبحرين
في التفسير والقراءات والفقه والحديث والأصول والمعاني والبيان والطب والمنطق
والكلام والتصوف، وله الباع الطويل في كل فن من العلوم، وما رأيت أحداً في مصر
أحفظ لمنقولات هذه العلوم منه، وجمع على البهجة شرحين، جمع فيهما من شرح البهجة
لشيخ الإسلام، وزاده فيها ما في شرح الروض، وغيره وولي تدريس الخشابية، وهي من أجل
تدريس في مصر يجتمع في درسه غالب طلبة العلم بمصر، وشهد له الخلائق بأنه أعلم من
جميع أقرانه، وأكثرهم تواضعاً، وأحسنهم خلقاً، وأكرمهم نفساً. لا يكاد أحد يغضبه
لما هو درس التمكين إذا حضر ولده يجلس بجانب النعال، فيكون هو صدر المجلس، وله صدقة
كثيرة لا يكاد يبيت على دينار ولا درهم مع كثرة دخله تبعاً لشيخه الشيخ زكريا قال:
وقد عاشرته مدة سنين أطالع أنا وإياه لشيخ الإسلام المذكور، فكنت أطالع من طلوع
الشمس إلى الظهر، ويطالع هو من الظهر إلى غروب الشمس، فما كنت أظن أحداً بمصر أكرم
مني مجلساً، فكنت إن نظرت إلى وجه شيخ الإسلام سررت، وإن نظرت إلى وجه الشيخ ناصر
الدين سررت، وكأنما النهار الطويل يمر كأنه لحظة من أدبه وأدب شيخه، من حلاوة
منطقهما وكثرة فوائدهما، لا سيما في علم التأليف والوضع وضم الألفاظ انتهى.
توفي كما بخط والد شيخنا نقلاً عن ثقات كانوا بمصر عاشر
جمادى الآخرة سنة ست وستين وتسعمائة ودفن في حوش الإمام الشافعي، وكان له جنازة
عظيمة، وصلي عليه غائبة بدمشق يوم الجمعة ثالث عشر شعبان قال والد شيخنا: وقيل لي
أنه عمر نحو المائة وانتفع به خلق كثير رحمه الله تعالى.
محمد بن خليل إمام جامع الجوزةمحمد بن خليل الشيخ الفاضل
الصالح الزاهد أبو اللطف شمس الدين ابن الشيخ صالح غرس الدين، خليل القلعي الدمشقي
الشافعي، إمام جامع الجوزة، خارج باب الفراديس بالقرب من قناة العوني، كان رحمه
الله تعالى كوالده ورعاً زاهداً متعففاً، معتزل الناس، ويخدم نفسه، سالكاً على
طريقة السلف الصالحين، مؤثراً لخشونة العيش، يلبس العبادة، له زاوية يقيم فيها
الوقت لذكر الله تعالى على طريقة حسنة، وكان له خطبة بليغة نافعة، وموعظة من
القلوب واقعة، توفي نهار الاثنين ثالث جمادى الأولى سنة سبع وخمسين وتسعمائة.
محمد بن رجب البهنسيمحمد بن رجب القاضي شمس الدين
البهنسي، الحنفي وهو والد الشيخ نجم الدين البهنسي، مفتي الحنفية بدمشق، ذكر ابن
طولون في تاريخه أنه كان نقيب الحكم، ثم فوض إليه قاضي القضاة الحنفية زين الدين
ابن يونس نيابة القضاة يوم الخميس تاسع عشري جمادى الأولى سنة اثنتي عشرة وتسعمائة
وقرأت بخط الشيخ يحيى بن النعيمي، أنه توفي يوم الأربعاء عشري رجب سنة ثمان وأربعين
وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن سحلول البقاعي
محمد بن سحلول - بلامين - الحديثي البقاعي الشافعي، قال
ابن طولون: كان صالحاً يحفظ القرآن العظيم حفظاً جيداً، ويقرأه في كل ثلاثة أيام
قال: وقد أفادني عن بعض الصلحاء المصريين في دفع الفواق أن يقبض الإنسان بإبهاميه
على ظهر أصلي بنصريه بقوة. توفي فجأة يوم الأحد ثاني عشر جمادى الأولى سنة ثمان وثلاثين
وتسعمائة ودفن بمقربة البيمارستان النوري رحمه الله تعالى.
محمد بن سعيد الحلبيمحمد بن سعيد الشيخ الإمام العلامة
محيي الدين بن سعيد الحلبي، قدم دمشق الشام، فصار إماماً لنائبها قصوره، وقرأ عليه
عدة من الأفاضل، وصار له كلمة مسموعة. توفي بحلب سنة أربع وثلاثين وتسعمائة، وصلي عليه
غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة حادي عشر رجب منها رحمه الله تعالى.
محمد بن سويدان الحلبيمحمد بن سويدان الحلبي، كان شيخاً
صالحاً منوراً همداني الخرقة، أدرك السيد عبد الله التستري الهمداني، وتلقن منه
الذكر، وذكر في حلقته كوالده الشيخ سويدان. توفي سنة خمس وستين وتسعمائة عن نحو
مائة سنة.
محمد بن سيف الدمشقيمحمد بن يوسف القاضي شمس الدين
الدمشقي الحنفي، ناب في القضاء عن قاضي ابن الشحنة، وعن قاضي القضاة ابن يونس
بدمشق، ثم ثبت عليه وعلى رجل يقال له حسين البعلي البقسماطي عند قاضي دمشق، أنهما
رافضيان فحرقا تحت قلعة دمشق بعد أن ربطت رقابهما وأيديهما وأرجلهما في أوتاد، ثم ألقي
عليهما القنب والبواري الحطب، ثم أطلقت النار عليهما حتى صارا رماداً، ثم ألقي
رمادهما في بردى، وكان ذلك يوم الثلاثاء تاسع رجب سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة قال
ابن طولون: وسئل الشيخ قطب الدين ابن سلطان، مفتي السادة الحنفية عن قتلهما فقال:
لا يجوز في الشرع بل يستتابان.
محمد بن سيف القسطنطينيمحمد بن سيف الشيخ العلامة شمس الدين
الحلبي، ثم القسطنطيني الشافعي، إمام عمارة محمود باشا، أخذ عن البدر السيوفي
وغيره من علماء حلب، ثم توطن القسطنطينية حتى مات، وكان حسن السمت والملبس، وكان
يعظ الموعظة الحسنة، وكان له حظوة تامة عند بعض أكابر الدولة، وذكر ابن الحنبلي أن
أباه كان جمالاً وقد قيل:
العلم يرفع بيتا لا عماد له ... والجهل يخفض بيت العز
والشرف
توفي سنة إحدى وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى رحمة واسعة
أمين.
محمد بن شعبان الضيروطي
محمد بن شعبان بن أبي بكر بن خلف بن موسى الشيخ الإمام
العلامة شمس الدين الضيروطي، المصري الشافعي، المشهور بابن عروس مولده سنة سبعين -
بتقديم السين - وثمانمائة، بسنديون تجاه ضيروط، وأخذ العلم عن جماعة منهم الشهاب الشيخ
أحمد المغربي التونسي، المعروف بابن شقير. أخذ عنه النحو، وقرأ عليه في التوضيح
والوافية، ومنهم الشيخ نور الدين المحلي قرأ عليه شرح جمع الجوامع للمحلي، جميعه
مع حاشيته لشيخ الإسلام، الكمال بن أبي شريف، وشرح الشمسية للقطب جميعه، وحاشيته
للسيد الشريف، ورحل إلى بيت المقدس، فلزم الكمال ابن أبي شريف، المذكور أحد عشر
شهراً، وسمع عليه شرح جمع الجوامع مع حاشيته له، وأجاز له تدريس العلوم المتعارفة،
ولقي سيدي أبا العون المغربي صحبة الشيخ نور الدين المحلي، وسأله الشيخ نور الدين
أن يدعو له فدعا له أن يزيده الله من فضله، فسأله الشيخ شمس الدين أن يدعو له بمثل
ذلك، ففعل وقرأ ثلاثيات البخاري على أمة الخالق بنت العقبي بحق إجازتها من عائشة
بنت عبد الهادي، عن الحجار، وكان طارحاً للتكيف، متواضعاً ذكياً، يصل إلى المدارك
الدقيقة بفهم ثاقب، وكان يحفظ كتبا كثيرة يسردها عن ظهر قلب حتى كأنها لم تغب عنه
فجمع الله تعالى له بين الفهم والحفظ، وكان مدرساً بمقام الإمام الشافعي بمصر
فأخذه عنه رجل أعجمي، فرحل إلى بلاد الروم واسترده مضموماً إليه تدريس الخشابية
بمصر المشروطة لأعلم علماء الشافعية، وكانت رحلته إلى الروم سنة إحدى وأربعين
وتسعمائة، فدخل دمشق وحلب، وأخذ عنه بها جماعة من أهلها منهم ابن الحنبلي، قرأ
عليه شرح النخبة لمؤلفها ابن حجر، وأذن له أن يقرئه، وأن يروي عنه صحيحي البخاري
ومسلم وسائر مروياته، ثم دخل إلى دمشق عائداً في سنة اثنتين وأربعين فأكرمه
علماؤها، واجتمع به ابن طولون عند الشيخ قطب الدين ابن سلطان قال: فسلمت عليه
ورأيته يتذاكر معه فتحققت أنه من أهل العلم قال: أخبرني الشيخ قطب الدين أنه اشتغل
بفنون لا يعرفها غيره انتهى.
وأضافه شيخ الإسلام الوالد في يوم الخميس تاسع عشري شوال
ضيافة حافلة حضرها جماعة من أهل العلم منهم الشموس الثلاثة ابن طولون الحنفي،
والعجلوني الشافعي، والشويكي الحنبلي، قال ابن طولون: وكانت ضيافته هائلة وسافر من
دمشق يوم الأحد ثاني ذي القعدة من السنة المذكورة، هو والشيخ شرف الدين الرهاوي،
وكانت وفاته بالقاهرة ليلة الجمعة سابع عشري شوال سنة تسع وأربعين وتسعمائة قال
ابن طولون: إنه صلي عليه وعلى الشيخ شهاب الدين بن النجار الحنبلي المتوفي بمصر
أيضاً والشيخ شمس الدين بن عبد الرحمن الصهيوني خطيب جامع الأطروش بطرابلس،
المتوفي بها صلاة الغائب بدمشق يوم الجمعة يوم عيد الأضحى من السنة المذكورة رحمهم
الله تعالى.
محمد بن صالح الكيلانيمحمد بن صالح الشيخ العلامة الخطيب،
أبو الفتح ابن الشيخ صلاح الدين الكيلاني الشافعي، خطيب المدينة المنورة وإمامها
قدم الشام ودخل دمشق وحلب، وهو ممن اجتمع بشيخ الإسلام الوالد بالمدينة المنورة،
ودمشق ولما دخل حلب امتدح اسكندر دفتر دار حلب بهذه الأبيات:
سود العيون هي السيوف البيض ... يومي إلى نفسي بها فتفيض
مقل تضاعف سقمها فنفضته ... فجرى بجسمي سقمها المنفوض
فالحسن ممحوض من الباري لها ... إن زاد فيها الغمز
والتفضيض
مرض الجنون محبب بعيونها ... لكنه بجسومنا مبغوض
تلك التي هي جنتي وبخدها ... نار عليها ناظري معروض
وهناك تفاح يزيد غضاضة ... والمجد منه اسكندر ممحوض
ليث يهيج على فراسته ولا ... يثنيه عنها في العرين ربوض
لو عز بحر للجسام لخاضه ... ونجا ولم يبتل حين يخوض
وهو الحليم إذا أتى بكبيرة ... حاف وأزلق أخمصيه دحوض
وله العزائم كالصوارم لم يكن ... ليكلها التهوين والتمريض
ومدبر قد أبرمت أراؤه ... حكما يعز لمثلها التنقيض
وجليس كتب ما خض لعلومها ... ليجي بزبدتها له التمخيض
سود الدفاتر عنده معشوقة ... عشقاً تمنته الحسان البيض
فاسلم سلمت لأهل دهرك مالكاً ... طول الزمان تسوسهم وتروض
وكانت وفاته بالمدينة سنة ثمان وخمسين وتسعمائة رحمه الله
تعالى.
محمد بن عبد الله الشنشوريمحمد بن عبد الله بن علي الشيخ
العلامة، أبو عبد الله شمس الدين الشنشوري المصري الشافعي، مولده سنة ثمان وثمانين
وثمانمائة، وأخذ عن الجلال السيوطي، والقاضي زكريا، والسعد الذهبي، والكمال
الطويل، والنور المحلي، وله مؤلفات في الفرائض وأجاز ابن كسباي في ربيع الأول سنة ثمانين
وتسعمائة - رحمه الله تعالى - وتوفي سابع عشر ذي الحجة الحرام سنة ثلاث وثمانين
وتسعمائة، وله من العمر سبع وتسعون سنة.
محمد بن عبد الله العسكريمحمد بن عبد الله القاضي شمس
الدين، بن الشيخ جمال الدين العسكري الصالحي الحنفي، حفظ القرآن العظيم، وأسمعه
والده على جماعة منهم المحدث ناصر الدين بن زريق، وقرأ المختار في فقه الحنفية، وحل
قطعة منه على الشيخ شمس الدين بن طولون، وولي القضاء ببعض النواحي قال ابن طولون
ولكنه كان ينسب إلى شرب الراح توفي فجأة أوائل جمادى الأولى سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة
عفا الله عنه.
محمد بن عبد الله الشهير بمحمد بيكمحمد بن عبد الله
المولى الفاضل محيي الدين الحنفي، أحد موالي الروم الشهير بمحمد بيك، كان من
مماليك السلطان أبي يزيد خان رغب في العلم، وترك طريق الإمارة، وقرأ على جماعة
منهم المولى مظفر الدين العجمي، والمولى محيي الدين الفناري، والمولى بير أحمد
جلبي، ثم خدم بن كمال باشا، وصار معيداً لدرسه، ثم درس بمدرسة الوزير مراد باشا
بالقسطنطينية، ثم ببعض المدارس، ثم بإحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنه، ثم اختل
دماغه، ثم برأ فسافر إلى مصر في البحر، فأسرته النصارى، فاشتراه بعض أصدقائه منهم،
ثم عاد إلى القسطنطينية، فأعطاه السلطان سليمان خان سلطانية بروسا، ثم مدرسة أبي
يزيد خان بأدرنة، ثم قضاء دمشق، فدخلها حادي عشر صفر سنة ست وأربعين وتسعمائة،
وعزل عنها في صفر سنة تسع وأربعين، فعاد إلى الروم، واختل مزاجه غاية الاختلال،
وأعطي في أثناء المرض قضاء مصر، فسافر إليها في أيام الشتاء فأدركته المنية، في الطريق،
وكان محباً للعلم، وأهله وللصوفية، وله مهارة في العلوم العقلية، ومعرفة بالعلوم
الرياضية، وله تعليقات على بعض الكتب، وملك كتباً كثيرة طالع أكثرها توفي - رحمه
الله تعالى - في بلدة كوتاهية سنة خمسين وتسعمائة رحمة واسعة آمين.
محمد بن عبد الله الحميريمحمد بن عبد الله بن محمد بن عبد
الله بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أحمد بن قاسم الشيخ شمس الدين
الحميري، البستي المالكي القاضي بصفد ابن قاضي قضاتها كان عالماً فاضلاً، وسمع على
شيخ الإسلام الوالد شيئاً من صحيح مسلم.
محمد بن عبد الأول التبريزيمحمد بن عبد الأول التبريزي
أحد موالي الروم رأى الجلال الدواني، وهو صغير، وقرأ على والده قاضي حنيفة بمدينة
تبريز، ودخل في حياة والده الروم، وعرضه المولى علي المؤيد على السلطان أبي يزيد
خان لسابقة بينه وبين والده، فأعطاه مدرسة، ثم ولي تدريس إحدى المدرستين المتجاورتين
بأدرنه، ثم بإحدى الثمان، وعزل، ثم أعطي إحداهن ثانياً، ثم أضرت عيناه فأعطي
تقاعداً بثمانين درهماً، وكان فاضلاً زاهداً صحيح العقيدة، له حاشية على شرح هداية
الحكمة لمولانا زاده توفي سنة أربع أو خمس وخمسين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن عبد الأول الحسيني
محمد بن عبد الأول، السيد الشريف، قاضي القضاة شمس الدين
الحسيني الجعفري، التبريزي الشافعي، ثم الحنفي سبط صدر تبريز نعمة الله ابن البواب
الشافعي، أحد الموالي الرومية، المعروف بشصلي أمير، اشتغل على والده العلامة منلا
عبد الأول بن منلا إسماعيل القمر، أحد أصحاب منلا عبيد الله النقشبندي، وعلى منلا
محمد البدليسي الشافعي، وغيرهما ودرس في حياة أبيه الدرس العام، في سنة ست عشرة أو
سبع عشرة، ثم دخل الروم، وترقى في التدريس بمدارسها حتى وصل إلى إحدى الثماني، ثم
ولي قضاء حلب في أواخر سنة تسع وأربعين وتسعمائة، ومنع وهو قاض بحلب من شرب القهوة
على الوجه المحرم، ثم ولي قضاء دمشق فدخلها في ربيع الثاني سنة اثنتين وخمسين
وتسعمائة، ووافق القطب ابن سلطان الحنفي، والشيخ يونس العيثاوي، والد شيخنا في
القول، بتحريم القهوة البنية، ونادى بإبطالها في يوم الأحد سابع ربيع الأول سنة
ثلاث وخمسين، ثم يعرض في إبطالها إلى السلطان سليمان خان فورد أمره الشريف
بإبطالها في شوال من السنة المذكورة، فاشتهر النداء بذلك، وكان صاحب الترجمة
عالماً فصيحاً، حسن الخط قال ابن الحنبلي: وكان له ذؤابتان يخضبهما، ولحيته
بالسواد، وذكر ابن طولون أنه كان محمود السيرة، وكان له حرمة زائدة، توفي
بالقسطنطينية في شهر المحرم سنة ثلاث وستين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن عبد البر بن الشحنةمحمد بن عبد البر، بن محمد
أقضى القضاة، محب الدين ابن قاضي القضاة سري الدين، بن الشحنة، المصري المولد
والمنشأ، الحنفي، كان أسمر من سرية أبيه المسماة غزال ، ولي نيابة الحكم عند
والده، ثم نيابة الحكم عنه، ثم قدم إلى حلب عند إنقضاء الدولة الجركسية، بعد أن حج
وجاور، وكان مقداماً محتشماً، حسن الملبس، لطيف العمامة، حسن المطارحة، لطيف
الممازحة، رقيق الطبع، سريع الشعر، مع حسنه ورقته في الجملة، ومن شعره في مليح
اسمه إبراهيم:
يا حبيبي صل معني ... ذاب وجداً وغراما
وارحمن صباً كساه ... غزل عينيك سقاما
ورماه عن قسي الحا ... جب اللحظ سهاما
أنحلته رقة الخصرم ... نحولاً حيث هاما
لا يرى إلا خيالا ... إن تقل فيه نظاما
لم يذق من يوم غبتم ... عنه لا أكلا ولاما
أطلقت عيناه نهراً ... طلقت منه المناما
أوقدت حشو حشاه ... نار خديك ضراما
عجباً للنار فيه ... وبه حزت المقاما
إن بعد الوصل عادت ... لك برداً وسلاما
توفي بحلب ليلة الأحد تاسع شعبان سنة إحدى وخمسن
وتسعمائة، قبيل الفجر، ودفن بتربة موسى الحاجب، خارج باب المقام رحمه الله تعالى
رحمة واسعة.
محمد بن عبد الجليل الزرخونيمحمد بن عبد الجليل بن أبي
الخير، محمد المعروف بابن الزرخوني، المصري الأصل، الدمشقي الشافعي، الأستاذ ابن
الأستاذ القواس العلامة الفاضل محب الدين، قال شيخ الإسلام، الوالد: ذكر لي أن
مولده ثالث عشر ذي الحجة سنة خمس وتسعين وثمانمائة، وطلب الحديث على كبر، وحصل عدة
فنون، وكان من أخصاء الشيخ الوالد، ومحبيه، وكان ينوب عنه في إمامه الجامع الأموي.
قال الوالد: ولزمني كثيراً، وقرأ علي ما لا يحصى كثرة، وكانت وفاته سنة ثلاث أو
أربع وستين وتسعمائة.
محمد بن عبد الرحمن العلقمي
محمد بن عبد الرحمن، بن علي ابن أبي بكر الشيخ الإمام
العلامة شمس الدين، أبو عبد الله العلقمي القاهري الشافعي، مولده تقريباً خامس عشر
شهر صفر سنة سبع وتسعين وثمانمائة كان أحد المدرسين بجامع الأزهر، وله حاشية حافلة
على الجامع الصغير لجلال الدين السيوطي، وكتاب سماه ملتقى البحرين بين الجمع بين
كلام الشيخين أخذ عن جماعة منهم شيخ الإسلام الوالد، اجتمع به في رحلته إلى دمشق
سنة أربع وثلاثين وتسعمائة، وحضر بعض دروسه، وسمع منه تأليفه المسمى بالدر النضيد،
في آداب المفيد والمستفيد، ثم رحل إلى القاهرة، ولما دخل شيخ الإسلام الوالد
القاهرة سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة لزمه العلقمي، وكان يقوم بمصالح الشيخ كلها،
وأخذ أيضاً عن الشيخ شهاب الدين الرملي، والشيخ ناصر الدين اللقاني، وغيرهم وأجيز
بالإفتاء والتدريس، فدرس، وأفتى، وكان قوالا بالحق، ناهياً عن المنكر، وكان له
توجه عظيم في قضاء حوائج إخوانه، وعمر عدة جوامع في بلاد الريف، تأخرت وفاته عن
إحدى وستين وتسعمائة لأن الشعراوي ذكره في طبقاته الوسطى في الأحياء في هذه السنة.
محمد بن عبد الرحمن الحلبيمحمد بن عبد الرحمن بن عمر
الحلبي، ثم الإسلام بولي أحد الموالي الرومية خدم الفاضل مصلح الدين الشهير بابن
البريكي، ثم المولى شمس الدين باشا ابن المولى خضر بك ثم درس بصتوقة ثم صار قاضياً
بعدة بلاد وكان فاضلاً بنى داراً للتعليم بالقسطنطينية، ووقف كتبه بالمدارس
الثماني، ومات قاضياً بكفتة في دولة السلطان سليمان.
محمد بن عبد الرحمن الصهيونيمحمد بن عبد الرحمن، الشيخ
الإمام العلامة سري الدين الصهيوني الشافعي، خطيب جامع الأطروش بطرابلس، توفي بها
وصلي عليه غائبة بدمشق، يوم الجمعة ليلة عيد الأضحى سنة تسع - بتقديم التاء -
وأربعين وتسعمائة، مع الشمس الصفوري والشهاب التنوخي.
محمد بن عبد الرحمن الصفوريمحمد بن عبد الرحمن، الشيخ الإمام
الفاضل الصالح، قطب الدين الصفوري الصالحي الشافعي الواعظ، أخذ عن والده وعن الشيخ
جلال الدين السيوطي بمصر، وعن غيرهما قال الشيخ يونس والد، شيخنا: كان له وعظ حسن
وخطبة بليغة، ووالده كان من الصلحاء، والوعاظ، وهم بيت صلاح ودين توفي - رحمه الله
تعالى - في تاسع عشر ربيع الآخر سنة ثمان وخمسين وتسعمائة، ودفن بسفح قاسيون.
محمد بن عبد الرحيم الفصي البعليمحمد بن عبد الرحيم،
الشيخ الإمام العالم العامل الزاهد، ولي الله تعالى العارف به شمس الدين بن المنير
البعلي الشافعي، كان صاحباً ورفيقاً لشيخ الإسلام، بهاء الدين الفصي، وكان يحضر
درسه كثيراً، وكان من أكابر إخوان شيخ الإسلام الجد، وكان يحترف بعمل الإسفيذاج ،
والسيرقون، والزنجبار، ويبيع ذلك وسائر أنواع العطارة، وكان يجلس في حانوته
ببعلبك، وفي كل يوم يضع من كسبه من الدنانير والدراهم والفلوس، في أوراق ملفوفة عدة،
ويضع الأوراق في مكان عنده وإذا وقف عليه الفقراء أعطاهم من تلك الأوراق ما يخرج
في يده، لا ينظر في الورقة المدفوعة، ولا في الفقير المدفوع إليه، وكان كثير
الصدقة معاوناً على البر والتقوى، وكان يعمر المساجد الخراب، ويكفن الفقراء، وكان
له مهابة عند الحكام يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وكان ناصحاً للطلبة في
الإفادة، وله أوراد ومجاهدات، واجتمع به شيخ الإسلام الوالد بمدينة بعلبك، في سنة
ست وثلاثين حين مر بها قاصداً بلاد الروم، وأثنى عليه في الرحلة كثيراً، وكان له
يد في التصوف، والسلوك قال ابن طولون: وقد وقفت على مصنف لطيف مشهور لمرشده في
التصوف، والصفاية سماه رقائق الحقائق. وحدثني شيخنا مراراً قال: حدثني والدي الشيخ
يونس قال: حكت لي بنت الشيخ السمير، وكانت صدوقة أن أباها أرسل إلى الشيخ العارف
بالله تعالى سيدي محمد بن عراق، وهو في الحجاز ثوباً بعلياً مطوياً، فلما وصل إله
قال لا إله إلا الله هذا الشيخ شمس الدين أرسل إلينا الكفن، ثم أنه أرسل إليه حبات
كباراً من يسر فلما وصلت إلى الشيخ شمس الدين تعجب، وقال: هذا ما بقي لنا من
الأجل، من السنين، فما كان إلا أن توفي إلى رحمة الله تعالى في مستهل صفر وقال ابن
طولون
يوم الأحد ثاني صفر سنة سبع - بتقديم
السين وثلاثين - وتسعمائة، ودفن بمدينة بعلبك، وصلي عليه غائبة بدمشق بالأموي يوم
الجمعة سابع صفر.
محمد بن عبد الرحمن النبك الحلبيمحمد بن عبد الرحمن بن موسى
الملقب بالنبك، ابن محمد الحلبي الهمداني، ابن الشيخ المعمر الصالح، قيم مقصورة
جامع حلب لبس الخرقة الهمدانية من الشيخ عبد الله الهمداني، وحج ثلاث مرات وقف في
اثنتين منها الجمعة، وزار بيت المقدس وغيره، وكان جده النبك، من مريدي الشيخ أبي
بكر الحيشي الكبير، ومن خدام الحافظ البرهان الحلبي، توفي في ذي القعدة سنة إحدى
وخمسين وتسعمائة عن مائة وعشرين سنة.
محمد بن عبد القادر بن الشحاممحمد بن عبد القادر بن أبي
بكر، الشيخ شمس الدين بن الشحام العمري الحلبي، أحد الرؤساء بجامع حلب، سمع الحديث
المسلسل بالأولية على المحدث عبد العزيز بن عمر بن محدد بن فهد المكي، وكان ديناً
خيراً فقيهاً موقتاً، وكان إماماً بالتغري، ورمشيه بحلب قال ابن الحنبلي: وفيها
قرأت عليه في الميقات سافر إلى دمشق، فمرض بها فنقل إلى بيمارستانها. فقال له كاتب
البيمارستان: ماذا أكتب لك. ما هو ملك لك. فقال: أكتب إني فقير من فقراء المسلمين
لا عليه ولا له، وكانت وفاته بها في سنة أربع وأربعين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن عبد القادر إمام زادهمحمد بن عبد القادر، أحد موالي
الروم المشهور بإمام زاده، تنقل في التدريس، ثم ولي قضاء القضاة بحلب، ذكر ابن
الحنبلي في تاريخه أنه كان يستكتب في الوقيع على الوثائق، وأنه نصحه في ذكر حذراً
من التلبيس في ذلك، فأظهر له القبول، ثم أصر على ما كان عليه، وأنه كان لا يخرج
إلى المحكمة إلا قليلا وأنه عزل عن قضاء حلب سنة اثنتين وستين وتسعمائة.
محمد بن عبد القادر الروميمحمد بن عبد القادر أحد الموالي
الرومية، أيضاً أخذ عن جماعة منهم المولى محيي الدين الفناري، والمولى شمس الدين
كمال باشا، والمولى حسام جلبي، والمولى نور الدين، ثم خدم خير الدين معلم السلطان
سليمان، ثم ولي تدريس مدرسة قاسم باشا ببروسا، ثم مدرس الأفضلية بالقسطنطينية، ثم
مدرسة الوزير محمود باشا، ثم سلطانية بروسا، ثم إحدى الثماني، ثم ولي قضاء القضاة
بمصر، ثم بالعساكر الأناظولية، ثم تقاعد بمائة درهم لإختلال عرض له برجله منعه عن
مباشرة المناصب، ثم ضم له في تقاعده خمسون درهماً، وكان عارفاً بالعلوم العقلية، والنقلية،
وله ثروة بنى داراً للفقراء بالقسطنطينية وداراً للتعليم في قرية قرماته سنة ثلاث
وستين وتسعمائة.
محمد بن عبد القادر الطبيبمحمد بن عبد القادر بن محمد بن
محمد بن محمد الشيخ العلامة شمس الدين ابن العلامة زين الدين القويضي الصالحي
الحنفي، الطبيب. بن الطبيب المشهور في الحذق في صناعة الطب، هو وأبوه بصالحية
دمشق، في حارة حمام المقدم سنة تسعين وثمانمائة، وحفظ المختار في الفقه، والبصروية
في النحو، وتوضيح الخزرجية في العروض وقرأ على الجمال بن طولون، والنجم محمد بن
شكر، وفي القانون على الشمس بن مكي وسمع الحديث على الجمال بن المبرد، وتخرج في
الطب والعلاج بوالده، وكان لديه كرم زائد، ومحبة للصوفية، وكان ماهراً في الطب
الطبائعي، وسافر إلى الروم فأعطي رئاسة الطب بدمشق، ونظر المرشدة بالصالحية، ثم
ولي إحدى الوظيفتين بالبيمارستان القيمري، ثم اقتصر في علاجه على الحكام، والأكابر،
وترك الفقراء عكس ما كان عليه والده ودرس في الطب مع المشاركة في غيره، وكان قرأ
المختار على الجمال بن طولون ولما قدم منلا حبيب العجمي دمشق، قرأ عليه في المنطق
والحكمة، وحبب إليه علم الرمل والزايرجة، ورحل بسببه إلى مصر والإسكندرية، ومهر في
ذلك ونسب إلى التعلق على الصنعة، وجمع كتباً نفيسة، وتوفي يوم السبت عاشر ربيع
الأول سنة تسع - بتقدم التاء - وسبعين
وتسعمائة، ودفن عند والده تجاه تربة السبكين، تحت كهف جبريل من السفح.
محمد بن عبد الكبير اليمنيمحمد بن عبد الكبير الشيخ
الصالح المجمع على جلالته، بن القطب الكبير سيدي عبد الكبير اليمني الحضرمي، كان أهل
مكة يعظمونه، وله حرمة تزيد على حرمة سلطان مكة، وكان موجوداً في سنة ثلاث وخمسين
وتسعمائة.
محمد بن علي
محمد بن علي الشيخ الإمام العلامة، سعد الدين الذهبي
المصري الشافعي، مولده خمسين وثمانمائة، كان من العلماء المشهورين بدمشق، أخذ عنه
جماعة منهم الفلوجيان قال الشعراوي: كان ورده كل يوم ختماً صيفاً وشتاءً، وكان
خلقه واسعاً إذا تجادل عنده الطلبة يشتغل هو بتلاوة القرآن، حتى يقضى جدالهم، وكان
يحمل حوائجه بيده، وإذا خرج إلى السوق في حاجة يتلو القرآن سراً ذهاباً وإياباً،
وكان كثير الصدقة حتى أوصى بمال كثير للفقراء والمساكين، وكان لا يقبل من أحد صدقة
توفي في سنة ثمان أو تسع وثلاثين وتسعمائة.
محمد بن عبدو الخاتونيمحمد بن عبدو الشيخ الصالح الزاهد
المعمر شمس الدين الخاتوني الأردبيلي الخرقة، الحنفي ولد ببيرة، الفرات، في جمادى
الآخرة سنة خمس وستين وثمانمائة وحملته أمه إلى الشيخ محمد الكواكبي الحلبي، فأمر
خليفته الشيخ سليمان العيني أن يربيه، ولم يزل يتعاطى الذكر والفكر حتى فتح عليه،
وكان يتردد إليه الزوار فلا يرى نفسه إلا ذليلاً، ولا يطلب أحد منه الدعاء إلا
سبقه إلى طلبه منه، وكان زاهداً متعففاً عما في أيدي الناس، وعن أموال عظيمة، كان
يدفعها، إليه الحكام، وكان يؤثر العزلة، وشاع عنه أنه كان ينفق من الغيب، وكانت
مكاشفاته ظاهرة وكان كثيراً ما يقول: لست بشيخ ولالي خليفة، وتوفي بحلب في أواخر شوال
سنة خمسين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن علي الحلبي الحريريمحمد بن علي الشيخ شمس الدين
الحلبي الحريري الحنفي. المعروف بابن السيوفي تعلم القرآن والكتابة، على كبر، ثم
تفقه بالزين بن فخر النساء وأخذ عن الزين بن الشماع، قال ابن الحنبلي: وكان يترجى
لو عمل كتاباً في فقه الحنفية يرتب فيه ذكر المسائل على ترتيب منهاج النووي في فقه
الشافعية. قال:
وكان عبداً صالحاً ملك كتباً جيدة، مات سنة أربع وثلاثين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن علي الطويل
محمد بن علي الشيخ الإمام العلامة، قاضي القضاة شيخ
الإسلام، كمال الدين الطويل القاهري الشافعي، قاضي الشافعية بالديار المصرية، في
أواخر الدولة الجركسية ولد سنة ست وأربعين وثمانمائة. قال الشعراوي كان من أولاد
الترك وبلغنا أنه كان في صباه يلعب بالحمام في الريدانية، فمر عليه سيدي إبراهيم
المتبولي - رضي الله تعالى عنه - وهو ذاهب إلى بركة الحاج فقال له: مرحباً بالشيخ
كمال الدين شيخ الإسلام فاعتقد الفقراء أن الشيخ يمزح معه، إذ لم يكن عليه إمارة الفقهاء،
ففي ذلك اليوم ترك لعب الحمام، واشتغل بالقراءة والعلم وعاشر جماعة الشيخ إبراهيم
الذين ظنوا أنه يمزح معه حين لقبه شيخ الإسلام، حتى رأوه تولى مشيخة الإسلام، وهي
عبارة عن قضاء القضاة أخذ الشيخ كمال الدين العلم، والحديث عن الشرف المناوي،
والشمس الحجازي، والشيخ محمد بن كتيلة وغيرهم، وسمع صحيح مسلم وغيره على قاضي
القضاة قطب الدين الخيضري، وسمع ألفية الحديث للعراقي وجزءاً في فضائل... لولده
الولوي العراقي على الشرف المناوي عن الولوي العراقي عن والده الحافظ زين الدين
العراقي قال الشعراوي: وكان إماماً في العلوم والمعارف، متواضعاً عفيفاً ظريفاً،
لا يكاد جليسه يمل من مجالسه انتهت إليه الرئاسة في العلم، ووقف الناس عند فتاوبه،
وكانت كتب مذهب الشافعي كأنها نصب عينيه، لا سيما كتب الأذرعي والزركشي، وذكر
الحمصي في تاريخه أن صاحب الترجمة دخل دمشق صحبة السلطان الغوري، يوم الخميس تاسع
عشر جمادى الأولى سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة وخطب بجامع دمشق يوم الجمعة عشري
جمادى الأولى المذكور وقال ابن الحنبلي: قدم حلب سنة اثنتين وعشرين مع الأشرف
قانصوه الغوري، فأخذ عنه الشمس السفيري، والمحيوي ابن سعيد، وعاد إلى القاهرة
فتوفي بها سنة ست وثلاثين وتسعمائة، ورؤي في ليلة وفاته أن أعمدة مقام الشافعي
سقطت قال الشعراوي: ولما دنت وفاة الشيخ كمال الدين رأيت سيدي إبراهيم المتبولي في
المنام وقال لي: قل للشيخ كمال الدين يتهيأ للموت، ويكثر من الاستغفار فقد دنا
أجله فأعلمته بذلك فقال: سمعا وطاعة فعاش بعد ذلك شهراً ونصف شهر، فأنظر يا أخي
ملاحظة سيدي إبراهيم له أول أمره وآخره، ودفن بتربة باب النصر قريباً من المدرسة الحاجية،
وصلي عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة ثامن عشر ذي الحجة الحرام سنة ست وثلاثين
وتسعمائة المذكورة كما ذكره ابن طولون.
محمد بن علي بن فستقمحمد بن علي بن أحمد. الشيخ الفاضل
الصالح المقرىء المجود شمس الدين بن علاء الدين بن شهاب الدين الحريري السكري
الشهير بابن فستق، الدمشقي الشافعي، الحافظ لكتاب الله تعالى مع الإتقان كان في
خدمة الجد شيخ الإسلام رضي الدين الغزي، ومن أخصائه، ثم لازم شيخ الإسلام الوالد،
وحضر دروسه كثيراً ومات رحمه الله تعالى سنة ست وثلاثين وتسعمائة رحمة واسعة آمين.
محمد بن علي البصروي
: محمد بن علي بن يوسف بن علي الشيخ الإمام العلامة القاضي
جلال الدين ابن القاضي علاء الدين البصروي، الدمشقي الشافعي، شيخ التبريزية بمحلة
قبر عاتكة، وخطيب الجامع الأموي، ولد عاشر رجب سنة تسع - بتقديم التاء - وستين وثمانمائة،
واشتغل على والده وغيره، وولي خطابة التابتية، وتدريس الغزالية، ثم العادلية وفوض
إليه نيابة الحكم قاضي القضاة الولوي ابن الفرفور، حادي عشر ربيع الأول سنة اثنتي
عشرة وتسعمائة. قال والد شيخنا: وكان خطيباً وإماماً بجامع التبريزي بمحلة قبر
عاتكة، ساكناً إلى جانبه وخطابة التابتية كانت بيده أيضاً، وبيد والده من قبله، ثم
ولي خطابة مدرسة سيباي في حياة الواقف، وبعده مع بقاء ما في يده يستنيب عنه فيهما
أولاده وغيرهم، ثم استنابه قاضي القضاة ابن الفرفور في خطابة الأموي حيث كانت
الخطابة به يومئذ مشروطة لقاضي قضاة الشافعية، فصار يخطب بالأموي، ويستنيب عنه في مدرسة
سيبائي إلى أن اشتغل بها ولده محمود، واستمر الشيخ جلال الدين يخطب في الأموي
نيابة، ثم استقلالاً إلى أن مات وكانت لخطبته وقعة في القلوب لم يخرج بصوته عن
طريقة خطبة أبناء العرب لا يراعي في الخطبة تنغيماً، ولا إطراباً بل يخطب وعليه
السكينة والوقار، بحيث تخشع لخطبته القلوب، وتذرف منها العيون، وكان يقرأ سيرة ابن
هشام في الجامع الأموي في كل عام بعد صلاة الصبح شرقي المقصورة، قال وال شيخنا:
وكان من أهل العلم والصلاح والدين له محفوظات في الفقه وغيره وقيام الليل أنه متى
منعه مانع من جنابة اشتغل بدلاً عنه بقراءة ماضية في المنهاج حتى يغتسل قبل الفجر،
ثم يعود إلى التلاوة قلت: وحدثني عنه الشيخ الصالح المعمر الشيخ عبد القادر بن
سوار شيخ المحيا الآن بدمشق بمثل ذلك. وقال لي: كان لا يفتر من قراءة القرآن ليلاً
ونهاراً، وكان كثيراً ما تتفق له التلاوة، وهو في الخلاء فقيل له: في ذلك فقال: إن
القرآن يجري على لساني إتفاقاً من غير قصد. قال والد شيخنا: وفي آخر خطبة خطبها
بالأموي وكانت في ثامن ربيع الآخر من سنة ست وأربعين وكان مريضاً سقط عن المنبر
مغشياً عليه. قال ابن طولون: ولولا أن المرقي اختضنه لسقط إلى أسفل المنبر. قال:
ولم يكمل الخطبة الثانية فصلى الجمعة إمام الجامع الشيخ عبد الوهاب الحنفي. وقال
والد شيخنا: لما سقط نادى الشيخ عبد الوهاب، ودخل المحراب وصلى الجمعة بالناس من
غير نظر إلى تتميم أركان الخطبة والبناء على ما تقدم منها قبل سقوط الخطيب قال: وحمل
الشيخ جلال الدين بعد الصلاة إلى منزله المجاور للجامع الأموي من جهة الغرب،
وعدناه حينئذ لأنه كان منقطعاً قبل ذلك، وجلست عنده وصار يكلمنا، وحكى أن والده كان
يتمنى ثلاثاً خطابة الأموي، والسكني بقربه، وأن يصلى عليه إذا مات في الجامع. قال:
وهذه الثلاث حصلت لي دونه. قال وقال لي: اتخذت لي قبراً عند رجلي شيخه الشيخ أبي
الفضل، يعني ابن أبي اللطف المقدسي، قال: ودفن فيه كما قال فإنه توفي ليلة
الثلاثاء رابع عشري جمادى الأولى سنة ست وأربعين وتسعمائة، ودفن بمقبرة باب الصغير
تجاه الشيخ نصر الله المقدسي، إلى جانب الإمام التغلبي خطيب الأموي في عصره أيضاً.
قال ابن طولون: وصلى عليه الشيخ محمد الأيجي بوصية منه ونزل في مرضه عن تدريس
العادلية للشيخ نجم الدين البهنسي وأحد ولديه.
محمد بن علي الغزيمحمد بن علي الشيخ الإمام العالم العامل
نجم الدين ابن النصيل الغزي الشافعي، توفي بالقدس في سنة سبع وأربعين وتسعمائة،
وصلى عليه غائبة بالجامع الأموي يوم الجمعة ثالث ربيع الأول.
محمد بن أبي جنغل المالكي
محمد بن علي بن عمر بن علي قاضي القضاة عفيف الدين بن
جنغل بضم الجيم والغين المعجمة بينهما نون ساكنة الحلبي المالكي، آخر قضاة القضاة
المالكية بحلب، وابن قاضي قضاتها، ولد نهار الأربعاء ثالث عشري شوال سنة أربع
وسبعين وثمانمائة، وتفقه على الشيخ المكناسي المغربي المالكي، ثم ولي القضاء من
قبل السلطان الأشرف قايتباي تاسع عشري شوال سنة سبع وتسعين وثمانمائة، وهو ابن نيف
وعشرين سنة، ثم انكفت عن المناصب في الدولة العثمانية، ولزم بيته آخراً في رفاهية
وطيب عيش، والمسلمون سالمون من يده ولسانه، ولم يكن يخرج من بيته إلا لصلاة الجمعة
والعيدين، وربما شهد بعض الجنائز وكانت وفاته نهار الأربعاء ثاني شوال سنة إحدى
وخمسين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن علي الفلوجيمحمد بن علي الإمام العلامة شمس الدين
بن الفلوجي، ثم الدمشقي الشافعي الواعظ المقرىء، أخو الشيخ أحمد الفلوجي، الآتي في
الطبقة الثالثة، وأسن منه إلا أنه توفي شاباً، أخذ عن الشيخ الوالد الإرشاد،
واللمحة البدرية له في النحو وغير ذلك، وعلى الشيخ تقي الدين القاري، وعن الشيخ
سعد الذهبي وغيرهم، ومكث بالقاهرة سنين في الاشتغال، ثم قدم دمشق يوم السبت ثاني
عشري رمضان سنة تسع وثلاثين وتسعمائة، ثم شرع يعظ تحت قبة النسر بالأموي عقب صلاة
الجمعة، وابتدأ يوم عيد الفطر، وتكلم على أول الأعراف، وكان يجلس على جلد كعادة
الوعاظ المصريين، وكان يحض على الواقعة في وعظه. قال
والد شيخنا: كان شابا ذكياً واعظاً يفتي ويدرس في الشامية البرانية، وأم بمقصورة
الأموي شريكاً للشيخ شهاب الدين الطيبي، وكان عارفاً بالقراءات فقيهاً حسناً كتابه
الإرشاد، كان يثلب أرباب الدولة على ظلمهم سرعة خوفه منهم، واشتهر بين العوام
بالوعظ والإفتاء وأقبلوا عليه، وذكر ابن الحنبلي في تاريخه، أنه دخل حلب في سنة
اثنتين وأربعين وتسعمائة جرت له بها محنة، وذلك أنه أشيع عنه بحلب أنه يكفر ابن
العربي ومن يعتقده، وغالب الدولة والحكام يعتقدونه، فوصل ذلك إلى جماعة من
أربابها، فشكوا عليه عند القاضي، وسعوا في قتله فاختفى من حلب، ثم ظهر في مدينة
أبيه، وتراءى على عيسى باشا فعرفه الأكابر، فكتبوا له محضراً بعدم التعرض له، لما
علموا من حاله أنه حكى كلام المكفرين من غير اعتقاد تكفيره، ثم عاد إلى حلب، ثم
رجع إلى دمشق، وتوفي ليلة السبت سادس عشر رمضان سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة، وصلي
عليه بالجامع الأموي، ودفن بمقبرة باب الصغير وكانت له جنازة عظيمة، وتأسف الناس عليه
رحمه الله تعالى رحمة واسعة آمين.
محمد بن علي الجعبري الحلبيمحمد بن علي بن يوسف الجعبري،
ثم الحلبي المولد والدار، المتعبد على مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى القصاب
بمدينة حلب، المعروف بابن الهويدي، كان شيخاً معمراً، كثير التلاوة باللفظ الواضح
الجلي، حتى في حال سيره في الطريق، غزير البكاء عند تلاوة القرآن، إذا مر بآية
رحمة، أو آية عذاب منفرداً عن أبناء حرفته بهذا الشأن، وكان كثير الثناء على الشيخ
عبد القادر الأبار، وعلى ما حضره من مواعظه مستحضراً لبعض ما سمعه منه، وكان يحكى
عن جده كمال الدين يوسف. أنه كان مع صلاحه قاضياً حنفياً بمدينة جعبر، ثم انتقل
إلى مدينة الباب بسبب منام رأى فيه أن الله تعالى تجلى على مدينة جعبر، فلما أخذ
في الرحيل عنها قيل له: في ذلك فقال: إنها عن قريب ستخرب لما يشير إليه قوله
تعالى: " فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا " سورة الأعراف: الآية 143، فخربت
بعد رحيله بقليل، توفي حفيده المذكور في رجب مبطوناً سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة
رحمه الله تعالى رحمة واسعة آمين.
محمد بن علي بن علوان الحموي
محمد بن علي بن عطية، الشيخ الإمام العالم العلامة،
الأوحد المدقق المحقق الفهامة، شيخ المسلمين، وعلم العارفين، شمس الدين ابن الشيخ
الإمام، شيخ الإسلام، العارف بالله تعالى سيدي الشيخ علوان الحموي الشافعي الصوفي الواعظ
أخذ العلوم الظاهرة، والباطنة عن أبيه وعن كثير من الواردين إليه، ولقنه والده
الذكر وألبسه الخرقة، وكان قد ابتلي في صغره بسوء الفهم، والحفظ، حتى ناهز
الاحتلام، وفهمه في الأدبار، فبينما هو في ليلة من الليالي عند السحر إذا هو
بوالده سيدي الشيخ علوان - رضي الله تعالى عنه - وقد
أخذت والده حالة، فأخذ في إنشاد شيء من كلام القوم، فلما سري عنه خرج من بيته وأخذ
في الوضوء في إناء واسع من نحاس، فلما فرغ والده من وضوئه أخذ الشيخ شمس الدين ماء
وضوء والده وشربه، فوجد بركته وتيسر عليه الفهم، والحفظ من يومئذ، ولم يتوقف عليه
بعد ذلك شيء من المطالب القلبية كما ذكر ذلك صاحب الترجمة في رسالته التي ألفها في
علم الحقيقة، وكملها في سنة ثلاث وأربعين وتسعمائة وسماها تحفة الحبيب، وكان يعظ
بحماة بعد أبيه، ويدرس في العلوم الشرعية والعقلية، وتشتكى إليه الخواطر ويجيب
عنها، وكان في وعظه آية، وفي الفصاحة والبلاغة غاية، ولما رجع شيخ الإسلام الوالد
من الروم في سنة سبع وثلاثين، فمر بحماة بعث الشيخ شمس الدين جماعته إلى لقاء
الشيخ الوالد وأنزله عنده، وأضافه ثلاثة أيام كما ذكر الوالد رضي الله تعالى عنه في
المطالع البحرية وأثنى فيها على صاحب الترجمة ثناءً بالغاً. وقال: لم يزل يقطع
الليل ساهراً، ويهش للجميل مبادراً، ويجمع إلى شرف الجلال جلال الشرف، ويقيم سرفه
في الخير الحجة على من قال: لا خير في السرف، ويعمر بالحسنى سواءه، ويتبع في
القربات آباءه، بانياً كما بنوا، وبادئاً من حيث انتهوا، فهو حبر الأكارم، وبحر
المكارم، وتاج المفاخر وحجة المفاخر، ودليل كم ترك الأول للآخر انتهى.
ثم انتسجت بينه وبين الوالد المحبة وتأكدت الصداقة
والصحبة، وكان كل منهما يكاتب الآخر ويراسله، ويتحرى الإطناب في مدح الآخر
ويحاوله، وقد أثبت من ذلك نبذة صالحة في كتابي المسمى بلغة الواجد، في ترجمة
الإمام الوالد، وذكر ابن الحنبلي في تاريخه، أنه صحب صاحب الترجمة، وأخذ عنه وأنه
قدم حلب مرتين نزل في الأولى بالمدرسة الأشرفية، وعمل فيها ميعاداً جليلاً على
كرسي نصب له بإيوانها، فأتى فيه من سحر البلاغة والبراعة، في عين تلك العبارة،
بالعجب العجاب، في مقام كان مقام أطناب، وكان ممن حضر هذا الميعاد الشهاب
الأنطاكي، والشمس السفيري وابن الخناجر وآخرون من سوى العوام، ثم قدم في المرة
الثانية في أوائل سنة أربع وخمسين، فأخذ في أربعين مجلساً بالجامع الكبير على قوله
تعالى: " الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب " سورة الشورى:
الآية 13، وأشار إلى أنه اقتصر على هذا العدد لموافقته عدد حروف حلب بحساب الجمل،
وذكر ابن طولون في تاريخه، أن الشيخ شمس الدين حج هو وأخوه أبو الوفاء في سنة ثمان
وثلاثين، فمر بدمشق ولما عاد في سنة تسع وثلاثين إلى دمشق عمل مجلساً يوم الجمة
تاسع عشر صفر بجامع مسجد القصب، خارج دمشق في قوله تعالى: " ولله على الناس
حج البيت " سورة آل عمران: الآية 97، بسؤال بعض الحاضرين، وحضره أفاضل دمشق،
ومنهم القاضي زين الدين معروف البلاطنسي، ثم هرعت أعيان البلد للسلام عليهما حتى
قاضي قضاة دمشق، ثم سافر من دمشق بعد خمسة عشرة يوماً من وصولهما لدمشق، ثم قال
ابن الحنبلي: بعد أن ما من الله تعالى به على صاحب الترجمة من سرعة الإنشاء بحيث
لو أخذ في وضوء صلاة الجمعة وطلب منه على البديهة أن يخطب لعمل في سره خطبة عجيبة
غريبة، وخطب بها ولم يتوقف على رسمها ورقمها مآلا. قال: وكان دمث الأخلاق، جمالي
المشرب، عنده طرف جذب. ثم قال: وبالجملة فقد كان من أخيار الأخيار، وآثاره من
بدائع الآثار، ولله دره فيما أنشد فيه من شعره بالسماع منه الشهابي أحمد الشهير
بابن المنلا الشافعي حيث قال:
تنفس قلب الصب في كل ساعة ... لا كؤسهم فاء الزمان أدارها
إلى الله أشكو أن كل قبيلة ... من الناس قد أفنى الحمام
خيارها
قلت: وهذا
من رواية الأكابر عن الأصاغر، والشيوخ عن التلامذة فإن ابن المنلا المذكور كان أحد
تلاميذ ابن الحنبلي، وتأخرت وفاته عن رأس القرن الحادي عشر، قتله فلاحوه بقرية له
بحلب، كان يتردد إليها، وكانت وفاة الشيخ محمد صاحب الترجمة بمدينة حماة في أوائل
رمضان سنه أربع وخمسين وتسعمائة، وورد الخبر بموته إلى دمشق يوم الجمعة ثالث عشر
رمضان المذكور، وصلي عليه غائبة بعد صلاة الجمعة رحمه الله تعالى.
محمد بن علي الأنصاريمحمد بن علي، بن يوسف، بن المولى شمس
الدين الأنصاري، المولى العلامة محيي الدين الحنفي، أحد موالي الروم، وتقدم ذكر
أخيه واسمه في الطبقة الأولى، قرأ على والده في شبابه، وبعد وفاته على المولى خطيب
زاده، ثم على المولى أفضل الدين، ثم درس بمدرسة علي باشا بالقسطنطينية، ثم ترقى
حتى صار مفتياً أعظم واشتغل بإقراء التفسير، والتصنيف فيه، ولم يكمل وألف عدة
رسائل وحواشي على شرح المفتاح للسيد وغير ذلك، وكان آية في الفتوى ماهراً فيها،
وله احتياط في المعاملة مع الناس وكان متحرزاً عن حقوق العباد، محباً للفقراء
والصلحاء، لا يخاف في الله لومة لائم توفي رضي الله تعالى عنه في سنة أربع وخمسين وتسعمائة،
ودفن بجوار أبي أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه.
محمد بن علي الجماليمحمد بن علي، المولى الفاضل، محيي
الدين بن المولى علاء الدين الجمالي، الحنفي أحد موالي الروم، قرأ على جده لأمه
حسام الدين زاده، ثم على والده، ثم على المولى سويد زاده، ثم درس بمدرسة الوزير
مراد باشا بالقسطنطينية، ثم بإحدى الثماني، ثم تقاعد وعين له في كل يوم مائة درهم،
وكان مشتغلاً بنفسه، حسن السمت والسيرة، محباً للمشايخ والصلحاء، له معرفة تامة
بالفقه، والأصول توفي في سنة ست أو سبع وخمسين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن علي بن طولون
محمد بن علي، بن محمد الشيخ الإمام العلامة المسند المفنن
الفهامة، شمس الدين أبو عبد الله، ابن الشيخ علاء الدين، ابن الخواجه شمس الدين
الشهير بابن طولون، الدمشقي الصالحي الحنفي، المحدث النحوي، مولده بصالحية دمشق في
ربيع الأول سنة ثمانين وثمانمائه تقريباً، وسمع وقرأ على جماعة منهم القاضي ناصر
الدين أبو البقاء زريق، والخطيب سراج الدين الصيرفي، والجمال يوسف بن عبد الهادي
عرف بابن المبرد، والشيخ أبو الفتح السكندري، المزي، وابن النعيمي في آخرين، وتفقه
بعمه الجمال بن طولون وغيره، وأخذ عن السيوطي إجازة مكاتبة في جماعة من المصريين وآخرين،
من أهل الحجاز وكان ماهراً في النحو علامة في الفقه، مشهوراً بالحديث، وولي تدريس
الحنفية بمدرسة شيخ الإسلام أبي عمر وإمامة السليمية بالصالحية، وقصده الطلبة في
النحو، ورغب الناس في السماع منه، وكانت أوقاته معمرة بالتدريس والإفادة والتأليف،
كتب بخطه كثيراً من الكتب، وعلق ستين جزءاً وسماها بالتعليقات، كل جزء منها مشتمل
على مؤلفات كثيرة، أكثرها من جمعه وبعضها لغيره، ومنها كثير من تأليفات شيخه
السيوطي، وكانت أوقاته معمورة كلها بالعلم، والعبادة، وله مشاركة في سائر العلوم،
حتى في التعبير والطب، وحدثني الشيخ المسلك أحمد ابن الشيخ العارف بالله تعالى
سليمان الشلاح الصوفي قال: كنت عند والدي فدخل عليه الشيخ شمس الدين بن طولون زائراً،
فلما جلس تقدم رجل من الفقراء، فقص على الوالد أنه رأى في منامه النبي صلى الله
عليه وسلم وأنه أسود اللون فقال الشيخ سليمان: هنا مولانا الشيخ شمس الدين يعبر لك
هذه الرؤيا، فقال الشيخ شمس الدين: هذه الرؤيا تدل على أن الرائي مبتدع مخالف لسنة
النبي صلى الله عليه وسلم، لأن السواد غير صفة النبي صلى الله عليه وسلم، والرؤيا
تمل على حال الرائي، فالظاهر أنه على غير السنة، فاستعاذ الرجل من ذلك وقال: ليس
في عقيدتي شيء من ذلك فقال له الشيخ: لا بد لك أنك مخالف للسنة في شيء، فلا بد أن
تتوب منه فقال: ما أعرف من نفسي شيئاً من ذلك إلا أنه ربما تشاغلت عن الصلاة فقال:
هو ذلك فإن الصلاة عمود الدين وأي مخالفة للسنة أعظم من ترك الصلاة، فاستعبر الرجل
وأخذ عليه الشيخ العهد على التوبة، وقد أخذ عن الشيخ شمس الدين بن طولون جماعة من
الأعيان، وبرعوا في حال حياته كالشيخ شهاب الدين الطيبي شيخ الوعاظ، والمحدثين،
والشيخ علاء الدين بن عماد الدين، والشيخ نجم الدين البهنسي، خطيب دمشق، وممن أخذ
عنه آخراً شيخ الإسلام الشيخ إسماعيل النابلسي، مفتي الشافعية، وشيخنا الشيخ
العلامة زين الدين ابن سلطان مفتي الحنفية، وشيخ الإسلام شمس الدين العيثاوي، مفتي
الشافعية الآن، فسح الله تعالى في مدته، وشيخ الإسلام شهاب الدين الوفائي مفتي
الحنابلة، الآن نفع الله تعالى به وقريبه القاضي أكمل بن مفلح وغيرهم، وكان الشيخ
شمس الدين - رحمه
الله تعالى - ربما نظم الشعر، وليس شعره بذاك على قلته، ومن جيده قوله ملمحاً
بالحديث المسلسل بالأولية:
إرحم محبك يا رشا ... ترحم من الله العلي
فحديث دمعي من جفا ... ك مسلسل بالأولي
ورأيت بخط بعض الفضلاء أن من شعره رحمه الله تعالى:
ميلوا عن الدنيا ولذاتها ... فإنها ليست بمحموده
واتبعوا الحق كما ينبغي ... فإنها الأنفاس معدوده
فأطيب المأكول من نحلة ... وأفخر الملبوس من دوده
توفي - رحمه
الله تعالى - يوم الأحد حادي عشر أو ثاني عشر جمادى الأولى سنة ثلاث وخمسين
وتسعمائة، ودفن بتربتهم، عند عمه القاضي جمال الدين، بالسفح قبلي الكهف
الخوارزمية، ولم يعقب أحداً ، ولم يكن له زوجة حين مات.
محمد بن محمد بن عوض
محمد بن محمد ابن الشيخ شرف الدين أبي المكارم، حمزة بن
عوض، الواعظ المشهور بالديار الرومية، بمنلا عرب الأنطاكي الحنفي، ولقبه ابن طولون
زين العرب، كان جده مما وراء النهر من تلاميذ الفاضل التفتازاني، ثم رحل فاستوطن أنطاكية،
وبها ولد محمد هذا، وحفظ القرآن في صغره، ثم حفظ الكنز والشاطبية، وغيرهما وتفقه
على أبيه وعميه الشيخ حسن والشيخ أحمد فكانا فاضلين، وقرأ عليهما الأصول
والقراءات، والعربية، ثم سار إلى حصن كيفا، وآمد، ثم نزل إلى تبريز وأخذ عن
علمائها واشتغل هناك سنين، وممن أخذ عنهم بتبريز مولانا مزيد، ثم رجع إلى أنطاكية،
وحلب وأقام مدة ووعظ ودرس وأفتى، ثم رحل إلى مكة فحج ثم إلى مصر فأخذ عن الجلال
السيوطي وغيره ووعظ بها وأفتى وحصل له قبول تام حتى طلبه قايتباي الملك الأشرف،
فدخل عليه ووعظه وألف له كتاباً في الفقه سماه " النهاية " فأحسن جائزته
وأكرمه غاية الإكرام، وبقي عنده إلى أن توفي سنة ثلاث وتسعمائة، ثم سافر إلى
الروم، ودخل بروسا فأحبه أهلها فأقام عندهم، واشتغل بالوعظ والنهي عن المنكرات، ثم
ذهب إلى القسطنطينية فأحبه أهلها، وسمع السلطان أبو يزيد خان وعظه، فمال إليه كل
الميل وألف له كتاباً سماه تهذيب الشمائل في السيرة النبوية، وكتاباً آخر في التصوف
وخرج معه إلى السفر، وحضر فتح قلعة متون، وكان ثاني الداخلين إليها أو ثالثهم، ثم
رجع إلى القسطنطينية، وبقي بها يأمر بالمعروف، وينهي عن المنكر، لا يخاف في الله
لومة لائم وكان ينكر على الملاحدة والرافضة، ثم رجع ومعه أهله إلى حلب، فأكرمه ملك
الأمراء خير بك جداً، وقرأ عليه والتزم بجميع مصالحه، فمكث ثماني سنين مشتغلاً
بالتفسير، والحديث، والوعظ والرد على الملاحدة، والرافضة سيما على طائفة أردبيل،
وكانت تلك الطائفة يبغضونه، بحث يلعنونه مع الصحابة في الجامع. قال ابن الحنبلي:
واتفق له أن حضر في مجلس وعظه شيعي متسلح من أتباع الإيجي، بعثه شاه إسماعيل إلى
الغوري، صاحب مصر، فتوجه إليه وعاد من عنده إلى حلب، فهم بإشهار سيفه فقتله:
الحلبيون وحرقوه فتغير الايجي من ذلك، وكاتب الغوري في ذلك، فاضطرب له فإذا محضر
خير بك كافل حلب يتضمن إخماد الفتنة، وتسكين غضب الغوري، على الشيخ، ثم بد للغوري
فكتب أمراً بخروجه من حلب فاجتمع به خير بك خفية فأخبر به خير بك خفية، فأخبره بما
وردت به المكاتبة وأمره بالمهاجرة خفية، فهاجر إلى البلاد الرومية، ثم انتهى.
وذكر صاحب الشقائق أنه لما دخل الروم في هذه المقدمة، كان
في زمن السلطان سليم، فاجتمع به وحرضه على قتال عساكر في الرافض قزلباش، وألف له
كتاباً في الغزو وفضائله، نفيساً جداً، وذهب معه إلى حربهم، وكان يعظ الجند في
الطريق، ويحرضهم على الجهاد خصوصاً لتلك الطائفة والسلطان يكرمه، ويحسن إليه فلما
التقى الجمعان، وحمي الوطيس أمره السلطان بالدعاء، وهو يؤمن، فانهزم العدو وفتحت
تبريز حينئذ، ثم سار الشيخ إلى ولاية روم إيلي، فوعظ أهلها، ونهاهم عن المعاصي،
وأمرهم بالفرائض، فانصلح به كثير من الناس، وبنى جامعاً في مدينة سراي ومسجداً آخر
في أسكوب، وأقام هناك عشر سنين، وأسلم على يديه كثير من الكفار، وغزا مع السلطان
سليم أيضاً، أنكروس في سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة، ودعا له حال القتال، فجاء
الفتح، ثم انتقل إلى بروسا، وسكن بها وشرع في بناء جامع كبير فتوفي بها قبل
إتمامه، وعمر وولد له قريب من مائة نفس، وألف كتباً ورسائل غير ما تقدم وخصوصاً في
الكيمياء، ووصل إليها وكان له احتياط في مأكله ومشربه، ونفقته، وكان يختار لذلك ما
يفتح به عليه من التجارة، لأنها من أطيب ما أكل الرجل منه، كما في الحديث وكان
يحفظ أحاديث كثيرة، وله قدرة على التفسير من غير مطالعة، وكان دأبه في يوم الجمعة
أن يتكلم على ما يقرأه الخطيب في الصلاة بخطبة بليغة، ووجوه مختلفة، وعلوم جمة،
قال ابن الحنبلي: وكان له قوة حافظة لا نظير لها بحيث حكى لنا شيخنا الشهاب
الأنطاكي أنه سأله عن حالته في الحفظ، فذكر له أنه إذا مر على الكراسة التي تكون
في خمسة وعشرين سطراً مرة واحدة فإنه يحفظها، ويفهم مضمونها قال: وكان محدثاً
مفسراً جامعاً لفضائل شتى، سالكاً طريق السنة في إرخاء العذبة، وكانت عذبته طولى،
يرخيها وراء ظهره قال: ومما بلغني أن جده الشيخ حمزة كان يقرأ الكشاف في حلب، وكان
إذا أجري ذكر مؤلفه قال رحمه الله: إن كان مستحقاً للرحمة انتهى.
وفي نفس الأمر كان صاحب الترجمة آية من آيات الله،
وأعجوبة من عجائب الدهر.
أمات بدعاً كثيرة، وأحي سنناً كثيرة، وانتفع به خلائق
كثيرة، وكانت وفاته في رابع المحرم سنة ثمان وثلاثين وتسعمائة ببروسا، وصلي عليه
غائبة بدمشق يوم الجمعة حادي عشر رمضان منها رحمه الله تعالى.
محمد بن عمر السفيريمحمد بن عمر، بن أحمد الشيخ العلامة
شمس الدين، ابن الشيخ زين الدين، ابن ولي الله الشيخ شهاب الدين السفيري الحلبي
الشافعي، ولد بحلب في سنة سبع وسبعين وثمانمائة، ولازم العلاء الموصلي، والبحر
السيوفي، في فنون شتى، وقرأ على الكمال ابن أبي شريف في حاشيته على شرح العقائد
النسفية ورسالة العذبة له، وقدم مع أخيه الشيخ إبراهيم بن أبي شريف إلى دمشق فأجاز
له ولبعض الدمشقيين، ثم إلى حلب فقرأ عليه بها رسالة مختصر الرسالة القشيرية له، وقرأ
على البازلي تصديقات القطب وعلى أبي الفضل الدمشقي في شرحه على النزهة في الحساب
وعلى الشيخ محمد الداديخي في شرح الشاطبية لابن القاصح، وفي غيره، ودرس بالجامع
الكبير بحلب، والعصرونية والسفاحية وجامع تغري بردي ، وسافر إلى القاهرة سنة سبع
وعشرين وتسعمائة، واجتمع بها بشيخ الإسلام زكريا الأنصاري، وحضر الصلاة عليه لما
مات في تلك السنة، واجتمع بآخرين منهم الشيخ نور الدين البحيري، وصحب في صغره
الشيخ عبد القادر الدشطوطي، حين قدم حلب، وفي كبره الشيخ شهاب الدين أنطاكي، إلى
أن توفي سنة ست وخمسين وتسعمائة رحمه الله تعالى.
محمد بن عمر المذوخيمحمد بن عمر، الشيخ الفاضل شمس الدين
المذوخي البقاعي الشافعي من قرية مذوخا بالمعجمتين، والميم مضمومة من عمل البقاع،
من نواحي دمشق، قرأ القران العظيم على الشيخ إبراهيم العيثاوي عم شيخنا، وعلى
الشيخ عبد العظيم، وعلى الشيخ شمس الدين القدسي المقريء، ابن الشيخ أحمد القدسي،
وحفظ القرآن، واشتغل في العلم وحصل وكره الأكل من الأوقاف، فرجع إلى بلدته
المذكورة وتعاطى الزراعة، فأثرى وتمول ورحل إلى مصر، فاشتغل بها مدة يسيرة، ثم رجع
إلى بلده قام بها، وخطب وصار يدعو أهلها إلى الطاعة، إلى أن توفي ليلة الجمعة خامس
المحرم سنة سبع - بتقديم
السين - وخمسين وتسعمائة، ودفن ببلده رحمه الله تعالى.
محمد بن عمر بن سوار العاتكي
محمد بن عمر بن سوار الدمشقي العاتكي، الشافعي العبد
الصالح الورع، والد الشيخ عبد القادر بن سوار شيخ المحيا، بدمشق أخذ الطريق عن
الشيخ عبد الهادي الصفوري، وكان من جماعته، وكان صواماً قواماً ينسج القطن، ويأكل
من كسب يمينه، وما فضل من كسبه تصدق به وتعاهد الأرامل واليتامى، وأخبرت عنه أنه كان
إذا انقطع معه طاق وفركه، ووصله علم عليه بتراب ونحوه فيقال له: لم تفعل ذلك.
فيقول: حتى يعلم المشتري أنه طاق موصول، فلا ينغش. وأخبرني بعض جماعته قال: ربما
سقى الشاش العشرة أذرع بكرة النهار ونسجه يفرغ من نسجه وقت الغداء، من ذلك اليوم
فيمد له في الزمان، وحدثني ولده الشيخ عبد القادر أنه مر يوماً على صورة جميلة
فنظر إليها ووقعت من قلبه، وكان يميل إلى النظر، فلما دخل عليه والده كاشفه بذلك
وعاتبه على النظر، ووعظه فزال من قلبه في الحال، ورجع عن النظر ببركة والده،
وأخبرني أن والده توفي في سنة أربع وستين وتسعمائة عن نحو سبعين سنة رحمه الله
تعالى.
محمد بن قاسم المالكيمحمد بن قاسم الشيخ الإمام شيخ
الإسلام جلال الدين ابن قاسم المالكي قال الشعراوي: كان كثير المراقبة لله تعالى
في أحواله، وكانت أوقاته كلها معمورة بذكر الله تعالى، شرح المختصر والرسالة،
وانتفع به خلائق لا يحصون، ولاه السلطان الغوري القضاء مكرهاً، وكان أكثر أيامه
صائماً، وكان حافظاً للسانه في حق أقرانه، لا يسمع أحداً يذكرهم إلا يجلهم، وكان
حسن الاعتقاد في الصوفية رحمه الله تعالى.
محمد بن قاسم الروميمحمد بن قاسم، المولى العلامة، محيي
الدين بن الخطيب، قاسم الرومي الحنفي، أحد موالي الروم، ولد بأماسية، وقرأ على
المولى المعروف بأخوين ثم على المولى سنان باشا، ثم صار مدرساً بأماسية، ثم ترقى
إلى إحدى الثماني، ثم أعطي تدرس مدرسة السلطان أبي يزيد خان بأماسية، ثم
السليمانية بجوار أيا صوفية، وهو أول مدرس بها، ثم أعيد إلى إحدى الثماني، ومات
وهو مدرسها بثمانين عثماني، وكان عالماً صالحاً محباً للصوفية: مشتغلاً بنفسه،
قانعاً مقبلاً على العلم، والعبادة، وله مهارة في القراءات والتفسير واطلاع على
العلوم الغريبة، كالأوفاق والجفر والموسيقي، مع المشاركة في كثير من العلوم وكان
له يد في الوعظ، والتذكير، صنف كتاب روضة الأخيار في علوم المحاضرات وحواشي على
شرح الفرائض، للسيد وحواشي على أوائل شرح الوقاية لصدر الشريعة ومات في سنة أربعين
وتسعمائة وصلي عليه وعلى ابن كمال باشا غائبة في جامع دمشق يوم الجمعة ثاني ذي
القعدة من السنة المذكورة.
محمد بن فتيان المقدسيمحمد بن فتيان، الشيخ الإمام
العلامة، الواعظ المذكور أبو الفتح ابن فتيان المقدسي الشافعي، كان إماماً بالصخرة
بالمسجد الأقصى أربعين سنة وتوفي رحمه الله في ربيع الآخر سنة خمس وستين وتسعمائة.
محمد بن محمود الطنيخيمحمد بن محمود الشيخ العالم المجمع
على جلالته شهاب الدين الطنيخي، المصري الشافعي، إمام جامع الكبير كان كريم النفس،
حافظاً للسانه، مقبلاً على شأنه. زاهداً،
خاشعاً، سريع الدمعة، عند ذكر الصالحين، ولم يزاحم قط على شيء من وظائف الدنيا،
أخذ عن الشيخ ناصر الدين اللقاني، والشيخ شهاب الدين الرملي، والشيخ شمس الدين
البلاطنسي، وأجازوه بالإفتاء والتدريس فدرس، وأفتى وانتفع به خلائق، وكان والده
الشيخ محمود عبداً صالحاً، من أهل القرآن والخير، ذكر ذلك كله الشيخ عبد الوهاب
الشعراوي، وقرأت بخط شيخ الإسلام الوالد، أن صاحب الترجمة حضر بعض دروسه، وسمع
عليه بعض شرح المتقدم، على الكافية، قال: وهو رجل فاضل مستحضر لمسائل الفقه،
وخلافها وكان ذلك في سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة، ويؤخذ من طبقاته أنه كان موجوداً
في سنة إحدى وستين وتسعمائة.
محمد بن محمود المغلوي
http://www.islamicbook.ws/tarekh/alkwakb-alsaert-003.html